العزب الطيب الطاهر الاثنين الماضى،كان يوما استثنائيا بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية التى لا تهدأ حركتها على مدار الأسبوع، فقد احتضنت احتفالية لتكريم «الرباعى التونسى الراعى للحوار الوطنى، الحاصل على جائزة نوبل للعام 2015 « وهى المرة الأولى التى توجه لممثليه دعوة للتكريم بالمنطقة العربية، بينما تدفقت منذ حصولهم على الجائزة الدولية رفيعة المستوى الدعوات بالتكريم،من قبل رؤساء وملوك ورؤساء حكومات دول عديدة من خارج المنطقة، وإن كانوا قد تلقوا دعوة واحدة من قطر والتى لم يبلوها دون أن يكشفوا عن الأسباب.
ويضم الرباعى التونسى كلا من حسين العباسى الأمين العام للاتحاد التونسى للشغل، ووداد بوشماوى رئيس الاتحاد التونسى للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والعميد عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والعميد محمد الفاضل محفوظ عميد الهيئة الوطنية للمحامين، وجاء تكريمهم فى مستهل احتفالية ضخمة نظمتها الجامعة العربية لإطلاق العقد العربى لمنظمات المجتمع المدنى بحضور الدكتور نبيل العربى الأمين العام للجامعة ونائبه السفير أحمد بن حلى والسفيرة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد لشئون الإعلام والاتصال وكبار مسئولى الجامعة والمندوبين الدائمين وممثلى منظمات المجتمع المدنى بالدول العربية، وقد وحرص الدكتور العربي على توجيه التحية ل»رباعى نوبل التونسى» معتبرا أن جهوده أسهمت فى إنقاذ تونس الشقيقة من الانغماس فى الصراعات، وإثبات قدرة الشعب التونسي على الحوار الوطني والانتقال السلمي والحضاري للسلطة، وكذلك إثبات قدرة الشركاء السياسيين على التشارك فى الحكم، كتمثيل شرعي لجميع أطياف الشعب بغض النظر عن الانتماءات الطائفية أو الخلفيات السياسية، وذلك ليثبت دور منظمات المجتمع المدني فى تطبيق الديمقراطية فى تونس. وفى حوارات خاصة ل»الأهرام العربى» على هامش تكريمهم تحدث أعضاء الرباعى التونسى، مؤكدين أن التجربة التونسية - نحو تحقيق الانتقال السلمي للسلطة ودعم الحقوق والحريات ومسار الديمقراطية - لها خصوصيتها وغير قابلة للتصدير . وسألت «الأهرام العربى» حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، عن تقييمه للأوضاع الراهنة فى تونس، فأوضح أنه على الرغم مما أنجز من نجاحات على الصعيد السياسى متجليا بشكل خاص فى تحقيق الانتقال السلمى للسلطة، وفق محددات العملية الديمقراطية، فإن ثمة ما يهدد التجربة التونسية، مشيرا فى ذلك السياق إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التى ما زالت قائمة وفى مقدمتها تحدى الإرهاب فتونس ليست بمنأى عن مخاطره والتى شهدت نموا خلال العام الفائت، مما أدى إلى التأثير على القطاع السياحى الذى يمثل واحدا من أهم موارد الدخل القومى وبالتالى – كما يقول – فإنه لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسى والاجتماعى من دون الاستقرار الأمنى، والذى تتكثف جميع الجهود الوطنية باتجاهه. ويؤكد العباسى أن التصدى لهذه التحديات لن يكون ممكنا إلا عبر المثابرة على الحوار وعلى المزيد منه، فهو مفتاح النجاح وصمام الأمان،مبديا ثقته بأن الانتقال الديمقراطى ليست عملية آنية لكنها مسار طويل ومتشعب، وتستوجب عملا دؤوبا سواء بالنسبة للنخب السياسية معارضة أم فى الحكم أم للناشط الحقوقى أم المدنى أم للمواطن العادى، وهو يرى أن ما تحقق حتى الآن من نجاحات فى تونس لايكفى وحده، ولا يمثل نهاية الطريق بل هو بداية المسار الانتقالى، والذى يظل نجاحه رهينا باستكمال ما تبقى من استحقاقات، تتعلق بتوفير فرص العمل والعدالة الاجتماعية والنهوض الاقتصادى والاستقرار الأمنى،وجميعها – كما يؤكد – لم تسجل حتى الآن تقدما كبيرا، محذرا من تأخيرها الذى سيؤدى -إن استمر بالوتيرة الراهنة - إلى إعاقة التقدم نحو استكمال الاستحقاق السياسى، وتثبيت ما أنجز فالديمقراطية لا تنمو ولاتترعرع إلا فى ظل الرخاء والاستقرار والأمن. وسألت العميد عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عن دور الرباعى الراعى للحوار الوطنى فى التعاطى مع المشكلات السياسية الراهنة فى البلاد، فعلق بقوله: لقد تجاوزنا مرحلة الانخراط المباشر فى العملية السياسية الراهنة فى البلاد، فنحن لا نريد أن نكون أوصياء على أطراف هذه العملية، فنحن نراهن على مؤسسات الدولة التى تم تشكيلها عقب الانتخابات الرئاسية والتشريعية التى جرت العام الماضى وإن كنا نبدى الرأى دون أن نتدخل فى القرارات التى تصدرها فهذا من شأنها، ونركز على تشجيع الحوار والمشاركة السياسية لجميع القوى ونعمل على إصلاح المنظومات التربوية والاقتصادية والأمنية والقضائية، لأنه من دونها لايمكن للديمقراطية أن تتعزز وتقوى فى البلاد. لكن إلى أى مدى تعتقد أن المعضلات الاقتصادية المشتعلة فى تونس يمكن أن تهدد المسار الديمقراطى؟ بالتأكيد،تشكل عاملا مهددا لهذا المسار إن لم يتم معالجتها بصورة صحيحة، خصوصا فى ظل محدودية فرص التشغيل (العمل) ،واللافت للنظر أنها ما زالت بعيدة عن العلاج فى ظل استمرار الاعتصامات والاضطرابات بالشارع التونسى، وهو ما يشير إلى أن أهداف الثورة على الصعيد الاقتصادى والاجتماعى، لم تتحقق حتى الآن على النحو الذى ينسجم مع أشواق التونسيين، وهو مايستوجب إرادة سياسية قوية لتحقيق هذه الأهداف ويضيف إلى ذلك العامل خطر الإرهاب والذى يمكن- لو تركت الجماعات التى تمارسه دون محاربة – أن يأكل الأخضر واليابس مما يهدد الخيار الديمقراطى ولاشك – كما يتابع – أن الفقر مع نقص فرص العمل يمثل بيئة حاضنة لنمو هذه الجماعات، مما يستدعى الإسراع بوضع المخططات الرامية الى إحداث تحولات اقتصادية واجتماعية تتجاوب مع مطالب الشعب التونسى الذى خرج الى الشارع مناديا بضرورة تلبيتها. وسألته عن دور الإسلام السياسى فى تونس، فأوضح بن موسى أن الإسلام السياسى ما زال له دور فى المعادلة السياسية فى البلاد وثمة تباين داخل جبهة النهضة التى تمثل «الإخوان المسلمون» فهناك تيار يقوده راشد الغنوشى الأمين العام للجبهة باتجاه تحويلها الى حزب مدنى مع تغيير اسمها بينما هناك صقور الجبهة الذين يتمسكون بربط الجبهة بالتوجه الإسلامى، لكن من دون نزوع إلى التطرف معربا عن اعتقاده بأنه لم يعد ثمة مستقبلا للتيارات الدينية سواء فى تونس أم فى المنطقة العربية إلا إذا تحولت إلى أحزاب مدنية لتكون جزءا من التركيبة السياسية بمنأى عن الأفكار الجامدة والمتطرفة والتى لاتتفاعل مع مقتضيات العصر. وفى رأى العميد محمد الفاضل محفوظ رئيس الهيئة الوطنية للمحامين أن الأوضاع فى ليبيا تشكل أهم التحديات التى تواجه تونس فى المرحلة الراهنة إلى جانب التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مرجعا ذلك إلى التهديدات الناجمة عن التدخل الأجنبى فيها، والذى يمكن أن ينجم عنه تأثير مباشر على دول الجوار وفى مقدمتها تونس إلى جانب مصر، وذلك بسبب إمكانية تدفق أعداد هائلة من اللاجئين إلى البلاد، والذين على الرغم من الترحيب بهم سيؤثرون سلبا على الوضع الاقتصادى فى تونس، داعيا الجامعة العربية إلى الإسراع إلى إيجاد حلول سياسية للأزمة الليبية يقوم على التوافق الوطنى ويحول دون التدخل الخارجى، وفى الوقت نفسه يرى محفوظ أن تونس ما زالت ترواح مكانها فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يستوجب ضرورة إسراع الحكومة إلى البدء فى تنفيذ سلسلة من المشروعات الكبرى التى من شأنها أن توفر فرص العمل للشباب، مطالبا بعدم الاعتماد فقط على القروض ووصفات صندوق النقد الدولى التى تصاحبها دوما،شروط تؤثر على الوضعية الاجتماعية للبلاد، وإن كان ذلك مطلوبا فى المرحلة الانتقالية، إلا أنه يعد ممكنا فى مرحلة البناء الديمقراطى والنضج السياسى. وسألته عن تصوره للخروج من الأزمة الراهنة؟ فيجيب: لقد بات من الضرورة بمكان تدعيم النظام الديمقراطى سواء فى تونس، أم غيرها من دول الربيع العربى على نحو يسمح بتكريس الحقوق والحريات والدفاع عن القيم الإنسانية ثم تكثيف الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، ويضيف: أن الرباعى التونسى لايتدخل فى المرحلة الراهنة فى الشأن السياسى الداخلى بالمعنى الضيق للكلمة إلا فى حالة الضرورة، لكنه يمارس دور المنبه، ونحن نعتقد أن العملية السياسية، نجحت فى المرحلة الماضية ويبتقى على مؤسسات الدولة أن تقوم بدورها وتتعامل مع خيارات ورؤى الشعب. ولدى سؤاله حول إمكانية استفادة مصر من التجربة التونسية عبر محفوظ عن قناعته بأن لكل دولة عربية خصوصيتها ومصر لديها كفاءاتها وخبراتها ونموذجها الخاص، وبالتالى فإنه لايمكن تطبيق ما جرى فى تونس عليها، فهو تجربة غير قابلة للتصدير خصوصا أنه لايمكن وصفها بالمثالية وإنما هى تنطبق على الواقع التونسى. وأخيرا سألت «الأهرام العربى» السيدة «وداد بوشماوى «رئيس الاتحاد التونسى للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية عن تقييمها لنتائح ثورات الربيع العربى سواء فى بلادها أم غيرها من الدول العربية الأخرى: لقد حققنا فى تونس الأهداف المتصلة بالحرية التى نادى بها الشباب الذى فجر الثورة فى 2011، كما حدث تغيير واضح على صعيد توسيع حرية التعبير وحرية الإعلام، لكن ثمة عنصر لم يتحقق بعد ويتمثل فى التشغيل فى ظل الوضعية الاقتصادية الصعبة، وهو ما نحاول عبر مختلف الأطراف تونس العمل على إيجاد حلول فعالة له، لكن لاشك أن ما تحقق على صعيد التحول السياسى والديمقراطى أسس الطريق الصحيح لبناء مؤسسات الدولة، وتشير فى هذا السياق إلى أن التونسيين فاجأوا العالم أواخر العام 2010 وبداية 2011 بانتفاضتهم من أجل الحرية والكرامة والتشغيل،ثم عادوا ليفاجئوا العالم من جديد حين تمكنوا اعتمادا على التوافق والحوار،من تجاوز أزمة سياسية خانقة عاشتها البلاد فى النصف الثانى من سنة 2013، وقدموا للعالم تجربة فريدة، خصوصا فى ظل ما تميزت به القوى السياسية والأحزاب المختلفة من توافقية، وحرص على المشاركة فى الحوار قناعة منها بضرورة تغليب المصلحة الوطنية، مؤكدة أن التجربة التونسية تمثل دليلا على أن المجتمعات العربية والإسلامية، وعلى عكس ما تحاول بعض الجهات المتطرفة داخليا وخارجيا الترويج له هى ضد العنف والتطرف، وتؤمن بالحوار والوفاق والانفتاح، لكنها تلفت الى أن نجاح عملية الانتقال الديمقراطى بصفة نهائية ستظل رهنا بالفوز فى كسب معركة التحديات الراهنة على المستويين الاقتصادى والاجتماعى، فكل ما حققناه على مستوى الانتقال الديمقراطى – تضيف - يظل بحاجة أكيدة إلى الإسناد، من خلال انتعاشة اقتصادية يستفيد من ثمارها كل التونسيين.