السيد رشاد قبل خمسة أعوام أطلقت مجموعة من كاتبات الإمارات وجنسيات عربية فكرة غير مسبوقة فى عالمنا العربى، وهى «منتدى اقرأ»في دبي، الذى تخصص فقط فى اختيار روايات عربية متميزة وعقد جلسات لقراءتها نقديا وفكريا، مع مبدعيها من مختلف أرجاء العالم العربى من قبل مؤسسات وعضوات المنتدى،ومنهن:سلوى القدومي، ورولا البليسي ومها شاكر وحفصة حريقة.. وأيضا ضيوفه من كبار الكتاب والمبدعين .. وكان المنتدى فى بدايته مطلع «2011».. يقتصر على الروايات الفائزة بجوائز كبرى.. لكن سرعان ما انفتح واسعا على روايات أخرى، خصوصا التى تناقش المسكوت عنه، والقضايا الشائكة فى مجتمعاتنا العربية.. مما منحه أهمية خاصة، وجعله واحدا من أهم المنتديات الفكرية النوعية فى عالمنا العربى. حول المنتدى تقول الكاتبة مها شاكر إحدى مؤسساته:تأسس «منتدى اقرأ»منذ عام 2011، واستطعنا أن نقدم للمشهد الإبداعى -النقدى الإماراتى والعربى حصادا متميزا على صعيد الفكر والنقد والتحليل هو نتاج جلسات نحو مائة رواية، وبدأنا في العام الجديد 2016رحلة المائة رواية الأخرى، وهذا العام بالذات سيشهد تطورا أكبر وانفتاحا أكثر على السرد العربى فى مختلف أقطار عالمنا العربى، خصوصا أن هذا العام «2016» يشهد دعوة سمو الشيخ خليفة رئيس الدولة بأن يكون عام «القراءة»فى كل ربوع الإمارات. وتضيف الكاتبة رولا البليسى إحدى مؤسسات المنتدى:كان المنتدى عند انطلاقه يركز على عمل جلسات قراءة ونقد وتحليل أدبى للروايات الفائزة، بأهم الجوائز العربية مثل جائزة البوكر، وجائزة الشيخ زايد، وجائزة نجيب محفوظ، وجائزة الإمارات للرواية، وجائزة كتارا، لكن الأمور تطورت بمضي السنين، ورأينا أن نوسع المجال باختيار روايات أخرى، لأن هناك روايات رائعة لم يقع عليها اختيار الجوائز، بل هناك روايات لم تفز يجوائز أهم بكثير من تلك التى فازت، ونحن نؤمن بأن الروايات الفائزة بالجوائز هي في نهاية المطاف تعبّر عن رأي لجنة مكوّنة من خمسة أو ستة أشخاص فقط. وعن الأسس التى يتم على أساسها اختيارالرواية التي يناقشها المنتدى توضح سلوى القدومي، المشرفة على الحوارات مع الروائيين داخل المنتدى، بأن موضوع الرواية وتقنياتها هي التي تجذبنا إلى قراءتها بلا شك، من منطلق أن الرواية خير ما يعبّر عن جوهر ما يحدث في المجتمعات العربية، لأن الروايات أحياناً، إذا لم يكن غالباً، هى أكثر الأجناس الأدبية قدرة على أن تعبّر عن المسكوت عنه «وهو كثير»فى مجتمعاتنا العربية، بل الدخول فى مناطق شائكة قد لا تستطيع أجناس أدبية أخرى مقاربتها. أما حفصة حريقة عضو المنتدى، فتؤكد أن أهم ما في المنتدى أننا نقوم بقراءة الرواية مع مبدعها، ونتبادل الآراء والأفكار حولها دون أية قيود سوى الضوابط الفنية، ونحرص على تشكيل فكرة نقدية عن الرواية المختارة، تمثل نصا موازيا لإبداع الروائى، وسنعمل على اختيار الروايات الجديدة لهذا العام 2016التى تهتم بإلقاء الضوء على المجتمعات العربية التي تناقشها الروايات، وتجسيد ما يحدث فيها من مشكلات، فيما يشبه جلسات «العصف الأدبى»إن جاز التعبير، للواقع الاجتماعى العربى فى مجمله، بما يسهم فى تشريح ومن ثم فهم أزمات هذا الواقع، خصوصا فى تلك المرحلة الدقيقة التى يمر بها وطننا العربى. أما أحدث رواية تمت قراءتها أخيرا فى المنتدى وهي رواية «جحيم الراهب»للروائي والإعلامي العراقي د. شاكر نوري، الذى يقول:أثمن كثيرا فكرة المنتدى وجديته، وأرجو تكراره فى كل بلادنا العربية، مشيرا إلى أن ما يثير الروائي في هذا المنتدى هو أن القائمات عليه يكن قد قرأن الرواية بعناية، وكون فكرة عنها، وهذا يساعد الروائي على النقاش لأنه لا يمكن النقاش مع قراء لم يقرأوا روايته، ولعل الأهم من ذلك كله هو شغفهن الشديد بالرواية، باعتبارها نافذة على العالم من خلالها يشترك الروائي والقارئ معا في رؤية الموضوع المطروح. ويواصل د. شاكر نورى:أما الرواية فهي الثامنة لى فى إطار مشروعى الروائى الذى حرصت فى رواياتى السبع، إنني أحرص على كتابة الموضوعات التي تخص أوسع شريحة من المجتمع، وهو ما حدث أيضا فى هذه الرواية، والتى تعالج موضوعاً حيوياً، وهو أزمة المسيحيين بالعراق، وهجرة أغلبيتهم إلى خارج العراق، خصوصا بعد تفجير كنيسة «سيدة النجاة»في بغداد قبل عامين.. والرواية تستند إلى أحداث واقعية وتخيلية في آن واحد. وحول الظروف التي أحاطت بكتابة «جحيم الراهب»يقول الروائي شاكر نوري:هناك ظروف شتى أحاطت بكتابة هذه الرواية، منها ما هو شخصي ومنها ما هو موضوعي. في الواقع، للرواية جذور واقعية رواها لي أحد الأصدقاء الرسامين، الذي أهديت إليه الرواية. فهو بطل الرواية الحقيقية وليست المتخيلة. لكن العمل الأدبي يبقى مزيجاً من الاثنين. فالمسيحيون العراقيون مضطهدون، وكنت أتوقع أن هذا الاضطهاد من شأنه أن يمزق المجتمع العراقى بعد أن عانى التمزقات الكثيرة. لأكثر من عشرة أعوام، وأنا أفكر في كتابة هذه الرواية، وتطلب ذلك مني دراسة الدين المسيحي في المشرق، وخصوصياته المتفردة، والطقوس التي يمارسونها في الدير وغير ذلك من حياتهم الداخلية. إن ظروف كتابة هذه الرواية جعلتني أطل على عالم كنت أجهله، لكنني تشبعت به، حتى أصبحت قادراً على كتابة الرواية وتحريرها. وظروف كتابة الرواية جعلتني أطرح الأسئلة الوجودية، بصدد هؤلاء الناس الذين يعيشون على هامش المجتمعات التي تتكون من تجمعات كبيرة تحاول ابتلاعهم، بالرغم من أن هؤلاء الآشوريين أصحاب حضارة عريقة، وللكتابة عنهم يجب أن تتعمق كثيراً في التاريخ. خصوصا أن أزمة الكثير منهم، أنه لا يزال يعيش على أوهام الإمبراطورية الآشورية الزائلة! وعن شخصية «الرسام»الذى استوحى أحداث روايته منه يضيف شاكر:في الواقع أن ما أثار الموضوع في ذهني منذ عام 1991هو ما حدث لصديقي الرسام الذي عشت معه سنوات طويلة في باريس، كنا مغتربين لنحو ثلاثة عقود، وقرر أن يغادر باريس فجأة، ووقع له ما وقع في الرواية، بين العواصم التي وجد فيها نفسه برغم أنفه:باريس، وبغداد، ودمشق، وبيروتوروما، محطته الأخيرة. لكن الحدث الواقعي بالنسبة إلى الروائي من شأنه أن يفجّر عنده المخيلة، والتي من دونها لا توجد رواية.. حيث ظل الرسام يحاور نفسه:هل هو متسكع أم مفكر؟ هل هو راهب متدين أم علماني مدني؟ هل هو مؤمن أم متشكك؟ كل هذه الأسئلة جعلت منه بطلا روائيا بكل معنى الكلمة. هذه هي الفكرة التي أحببتها من أعماقي. وعلى مدى ثلاث ساعات في الطائرة التي تقله من بيروت إلى روما عاش جحيماً لا مثيل له:أيستمر في البحث عن الله، أم عن ذاته هو؟ وكانت هذه بمثابة شرارة سريعة تشعل جذوة الإبداع. وكثير من أحداث الرواية جاء من خلال ما يعيشه المسيحيون في بلاد ما بين النهرين، شخصيات ممزقة تريد أن تجد موطأ قدم لها تحت الشمس الساطعة. في الواقع، الرواية تعتمد على الخيال بالدرجة، وتختزل الزمن الذي يمتد طوال أربعة عشر عاماً في ثلاث ساعات فقط، وهي التقنية التي تسمح للخيال بالتدفق لسرد الأحداث من دون رابط محدد للزمن. وفيما يخص الراهب السارد «إسحاق»الشخصية الرئيسية في الرواية فيقول:تتكون حياة الراهب السارد إسحاق من فقرات حياة متشتتة بين المدن الأربع التي ذكرتها، بحثاً عن حياة نوعية، لا يعيشها بصورة روتينية:فنان، سجين، راهب، حيث يتنقل بين هذه الحالات، ما بين سجن القلعة في دمشق ودير الأيقونات في بيروت، وميناء بيروت، في هذه الأمكنة يُتم صقل ذاته من خلال اصطدامه بالحياة مباشرة ، ومن ثم يعمّق رؤيته عن الذات والآخر. وعن بقية شخصيات «جحيم الراهب»وأحداث الرواية يؤكد الروائي شاكر نوري أنها «شخصيات معذبة، تبحث عن ملجأ روحي لم تجده على الأرض، فراحت تحلم به في السماء». وأنها «تداعيات للشخصية الرئيسية في الرواية، وهو الأب إسحاق الذي يعمل على جمع خيوط حيوات الشخصيات الأخرى، ويربطها بمصائرها، لكن التغيير يحدث عندما يكتشف أن الإنسان يعود إلى الطبيعة لا محالة، مهما قطع من الطرق والمسافات في تفكيره، وهو ما يجسده اللقاء العجيب بين الأب «جوزيف»وزوجته «سيسيل»، بعد فراق دام أكثر من عشرين عاماً، وابنهم «إسكندر»وهجرتهم إلى كندا، وغيرها من الأحداث، التي من شأنها أن تدفع المسيحيين إلى الهروب من واقعهم العراقي القاسى».