هبة عادل - جاءوا إلى مصر فى رحلة علاج.. والحرب على الحوثيين منعتهم من العودة
- عبد ربه: جحيم القصف فى وطنى أرحم من البقاء على الرصيف
- السيدة حميدة: لا أملك ثمن علاجى من السرطان وأتمنى العودة كى أموت بين أبنائى
- الشميرى: السفارة معذورة واليمنيون المقيمون يساندون إخوانهم قدر المستطاع
- نتمنى أن تحتضن مصر الطلاب اليمنيين لاستكمال عامهم الدراسى
صراخ متواصل وعويل لا ينقطع، وهتافات غاضبة أطلقتها حناجر مليئة بالمرارة المخلوطة بقلة الحيلة. وعندما تحادث أصحابها لا يملكون إلا الرد بكلمات غاضبة "مين أكلنا من أشبعنا من سكنا نحن جالسون فى الشوارع.. السفارة تكذب ولم تمد لنا يد العون بحال من الأحوال".. هذا هو المشهد المرير الذى يطالعك عندما تمر أمام السفارة اليمنية بالقاهرة .
مئات اليمنيين من الرجال والنساء افترشوا الأرصفة بعد أن حالت الحرب بينهم وبين ذويهم وأموالهم وتجارتهم فى اليمن "الحزين"، لقد قصدوا مصر للعلاج منذ أكثر من شهرين، وعندما قامت الحرب على الحوثيين فى اليمن، لم يجدوا وسيلة للرجوع، حيث إن تأشيراتهم انتهت، والسفارة تتهرب – على حد قولهم - من مساعدتهم بعد أن نفدت أموالهم، والنتيجة أنهم عالقون. لم يجد معظمهم مكانا للسكن سوى من كانت معه بطاقات، وظل الآخرون بلا مأوى. مرضى لا يمتلكون المال اللازم للعلاج. منهم من هو مريض بالسرطان ومنهم من يجلس على كرسى متحرك، لم يعد لديهم من مطلب سوى العودة إلى وطنهم حتى لو كان الموت فى انتظارهم. يريدون العودة ولو حفاه حتى يستطيعوا رؤية أبنائهم وأخواتهم ولو للمرة الأخيرة.
اليمن السعيد أصبح أهله حزانى تعساء.. الدموع تملأ العيون والقلوب، فالنساء والرجال والأطفال يصرخون "ارحمونا نحن نموت، فالسفارة تكذب علينا ولا تساعدنا كما تشيع، ولا نعلم مصير الأموال التى يجمعونها". فلا سكن ولا علاج .
وجميع هؤلاء اللاجئين أمام أبواب السفارة اليمنية بالقاهرة يناشدون الرئيس عبد الفتاح السيسى كى يجد لهم وسيلة للعودة إلى أحضان الوطن أيا كانت . عبد ربه أحد الذين يتظاهرون أمام السفارة يقول: ليس معنا أى شيء فقد أصبحنا عراة ننام فى الشوارع، رغم أننا كنا نعيش فى رغد من الحال فى بلادنا . فأنا من البيضا، وكانت لدى تجارتى وبيتى وكنا نعيش فى سلام وبدون أى نزاع مع أحد، فقد أتيت إلى مصر طلبا للعلاج، حيث أعانى من أمراض كثيرة، فالعلاج فى اليمن ليس متوفرا، ودائماً نأتى ونعود ولكن ما حدث معى الآن شىء صعب لا يستطيع أحد احتماله، فأبنائى وزوجتى هناك وأنا هنا، وأريد أن أعود حتى ولو سأموت هناك، فالموت فى وطنى أفضل بكثير من وضعى هذا.. فالناس هناك تواجه الجوع والقصف والموت لكن هذا كله أفضل مما نلاقيه الآن من تجاهل وإهمال. اليمنيون يدفعون ثمن تشرذم الأمة الإسلامية إلى فرق ومذاهب وشيع، جميعها يبحث عن أسباب الاختلاف لا التوافق تحت راية إسلامية واحدة.. ولم يكتف هؤلاء بذلك وإنما تربصوا بعضهم بالبعض الآخر وسفكوا الدماء الذكية ظنا من كل فرقة أنها على الحق والباقى على باطل .. وبالتالى تأسست على هذا رغبة فى السيطرة على الحكم حتى إذا كانت هذه الفرقة لا تعبر تعبيرا حقيقا عن الأغليية المجتمعية فى هذه الدولة.
وتتحدث إلينا السيدة حميدة وتقول: أنا موجودة بمصر منذ 40 يوماً، وأعانى من مرض السرطان وقد نفدت أموالى ولا أجد ثمن الكيماوى، فأنام فى الشارع أنا وهؤلاء النساء وكل ما نريده العودة إلى بلادنا، فأنا أريد أن أموت تحت سقف بيتى مع أولادى.
البكاء المر هو الملاذ الوحيد لتلك السيدة العجوز التى تهان فى آخر عمرها مصحوبا بصرخات مكتومة وعليلة.. فأين الرحمة؟ هكذا عبر "رشيد" الذى يريد أن يرجع إلى بلاده حافى القدمين ويقول: خربوا لنا البترول ويضربون البيوت فوقنا ويحرقون الزرع ويقصفون المحلات التى بها ألبان الأطفال وأطفالنا تركوا المدارس ولا نعرف مصيرهم . فالآن نمر بما مر به العراق وليبيا.. اليمنيون شعب لا يبغى سوى العيش فى سلام. وبغض النظر عن أن البناء السكانى للدولة يضم الكثير من الطوائف والفرق والانتماءات المذهبية المتعددة، فإنه كان من الواجب النظر لهذه التعددية داخل إطار المواطنة باعتبار أن الجميع يمنيون. وحول هذه المشاكل أردنا التحدث مع بعض المسئولين فى السفارة كى نمنح الفرصة للرأى الآخر ولكن دون جدوى. فطرقنا باب د. عبد الولى الشميرى سفير اليمن السابق ليتحدث عن حال ووضع اليمنيين فى مصر وما يعانونه من مشاكل قائلاً: كان اليمنيون يأتون للعلاج فى مصر وقامت الحرب ونفدت أموالهم وأغلقت المطارات فلم يستطيعوا العودة . وهكذا أصبحوا بدون مأوي، وعددهم يصل إلى نحو 6000 شخص مقيمين بطريقة غير شرعية ويواجهون الكثير من المشاكل. وقد قامت السفارة بجمع 500 ألف جنيه تبرعات من رجال الأعمال لإيجاد أماكن سكنية لهم وللأسف الأموال نفدت بعد أسبوع واحد. وكل ما يريده هؤلاء اللاجئون أن يعودوا لأهلهم برغم الموت والخراب فهم مرتبطون بأهلهم وأرضهم وأعمالهم وتجارتهم.. وقد انقطعت كل طرق الاتصال بينهم وبين ذويهم الذين لم يستطع أحد منهم مغادرة اليمن بعد قيام الحرب. لم يجد اليمنيون فى القاهرة بدا من البقاء فى شوارع القاهرة وبعض الأسر تتجمع وتسكن بشكل جماعى. ويضيف الشميرى: عدد قليل من أهالى عدن تحديدا استطاع الهرب إلى جيبوتى عبر البحر، وهؤلاء يواجهون المشاكل أيضا نظرا لأنهم لا يحملون أية بطاقات أو تصاريح. وللأسف الشديد السفارة لا تقدر إلا على دفع فواتير الكهرباء والمياه.. فالمحنة كبيرة جدا ولا أحد قادر على المساعدة. الشعب اليمنى بعد القصف أصبح مهددا بالتشتت والتشرد وأن يلقى مصير ليبيا والعراق وسوريا. حتى هذه اللحظة لا توجد بارقة أمل، فالحوثيون متشددون ويقف معهم على عبدالله صالح، وقد سيطروا على الجيش ووسعوا نطاق المعارك واستولوا على الأراضى، وتم طرد الرئيس عبد ربه منصور هادى، وهو الرئيس الشرعى للبلاد. واليمن الآن بها سلاح فى كل منزل وشعبها مغلوب على أمره فهم لا مع عبد ربه ولا مع الحوثيين، وفى نهاية الأمر لا أحد يهمه فقر هذا الشعب الذى يشعر بأن الجميع تخلى عنه. وعن اليمنيين الموجودين فى مصر من قبل ودورهم فى مساعدة إخوتهم من اليمنيين، يؤكد الشميرى أن بعض أصحاب المطاعم والكافتيرات يقدمون مساعدات إنسانية ولا يستطيعون توفير فرص عمل لأن أعمالهم ليست كبيرة فهم يعتمدون على جهدهم الشخصى، ويوجد منهم من استقر فى مصر منذ سنوات كثيرة.. ولكن السوق المصرى لا يستطيع تحمل كل هذه الأعداد التى ترغب فى وظائف. وأتمنى من بلد كبير مثل مصر مد يد العون لأهل اليمن الذى أصبح مشرداً،خصوصا الطلاب فى المراحل التعليمية المختلفة الذين نود أن تساندهم مصر حتى يستكملوا عامهم الدراسى.