الخميس المقبل.. انطلاق حملات الدعاية الانتخابية للمرشحين بانتخابات مجلس النواب 2025    شاريسا سولي تشارك في لجنة القضايا العامة بمجلس الكنائس المصلحة العالمي    أوقاف الفيوم تنظم ندوات علمية ضمن فعاليات برنامج "المنبر الثابت"    المملكة تؤكد في مؤتمر "الأونكتاد" برؤية 2030 ودعم التنمية المستدامة والتحول الرقمي والطاقة النظيفة    بنك مصر يدعم دور الأيتام والمسنين ب 20 مليون جنيه    تفاصيل زيارة الرئيس السيسي إلى بروكسل لحضور القمة المصرية الأوروبية    نتنياهو: إسرائيل تسلمت جثتي محتجزين من قطاع غزة    الحكومة العراقية تجدد عقد إستيراد الكهرباء من الأردن    نشأت الديهي يكشف تفاصيل زيارة السيسي لبروكسل للمشاركة بالقمة المصرية الأوروبية    عاجل- الرئيس السيسي يهنئ ساناي تاكاياشي بانتخابها أول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان ويؤكد تطلعه لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    الشوط الأول.. الهلال السعودي يتقدم على السد بثنائية نظيفة في دوري أبطال آسيا    ألونسو: جولر مزيج من أوزيل وجوتي.. مستوانا يتحسن معه    محامي طفل الإسماعيلية الضحية يكشف مفاجأت صادمة عن المتهم    باريس: المجوهرات المسروقة من متحف اللوفر تقدر ب88 مليون يورو    ماجدة خير الله تهاجم لميس الحديدي.. لهذا السبب    مجلس الشؤون الإنسانية بالإمارات يعرض فيلم «ويبقى الأمل» في مهرجان الجونة    نادية مصطفى: محمد سلطان عبقري عصره.. "ويسلملي ذوقهم" مفاجأتي في أوبرا سيد درويش    إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت في ذكرى قدوم الإمام لمصر    رمضان عبد المعز: "ازرع جميلًا ولو في غير موضعه".. فالله لا يضيع إحسان المحسنين    وكيل تعليم المنوفية: لم نسجل إصابات جديدة بالجدري المائي.. والمدرسة تعمل بشكل طبيعي    استشاري مناعة: الخريف موسم العدوى الفيروسية ولقاح الأنفلونزا ضروري قبل الشتاء    وزير الخارجية يدعو التقدم لامتحانات الوزارة: لدينا عجز فى خريجي الحقوق    وزير الكهرباء: الجهاز التنفيذي للمحطات النووية خطوة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة    صحف ومواقع أوروبية: التاريخ يعود إلى مكانه الطبيعى    غرائب الأخبارالسبعة    حقيقة مفاوضات الأهلي مع المغربي بنتايج لاعب الزمالك (خاص)    أحمد موسى عن استقبال الجاليات المصرية للرئيس السيسي في بروكسل: مشهد غير مسبوق    هل على ذهب الزينة زكاة؟.. أمين الفتوى يجيب    رقابة بلا جدوى !    ساركوزى يبدأ قضاء عقوبة السجن 5 سنوات    ماكرون: نسعى لاستصدار قرار من مجلس الأمن بشأن إدارة غزة    مصرع سيدة على يد طليقها امام مدرسة بالسادات وأمن المنوفية يكثف جهوده لضبط المتهم    انتصار تصطحب ابنها في عرض السادة الأفاضل وتلتقط صورا مع شخصية الفيلم الكرتونية    إصابة شاب فى حادث اصطدام ميكروباص بشجرة بقنا    النائب محمد عبد الله زين: أين الحد الأدنى للأجور؟.. وعضو المجلس القومي: لا تحملوا القطاع الخاص فوق طاقته    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب خدمة للطلاب والباحثين بتخفيضات كبيرة    هل يجوز للمرأة تهذيب حواجبها إذا سبب شكلها حرجا نفسيا؟ أمين الفتوى يجيب    اكتشاف مقبرة جماعية لقتلى عراة فى منطقة تل الصوان شرقى دوما السورية    محمد صبحي: مجلس الإسماعيلي خيب آمالنا ووزارة الرياضة أنقذت الموقف    تعليم وصحة الفيوم يتابعان التطعيمات اللازمة لطلاب المدارس للوقاية من الأمراض    دورة تدريبية في جامعة بنها لأعضاء لجان السلامة والصحة المهنية «متقدم»    صبحى يهنئ يد الأهلى بعد التتويج بلقب إفريقيا    بدء تنفيذ مبادرة مراكب النجاة لتوعية الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية في المنوفية    الصين: القيود الأمريكية على التأشيرات لن تعيق علاقاتنا مع دول أمريكا الوسطى    منافسة شرسة بين ريال مدريد وبرشلونة على ضم نجم منتخب المغرب    زوج يرمي زوجته من البلكونة في ببورسعيد بسبب صينية بطاطس    "أهمية الحفاظ على المرافق العامة".. ندوة بمجمع إعلام سوهاج    مثالية للدايت والطاقة، طريقة عمل سلطة الكينوا بالأفوكادو والطماطم المجففة    «بيتشتتوا بسرعة».. 5 أبراج لا تجيد العمل تحت الضغط    «شوف جدول مرحلتك».. جدول امتحانات شهر أكتوبر 2025 لصفوف النقل في محافظة الإسكندرية    وزير المالية: نتطلع إلى وضع رؤية مشتركة لقيادة التحول الاقتصادي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا واستدامة    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    غدًا.. بدء عرض فيلم «السادة الأفاضل» بسينما الشعب في 7 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    851 مليار جنيه إجمالي التمويل الممنوح من الجهات الخاضعة للرقابة المالية خلال 9 أشهر    شون دايش مدربا لنوتنجهام فورست    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروبة الغائبة (2)
نشر في الأهرام العربي يوم 14 - 05 - 2012

فى عام 1979، وعقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل كتب أستاذ العلوم السياسية فؤاد عجمى، وهو أمريكى الجنسية لبنانى الأصل شيعى الديانة، مقالا مهما وضع له عنوان نهاية الحكومة العربية، ضمنه وجهة نظر مفادها، أن القطيعة التى تمت بين مصر والعرب وقيام مصر بتوقيع معاهدة صلح وسلام مع العدو الرئيسى للأمة العربية إسرائيل، إنما هو إعلان بوفاة دعوة القومية العربية التى ظهرت منذ أواسط أربعينيات القرن العشرين وشكلت إيديولوجية سياسية قامت عليها نظم وأحزاب وحركات سياسية من المحيط إلى الخليج.
وفى عام 1990 عاد الرجل ليتحدث فى نفس الفكرة بإعادة التأكيد على صواب وجهة نظره، وذلك استنادا إلى أن ما قام به صدام حسين من غزو للكويت هو ضربة قاتلة للتيار القومى، ودليل قاطع على أن القومية العربية ما هى إلا دعوة زائفة بين الهيمنة والمصالح المتنافرة، والاقتتال من أجلها هى أساس العلاقات العربية العربية.
وامتداد لنفس الطريقة التى تبناها عجمى للإجهاز على القومية العربية، كان الرجل محور تركيز الإعلام الأمريكى بوجه خاص والغربى بوجه عام، فى الحملة التى شنها جورج بوش والمحافظون الجدد فى الولايات المتحدة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، لتبرير الحرب الأمريكية على العراق، وذلك عندما أسهم عجمى بدور محلوظ فى تحقير صورة العرب عند الرأى العام الأمريكى وفى الترويج لربط الإرهاب بالإسلام السنى.
ولقد بنى عجمى نظريته المعادية للقومية العربية بالتأكيد على أن الثلاثية التى تستند إليها دعوة كهذه لم تعد قائمة منذ عدة عقود، فلا المشاعر التى تدفع مواطنا عربىا فى بلد ما إلى التضامن التلقائى مع نظيره فى بلد آخر قد أصبحت قائمة بعد زيارة السادات للقدس فى نوفمبر 1977، ولا المصالح موجودة أيضا بعد أن تراجعت التجارة البينية بين الدول العربية إلى 8 أو 10٪، بينما هى قائمة أساسا مع العالم الخارجى، ولا المبادئ عليها اتفاقه وحولها التزام بالعمل بها بعد أن وضعت الأقطار العربية كل فى مكانه سياسات محلية وخارجية متباينة إلى حد كبير ولم يعد بالإمكان الثقة فى أية وعود بالتضامن العربى فى قضية ما هنا أو هناك، صحيح أن المشاعر كانت متدفقة وقوية بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما ظهر فى قيام الجامعة العربية عام 1945، واشتراك العرب فى الحرب ضد إسرائيل 1948 (بغض النظر عن خسارة الحرب)، وفى حرب 1956 عندما قام السوريون بقطع خطوط النفط بأراضيهم لمعاقبة الدول الأوروبية التى اشتركت فى الحرب مع إسرائيل، وذلك برغم أن تصرفا كهذا أضر بالمصالح الوطنية السورية، وفى حرب 1973 عندما قامت المملكة العربية السعودية، وبمبادرة من الملك فيصل بإيقاف تصدير النفط إلى الغرب تضامنا مع مصر، كل ذلك صحيح، ولكن الشواهد على تكرار نفس السلوك لم يكن هناك ما يستدل به عليها بعد هذه الحرب الأخيرة، بل إن ما تم رصده هو تصاعد المواقف العدائية بين مصر وشقيقاتها العربية إلى أن عادت الأمور إلى طبيعتها عام 1984، ولكن منذ ذلك الوقت فإن الثلاثية التى شكلت القواعد الراسخة للقومية العربية المشاعر، والمصالح، والمبادئ، فقدت قيمتها أو تلاشت تدريجيا إلى أن وصلنا إلى مرحلة الربيع العربى التى زادت المشهد ارتباكا وإن كانت تحتاج إلى بعض الوقت للحكم على تداعياتها الحقيقية فيما يتعلق بآفاق الدعوة إلى القومية العربية.
لم يكن من السهل الاتفاق مع فؤاد عجمى على نظريته بنهاية القومية العربية، بغض النظر عن التأثير الذى أحدثته، بالفعل وقت إعلانها بنهاية سبعينيات القرن الماضى، وأتذكر أننى وقتها كنت باحثا شابا فى مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية وأكتب من وقت إلى آخر فى مجلة السياسة الدولية، وذات مرة طلبنى د. بطرس بطرس غالى رئيس تحرير المجلة، وطلب منى كتابة تقرير عن مقال فؤاد عجمى الشهير يتضمن نقدا موضوعيا له، وينشر فى السياسة الدولية وهو ما حدث بالفعل، آنذاك كان المهم هو التصدى لتداعيات الفكرة على صعيد الحياة السياسية المصرية والعلاقات بين مصر وبقية الدول العربية، لأنها تزامنت مع إحياء للتيار الانعزالى فى البلاد الذى بدأ يهتم بمصر الفرعونية من جهة، وبأنها أقرب إلى أوروبا منها إلى العرب من جهة أخرى وكان تقدير الدكتور غالى عند مناقشته للمقال المذكور أن واقعة كامب ديفيد لا تمثل اهتماما فى التوجه المصرى نحو العروبة وأن المشاكل السياسية التى ستترتب عليها مؤقتة وتزول لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه، ومن ثم لا يصلح بناء فكرة صارمة على هذه الواقعة مثلما فعل عجمى بالترويج لنهاية القومية العربية، ناهيك عن رسوخ المشاعر العروبية لدى المصريين على مدى الزمن ومن ثم عدم تأثيرها بعقد اتفاقية كهذه بين مصر وإسرائيل، ولا يخفى أن مصر الرسمية آنذاك لم تعتبر الاتفاقية انحرافا عن التوجه القومى، بل إن السادات أكد أنها عقدت من موقع قوة وشملت فى شقها الثانى حلا للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ومثلما أوضحت فى تقريرى رفضى لنظرية عجمى عن نهاية القومية العربية، فإننى تعجبت من إصرار الرجل على متابعة نظريته العدائية هذه بعد ذلك الوقت، وقد ساعدته الأحداث العربية على ترويجها عندما وقع غزو العراق للكويت ثم الحرب الأمريكية على العراق، وفى الحالتين كتبت كثيرا بما يفيد رفضى لمثل هذه النظرية.
كان عجمى قد أوضح أن المصالح المادية حلت محل المشاعر القومية كمنطلقات للأسس التى يقوم عليها السلوك السياسى سواء بالنسبة للشعوب أم للأنظمة والدول، وأن الأحداث السابقة أثبتت نظريته بأن العرب يختارون فى النهاية الاحتكام للمصالح لا للمشاعر، ولأن المصالح متغيرة فإنه لا يصبح غريبا أن تندلع نزاعات هنا أو هناك ،وأن يلجأ العرب إلى استخدام القوة ضد بعضهم بعضا دفاعا عن المصالح.
إلا أن الخلاف الجوهرى مع عجمى وبالأحرى مع كثيرين مثله ممن شاركوا حتى الآن فى الحملات ضد القومية العربية، يكمن فى مواقف النظم الحاكمة ونخبها السياسية التى تفهم المشاعر والمصالح والمبادئ على طريقتها هى، وليست بالضرورة على طريقة الصالح العام للأمة العربية ككل، ولا حتى لشعوبها على وجه التحديد، فهى نظم ونخب سلطوية وانتقائية تعمل لذاتها فقط بسبب المناخ السياسى العام الذى عاشته المنطقة العربية منذ بداية مرحلة الاستقلال، وهو مناخ الاستبداد والرأى الواحد بدعوى التصدى للمؤامرات الخارجية والداخلية وغيرها من الأفكار التى أخضعت الشعوب لإرادة هذه النظم والنخب.. وفى ظل مناخ غير ديمقراطى من الخطأ إصدار أحكام على سلوك الشعوب والدول على الطريقة التى ذهب إليها فؤاد عجمى وأمثاله، لأنه فى مثل هذا المناخ يصعب القول بأن السياسات كانت تعبر عن مصالح حقيقية وليست مشاعر قومية، أو أن هذه المشاعر كانت خطأ أو غير قائمة أصلا، أو أن هناك خلافا حقيقىا حول المبادئ، حيث لم توضع كل هذه الأفكار فى موضع الاختبار من خلال نقاش ديمقراطى جاد، بل كانت السياسات يجرى إملاؤها بطرق قومية حسبما يتراءى للأنظمة الحاسمة وتقوم النخب السياسية من حولهم بالترويج لسلامة توجهاتهم فلا عبد الناصر استشار أحدا بشكل ديمقراطى فى قراره التدخل عسكريا فى اليمن أو حتى فى إقامة الوحدة مع سوريا قبل ذلك التاريخ ولا فى شن الحرب على إسرائيل، ولا السادات اتحذ نفس الطريق عندما قرر الذهاب إلى القدس والصلح مع إسرائيل وهكذا، فكيف يمكن الحكم بأن السياسات التى تم اتخاذها استندت إلى تقدير صحيح للمشاعر والمصالح والمبادرة القومية.
ومن جهة أخرى فإن السياسات الوطنية على الصعيد الداخلى اتجهت إلى تعميق الفجوة فى مستويات المعيشة بين الشعوب العربية، مما أحدث اختلالا فى مسألة المكانة الاجتماعية تضاربت مع موروثات الماضى من جهة والتضامن الوطنى من جهة أخرى، مما أحدث حالة من الكراهية الصريحة أحيانا ومكتومة أحيانا أخرى بين هذه الشعوب، ومن ثم وصلت الحال إلى تشخيص المشهد القومى بالانقسام والتشتت والفتنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.