أسامة الدليل الإعلام أضخم ماكينة لإنتاج الصور فى العالم، والإرهاب صورة.. هو ليس أكثر من إجرام منظم هدفه الترويع والتخويف والترويع بالصورة.. للدرجة التى تدفعك للإحساس «المادى» بالهزيمة، حتى من قبل أية مواجهة معه. ولأن الإرهاب يدرك أهمية الصورة، فهو يستخدم كاميرات عالية التقنية فى تصوير جرائمه، ويطبق أعلى تقنيات التأثير البصرى والسمعى فى أشرطته المسجلة، لتتوائم مع أحدث ما وصلت إليه تقنيات البث التليفزيونى الرقمى الفائق، فهو يعلم مقدما أن وسائل الإعلام العالمية يقينا ستعيد البث مرارا وتكرارا.. مجانا ولوجه الله! الإرهاب بالأساس إجرام، فهو أصلا خروج على أى قانون، تماما كاللصوصية والنصب والاحتيال والقتل، الإرهاب ليس أيديولوجية، يعنى لا هو فكر ولا معتقد ولا مذهب ولا حتى منهج فى الإجرام، فالإرهابى يعلم يقينا أنه «حثالة»، وهو فخور بذلك، لذلك لا يوجد سقف يمكن أن يحد من مزاعمه وافتخاره بلا نهائية إجرامه، جزء من هذه القدرة أن يعلن عن إجرامه أمام راية التوحيد، أو أن يساوى ما بين المصحف والمسدس، أو أن يخلط أمام الكاميرا ما بين المقدس والمدنس، وحده الإعلام يعطيه الهالة ويخلع عليه المهابة ويقلده العظمة بما يليق بها من رداء فكرى وأيديولوجى، عندما يباغت الملايين بلفظ «عاجل» ليعيد بث هذ ا الإجرام بالصوت والصورة. ومن بعد الشاشات تأتى الأقلام لتقوم بالتنظير والتأطير والتأصيل وكل لوازم «التأريخ» الفورى، وهكذا يكتسب الإرهاب أبعادا دينية واجتماعية وإستراتيجية، وحتى سياسية تصل لدرجة وصف الإرهاب بالمعارضة السياسية. وهكذا نكتشف فى كل يوم أن الخراب والقتل اللذين يطالان مساحات جغرافية محدودة من جغرافية العالم، يتحولان بقدرة الإعلام إلى قوة فاعلة عظمى، تطغى على أى قدرة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، لدرجة أن تحالفات كونية بأعظم الترسانات العسكرية تقف عاجزة أمامه، الإعلام هنا هو الجانى الحقيقى، حتى وإن دافع عن نفسه بأنه عاجز عن مقاومة طغيان شهوة «الإثارة» فى نقل وقائع الإرهاب! ففى العاصمة السورية دمشق، بينما تزدحم السماوات بالطيران الروسى والأمريكى، وتقترب حاملات الطائرات الفرنسية والأمريكية، وجدنا باريس تشهد فيلم (11سبتمبر) فى طبعته الأوروبية، اجتمعت وعدد من الإعلاميين من روسيا والأردن والعراق ولبنان وفلسطين وتركيا وإيران والمغرب وبالطبع سوريا، لنجيب عن سؤال مهم للغاية: هل يمكن للإعلام أن يردع الإرهاب؟ وللعجب، كانت الإجابة الفورية.. ممكن طبعا! العالم بأسره بكل مراكز الأبحاث والدراسات وأجهزة الاستخبارات، يعلم يقينا أن العالم العربى ليس اسمه (الشرق الأوسط)، وأن اللعبة فى العراقوسوريا ليس اسمها (نشر الديمقراطية)، بل إعادة رسم الخرائط، وأن النار التى تشتعل فى سوريا جذوتها فى «ليبيا»، وأن الإرهاب ليس فيه معتدل أو متطرف، ذلك أنه لا توجد وسيلة حضارية للخراب والقتل، وأخرى بربرية، لكن المصيبة أن الإعلام اصطف إلى جوار الإرهاب من اللحظة الأولى، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، تصور أنه فقط «ينقل الحقيقة»، بينما كان ولا يزال «ينشر الجريمة»، وكل إعلامى فى هذا العالم يعرف يقينا منذ اليوم الأول له فى هذه المهنة، أن «الاتصال الجماهيرى» يمكن أن يبنى المجتمعات وأن يهدمها، وأن ينشر قيم العدل والسلام، وأن يمارس القتل الجماعى، دون أدنى مسئولية! ولكى تكتمل المصيبة، تورط الإعلام فى العالم بأسره فى تلوين الجغرافيا بألوان الطائفية، وهكذا تحولت أراضى العالم العربى «بالذات» إلى مناطق سنية وكردية وشيعية ودرزية ونوبية وقبطية وبدوية وتركمانية، و... مناطق تسيطر عليها داعش، هكذا تنمحى السهول والهضاب والجبال والبحار والسواحل والأنهار، ليحل محلها الطوائف والمذاهب والأفكار، إنها جريمة علنية لمحو العالم العربى من الخارطة، ما دفع جنرالات كبارا فى واشنطنوباريس للتحدث علنا عن اختفاء أعرق حضارتين فى الوطن العربى من الخارطة.. العراقوسوريا! «إعلاميون ضد الإرهاب» هو اسم هذا «اللوبى» الدولى الذى انطلق من دمشق ليضم فى عضويته مئات من الإعلاميين من مختلف قارات العالم، وكون أن يؤسس لهذه الشبكة الدولية من سوريا له معنى سياسى وإستراتيجى. والأهم أنه «لوبى» أى جماعة ضغط، جماعة مصالح دولية، ترى أن الخطر الذى يستخدم من قبل «قوى إقليمية» لإعادة رسم الخرائط، هو عفريت يسهل تحضيره، لكن يستحيل صرفه. فى دمشق، علمت أن اتجاه القدرة العسكرية الدولية لن يلبث أن يتحول من سورياوالعراق باتجاه ليبيا، وأن اليمن هو المحطة التالية. وأنه لا يقف فى طريق اجتثاث منابع الإرهاب، وبالذات تمويله سوى إعلام مدفوع الأجر مسبقا، وأن سبق الإصرار والترصد الإعلامى للتغطية على ممولى الإرهاب وحمايتهم يعود إلى أن جهة الدفع للإعلام والإرهاب واحدة! المال ليس وطنا، لذلك من الجنون استبدال الأموال بالأوطان، والإعلام الذى يضيع الجغرافيا نظير أجر، لن يجد ما يشترى به لنفسه أرضا يبث من خلالها، هذا ما يمكن أن نتعلمه كإعلاميين من الأزمة السورية، ومن العجب أن الإعلام العربى بالذات لم يستفد من درس العراق، عندما تورطنا جميعا فى أكذوبة «أسلحة الدمار الشامل» العراقية التى أفضت لخراب هذه الحضارة حتى اليوم. آلة الحرب لن تمكث طويلا قبل وصولها إلى السواحل الليبية، والتورط التركى لن يجد ملاذا آمنا يحمى أردوغان من المحاسبة، وطبول الحرب الثالثة بانتظار خطأ تافه غير ذى قيمة إستراتيجية، ليولد فى العالم نظام جديد، يحاسب فيه الإعلام قبل أجهزة الاستخبارات، على تنامى وانتشار الإرهاب، أحط الصور وأكثرها خسة فى تاريخ الجنس البشرى.