حسناء الجريسى فيما بدا أنه صراع بين مؤسسات الدولة، ترددت أقاويل حول أن الإطاحة بالدكتور جابر عصفور من موقعه بوزارة الثقافة، جاء بتدابير أزهرية، ما وضع تلك المؤسسة الدينية فى موضع يجعلها وكأنها فى صراع مع الثقافة، وما دعم هذه التصورات أن الوزير الجديد عبد الواحد النبوى جاء من خلفية أزهرية، فهو أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، قبل أن يكون مديرا لدار الوثائق ثم وزيرا. تناسى كثيرون الدور الوطنى والنهضوى الذى اضطلع به رجالات الأزهر على مدى سنوات، ولهم عذرهم فى ذلك، فاللحظة الراهنة تستدعى مراجعة أشياء كثيرة خاصة بأداء تلك المؤسسة الدينية العريقة، ومنها المقررات التى يدرسها طلبة الأزهر، الأمر الذى يطرح أسئلة عديدة منها: متى ينتهى الصراع بين الأزهر والثقافة؟ إلى متى يظل الأزهر رقيبا على الإبداع داعيا إلى فكر المصادرة؟ وأخيرا هل تولى أحد أبناء مؤسسة الأزهر تلك الوزارة، سينهى ذلك الصراع الدائر لسنوات وتحدث المصالحة بين الأزهر والمثقفين. يرى د. محمد عبد المطلب الناقد الأدبى، أن الصدام بين وزارة الثقافة والأزهر يتجدد من زمن لآخر، وظهر ذلك جليا عندما كان فاروق حسنى وزيرا للثقافة حين هاجم الحجاب، وكذلك د. جابر عصفور عندما انتقد المناهج الدراسية فى الأزهر، لافتا النظر إلى أن الثقافة والمناهج الدينية أمران متكاملان بالضرورة، خصوصا بعدما أعلن شيخ الأزهر د. الطيب أنهم بصدد تغيير وتعديل فى المناهج الدراسية. يعتقد د. عبد المطلب أن وزارة الثقافة بدأت تأخذ منحى هادئا، خصوصا بعد تولى أزهرى حقيبة تلك الوزارة وهو عبد الواحد النبوى، وكأن التغيير الوزارى الذى حدث عملية ترضية للمؤسسات الدينية، ولا شك أن وزارة الثقافة وقعت فى بعض الأخطاء، فالمسألة تحتاج إلى إعادة نظر. ويقول د. عبد المطلب: مازالت هناك بعض الآراء الفقهية لابن تيمية وغيره من رجال السلف، تدعو إلى كراهية أصحاب الديانات الأخرى، عندما تتخلص الوزارة من كل هذه الأفكار والمشاحنات سوف يلتقى الأزهر والثقافة وينظران بعين التأمل للدين المقسم لثلاثة أقسام، منها العقيدة وهى تتعلق بعلاقة العبد بربه لا دخل لأحد فيها، والثانى العبادات، أما الثالث والذى يسمح فيه بالتدخل والحوار فهو قسم المعاملات وأضع تحته الكثير من الخطوط، وأقول كما قال رسول الله: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» فالمعاملات فى حاجة إلى اجتهاد. ويشير إلى أنه إذا أحسن التوجه لهذه الأقسام الثلاثة ستكون المصالحة حتمية بين الأزهر والمؤسسة الثقافية، وربما كانت هذه المشكلة سبب خروج د. عصفور من الوزارة لكن أظن أنه أفضل له أن يظل مثقفا بدلا من تولى شئون العمل الوزارى. ومن جهتها تقول الكاتبة فريدة النقاش، إن العلاقة بين وزارة الثقافة والأزهر متناقضة، يغلب فيها الصراع على التوافق، ربما يتفقان معا فى الوقت الراهن حول تجديد الخطاب الديني، وفى هذا السياق تظن النقاش أن الأزهر لعب دورا فى إزاحة د. عصفور من وزارة الثقافة بسبب تصريحاته حول تجسيد الأنبياء ورفض الرقابة على الإبداع والأفلام، لأننا نعرف أن الأزهر من حقه فقط مراقبة طباعة القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، لكن نفوذه بدأ يمتد للشعر والروايات ويحرر القضايا ضد المبدعين، وهذا ما تنفر منه وزارة الثقافة. وترى النقاش أن الوزارة ليست وزيرا لكن بها المسرح والسينما وهيئة الكتاب، وهناك مثقفون من مناخات مختلفة يرفضون الرقابة على الإبداع حتى لو شاء وزير الثقافة الجديد أن يتحالف مع الأزهر ضد الإبداع فهذا يرفضه المثقفون، وكون د. عبد الواحد النبوى قادما من مؤسسة دينية فهذا سيغرى الأزهر فى ممارسة نفوذه بتوسع وعلى كل حال الأيام المقبلة ستوضح لنا حقيقة الأمور. أما الشاعر د. حسن طلب فلديه وجهة نظر مختلفة وهى أنه لا نستطيع أن نتحدث عن علاقة الأزهر بالثقافة إلا إذا وضعنا فى اعتبارنا تاريخ الأزهر ودوره الكبير فى صناعة النهضة المصرية خصوصا فى القرن التاسع عشر وحتى الآن، فالأزهر لعب دورا كبيرا فى بناء حركة النهضة، حيث قامت على أكتاف الأزهريين المستنيرين، وإذا بدا لنا الخروج من العصور الوسطى إلى العصر الحديث فأول ما يصادفنا هو رفاعه الطهطاوى الذى أضاء بفكره المنطقة فهو رائد حركة الترجمة الذى ساعد على ازدهارها بعد سنوات من التكلس، فضلا عن دوره فى النهوض بالمرأة والصحافة، أما فى القرن العشرين فكان محمد عبده رائدا من رواد التجديد الديني، ومن يطلع على آرائه يجد فكره التنويري، فكان ينادى بحماية الفن والتجديد فى الفكر ومسايرة الفكر الدينى ومرونته بحيث يستوعب متغيرات العصر. يواصل د. طلب: وبعد ذلك يأتى الشيخ مصطفى عبد الرازق إلى أن نصل إلى طه حسين الذى مازالت تستنير به مؤسسة الأزهر فهو أحد أبنائها، والقائمة تطول فهذا التاريخ يشيد بجهود رجال الأزهر وما قدمته للنهوض بالحركة الفكرية، وهنا يوضح د. طلب أنه لا يصح أن نتحدث عن الأزهر بأنه مؤسسة رجعية لابد أن نذكر دوره الحقيقي..فى الوقت نفسه يعترف د. طلب أنه ربما جاء وقت عليه لعب فيه دورا سلبيا، لكن تاريخه يعلمنا أنه قادر على أن يقدم للحياة الثقافية هذه الشعلة التنويرية، فمن يقول إن الأزهر مؤسسة رجعية يغفل جيدا دور الأزهر، لكن يمكن القول إن هناك بعض علماء الأزهر ابتعدوا عن الحركة التنويرية، فلا يعقل أن نضعهم جميعا فى سلة واحدة، فشيخ الأزهر د. الطيب درس فى فرنسا ودرس لأعلام الصوفية، وهم مبدعون بطبيعتهم ومستنيرون، ومنهم أعلام الشعر العربي، فعندما يكون على رأس مؤسسة الأزهر رجل ينتمى لهذا التراث الفكرى لا يصح أن نصف الأزهر فى هذه الحالة بالرجعية..ويتساءل د. طلب: كيف لرجل أن يحارب الأزهر وهو يهدم مبادئ الثقافة من الحرية والديمقراطية وسلوكه ضد مفهوم العدالة؟ رجل كثيرا ما رفع راية التنوير ومحاربة الاستبداد لكنها كانت شعارات، فهو أول من هرول للحصول على جائزة القذافي، هناك من المثقفين من يشدوننا إلى الوراء. بينما يرى الناقد الأدبى د. صلاح السروى أن مصر تمر بظرف عام كونه متمثلاً فى النمو اللا متكافئ، وبالتالى يصبح التناقض حتميا بين وزارة الثقافة والأزهر، فالوزارة تتضمن حداثيين على مستوى روح العصر، أما مؤسسة الأزهر فهى كلاسيكية محافظة، تحكمها ثوابت لا سبيل إلى تأويلها أو إعادة تغييرها، بما يتوافق مع روح العصر والمستجدات التى تظهر على الصعيد العلمى والعالمي، نظرا لطبيعته المحافظة. ويتابع د. السروى قائلا: مصر أخفقت فى تحقيق إصلاح ديني، مقارنة بما كانت عليه أوروبا فى القرنين 16و17 الميلادى، حيث تمكنت قبل عصر التنوير من القيام بحركة إصلاح دينى وتحويله إلى قوة دافعة للعمل الإبداعى، وهذا ما جعل أوروبا تقوم بحركة تنويرية عقلانية علمية واسعة أدت إلى انطلاق حركة الحداثة، بينما نحن أخفقنا فى تنفيذ مشروع الشيخ محمد عبده، حيث حدثت انتكاسة كبيرة لحركة الإصلاح التى أرادها نظرا لعوامل سياسية أدت إلى اعتماد السلطات على توظيف الأزهر باعتباره قوة دينية. ويلفت النظر إلى أن القوى والأنظمة السياسية عمدت إلى الاستعانة بالدين، خصوصا بعد ثورة يوليو من أجل الترويج لشعارات سياسية، وظهر ذلك جليا فى كتب الخمسينيات والستينيات تلك التى تحدثت عن الاشتراكية، وكذلك حدث فى عهد الرئيس السادات حيث تم استخدام الأزهر من أجل إعطاء مشروعية للانفتاح الاقتصادي، وحين روج الأزهر لمعاهدة السلام وكأنهم اكتشفوا الآية القرآنية التى تقول "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" واستمروا فى هذا النهج حتى ثورة يناير. ويرى د. السروى أن الأزهر تم اختراقه من قبل قوات سلفية زادت من النزعة المحافظة فيه، وهو الأمر الذى أفضى بنا إلى الوضع الحالي، مشيرا إلى أن الأزهر اعترض من قبل على طباعة كتاب "ألف ليلة وليلة" بل إنه تدخل فى الرقابة على الكتب ومصادرة الروايات مثل "أولاد حارتنا" و"وليمة لأعشاب البحر" فضلا عن الأفلام السينمائية..ويوضح د. السروى أن موقف الأزهر معاد تماما لحرية الفكر والتجديد والحداثة، وبالتالى فهو على تناقض تام مع الحركة الثقافية التى تنتمى إلى تيار الحداثة والتجديد، فى حين يصف الروائى فؤاد قنديل العلاقة بين الأزهر ووزارة الثقافة بأنها تمر بحالة التباس شديد، نظرا لأن المثقفين يحاولون البحث عن منابع التطرف التى أنتجت أوضاعا عاصفة للأمة وللوطن، ومن خلال هذا البحث وجد أن الأزهر به مناهج ونصوص دينية كتبها فقهاء منذ عدة قرون تتضمن تشويها للنصوص الإسلامية، وبها إساءة لاستخدام هذه النصوص وتحويل وجهتنا من الاتجاه المعتدل إلى المتطرف. ويرى قنديل أن مشكلة وزير الثقافة السابق د. عصفور كانت تتمثل فى مطالبته بتنقيح المناهج والمقررات التى يدرسها طلاب الأزهر، ويشير إلى أن الأزهر لن يراجع هذه الكتب، فهو ينظر إليها على أنها مقدسات والتعديل فيها يعد بمثابة تشويه لآراء العلماء الحقيقيين والفقهاء الذين ينطلقون من الكتاب والسنة. بينما يرى الشاعر عبد المنعم رمضان أن الأزهر مؤسسة أيديولوجية لا مؤسسة دينية فهى تستخدم الدين لخدمة السلطان، الأزهر أزاح د. جابر عصفور لأنه قال آراءه بوضوح، ويعتقد رمضان أن الذى رسخ مجيء د. عبد الواحد النبوى وزيرا للثقافة هو عمله فى دار الوثائق فمن يعمل فى هذا المجال يكون على اتصال بالأجهزة الأمنية.. ويعتبر أن د. عصفور خاض معاركه دفعة واحدة مع الهيئة العامة لقصور الثقافة، والرقابة والأزهر، وبالتالى لم يخضها بشكل سياسي، وكان أخطرها مع الأزهر، ويرى أن اللحظة الراهنة هى أفضل لحظة للمثقفين، مطالبا بضرورة استقلال المثقفين عن الوزارة وممارسة نشاطهم بعيدا عنها نظرا للفساد المستشرى فيها، والمشكلة الكبرى أن هذا الفساد وصل إلى العظم. أما الدكتورة سهير المصادفة فترى أنه من المفترض أن تكون علاقة وزارة الثقافة مع كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الأزهر علاقة توافق، ولكن ما حدث أن أداء الوزارة ظل لسنوات يمر بانتكاسات وتخبط فى القرارات ولم توضع آليات جديدة للنهوض بالنشاط الثقافى الجاد، حتى إن مناطق مصر الحدودية وقراها انقطعت عنها الخدمات الثقافية الجادة وتُركت منذ سبعينيات القرن العشرين للزوايا والجوامع.. للفكر المتطرف فى غيبة أو عدم قدرة على سيطرة الأزهر ذاته، مما أدى إلى انقسام المجتمع وغضب المثقفين، وأصبح الطرفان متربصين لبعضهما بعضا، على الرغم من أنه من المفترض أن يكون العكس، فتاريخ الأزهر مشرف على المستوى الوطنى والثقافي، وكثيرا ما خرج منه من أسهم فى بناء مصر الحديثة. وتظن د. المصادفة أن الصراع سينتهى عندما تنحسر الموجة المتطرفة على أيدى رجال الأزهر ورجال الثقافة، وكذلك سيكون لا وجود لها عندما تقوم وزارة الثقافة بدورها الأمثل ورسالتها إزاء المجتمع لتجفيف منابع التخلف والتطرف. وبعد عرض وجهات نظر المثقفين، كان ينبغي علينا أن نتوجه للرأي الآخر، وهم علماء الأزهر، حيث يؤكد د. الأحمدي أبو النور أن ما يحدث بين مؤسسة الأزهر ووزارة الثقافة أحيانا من خلاف في وجهات النظر لا يعني أن هناك صراعا، ولا يجوز أن نصف هذا بالصراع، فالمؤسستان في دولة واحدة، والتعاون رائد الجميع فلابد أن نتروّي في كل ما هو اختلاف ويعلن كل طرف حجته. ويري د. أبو النور أنه لابد أن يكون هناك تعاون بين الطرفين، لأن الثقافة تحل محل الأزهر وكل منهما يقدم رسالة للمواطن الذي يعيش علي أرض هذا البلد، وما يشاع عن تدخل مؤسسة الأزهر مقولة ليست صحيحة ومسألة الرقابة مسألة يتصارع فيها الجميع. ويعتقد أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وليس للأزهر سلطة فوق سلطة الدولة، وبالتالي يمكن في الجو العقلي أن يتوافق الجميع، لافتا النظر إلي أن هناك مسائل لا يملك الأزهر أن يصدر بها موافقة أو رفضا، وقد تري وزارة الثقافة أن الأمر يعوق حرية الإبداع..ويوضح أن حرية الإبداع في الغرب ليست مطلقة كما يعتقد البعض ومع ذلك لم يقل أحد إن هناك جورا علي حق الرد والرأي، فالحرية تتوقف عند حرية الآخرين، فعندما يحترم الفرد حرية الآخر يعد هذا احتراما لحريته، مشيرا إلي أن هناك من يسعي لإيقاد النار بين المؤسسات المختلفة والأزهر، لكن من قبل أقر الأزهر حق المواطنة، وهي مظلة يحتمي بها الجميع وليس من المجدي لمصر أن ننتهك حقوق الآخر، لكن لابد أن نتبادل الاحترام فيما بيننا. ومن ناحيته يقول د. أحمد كريمة - أستاذ الفقه بجامعة الأزهر - إنه بغض النظر عن الأشخاص لابد أن ننظر إلي الوسائل والمقاصد، فمن ناحية الوسائل الأزهر الشريف يقوم علي حراسة الثقافة الإسلامية، وما يتصل بذلك من علوم وشريعة إسلامية وأصول الدين واللغة العربية وآدابها، هذا طبعا من ناحية المكون الديني والأداء الدعوي والإعلامي معا، فهذه رسالة الأزهر منذ قرون. يواصل د. كريمة إذن رسالة الأزهر واضحة، وهذا ما نصت عليه الدساتير والقوانين، أما فيما يتعلق بوزارة الثقافة فما هي المقاصد إذا كان من المفترض عليها أن تشكل ثقافة المجتمع بصفة عامة، وهذا بالطبع يأخذ مناحي معينة، ويري أنه من المفترض أن توضع لهذه الوزارة الآلية المنضبطة وتحدد لها الأزمنة والأمكنة والوسائل للأداء الثقافي الحقيقي، مبينا أن هذا ليس هجوما، خصوصا ونحن نؤمن بأن المكون الثقافي يخرج منه الفنون الجميلة، الرسم، النحت، الغناء، لكن هناك جهات ثقافية تنشر بعض الأعمال التراثية ويلاحظ أنها إصدارات تتخطي حدود المباح، من الدين الإسلامي نفسه، لا تقوم علي النقد فقط بل تصل إلي حد الازدراء..ويشير إلي أن وزير الثقافة السابق د. جابر عصفور تخطي حدودا ليس من حقه أن يتخطاها، كموافقته على تجسيد شخصية النبي «نوح» والأزهر هو المختص بهذا الشأن، موضحا أن هناك اشتباكا منذ عقود بين الأزهر ووزارة الثقافة الكلام مازال للدكتور كريمة للأسف وزارة الثقافة خالية من النماذج الإسلامية السليمة، فهي لا تضم إلا من يطعنون في الدين. ويشير إلي أن جوائز الدولة لم نجد فيها يوما من الأيام تكريما لعالم إسلامي واحد برغم أن لدينا جهابذة في الأزهر، لكنها أصبحت قصرا علي من يطعنون في الدين، مؤكدا أن هذه الوزارة متخصصة في إثارة الأزمات الدينية في المجتمع والأزهر يمثل حالة دفاع عن هذا المجتمع..ويختتم د. كريمة حديثه متوجها بالسؤال إلي د. عبد الواحد النبوي وزير الثقافة الحالي قائلا: ما دور الثقافة في مصر؟ وما الذي تقدمه لعلاج المغالاة والتشدد؟ سؤال ينتظر إجابة الوزير عليه. ومن ناحيتها تري الدكتورة آمنة نصير - أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر - أن العلاقة بين الأزهر والثقافة فيها نوع من الحساسية، لكنها ليست علاقة السيطرة أو المنع، صحيح في فترة مضت كانت هناك مصادرة لبعض الروايات مثل «وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر، ووقتها قلت ليس هذا زمن المنع أو المصادرة، فما يمنع يعطونه شرعية لإقبال الجمهور عليه، نظرا لأن الممنوع مرغوب، مثلما حدث مع رواية «أولاد حارتنا» لافتة النظر إلى أن مصادرة الأزهر في الماضى لبعض الكتب كانت بمثابة ترويج لنشرها، لكنها الآن لم تعد موجودة، منوهة إلي أن وزارة الثقافة ومؤسسة الأزهر تفتقدان الود والتواصل، وهذا ما لمسته بنفسي بين هيئات الثقافة المختلفة – الكلام للدكتورة آمنة نصير - وسجلته من وقت لآخر فلا توجد جسور للمودة أو الانتفاع بين الهيئتين لدعم الثقافة والفهم الصحيح للقضايا التي تخص الأمور العقائدية، والأمور الخاصة بصحيح الدين. وتري أن هذا ليس في صالح الثقافة ولا في صالح أداء الأزهر، فهذا التباعد وعدم مد الجسور يخلقان حالة من الاحتقان، لذلك أتمني من يأتي أحد من الحكماء لمد هذه الجسور العلمية والعقائدية والفكرية، وبالتأكيد هذا سيصب في صالح المواطن المصري، بدلا من سيطرة حالة التباطؤ والتباعد بينهما، لابد من تواصل علمي شرعي إنساني لعلوم الدين والدنيا والتقدم في العلاقات التي ينتفع بها المثقفون وغيرهم بما تطرحه المؤسستان، فضلا عن وجود المراجعات الصحيحة لكل ما يطرح. بينما يقول د. محمد عبد العاطي - رئيس قسم الدراسات الإسلامية - إنه لابد أن نوضح أن المؤسسة الأزهرية دعوية مهمتها نشر وسطية الإسلام، ومن الاستحالة أن تمارس دورا رقابيا، فدورنا هو أن نصبح متكاملين مع المؤسسات الأخري في المجتمع، فالأزهر يسعي إلي بذل المزيد من الجهد لنشر الخير والفضيلة مع الجهات الأخري، نحن نعتبر أنفسنا خداما لهذا الوطن ونشر سماحة الإسلام وليس بيننا وبين المؤسسة الثقافية أى صراع علي الإطلاق. ويتساءل: هل لعلماء الأزهر دور خارج دائرة الضوء، فهم بالأساس مثقفون ويهتمون بنشر الثقافة وتطبيقها علي أرض الواقع، والقول بأن الأزهر يفرض هيمنته كلمة باطلة، لسنا رجال كهنوت – الكلام للدكتور عبد العاطي - نحن علماء دين نفهم النصوص ونفسرها ونطبقها وفقا لما يتلاءم مع رؤية مؤسسة الأزهر، فعندما يقول الأزهر رأيه في رواية ويبين أنها لا ترقي إلي مكارم الأخلاق فهل هذه سيطرة؟ هذا تنبيه لبعض الأقلام، فليست لدينا قوة مسلحة نحارب بها المثقفين، نحن نقول كلمة حق ولا نملك سلطانا ندافع به عن هذا الحق، لكن ليس لدينا سوي النصيحة والكلمة الحق فقط، لافتا النظر إلي أنه ليس معنى وجود العري في الأفلام أن هناك رقابة علي الحرية ولا يتوافق هذا مع مكارم الأخلاق، نحن نبين للناس كل ما يتوافق مع المواقف الطبيعية والفطرة الإنسانية.