إيمان عمر الفاروق مع نهاية عام يلملم أوراقه وآخر فى مهده تتطوع الصحافة العالمية للعب دور أقرب إلى دور "العرافة " لتقوم بقراءة كف الدول العالمية وطالع الرؤساء والمسئولين وترسم لنا خريطة مستقبلية، لتلعب بذلك على وتر الفضول الغريزى لدى جمهور القراء، إلا أن أغلب تلك التوقعات يخاصم المستقبل، فنادرا ما يتحقق ما قرأناه بتوقعات الماضى حتى وإن كان مستندا لدراسات مراكز بحثية عالمية . فنظرة سريعة خاطفة لصفحات الصحف العالمية ببداية العام الماضى والتى احتشدت كالمعتاد بمئات التقارير التى تحاول استقراء الواقع والتنبؤ بالمستقبل، سنجدها تخلو من أية إشارة إلى تفشى فيروس إيبولا، أو تنظيم داعش أو انخفاض أسعار النفط . موقع "بلومبيرج" الأمريكى يشاركنا الرأى بتقرير ساخر بعنوان" عام 2014 خالف كل التوقعات " فكل ما قيل ببدايته لم يتحقق ولم يتوقع أحد ما شهده من أحداث حتى وإن لم تكن محورية أو خطيرة . موقع "ديفينس وان" المتخصص فى الشئون العسكرية والأمنية نشر تقريرا عزفا على ذات النغمة، لكنه أضاف لنا سببا آخر، يعطينا بدرجة أو أخرى تفسيرا لقصور مثل تلك التوقعات، وهو صدور بعضها منذ فترات زمنية بعيدة، فمثلا من أشهر وأهم تلك التقارير والتى يستند ويرجع إليها معظم العاملين بوسائل الإعلام العالمية تقرير"مجلس الاستخبارات القومى"، وهو بمثابة الجهة الرسمية التى تتولى مهمة بلورة وصياغة رؤية بعيدة المدى للتطورات العالمية للأحداث الجارية، وهو مطبوعة لا تخضع لتصنيف بذاته وتعتمد على جمع أكبر عدد ممكن من المعلومات لصياغة رؤية لما سيكون عليه العالم على مدار الخمسة عشر أو العشرين عاما المقبلة . فعلى سبيل المثال قام المجلس بإعداد تقريره عن عام 2015 فى عام 2000! وشمل رسم صورة عن الاتجاهات العالمية الجيوسياسية، التكنولوجية والديموجرافية، ومن المتوقع أن يُصدر المجلس تقريره التالى عام 2016 ليرسم لنا صورة العالم عام 2035. دفيد جوردن- مدير سابق بوزارة الخارجية الأمريكية لتخطيط السياسات وأحد أهم القائمين على إعداد تقرير 2015- أكد أن الهدف من التقرير لم يكن الخروج بحزمة تنبؤات، بل هو مجرد محاولة لبلورة رؤية للتغيرات الحيوية بالعالم الأقرب للحدوث وتتبع مسار ما ستئول إليه الأحداث. ولكن بالطبع عام 2000 كان العالم مغايرا تماما لما هو عليه اليوم، وكأننا كنا نعيش بكوكب آخر غير الذى نحيا فى ظله اليوم، فلم تكن هجمات الحادى عشر من سبتمبر قد وقعت بعد وما تلاها من تطورات دراماتيكية بالعالم أجمع من حرب العراق وأفغانستان، فضلا عن تغير نمط وحجم التهديدات الأمنية بشكل كبير عما كان عليه الوضع وقت كتابة التقرير، بحكم الفارق الزمنى الشاسع بين توقيت صدوره والعام الذى يرسمه. ومن التطورات التى تفضح زيف معظم – ولا نقول كل- تلك التقارير الجزء الخاص من تقرير "مجلس الاستخبارات القومى" لعام 2015 والذى تم إعداده كما أسلفنا عام 2000عن العراق، وهو بالفعل أقل ما يوصف به أنه مثيرا للضحك، فقد توقع التقرير أن تتمكن العراق بحلول عام 2015من امتلاك سلاح نووى! فقد ورد به ما نصه: "إن قدرات العراق على حيازة المزيد من أسلحة الدمار الشامل سوف تتأثر، لكنها وفق سيناريو ما سوف تتمكن من تطوير قدراتها التسليحية خصوصا فى مجال صناعة الصواريخ، ولكن ربما يتأخر موعد إطلاقها ومداها تبعا للمساعدات الخارجية التى سوف تتلقاها ولكنها سوف تمتلك سلاحاً نوويا بعام 2015 . وعلى ما يبدو أن ثمة أجندات سياسية تحفز مثل تلك التقارير، فربما كان الغرض مما ورد بشأن العراق تضخيم حجم التهديد الذى يمثله للولايات المتحدةالأمريكية والعالم. فأسلحة الدمار الشامل التى تحدث عنها التقرير أضحت أكذوبة شأنها فى ذلك شأنه.