أجرت الحوار– جيهان محمود الكاتب السودانى الشاب "حمور زيادة" كتاباته ذات نكهة خاصة.. إذ يقدم الحكايات الإبداعية والأحداث بروح التاريخ، كما فى روايته "شوق الدرويش" التى رشحتها الناشرة فاطمة البودى صاحبة دار العين للنشر فور صدورها لجائزة البوكر، ولم تمر شهور قليلة وفازت تلك الرواية بجائزة "نجيب محفوظ" التى تمنحها الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، وبرغم بُعدِه عن وطنه "السودان" منذ سنوات وإقامته بالقاهرة لم يبعد وجدانيا، ومعظم أعماله تنم عن حنينه للسودان، فتحمل أسماء مدنه وقراه، بدءًا من مجموعته القصصية "سيرة أم درمانية" عام 2008، ونشرتها دار "ميريت" ثم روايته "الكونغ" 2010 وأيضًا مجموعته القصصية "النوم عند قدمى الجبل" 2014، فضلاً عن كتاباته عن قضايا السودان فى مقالاته فى صحيفة "السوداني".. حول كل هذا جاء هذا الحوار: ماذا تمثل جائزة نجيب محفوظ ل "حمور زيادة"؟ هى جائزة قيّمة، وسعيد بلا شك.. لارتباطها باسم "نجيب محفوظ" من جهة، وأن تكون من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، إضافة إلى ترجمة الجامعة لروايتى "شوق الدرويش"، وهى فرصة طيبة لكل كاتب. فى رأيك كيف سيكون صدى الجائزة على رؤية النقاد والقراء لأعمالك؟ لا أحبذ الافتراضات، لكن لديَّ أمُنية طبعًا أن يكون صداها جيدًا، وتزيد من اهتمام النقاد والقُراء بالأدب السودانى عموماً، وليس بما أكتب فحسب؛ فأنا إن كنت محظوظاً بوجودى بقرب دائرة الضوء الثقافى بالقاهرة، إلا إن خلفى فى بلادى مئات من المبدعين الذين يستحقون المتابعة. ما خططك بعد حصول "شوق الدراويش" على الجائزة؟ لا أحب أن أقف عند محطة "الكاتب الحائز على الجائزة" طويلاً، لديَّ مشروع روائى ما زال فى بدايته، و"شوق الدرويش" هى الرواية الثانية لديّ ما أريد كتابته وحكايته بعدها، أتمنى أن أستطيع إنجاز ما أخطط له. هل أعمالك السابقة نالت تقدير النقاد مثلما حصدت "شوق الدرويش"؟ ليس بذات قدر "شوق الدرويش" بالتأكيد، روايتى الأولى "الكونج"، صدرت قبل شهرين من ثورة 25 يناير، لكنها برغم ذلك –فى تقديري– قدمتنى للوسط الثقافى المصري؛ لذلك كنت راضيا عما حققته الرواية، أمّا "شوق الدرويش" فقد تجاوزت سابقتها، وتجاوزت المجموعتين السابقتين. خرجت من السودان بسبب قصة كتبتها، وتعرضت لهجوم من بعض التيارات الإسلامية.. فما تأثير ذلك عليك كمبدع؟ تركتْ تلك الحادثة داخلى شعوراً بالألم، احتجتْ وقتًا لتجاوزه، أحزنتنى القراءة السيئة للقصة، لكنها على الجانب الآخر علمتنى درسًا قيّمًا عن استحالة سيطرة الكاتب على تأويلات القراء ورؤيتهم لعملك، وهو الدرس الذى حرصت على التمسك به فيما تلا ذلك من أعمال. وهل هذه الواقعة جعلتك تضع محاذير على نفسك قبل الكتابة؟ لا أبدًا، بل لعل من أسباب تفضيلى البقاء خارج السودان عجزى عن وضع محاذير وتقدير عواقب الكتابة، بعجز كهذا كنت أحتاج لمساحة حرية أكبر، حتى لا أتعرض لما سبق وتعرضت له. كيف ترى تأثير الإسلام السياسى على الإبداع فى الدول العربية؟ الإسلام السياسى مؤثر على المجتمعات العربية كلها، فبالتالى هو مؤثر وبقوة على الإبداع، من حيث الرقابة المجتمعية، أو انشغال المبدعين بالكتابة عنه كقضية تطرح نفسها بقوة فى مجتمعاتنا، الإسلام السياسى ليس مقطوع الجذور، إنه ابن بار للتربة المجتمعية العربية، إنه ابن الذهنية العربية المؤمنة بغزو العالم، والسيادة، والحكم لمن غلب. تناولت فى رواية "شوق الدرويش" الثورة المهدية.. فهل لها صدى فى ظروف السودان فى الوقت الحالي؟ "الثورة المهدية" هى أحد أهم أحداث التاريخ السوداني، وهى التى شكلت الجزء الأكبر من السودان الحديث، سودان اليوم هو إلى حد كبير نتاج هذه الثورة، بخيرها وشرها، بأحلامها وإنجازاتها وهزائمها، وظروف السودان اليوم إلى حد كبير لم تختلف عن ظروفه فى نهاية القرن التاسع عشر للأسف. هل تجاوز الأدب السودانى عقدة الطيب صالح ؟ أعتقد أن القارئ العربى هو من يعانى من عقدة "الطيب صالح"، لم يكن الأدب السودانى أسيراً للطيب صالح قط، القارئ العربى هو مَنْ لم يعرف "إسحق إبراهيم إسحق"، و"بشرى الفاضل"، و"عيسى الحلو"، و"زهاء طاهر"، و"على المك"، و"أبكر آدم إسماعيل"، وغيرهم عشرات ممن عاصروا "الطيب" وتلوه، ولم يكن أحدهم أسيراً لكتابة "الطيب" أو متأثراً به، لكن القارئ العربى توقف فى محطة "الطيب صالح" الإبداعية ولم ير غيره، و"الطيب" يستحق التوقف عنده بالتأكيد، لكن هناك إنتاجا أدبياً أوسع من ذلك لم يلتفت إليه أحد. هل دار النشر الأمريكية ستصبح الوكيل لترجمة أعمالك المقبلة؟ الجامعة الأمريكية تتولى ترجمة رواية "شوق الدرويش" فقط، ستأتى الأعمال المقبلة برزقها وقدرها. أنت تقيم فى القاهرة منذ سنوات.. كيف ترى المشهد الأدبى فى مصر؟ الأدب ابن للبيئة المجتمعية فى العموم، وأعتقد أن المنطقة كلها تعانى تردياً وحالة من الفوضى والتشويش، فمن الطبيعى أن ينعكس ذلك على الأدب، لكن يظل للأدب المصرى حيوية يستمدها من تاريخه الطويل، واتساع شريحة المثقفين والكُتّاب. هل أنت منغمس فى هذا المشهد الأدبى المصري؟ إلى حد كبير، نعم، لديَّ صداقة شخصية مع عدد من الكُتّاب المصريين الشباب المتميزين، مثل: إيهاب عبد الحميد، ومحمد خير، ونايل الطوخي، وطارق إمام، وأحمد عبد اللطيف، وغيرهم كثر، كما أن دار "ميريت" للنشر وصاحبها "محمد هاشم" وفرا لى بيتاً أدبياً احتضننى من أيامى الأولى فى القاهرة، مما ساعدنى على الاقتراب من المشهد الأدبى المصري. متى تعود إلى بيتك الأول (السودان)؟ هذا حلم لا ينفك يراودني، لكن لا أعرف متى يتحقق، يوم خرجت لم أكن أتخيل أنى سأعيش خارجه 5 سنوات، لكنها مرت بسرعة. الرواية تتناول وقائع تاريخية خاصة بالثورة المهدية.. كيف تتعامل كمبدع مع التاريخ؟ التاريخ عمومًا "قماشة" ممتازة للعمل الروائي، إنه عالم مكتمل، واضح، يمكن السيطرة عليه بسهولة فى الرواية، لكنى فى "شوق الدرويش" خصوصاً، حاولت الحفاظ على الدقة التاريخية بأكبر عدد ممكن من مراجع تلك الفترة، لا أدعى الكمال طبعاً، لكنى راضٍ إلى حد كبير عن الجهد البحثى والتوثيقى فى الرواية. كيف ترى إبداع الأجيال الشابة فى السودان؟ هناك حراك كتابى ممتاز من الشباب السودانيين، حراك مبشر فى ظل الظروف السياسية والاقتصادية للسودان، سينضج هذا الإبداع سريعاً، وأتمنى أن يجد فرصته لقارئ اللغة العربية خارج السودان، فالكتابة داخل الحدود فقط أمر محبط للكاتب. هل ستتوقف عن الكتابة الصحفية بعد حصولك على الجائزة؟ بالتأكيد لا، أنا أحب الكتابة الصحفية، بل أتمنى أن تفتح الجائزة أبوابًا أوسع للكتابة الصحفية. ما العمل الإبداعى المقبل ل "حمور زيادة"؟ أعمل حاليًا على رواية، لكنى لا أفضل الحديث عن عمل لم يكتمل بعد، فمن ناحية أنا بطئ فى الكتابة جداً، ومن ناحية أخرى أنا لا أرضى عن كتابتى بسهولة، فقد أترك العمل بعد أن يتجاوز نصفه وأنصرف لغيره، فالحديث عن العمل المقبل مازال مبكرًا.