إيمان عمر الفاروق إنه يبدو كالصقر بنظرته الشرسة وأفكاره المتحفزة، رحالة من كهوف أفغانستان إلى نخيل العراق، هاجمته عاصفة فضيحة ديفيد باتريوس، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق فطرحته أرضا إلى أن منحه أوباما قُبلة الحياة السياسية ليعاود التحليق فى سماوات السياسة ويشد الرحال إلى إسرائيل فى مهمة سرية لا نعلم عنها حتى هذه اللحظة سوى أنها كانت «لتفاهمات أمنية»، وهى عبارة مطاطة دبلوماسية! وأخيرا جاءت القفزة المباغتة المكوكية الشاملة كمنسق للتحالف الدولى لمواجهة داعش والذى يشمل حتى الآن 40 دولة، تُرى لماذا جون ألن بالتحديد الآن؟ سؤال قد يبدو وجيها لدى البعض، وساذجا لمن يتابع تاريخ الرجل ويدرك أن خبرته بالشرق لا تقتصر على العمل الميدانى بالمعنى العسكرى الجاف للكلمة، لكنه يحاول وضع يده على عوالم العرب الثقافية والفكرية والأثرية لدرجة أنه همس لصديقه ماريو لويلا – المحلل العسكرى بالبنتاجون – والذى كان برفقته أثناء إحدى جولاته بمحافظة الأنبار العراقية قائلا: "كم كنت أتمنى أن أصبح عالما بالآثار"، ولذلك فإن مثله الأعلى بعالم السياسة جيرترود بيل، وهى باحثة ومستكشفة وعالمة آثار عملت فى العراق مستشارة للمندوب السامى البريطانى بيرسى كوكس فى العشرينيات من القرن الماضى - ولعبت دورا بالغ الأهمية فى ترتيب أوضاعه بعد الحرب العالمية الأولى، فقد كانت بسعة علاقاتها ومعارفها وخبراتها بالعراق أهم عون للمندوب السامى البريطانى فى هندسة مستقبل العراق، ويعتبرها البعض جاسوسة. ويحفظ الجنرال ألن كتاب "أعمدة الحكمة السبعة " وهو من تأليف الضابط الإنجليزى توماس إدوارد لورانس أو كما يعرفه الكثير من الناس بلورنس العرب، والمفارقة أنه هو الآخر كان على علاقة بجيرترود بيل! وكما يعلم الجميع، فإن هذه الشخصية التاريخية الاستشراقية التى دخلت إلى ثقافتنا وأثرت فيها بشكل كبير، كانت عبارة عن رحلة رجل إنجليزى داخل الصحراء العربية إبان الحرب العالمية الأولى، لكنها لم تكن رحلة رجل عادى، بل هى مسيرة رجل فى مهمة لتجنيد القبائل العربية ضد الدولة العثمانية. فعلى سبيل المثال، تحدث لورنس عن الشخصية العربية، وكيف استطاع أن يحول القبائل المتناحرة، التى لا تدين لأحد أبدا، لتقف صفا واحدا مع الإنجليز ضد الأتراك. وقد قال فى وصف الروح العربية" إن العربى "حين يصدق بك ويؤمن برسالتك، سوف يتبعك إلى أقاصى الدنيا، ولو بذل فى ذلك حياته "وإذا بتلك الكلمات يتردد صداها بأذنى وأنا أتابع دور ألن فى تعزيز العلاقات مع القبائل السنية فى العراق، وحركة الصحوة العراقية وقدرته على حشد القبائل السُنية فى العراق ضد تنظيم القاعدة إبان عمله بمحافظة الأنبار العراقية فى الفترة فيما بين عامى 2006 و2008 . وعادة عندما يتم طرح اسم الجنرال جون ألن نتذكر على الفور دوره بأفغانستان كقائد للقوات الأمريكية إلى جانب مهمته بالعراق، لكن ثمة محطة منسية أو بالأحرى سرية لم يتطرق إليها كثيرون ألا وهى دوره كمستشار لوزير الدفاع الأمريكى تشاك هاجل وبشكل أكثر دقة مسئول ملف "الأمن الإسرائيلى"! جريدة "الواشنطن بوست" بعددها الصادر بتاريخ 30 يونيو 2013 سلطت الضوء على هذا الجانب الخفى بتاريخ جون ألن، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية قد فرضت ستارا من السرية على تلك المهمة من حيث أهدافها ومداها منذ أن تولاها ألن بمايو 2013 واكتفت بالقول بأن مهمة ألن تشكل جزءا من عملية أوسع نطاقا لإحلال "السلام" بالشرق الأوسط! ولذلك رفضت معظم المصادر التى تحدثت "للواشنطن بوست" ذكر أسمائها فيما عدا جورج ليتل المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية الذى صرح قائلا " يتركز دور جون ألن على القضايا الأمنية ضمن أجندة وزير الخارجية جون كيرى " .كذلك أعرب المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية بواشنطن عن تقدير بلاده لدور جون ألن وتعاونهم معه بمنتهى الجدية لضمان أمنهم . وللغرابة كان وزير استخبارات إسرائيل يوفال شتنانيتس أكثر صراحة عندما حدد بعض القضايا التى تندرج ضمن مهمة جون ألن ولعل أهمها ضمان ديمومة سيطرة إسرائيل على هضبة الجولان والفضاء الجوى المحيط بالضفة الغربية ومحطات الإنذار المبكر. وخلال عامى 2007و2008 قام ألن بزيارة إسرائيل مرتين للتشاور بشأن الآليات الجديدة لضمان حفظ أمن إسرائيل، وعقد سلسلة لقاءات مع عدد من المسئولين الإسرائيليين رفيعى المستوى بمدينة شتوتجارت الألمانية. على أن دور ألن يقتصر على التباحث مع الجانب الإسرائيلى فقط دونما تشاور أو تنسيق مع السلطة الفلسطينية، وذلك وفق ما ذكرته جريدة "هاآرتس"العبرية بتاريخ 23 مايو 2013. وأضافت أن ألن يعمل على سد فجوة الإمدادات الأمريكية لإسرائيل وتلبية الاحتياجات التى تقدم بها رئيس وزراء إسرائيل نتانياهو . الموقع الرسمى لوزارة الخارجية الأمريكية نشر بيان لوزير الخارجية ألأمريكى جون كيرى يوم السبت الماضى يؤكد من خلاله سعادته البالغة بتولى جون ألن مهمة مواجهة "داعش" وذلك بالعمل عبر عدد من الخطوط المتوازية لتحجيم وتدمير قدرات التنظيم . والخطير ما ذكره كيرى عن علاقته الوثيقة بجون ألن والجهد الذى بذله لصياغة رؤية جديدة لآليات الأمن الإسرائيلى . وتجدر الإشارة إلى أن ألن سوف يعاونه فريق ضخم يتقدمهم بريت ماكجيرك أحد أشهر مساعدى جون كيرى، والذى أمضى العام الماضى متنقلا بين بغداد وأربيل، وشغل منصب مستشار خاص لثلاثة سفراء بالعراق وسوف يبدأ كل منهما العمل فورا . ويشتهر ألن بجديته وشراسته وحرصه على إتمام المهام التى يتم إسنادها إليه على الوجه الذى يرضى رؤساءه، فهو لا ينام سوى أريع ساعات يوميا وأمضى 50 شهرا متواصلا بأفغانستان دون أن يأخذ إجازة لرؤية زوجته وابنتيه سوى مرة واحدة فقط قضاها فى حضور جلسات استماع بالكونجرس . وتبقى نقطة سوداء بملف جون ألن ألا وهى تورطه بفضيحة ديفيد باتريوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية، والتى استقال على إثرها، ورغم تبرئة ساحة جون ألن من التهم التى وجهت إليه، فإن تلك الفضيحة تظل تطارد تاريخه ومستقبله ويتذكرها الشعب الأمريكى للرجل ربما أكثر من تاريخه العسكرى. ومن المؤكد أن ألن هو الآخر لن ينساها لأنها أطاحت بأحد أهم أحلامه الوظيفية، حيث قام الرئيس الأمريكى باراك أوباما بتجميد تعيينه فى منصب القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسى فى أوروبا بانتظار نتائج التحقيق الذى يجريه المفتش العام لوزارة الدفاع حول قيامه بإرسال رسائل غير مناسبة إلى امرأة على علاقة بالفضيحة التى أرغمت بترايوس على الاستقالة وقد جاء تأجيل أوباما لهذه الخطوة بناء على طلب من وزير الدفاع آنذاك ليون بانيتا . وكان مكتب التحقيقات الفدرالى قد عثر على ألف صفحة من المراسلات بين الجنرال جون ألن وجيل كيلى، التى كانت وراء كشف فضيحة العلاقة غير الشرعية التى أقامها بترايوس. وشكلت هذه المعلومات تطورا جديدا مفاجئا فى الفضيحة التى هزت واشنطن بعد أيام قليلة على إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما . وكانت جيل خوام كيلى، وهى أمريكية من أصل لبنانى، قد طلبت من مكتب التحقيقات الفيدرالى التحقيق فى رسائل تحمل تهديدات تتلقاها من مجهول تبين بعدها أنها من بولا بروديل، عشيقة بتروايوس. وأرسلت بروديل رسائل التهديدات تلك بعد أن شكت بوجود علاقة بين بترايوس وكيلى، وهو أمر نفته كيلى بشدة، وقالت إنها صديقة لبترايوس وعائلته. وقال وزير الدفاع ليون بانيتا إن مكتب التحقيقات أبلغ وزارته بالقضية، وأنه أحالها إلى مكتب المفتش العام فى البنتاجون للتحقيق فيها. وأضاف بانيتا أن ألن سيبقى فى منصبه فى كابول، لكنه طلب من لجنة القوات المسلحة فى مجلس الشيوخ إرجاء أى تحرك بشأن تعيين ألن كقائد أعلى لحلف شمال الأطلنطى. وفور أن تمت تبرئة ساحة ألن سارع أوباما بتعينه مستشارا لكيرى وهاجل وزير الدفاع الحالى وتم إسناد مهمة أمن إسرائيل إليه. وتجدر الإشارة إلى أن الفترة التى تولى فيها ألن قيادة القوات الأمريكيةبأفغانستان قد شهدت فظائع، كقيام بعض أعضاء البعثة الأمريكية بحرق نسخ من المصحف، فضلا عن المجزرة التى راح ضحيتها نحو 70 أفغانيا.