أحمد أمين عرفات هل تصدق أن محطة الزهراء لتربية الخيول العربية الأصيلة التابعة لوزارة الزراعة فقدت سمعتها التي كانت لها في الماضي كقبلة مربي الخيول العربية على مستوى العالم، نظرا لما تحظى به من سمعة طيبة طوال تاريخها الذي اقترب من مائة عام بشأن دقة تسجيل الخيول، وأصبحت المحطة الآن كما يقولون "فضيحتها بجلاجل" عالميا، وذلك بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي الحظر على استيراد الخيول العربية من مصر منذ أربع سنوات، ومع تكرار تجاوزات هذه المحطة سلكت الدول العربية نفس المسلك، فتوقف تصدير الخيول نهائيا مما أفقد مصر دخلا كبيرا بالعملة الصعبة هي في أمس الحاجة إليه في وقتنا الحالي. وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل إن المنظمة العالمية للحصان العربي " الواهو" هددت بتعليق عضوية مصر برغم أنها من أوائل الدول التي أسست هذه المنظمة، والسبب في ذلك حدوث أخطاء وتجاوزات من قبل محطة الزهراء فيما يتعلق ببصمة الحمض النووي (DNA) الخاصة بتحديد السلالة والطريقة المتبعة في تسجيل الخيول. ووصل الأمر بالدكتور هانز ناجل، رئيس "الواهو" أن يعلن اندهاشه للحالة التي وصلت لها المحطة والتي كانت من قبل تحظي بتقدير وثقة كبيرة، ولم تكن يوما محل شك مبديا رغبته في أن تظل مصر موطنا لأحد أفضل مرابط الخيول في الشرق الأوسط نظرا لما تتمتع به من خبرات كبيرة على مدار التاريخ، ومطالبا للحفاظ على سمعتها، بتصحيح تلك الأخطاء أو تعليق عضوية مصر حتى تتم معالجة جميع حالات التقصير، وهو ما يعني أن المنظمة لن تسمح بتسجيل أى حصان عربي من أصل مصري بعد ذلك. إنها كارثة ما بعدها كارثة عندما تصل بنا الحال كدولة رائدة في تربية وتسجيل الخيول العربية إلى ما وصلنا إليه، وللوقوف على حقيقة الأمر قررنا الذهاب إلى هذه المحطة، وفي محاولة لتحديد موعد مع المسئولين عنها لزيارتهم، كانت كل تليفونات المحطة ترن دون رد، حتى تخيلنا أنها خلت من البشر، وبعد أيام من الاتصالات المتتالية، رد المهندس كامل حسن رئيس المحطة، فطلبنا مقابلته فرحب وحصلنا على رقم هاتفه لتحديد موعد يناسبه، ليصاب تليفونه بعد ذلك بالخرس فهو إما مغلق أو أنه يعطي جرسا ولكنه لا يرد، وظللنا لأيام أخرى نحن نحاول التواصل معه عبر هاتفه الأرضى أو تليفونه المحمول دون جدوى. وهو ما دفعنا للذهاب لمحطة الزهراء دون موعد مسبق. ولمن يدخل المكان ولأول وهلة لابد أن يشعر بتاريخه الطويل وأشجاره العتيقة، لدرجة أننا عندما وطأت أقدامنا أرض المحطة لا ندري لماذا تذكرنا أغنية ليلي مراد «اتمخطري يا خيل «، ولكن سرعان ما شممنا رائحة الموت تلف المكان. وأثناء سيرنا توقفنا عند رجل يبدو عليه علامات الغيظ وعرفنا منه أنه جاء لتسجيل عينة (DNA) من إحدي المزارع الخاصة ولكنه لم يجد أحدا في إدارة التسجيل، وعليه أن يأتي في يوم آخر في هذا الحر الشديد. اللقاء المرتقب التقينا رئيس المحطة المهندس كامل حسن، الذي صدمته زيارتنا، فأخذ يبرر عدم رده بأنه كان مريضا، وعندما طلبنا أن نصور بالقلم والكاميرا بانوراما عن المحطة، طلب أن يتم ذلك في اليوم التالي، لأن أغلب المسئولين عن الإدارات لم يحضروا لوجودهم خارج المحطة في مهمة وظيفية، سألناه: أليس هناك من ينوب عنهم في كل إدارة، وهل عندما يخرج مسئول يصحب معه كل الموظفين فلا يجد المتعاملون مع المحطة من ينجز لهم مصالحهم، فلم يجب وحتى يشغلنا قال يمكنكم الذهاب إلى مدام كريمة في المكتبة لتتعرفوا على تاريخ المحطة، وترون صور محمد على باشا وهو يركب الحصان العربي، وفي المكتبة كانت كريمة تجلس وسط الكتب وحيدة لتشكو لنا إهمال المكتبة من قبل المسئولين وعدم اهتمامهم بتغليف أو عمل ترميم لكتبها القيمة، فالكثير منها أوراقها « دايبة « على حد قولها، مطالبة بترجمة أغلب الكتب لأنها بلغات أجنبية. وفي اليوم التالي وحسب الموعد المحدد، ذهبنا لنفاجأ بأن رئيس المحطة غائب وكذلك كل الإدارات المهمة مغلقة ولم يحضر منها أحد، اللهم إلا بعض الموظفين في الإدارات الأخرى التي لا عمل لها دون وجود الإدارات الغائبة، بينما هناك سيدة أمريكية ومعها مرافق لها مصري قد جاءت لتسجيل 6 عينات (DNA) لخيول تملكها، وكذلك ممثل لإحدي المزارع الخاصة جاء لنفس الشيء، فعادوا جميعا يجرون أذيال الخيبة. بقينا في المحطة ولم نغادرها وتشاء الظروف أن نلتقي عدداً من العاملين بها بعضهم شغل مناصب مهمة ومنهم من لا يزال، فوجدناهم يتحدثون بمرارة لما أصاب هذه المحطة بعد أن كانت في قمة تألقها سابقا، وحاولنا التحدث معهم لكنهم طلبوا عدم ذكر أسمائهم فوافقنا، فما يهمنا هو الوقوف على الحقيقة التي تهرب منها رئيس المحطة والمسئولون عنها حاليا وإليكم القصة كما قالوها: خراب مالطة منذ سنوات والإهمال يضرب في هذه المحطة، وتفاءل الكثيرون خيرا باختيار رئيس جديد لإدارة الهيئة الزراعية المصرية المسئولة عن المحطة، ولكنه فشل في أول اختبار حقيقي له، عندما ظهرت حالات سعار بالمحطة، مات على إثرها 4 خيول من أجود الأنواع، فطلبنا منه ومع أول حالة وفاة أن يوفر لنا الأمصال اللازمة للسعار، لأن هذا المرض يمثل خطرا كبيرا ولابد من التحصين حتى لا ينتقل لكل الخيل مع ضرورة تعلية الأسوار لمنع دخول الكلاب وشراء مبيدات لمكافحة الفئران، ولكنه لم يبال بطلبنا فعاودنا الطلب مرة أخرى مع وفاة الحصان الثاني، وكان الرد بأنه لا توجد ميزانية كافية، برغم أن المبلغ المطلوب كان في حدود 13 ألف جنيه، ولم يبدأ التحرك إلا مع وفاة الحالة الرابعة، ولكن بعد خراب مالطة، لأنه كانت هناك فرستان إحداهما من فصيلة « العبيانة « التي تعد من أندر الفصائل، ولا يقل سعر الواحدة منهما عن نصف مليون جنيه، علاوة على أن كلاً منهما كانت حاملا، مما أفقد المحطة دخلا كبيرا، ثم بعد ذلك شهدت المحطة سيلا من التجاوزات نتيجة إهمال الخبرات والاهتمام فقط بالمحاسيب، وإسناد مهام لا خبرة لهم بها، حتى أصبح التعامل مع المحطة وكأنها عزبة خاصة، ووصل الأمر إلى أن يجتمع مجلس الإدارة من أجل الموافقة على سفر موظفة خريجة حقوق تعمل في إدارة التسجيل كمدخلة للبيانات إلى الكويت، بحجة التدريب على مهام التسجيل، في حين أنها لم تسافر من أجل ذلك ولكن لحضور مهرجان للخيول هناك، وسافرت بالفعل وقد دون أمام الأيام التي غابتها» مأمورية رسمية «، وهناك أيضا من تم تعيينها بالثانوية العامة مجاملة لشقيقتها التي تعمل بالمحطة. وعن سبب حظر الاتحاد الأوروبي لاستيراد الخيول من مصر، وفقاً لمصادرنا حدث منذ أربع سنوات، عندما قامت المحطة بتصدير حصان واكتشف الاتحاد الأوروبي أنه مريض، ليفاجأ بعد ذلك بأن المحطة تقوم بإعطاء تحصين سداسي للخيول، منها المرض الذي تم اكتشافه مع بعض الأمراض غير الموجودة في مصر، فوجد في ذلك دليلا على وجود المرض في مصر، كما وجد الاتحاد الأوروبي أن المحاجر البيطرية لا تصلح لسكن الخيل، وحاليا يتم هدمها وإعادة بنائها من جديد. إهمال كبير وبرغم طلب الاتحاد الأوروبي بضرورة عمل حصر شامل لكل هذه الأمراض على كل الخيول في مصر، فإنه حسب تأكيدهم، لم يتم حتى الآن، وهناك إهمال كبير في التعامل مع هذا الملف، مكذبين كل التصريحات التي تخرج عن الهيئة الزراعية والمحطة بأن قد تم عمل مسح شامل، وأن الحظر على وشك الزوال غير حقيقي، كاشفين أن هناك أمراضاً تحتاج لمسحها مواد كيمياوية معينة، وحتى الآن لم يتم توفيرها، وبالتالي لم يتم عمل المسح الشامل بالنسبة لجميع الأمراض حسبما طلب الاتحاد الأوروبي، مشيرين بأن الحظر لن يتم رفعه قريبا كما يتردد، لأنه لن يتم إرسال التقرير وهو غير مكتمل. وليت الأمر اقتصر على دول الاتحاد الأوروبي بل امتد أيضا إلى الدول العربية، التي أيضا قررت حظر الاستيراد من مصر، ولم يكن يتعامل مع مصر حتى وقت قريب سوى الأردنوالكويت، فالدول العربية ليس لديها استعداد لشراء خيول من مصر لتكتشف بعد ذلك بأنها غير أصيلة. وما يحدث في المحطة وخصوصاً في قسم التسجيل من أخطاء، كان السبب الرئيسي في إعلان المنظمة العالمية للحصان العربي «الواهو» تهديدها بتعليق عضوية مصر، وأرسلت خطابا أوضحت فيه بأنه سيتم منع تسجيل أى خيل من أصل مصري، ما لم يتم إصلاح الأخطاء التي رصدتها في تسجيل الخيول الواردة من المحطة، كما اكتشفت أن بعض تحليلات ال (DNA) غير صحيحة، علاوة على تأخير إجرءاتها من قبل المحطة لمدة تصل لعامين، وقد نشرت المنظمة ذلك على صفحاتها وعلمت به كل دول العالم، مما جعل سمعة المحطة تهتز عالميا فيما يتعلق بأمانتها في الإجراءات المتعلقة بتسجيل الخيول العربية. وبادر المسئولون بالهيئة الزراعية بالرد على هذا الخطاب مع وعد بتصحيح ذلك، فما كان من المنظمة، إلا أن شكرتهم على سرعة الرد وإبلاغهم بأنها سترسل وفدا من جهتها للتأكد من حل المشكلة، والغريب في الأمر أن المسئولين في الهيئة والمحطة أخذوا يشيعون بأن المنظمة تفهمت الحقيقة، وشكرت المحطة على جهودها، وبالطبع لم يكن هذا سوى من وحي خيالهم، ولم يكن شكر المنظمة لهم على أنهم تعاملوا من المشكلة، ولكن لسرعة ردهم بأنهم سيتخذون اللازم لحلها، وذلك حسب تأكيد من تقابلنا معهم. أبواب الفساد كما أكدت إحدى المسئولات بالمحطة أنها اكتشفت أخطاء فادحة فى مكتب التسجيل و شغل من تحت التربيزة مع المرابين أصحاب المزارع الخاصة، و تربح واختلاسات، على حد قولها، مؤكدة أن بعض عينات ال (DNA) للعديد من الخيول تم إرسالها لمعامل لندن ودبي من خلال أشخاص يعملون في المحطة، بينما الأموال لم تدخل خزينة المحطة، إذ لا توجد إيصالات بأسماء هذه الخيول التي تم إرسال عيناتها، كما أشارت أيضا إلى أن التبرعات التي تأتي من أصحاب المزارع لدعم مهرجان جمال الخيول العربية الذي تقيمه المحطة كل عام، تعد بابا للفساد، حيث كانت تعطي نظير تسهيلات غير مشروعة. ولكننا لن نخوض في تفاصيل ذلك، لأن ذلك رهن التحقيق حاليا من قبل النيابة والجهات الرقابية. يا رئيس الوزراء هل يعقل ومصر في حالة ثورة على كل الأخطاء أن تترك محطة لها كل هذه الأهمية التاريخية في يد من لا يحافظون عليها؟ وهل ينتظر وزير الزراعة الجديد إلى أن يتم سحب الثقة منها باعتبارها الجهة الوحيدة المنوط بها تسجيل الخيول العربية فتضيع معها ثقة العالم فينا؟ الأسئلة كثيرة ومتعددة وتبحث عن إجابة لها، وكلنا أمل أن يفتح المهندس إبراهيم محلب، ملف هذه المحطة حتى يعيد لها مكانتها وبريقها وتعود الريادة لمصر في مجال الخيول العربية كما عهدها العالم.