سهير عبد الحميد فى منتصف الخمسينيات جاءت «هيلجا» الصحفية الألمانية لتزور تلك الضاحية «بلبيس» حيث يقطن الطحاوية أصحاب الصيت فى تربية الخيول العربية الأصيلة، ومن عشق الخيول وقعت فى عشق آخر حي «هيلجا» جسرا للتواصل بين الطحاوية وعشاق الخيل من الألمان.. قصتها قصة حب تعدت حواجز اللغة والثقافة وجمع حب الخيل بينها وبين رجل ورث هذا الحب عن جدود الجدود . فالخيول فى تراث العرب أصل وفصل..حسب ونسب..عز وعزة...أفردوا لها الأشعار ورسموها على المنمنات. وكان من هجاء الرجل أن يعير بهزال خيله فقال شعراؤهم «والصون للخيل أجمل، متى تكرموها يكرم المرء نفسه» وجاء الإسلام ليعضد من مكانة الخيل التى أقسم بها المولى فى قوله: «والعاديات ضبحا» وذكرها كإحدى شهوات الدنيا فى قوله « زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة». ومن شبه الجزيرة العربية إلى بلبيس التى فتحت ذراعيها لاستقبال العرب الفاتحين جاءت الخيول بأنسابها التى حفظتها سجلات تدقق وتعرف كل باسمه وفصله لسابع جد. فى بلبيس الآن يقطن أحفاد قبيلة عرب الطحاوية،الذين ما زالت لهم بقايا بالقرب من مدينة جدة السعودية، جاءوا إلي مصرمنذ قرن ونصف القرن من الزمان ومعهم خيولهم وسيلتهم فى التنقل والترحال فى رحلات قبيلتهم الأم بنو سليم وعرب الهنادى التى تفرعت منها قبيلة عرب الطحاوية التى تنسب إلى الطحاوى ابن الشافعى الذي كان ضمن الحرس الخاص لإبراهيم باشا فى فتوحاته لضم الحجاز إلى مصر..وكانت مكافأة الطحاوى وإخوته عامر وسليمان ويونس وكريم إقطاعات من أراضي صحراء بلبيس فى منطقة مركز الحسينية. يقول د.عبد الحكيم الطحاوى، عميد معهد الدراسات الآسيوية بجامعة الزقايق : تنتشر قبيلة الطحاوية حاليا فى نحو خمسة مراكز فى شرق الشرقية، وهى الممتدة بين بلبيس جنوبا والحسينية شمالا مرورا بأبو حماد وأبو كبير والصالحية وكفر صقر ومن خلال وجود الطحاوية واهتمامهم بتربية الخيول العربية اتخذت محافظة الشرقية من الحصان شعارا لها.ومن الثابت تاريخيا أن عرب الطحاوية اهتموا بتربية الخيول العربية الأصيلة بفروعها : الصقلاوية، الخلاوية، الدهمة، العبية.. والتى جلبوها من شبه الجزيرة العربية. وفازت خيولهم فى أول سباق أقيم للخيول فى مصر نهاية عهد الخديو إسماعيل. وشارك الطحاوية بخيولهم فى حفل افتتاح قناة السويس..وكانت شهرتهم فى تربية الخيول سببا فى إقامة علاقات وثيقة بينهم وبين الحكام والساسيين، ومنهم عباس باشا الأول واللورد كرومر والليدى بلينت التى كانت تمتلك فى ثلاثينيات القرن الماضي مزرعة مهمة للخيول فى سقارة وكذلك البارون إمبان الذي استعان بخيولهم فى السباقات التى أقامها على أرض السباق فى مدينته هليوبوليس.. وتوثقت علاقاتهم بالملك عبد العزيز وحكام المملكة السعودية حتى حرص الملك عبد العزيز أثناء زيارته لمصر على زيارة عرب الطحاوية، حيث أقيمت له الاحتفالات فى منطقة أنشاص وحضر جموع عرب الطحاوية بخيولهم وصقورهم. ومثلما اهتم العرب القدماء بتسجيل أنساب خيولهم اهتم بها العرب المحدثون.. يشير د. عبد الحكيم الطحاوى إلى حرص الطحاوية على أنسا ب خيولهم رغم عملية التهجين، بتسجيل أنساب المولود من الخيل واسم أبويه وفصيلته، وكان الحفاظ على نسل الخيول هو النواة الأولى التى قامت عليها محطة الزهراء..وبينما كان أصحاب الخيول فى الستينيات يستوردون خيولا أجنبية وأحدثوا نوعا من الهجين بينها وبين الخيول العربية، كان الطحاوية مازالوا يسيرون على الدرب حتى لم يعد مقيدا من الخيول العربية الأصيلة إلا الموجود فى محطة الزهراء ومنها خيول الطحاوية. من أجل الخيول يزرع الطحاوية الشعير والبرسيم ويداوونها بوصفاتهم البدوية المتوارثة، وتشتهر خيولهم بالألوان الأبيض والأحمر والأزرق والأسود وكل هذه الألوان تكسبه نوعا من الجمال لا تتمتع به الخيول الأجنبية، لأنها تؤكد تناسق جسمه من حيث الأنف والرقبة والطول والارتفاع وشكل الحصان العام مما جعل من خيول الطحاوية الأبرز على مستوى العالم فى مسابقات الجمال...ومن خيول الطحاوية نشأ الحصان المصري العربي الذي أصبح يتميز عن غيره من الخيول فى قوة التحمل والجمال وسباقات الجرى وكلها مسابقات تشارك فيها خيول عرب الطحاوية وقد فاز الفرس « محتارة والله « بالسباق الدولى الذى جرى فى لبنان. كما حصل أحد الخيول على كأس الملك عبد الله. ومن أشهر خيول الطحاوية الحصان «دهمان» الذي ذاع صيته منذ ثلاثينيات القرن الماضى ووصل أبناؤه ومنهم بركات إلى العالمية فى أوروبا وغيرها. خيول الطحاوية تتسم بأنها متوسطة الارتفاع (140-160سم ) والحصان له خمس فقرات قطنية والدماغ بارز وصغير ومقبول الشكل والجبهة عريضة والعيون سوداء صافية واسعة والأجفان كحلاء والصدر واسع ملىء بالعضلات البارزة والجلد رقيق يجعله أكثر حساسية من غيره. والأسعار تتوقف على الأصل فالخيول المسجلة فى محطة الزهراء تصل أسعاره إلى خمسين ألف جنيه فى حين تصل الخيول العادية المهجنة إلى عشرة آلاف جنيه.. قرية الفروسية الدور التاريخى للطحاوية فى تربية الخيول أدى إلى إقامة مهرجان سنوى لمسابقات الخيل من مسابقات الجمال والجرى والحواجز، يشارك فيها العديد من مزارع الخيول على مستوى العالم..هذا المهرجان الذي بدأ منذ عشرين عاما وتوقف فى الثلاث سنوات الأخيرة، حتى تمت إقامته ثانية فى مايو الماضى كان سببا كى تفكر محافظة الشرقية فى إنشاء قرية للفروسية فى صحراء بلبيس تضم فندقا وأماكن للإقامة ومركزاً طبياً وكل ما يلزم لإقامة مسابقات الخيول.