عماد حجاب أصبحت المنطقة العربية على موعد مع ميلاد كيان جديد قبل نهاية هذا العام، يمثل تغيرا كبيرا فى مفاهيم التعامل مع قضايا حقوق الإنسان العربي، وهو إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، والتى تمثل نقلة حضارية عربية، حيث إن المنطقة العربية هى المنطقة الوحيدة فى العالم التى لا توجد بها محكمة لحقوق الإنسان، بعد أن سبقتنا إليها أوروبا وأمريكا منذ 60عاما تلاها إفريقيا منذ 30عاما، وبقيت الدول العربية مترددة فى إنشائها، لعدم مرونة الميثاق العربى لحقوق الإنسان. وفتحت الثورات العربية التى شهدتها مصر وتونس وليبيا واليمن الباب من جديد لمناقشتها بعد جهود قامت بها الجامعة العربية ومملكة البحرين، وتقدم عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة بمبادرة للدعوة لإنشاء المحكمة واستضافة مقرها بالبحرين أمام القادة العرب فى قمتى الكويت والدوحة، لتلبى إنشاء المحكمة والتى وافق القادة العرب عليها وأصدروا قرارا بإنشائها، لتقوم الجامعة العربية بتشكيل فريق عمل قانونى رفيع المستوى من خبرات عربية ودولية، لإعداد النظام الأساسى، وآليات عمل المحكمة العربية. وقامت مملكة البحرين منذ أيام بعقد أكبر تجمع عربى خلال المؤتمر الدولي حول إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، والذى نظمته المؤسسة الوطنية البحرينية لحقوق الإنسان ودعوة جميع الأطراف العربية صاحبة المصلحة التى تمثل صوت الشعوب العربية، لمناقشة النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان، وشاركت به وفود من 21دولة عربية، و120 مؤسسة وطنية حكومية لحقوق الإنسان والبرلمان العربى ومنظمة للمجتمع المدني لحقوق الإنسان بالدول العربية، وقضاة من المحكمة الأوروبية والأمريكية والإفريقية لحقوق الإنسان، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأممالمتحدة، والأمين العام للجامعة العربية، والأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي. وشمل النظام الأساسى 28 مادة، الذى تطرحه مجلة «الأهرام العربى»، وينص أن يتم إنشاء المحكمة في إطار جامعة الدول العربية، وتهدف إلى مراقبة تنفيذ الدول الأطراف التزاماتها الناشئة من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وتشكل المحكمة من سبعة قضاة من مواطني الدول الأطراف الأعضاء بالجامعة العربية، ويتم انتخاب رئيس لها وولاية القضاة أربع سنوات، وأن يكون القضاء مستقلين في مهامهم في خدمة المحكمة في أي وقت، ويكون يكون اختيار القضاة بالانتخاب عن طريق الاقتراع السري من قائمة تضم أسماء المرشحين من الدول الأعضاء من المشهود لهم بالنزاهة والالتزام بالقيم الأخلاقية العالية، مع إمكانية إعادة انتخابهم لمدة تالية مرة واحدة فقط، وتنتخب المحكمة من بين أعضائها رئيسا ونائبا للرئيس لمدة سنتين، ويجوز إعادة انتخابهما لمرة واحدة. وتختص المحكمة بجميع الدعاوي والنزاعات الناشئة عن تطبيق وتفسير الميثاق العربي لحقوق الإنسان أو أية اتفاقية عربية أخرى في مجال حقوق الإنسان، وتفصل في أي نزاع يثار حول اختصاصها بنظر الدعاوي أو الطلبات أو الحالات التي تنظرها، ولا يعمل بالقضايا بأثر رجعي قبل عمل المحكمة. وينص النظام الأساسى على عدم قبول الدعاوي قبل استنفاذ التقاضي محليا ووطنيا، ولا يلتزم بتطبيق أحكام المحكمة الدول الموقع والمصدقة على المحكمة، ويجوز للمحكمة التعاون مع الأطراف للحل الودي، فيما يكون الحكم الذي تصدره المحكمة له قوة النفاذ بالنسبة للدول التي قبلت اختصاص المحكمة، و يجوز للمحكمة بناء على طلب إحدى الدول الأعضاء أن تصدر آراء حول أي مسألة قانونية ذات صلة بالميثاق، ويجوز للمحكمة في أي مرحلة من مراحل الدعوى أن تتعاون مع أطراف النزاع، كما تكون جلسات المحكمة علنية وتصدر الأحكام غير قابلة للطعن خلال 60 يوما، والمحكمة بحاجة لموافقة سبع دول لتكن موضع التنفيذ، ويتمتع جميع العاملين بالمحكمة بالامتيازات والحصانات الممنوحة لممثلي الدول الأعضاء لدى جامعة الدول العربية. وجاءت حماسة الدكتور نبيل العربى الأمين للجامعة العربية قوية، قال ل«الأهرام العربى» إن مشروع النظام الأساسى للمحكمة تم الانتهاء منه تقريبا، من خلال فريق قانونى عربى رفيع المستوى، وسوف يعرض على الاجتماع الوزاري للجامعة العربية في سبتمبر المقبل بالكويت ثم القمة العربية في نوفمبر بالقاهرة لإقراره، من أجل بدء عمل المحكمة ومقرها البحرين فى فبراير العام المقبل وفقا للجدول الزمنى المقترح، وذلك انطلاقا من إيمان الجامعة العربية بدورها فى حماية حقوق الإنسان العربى وتحقيقا للعدل والمساواة وسيادة القانون، و لتحقيق مقاصد وأهداف الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وأن الرسالة التي أوجهها للعالم من خلال مؤتمر البحرين، هي أن قراراتنا فى الجامعة العربية تصدر بإرادة سياسية جماعية لاستهداف تطوير منظومة وآليات احترام حقوق الإنسان العربي، و إن الجامعة العربية تقدر بشدة مبادرة عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة بالدعوة لإنشاء المحكمة واستضافة مقرها. فيما اعتبر عبداللطيف بن راشد الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن قيام مجلس الجامعة العربية بإعداد النظام الأساسى، وقرارها بالموافقة على إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، سيبقى تاريخا خالدا في ذاكرة المسيرة العربية الرامية لدعم حقوق الإنسان، لاستكمال منظومة المؤسسات العربية التي تعنى بحقوق الإنسان العربي وحمايتها، وتحقق العدالة في أوطاننا العربية ، وأن مجلس التعاون الخليجى قام لأول مرة بإنشاء مكتب لحقوق الإنسان وتشكيل بعثة دائمة لحقوق الإنسان بمقر منظمة الأممالمتحدة بجنيف للتفاعل مع المنظمة الدولية فى هذه القضايا. وفى المقابل جاء موقف أحمد الجروان رئيس البرلمان العربي واضحا، والذى ترجم حجم الصعاب التى تواجهها المنطقة، قائلا: إن الدول العربية تواجه تحديات صعبة تمثل مساسًا بحقوق الإنسان، مما يتطلب زيادة العمل الإنساني والحقوقي وتحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أصبح مطلبا ملحا وضروريا عربيا لكي يتوافق مع الالتزامات والمعايير الدولية وإنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان. فى حين شدد الدكتور عبدالعزيز أبل رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين بأن التزام مملكة البحرين باحترام ضمانات الحقوق والحريات، أصبح هدفا إنسانيا وإستراتيجيا ضمن أولويات عملها، بالإضافة إلي حرصها على التعاون والحوار مع المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لتحديث آليات العمل العربي ونظام عمل المحكمة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ثار جدل واسع حول آليات التنفيذ والمخاوف المشروعة، قادته المؤسسات الوطنية الحكومية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدنى وممثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان من جهة، وممثلى اللجنة القانونية بالجامعة العربية التى وضعت النظام الأساسى من جهة أخرى، حول نصوص مشروع النظام الأساسى للمحكمة، وإنه إذا كانت الجامعة العربية انتهت منه فلا حاجة لمناقشته لآن ممثلى الدول سيقومون باعتماده، بينما جاءت أكثر القضايا التي أثارت جدلا هى ضرورة قبول دعاوى الأفراد بشكل مباشر، واستقلالية القضاة، وأهمية وجود نصوص واضحة تحصن استقلاليتهم، وأن يمثل القضاة الشعوب العربية وليس حكوماتهم، وأن يتم اختيارهم بآلية محددة ، ووضع ميزانية المحكمة. حتى حسم هذا الجدل الدكتور أحمد فرحان الأمين العام للمؤسسة الوطنية الحكومية لحقوق الإنسان فى البحرين والذى كاد يعصف بالحوار العربى خلال المؤتمر، ونفى بشكل قاطع وصريح اكتمال الانتهاء من النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان، وأن المؤتمر الدولي حول المحكمة الذى تستضيفه مملكة البحرين على مدى يومين، عقد لغرض التعرف على أهم الخطوات العملية التي تم إنجازها لاستكمال إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، وهدفه مناقشة مسودة النظام الأساسى بشكل مستفيض وتحديد المقترحات بشأنها، لإحداث توافق عربى حولها أو تعديلها، وأن تعمل الدول العربية جميعا على أن تضاهي المحكمة العربية لحقوق الإنسان، كل المحاكم الإقليمية الناجحة فى أوروبا وأمريكا وإفريقيا، تحقيقا لرغبات الشعوب العربية، ولكى ننير الطريق للدول العربية المشتركة في محاكم إقليمية أخرى كالدول العربية في شمال إفريقيا المنضمة إلى المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان فى وجود تطور جديد فى نظام عمل المحكمة العربية المقرر إنشاؤها. وقال الدكتور أحمد فرحان ل"الأهرام العربى" إن التطور الذى يحسب للدول العربية أنه لم يتم طوال المؤتمر أعتراض دولة عربية واحدة على فكرة إنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان، وهو تطور إيجابى حقيقى داخل المنطقة العربية، لذا حرص البيان الختامى وإعلان البحرين الذى تم رفعه إلى الأمين العام للجامعة الدول العربية وعاهل البحرين لعرضه على الملوك والرؤساء فى بلدان الجامعة والتباحث بشأنها أن يحتوى كل المقترحات التى تعبر عن صوت الشعوب العربية، لتكون أمام الحكومات، لأن الحكومات العربية هي التي ستحكم سقف التطلعات فى نظام عمل المحكمة العربية لحقوق الإنسان، خصوصا أن اجتماع البحرين سعى بإيجابية كبيرة إلى التعبير عن ضرورة إشراك منظمات المجتمع المدني في الحوار حول مشاريع الجامعة العربية في مجال تطوير منظومة حقوق الإنسان، والنظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان، والدعوة إلى ضرورة جعل هذه الإجراءات والمشاريع شفافة وعلنية. وقال إن أهم بنود إعلان البحرين المعروضة أمام الجامعة العربية والملوك والرؤساء العرب، تشمل العمل على تعديل الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عام 2004 من الجامعة العربية، بما يضمن ملائمته مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والسعي الحثيث لتطوير النظام الأساسي المقترح للمحكمة العربية، ودراسة جميع خيارات إصدار النظام الأساسي للمحكمة العربية ، بما فيها اعتباره أحد البروتوكولات الإضافية للميثاق العربي لحقوق الإنسان، وكذا اعتبار الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها الدول الأطراف كإحدى المرجعيات القانونية التي ستعتمد عليها المحكمة العربية، إضافة إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وأيه اتفاقية عربية أخرى في مجال حقوق الإنسان تكون الدول المتنازعة طرفاً فيها. وأضاف أن هناك نقاطا أساسية التى تم التوافق بشأنها تتضمن ضرورة النص بألا يؤثر شرط استنفاذ طرق الطعن الداخلية على حق أصحاب الصفة في اللجوء إلى المحكمة العربية طبقاً لشروط المحاكمة العادلة، والسماح للأفراد والمنظمات غير الحكومية المؤسسة بصفة قانونية، والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان باللجوء الى المحكمة العربية بصفة مباشرة، وتعهد الدول الأطراف بعدم التعرض للمتقاضين بأي شكل من أشكال التهديد أو الضغط أو الانتقام بسبب لجوئهم إلى المحكمة، وتوفير دولة المقر جميع التسهيلات لعمل المحكمة العربية لحقوق الإنسان وتسهيل إجراءات عمل المحكمة وتيسير دخول الأطراف والشهود التي تلجأ إليها وحماية الضحايا المحتملين، وإعطاء لجنة حقوق الإنسان العربية المنبثقة عن الميثاق العربى لحقوق الإنسان صلاحية إحالة الشكاوى الفردية المقدمة إليها إلى المحكمة، إذا استحال تسويتها ودياً بما لا يخل باختصاص المحكمة في النظر شكلا وجوهراً في الدعاوى، والعمل على دعم وتقوية عمل لجنة خبراء الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والعمل على تطوير آليات عمل اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان وتحويلها إلى مجلس حقوق الإنسان بالجامعة أسوة بالمجلس الدولى بالأممالمتحدة.