رشا عامر بلغ عدد أطفال الشوارع في الوطن العربي ما بين سبعة وعشرة ملايين طفل وتتجلى هذه المشكلة بشكل واضح في مصر، حيث يتراوح عدد الأطفال المشردين فيها حوالى مليوني طفل ويوجد في مدينة القاهرة وحدها ما يقرب من 90 ألفًا منهم. وتتعدد الأسباب المؤدية إلى تشرد هؤلاء الأطفال، حيث يعتبر الطلاق سببا رئيسيا في انتشار هذه المشكلة خصوصا طلاق الأسر الفقيرة، فأطفال الشوارع وفقاً للتعريف الوارد في القانون المصري للطفل لعام 1996، يعتبرون أحداثا يقضون معظم أوقاتهم في الشوارع بدون حماية أو إرشاد وهؤلاء الأطفال لهم، على العموم، صلات قليلة بذويهم أو لا تربطهم بهم أي صلة. أما اليونيسيف فيعرف مفهوم أطفال الشوارع بأنه كل طفل يقل عمره عن 17 عاما، ولا يلقى دعما أو رعاية مادية أو عاطفية أو نفسية من عائلته. ورغم تواجد ظاهرة أطفال الشوارع في الماضي، فقد ازداد حجمها بصورة قوية في العقود الماضية. فهذه الظاهرة تعود إلى الضغوط الاقتصادية الصعبة التي تعانى منها الأسر الفقيرة لاسيما في المناطق الريفية لتظل أحد أهم مسببات مشكلة أطفال الشوارع، فمعظم الأطفال الذين يجدون أنفسهم في شوارع القاهرة ليسوا من سكانها الأصليين بل يفدون عليها من صعيد مصر أو من القرى والأرياف للبحث عن مصادر دخل بديلة خصوصا مع تزايد الضغوط الواقعة على كاهل أسرهم إما بسبب عدم وجود الأرض أو انخفاض أسعار المنتجات الزراعية وينتهي بهم المطاف إلى شوارع القاهرة. وإضافة إلى الفقر يلعب التفكك الأسرى دوره في خلق المشكلة. وأشارت إحدى الدراسات أن 90 % من أطفال المشكلة لديهم آباء وأمهات إما أب أو أم فهم ليسوا لقطاء ولقد قسمتهم إلى ثلاثة أنواع، أطفال يعيشون بين الشارع والبيت، وأطفال يعملون بالشوارع وأغلبهم يحققون دخلاً لا بأس به وأطفال يتعرضون للاستغلال البشع من طرف الشارع إما عن طريق تشغيلهم في ظروف صعبة أو عن طريق الاستغلال الجسدي. كما يتسبب الفقر في عدم قدرة الأسرة على رعاية أبنائها وتغطية احتياجاتهم الرئيسية من مأكل ومشرب وملبس وعلاج، فلا يجد الطفل غير الشارع، وأحيانا يطرد الأب أبنه للخروج للشارع رغما عنه. إن النتائج المترتبة على هذه الظاهرة هي نتائج خطيرة ولها تأثير كبير على المجتمع ككل، وخصوصاً هذه الشريحة التي يفترض أنها تمثل أجيال المستقبل. ومن أخطر النتائج المترتبة على تلك الظاهرة هي الانحراف، حيث إن خروج طفل في العاشرة من عمره مثلاً إلى الشارع سيؤدي به حتماً إلى الانحراف: خصوصا فى ظل عدم وجود رادع، فهو لن ينجو بالتالي من إدمان السجائر والخمور والمخدرات. الإجرام: ليس من المنتظر من طفل الشارع أن يدرك الصواب من الخطأ وهو محروم من التربية ومحروم من المأكل والملبس، كل ذلك يساعد على خلق طفل مجرم. الأمراض: هي أحد النتائج أيضاً، حيث إن وضع هؤلاء الأطفال الصحي في خطر فجميعهم يبيتون في الشوارع، حيث يكونون عرضة لكل التقلبات المناخية من برد شديد، أو حر شديد، مما ينتج عنه أمراض مختلفة منها السل والسرطان وما هو أخطر من ذلك. وتمثل الاعتداءات الجسدية والجنسية التي قد يتعرض لها هؤلاء الأطفال من أخطر النتائج فقد يحدث اعتداء جنسي نتج عنه ولادة طفل جديد ينضم إلى قافلة التشرد. وتشير الدراسات التي أجريت في مصر إلى أن مواد الاستنشاق تتصدّر قائمة المخدرات المستهلكة، فالأطفال يشمّون «الكلة» من أجل تحمّل ما يتعرّضون له من جوع وألم وعنف في الشوارع. وتوضح سهام إبراهيم، التي تدير منظمة طفولتي، وترأس مأوى لأطفال الشوارع، أن الغالبية العظمى من الأطفال المشردين من الذكور بنسبة 92 % وأن ما بين 20 و30 %من أطفال الشوارع حاليا من الفتيات وينظر اليهن باحتقار. أما الأسباب فحدث ولا حرج فهى إما التفكك الأسري أو العنف والقسوة أو الفقر أو الإهمال أو الطرد المباشر من طرف الأسرة. ولعل كل ما سبق يدفعنا للبحث عن حلول لتخطي الظاهرة ولو بشكل نسبي من خلال خلق دور للأيتام وملاجئ للمشردين يشرف عليها مختصون في التربية وعلم النفس لمحاولة خلق إنسان سوي, بعدما تلقى الصدمات وتحطمت نفسيته. خلق جناح خاص لمعالجة المدمنين مجانا والبحث عن حلول لمشاكلهم مع إقامة محاضرات ودروس لتوعية الأسر والمشرفين على المدارس ودور الأيتام. إقامة دوريات لرصد الظاهرة وإيواء المشردين داخل هذه الدور دون أدنى تعنيف أو إجبار جسدي، لأن أخذ المشرد الذي قد اعتاد على حياة الفوضى في إطار فسيح، يجعله يرفض النظام داخل أربعة جدران. نشر المصلحين الاجتماعيين: سواء في الدور والملاجئ والمستشفيات مع محاولة معرفة الأسباب التي دفعت بالطفل إلى الهرب من العش الأسري والاتصال بالأهل لإيجاد الحلول وإرجاع الطفل إلى اسرته مرة أخرى. الاهتمام بالاتصال المباشر مع «أطفال الشوارع» بالنزول إليهم مباشرة في الشارع تحت الكباري في الأنفاق الشوارع المظلمة المباني المهدمة الخرابات، أي مكان يمكن التوقع بتواجدهم فيه.. وبث الطمأنينة في قلوبهم وفتح أبواب المراكز لهم وتركها مفتوحة دون إغلاق. عدم اعتبار «أطفال الشوارع» مجرمين والتنسيق مع رجال الشرطة في ذلك حتى لا يتم القبض عليهم وإيداعهم السجون بدون ذنب اقترفه سوى أنه لم يجد مأوى يأوي إليه، أو محسنا يقدم له الطعام. تأهيل أطفال الشوارع ودمجهم في المجتمع لتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية لهم وذلك ليكونوا بعيدا عن الشارع. قد تكون التكلفة المادية لحل هذه المشكلة كبيرة، ولكنها لا تقارن بالعائد الذي ينتج من حلها وهي تعود علي اقتصاد الدولة باعتبار هؤلاء الأطفال هم جيل المستقبل وعندما نقوم بحل هذه المشكلة يزيد اقتصاد الدولة بمليارات الجنيهات وعندما نقوم بتعليمهم وتأهيلهم نفسيا واجتماعيا سيكون هؤلاء الأطفال شباباً في المستقبل يمكن الاعتماد عليهم وأيضا بحلها نوفر الأمن والأمان، لأنه بذلك سوف يختفي الخطر الذي يسببه هؤلاء الأطفال مثل السرقة والانحراف والإجرام والتشرد. ويرى المتابعون للظاهرة أن مبادرة الجيش المصري بحصر جميع أطفال الشوارع تمهيدا لإلحاقهم بالمعاهد الفنية للقوات المسلحة، ستشكل خطوة أساسية في القضاء على هذه الظاهرة كما عدها الكثير من المثقفين والسياسيين بمصر نافذة مهمة في بناء مصر الجديدة وسد الطريق أمام استغلالهم بشكل سيئ. فهذه المبادرة من وجهة نظر الكثيرين تعد حلا جذريا للقضية برمتها عن طريق تعليم الأطفال مهنة أو حرفة ليصبحوا أعضاء فاعلين ومنتجين ويشعرون بالانتماء للمجتمع من جديد.