ما بين مصر وإيران الكثير من أوجه الشبه، فكلتاهما ذات حضارة عريقة وتاريخ حافل بالفنون والآداب والعمارة، ويمتاز شعبهما بالثقافة والتدين الفطري، والعجيب أن تجدهما يتشابهان فى المُقدّرات أيضاً؛ فقد قدر الله عز وجل أن تقوم الثورة الإيرانية فى يناير 1979، وأن يتم خلع الشاه الديكتاتور من الأراضى الإيرانية فى 11 من فبراير من نفس العام ويتم قطع العلاقات المصرية الإيرانية فى نفس العام أيضاً لأسباب كثيرة، ظاهرها معاهدة كامب ديفيد المشئومة، واستقبال الرئيس السادات للشاه المخلوع استقبال المنتصرين، وباطنها لا يعلمه إلا الله عز وجل. ويمر 32 عاماً بالضبط لتقوم الثورة المصرية فى يناير 2011 ، ويتم خلع الديكتاتور المصرى فى 11 من فبراير 2011 أى فى نفس يوم مغادرة الشاه للأراضى الإيرانية. وإذا نظرنا إلى الأحداث التالية للثورتين نجد أن هناك الكثير من التشابه الذى يجعل المتأمل يتوقف أمامها، فقد قام الشعب الإيرانى بعد الثورة باقتحام مقر السفارة الأمريكية فى طهران والذى أصبح يعرف فيما بعد «وكر التجسس الأمريكي» لما وجد فيه من وثائق وأدلة تدين الولاياتالمتحدة وتثبت تورطها فى التجسس على الشعب الإيرانى والتواطؤ مع الشاه ضد شعبه، بل وضد شعوب المنطقة كلها، بما فيها مصر، ولقد حاول العاملون فى السفارة آنذاك التخلص من كل ما يدينهم من وثائق ومستندات، ولكن الوقت لم يسعفهم للقيام بمحو جرائمهم التى سيظل التاريخ يحملها لهم. وفى أرض الكنانة، قام القضاء المصرى النزيه، ولأول مرة، بتفتيش مقار جمعيات من المفترض أنها أهلية، ولكنها ملك لغير أهل مصر؛ ملك لمعاهد أمريكية ومنظمات حقوقية صهيونية يعمل بها مواطنون أمريكيون، وآخرون يحملون هوية مصرية، ولأن التحقيقات لا تزال تجرى حول هذه القضية فلا نستطيع التأكيد على اتهام أحد أو رفع الشك عن أحد، ولكن ما هو مؤكد أن الولاياتالمتحدة كانت ولا تزال ولن تكف عن العبث فى مقدراتنا ونهب ثرواتنا بل والعمل على خلق شرق أوسط جديد يتماشى مع مصالحها ومصالح الكيان الصهيونى. ولأن العاقل هو من يتعلم من التاريخ، بل ويستحضره فى كل لحظات المحن، ونحن بلا شك فى محنة تحتاج لكل عقل مخلص يفكر فيما تحاول الولاياتالمتحدة تدبيره لنا ولأشقائنا فى المنطقة، بل والاتحاد والتعاون من أجل إعلاء شأن أمتنا. ولأن مصر وإيران هما جناحا الأمة الإسلامية، ولدى كل منهما الكثير ليقدمه للآخر، ولأن قوى الاستكبار تخشى اتحادنا، بل وتعمل بشتى الطرق على تفريقنا، وعزلنا عن بعضنا البعض، عملاً بمبدأ طالما عمل به المستعمرون قديماً «فرق تسد»، فهو يعلم أننا إذا تقاربنا أبعدناه، وإذا تشاركنا أضعفناه، وإذا تعاونا هددنا وجوده وتغلغله فى نسيج أمتنا. ويحكى لنا التاريخ أن القوى الغربية استعمرتنا لقرون، ولم تخرج حتى سلمت فلسطين للصهاينة، وسلحتها بجميع أنواع التسليح نووياً وكيماوياً لتأمينها وضمان سيادتها، وحرّمَت على شعوب المنطقة أجمع أن يكون لديهم أى تسليح يضاهى التسليح الصهيوني، فقامت فى اتفاقية كامب ديفيد بوضع شروط تسليح مصر وتحديده كماً وكيفاً، حتى تأمن جانب الدولة التى طالما وقفت ضد المد الإسرائيلى وحاربت مخططاته الانتهازية. ثم قامت بمحاولة كسر الثورة الإيرانية بإدخالها فى حرب فُرضت عليها مع العراق، بمعاونة حليفها صدام، وللأسف مولت بأموال عربية مسلمة، لمدة ثمانى سنوات كاملة، ثم فرضت عليها عقوبات تلو العقوبات حتى تُخضعها لسيطرتها، وتؤمِّن الكيان الصهيونى حتى يحقق حلمه التلمودى «من النيل إلى الفرات». وللأسف العرب والمسلمون يدفعون ويصفقون ويفتحون أراضيهم للقواعد الأمريكية لضرب أفغانستان ثم العراق، والله وحده أعلم من التالى ، أهى الشقيقة سوريا أم الشقيقة إيران أم الاثنتان معاً، بدعوى الحفاظ على حقوق الإنسان فى سوريا، أو لكف خطر البرنامج النووى الإيرانى «السلمي» عن الخليج، وهى بلا شك كاذبة فى الادعاءين. ولأننا قد منَّ الله علينا ورزقنا ما نؤكد به صدق قراءتنا للتاريخ فقد حصلنا على وثائق من «وكر التجسس الأمريكي» فى طهران فيما يخص مصر ووجدنا فيها الكثير والكثير مما يثبت التدخل السافر للولايات المتحدة فى شئون الشرق الأوسط ، بغرض خلق شرق أوسط جديد يكون الكيان الصهيونى هو سيد الموقف فيه. جاءت الوثائق تحت عنوان « وثائق التجسس رقم 54، التدخل الأمريكى فى الدول الإسلامية، مصر». وهى عبارة عن23 وثيقة باللغة الإنجليزية وترجمت إلى الفارسية حول مصر، تاريخها، واقتصادها، وسكانها، وسياساتها. وعلاقات الشاه بالرئيس السادات، وحول تعليق عضوية مصر فى الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامى على إثر توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، والكثير من الوثائق التى تدل على تجسس الولاياتالمتحدة وتآمرها واستغلالها لحكام باعوا أنفسهم وأوطانهم ودينهم من أجل مناصب زائلة، والعجب أن الولاياتالمتحدة هى نفسها من تزيلهم، ولهم فى صدام وزين العابدين أسوة. ولأن السطور لا تسع لسرد ترجمة الوثائق كاملة والتى سنقوم بنشر تفاصيلها منفردة، ولكننا فى هذه السطور ننشر لأول مرة نص ترجمة كلمة الإمام الخميني، بعد عقد اتفاقية كامب ديفيد، والتى قُدمت بها الوثائق بعد أن ترجمها إلى الفارسية مجموعة من الطلاب الذين قاموا باقتحام وكر التجسس الأمريكي، وسمّوا أنفسهم «الطلاب المسلمون السائرون على خطى الإمام» وكان نصها كالتالي: بسم الله الرحمن الرحيم «قد حذرت جميع الحكومات والشعوب العربية على مدار خمسة عشر عاماً من حقيقة خطر إسرائيل الغاصبة. والآن ومما لا شك فيه أن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل قد جعلت هذا الخطر أكبر، وأقرب. وأن السادات بتوقيعه على هذه الاتفاقية قد أعلن ارتباطه وقبوله للاستعمار والهيمنة الأمريكية، وهذا كان متوقعاً من الصديق المقرب للشاه المخلوع. إن إيران تدعم كل الإخوة المسلمين فى البلدان العربية، وتعد نفسها شريكاً لهم، و تعتبر اتفاقية السادات مع إسرائيل خيانة ضد الإسلام والمسلمين والعرب جميعاً، وتدعم كل المواقف السياسية المعارضة لهذه الاتفاقية». الإمام الخمينى 25/3/1979م وبعد هذا نستطيع أن نفهم لماذا لقب الإمام الخمينى الولاياتالمتحدة ب «الشيطان الأكبر» ولماذا يهتف الإيرانيون فى كل مناسبة، ومع كل محنة: «مرگ بر امري ا» «مرگ بر اسرائيل».