سيد محمود حسن يصعب هذا العام الوصول إلى تقييم منصف للدورة الخامسة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، فالمعرض أقيم في ظروف سياسية مضطربة انعكست على حجم الإقبال الجماهيري، كما أن الشعار الذي تم اختياره عنوانا لهذه الدورة وهو «الثقافة والهوية» جاء ليكرس حالة الاستقطاب السياسي القائمة في مصر، ومن ناحية أخرى افتقر وهج السجال الذي كان يميز ندوات المعرض في السنوات السابقة وبات أقرب ما يكون لطقس يعيد إنتاج برامج التوك شو بطاقمها الكامل وبدا لافتا للنظر أن المحور المخصص لطه حسين كشخصية كانت موضوعا للاحتفال أقرب لجزيرة معزولة في المعرض عن السياق العام، لكن المكاسب الرئيسية ارتبطت بإعادة نشر عدد من مؤلفاته في مكتبة الأسرة وإتاحتها بأسعار مخفضة، ذلك على الرغم من تنافس غير مفهوم بين مؤسسات وزارة الثقافة لنشر أعماله وإتاحتها بمقدمات مختلفة وهو ما يمثل إهدارا واضحا للمال العام. ويظل الإقبال الجماهيري هو المعيار الأبرز لقياس تفاعل الجمهور مع المعرض الذي يمثل طقسا ثقافيا راسخا في مصر ومناسبة اجتماعية وثقافية في آن، وعانى المعرض بوضوح من أثار الحوادث الإرهابية التي ضربت مصر الجمعة الماضية، إذ أسهمت هذه الحوادث في إشاعة قدر من الرعب في نفوس المواطنين أدى إلى تراجع حماسهم للمعرض منذ اليوم الثالث، في حين كانت البداية مبشرة والزحام الجماهيري لافت للنظر في اليومين الأول والثاني على نحو رفع سقف التوقعات بالنسبة للمعرض، لكن التوقعات تراجعت مع الشائعات التي حاصرت المعرض وتحدثت عن قرارات إغلاق أو وقف أنشطة وهي شائعات واجهتها هيئة الكتاب بسيل من البيانات النافية عبر حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي. ويشير واقع الحال إلى أن الناشرين يعانون من خسائر لافتة، فالناشرة فاطمة البودي، من دار العين تصف «المعرض هذا العام بأنه حزين و مرتبك « كما مصر هذه الأيام، وتشبه المعرض بفتاة دميمه يحاول أهلها تزويقها وتجميلها لإخفاء عيوبها وتؤكد أن، هذه دوره غير عادية حتي في الافتتاح الذي لم يدع إليه الناشرون، إضافة إلى الطرقات الخالية من البشر وتعتبر أن البشر هم الذين يصنعون الفرح. وبالمثل يؤكد الناشر شريف بكر، أن المعرض هو أهم معرض عربي بالنسبة للناشر المصري، برغم أهمية معارض أخري مثل الرياض والجزائر والشارقة فإن معرض القاهرة هو الأهم علي الإطلاق، وبغض النظر عن الجمهور المصري بكل أطيافه، فالأهمية تكمن في البيع بالجملة والطلبيات الحكومية والمكتبات العامة، فالمعرض فرصة لتسويق الكتب المنشورة في مصر إلي باقي أنحاء العالم العربي، لذلك تأتي المؤسسات الحكومية والخاصة من أنحاء الوطن العربي لتحصل علي احتياجاتها من الكتب، ويمثل هذا من 80% إلي 50% حسب نشاط الناشر، لذلك فإن انعقاد المعرض كل عام هو الحدث الأهم بالنسبة لأي ناشر في مصر. لكن الظروف المحيطة تتطلب الإنصاف في الحكم على المعرض أو القائمين عليه في مثل هذه الظروف، ولكن المعرض بحسب شريف أمامه فرصة حقيقية ليبقي معرضاً دولياً من الدرجة الأولي كما أن تهافت الناشرين العالميين عليه يرجع لأهمية اللغة العربية بالنسبة لهم ولتوجههم إلي هذه المنطقة بالذات. وعلى الرغم من ذلك تظل المشاكل التنظيمية هي مشكلة كل عام رغم التحسن فيها، ولكن يظل موعد المعرض أحد الأسرار التي لا يفرج عنها الا قبل المعرض بشهر او اثنين. ويرى بكر أن ارتباط المعرض بحلول 25 يناير يسهم في إرباك حسابات الناشرين، حيث ينتظر الزائر العربي لما بعد 25 يناير حتي يأتي ليضمن هدوء الجو وتأمين المنطقة، ويظل الناشر فيما بينهم مترقباً لما يحدث. ويلفت بكر النظر إلى أن الناشر المصري لم يتوقف عن الإنتاج في هذه الفترة بل ظهرت دور نشر شابة وجديدة في هذه الظروف، وهناك الكثير من الأماكن الفارغة في القاعات وخصوصا القاعات المهمة مثل قاعة 4، وهو ما كان مستحيلا في الأعوام السابقة. ومن جهتها تنتقد الناشرة كرم يوسف، السماح بالكتب المزورة وبيعها في المعرض من خلال سور الأزبكية الذي يعج بكل الكتب الأكثر مبيعا وأحدث الإصدارات، ولم يقتصر الأمر علي الكتب العربية، بل والكتب الأجنبية أيضا، وهذا مؤلم للغاية كما تقول معتبرة أنه من الغريب أن يكون الناشرون ومزورو الكتب علي قدم المساواة. وتشير كرم يوسف إلى مشكلات تنظيمية لا تزال تؤثر في الشكل العام للمعرض من حيث عدم وجود مكاتب للاستعلامات في كل أرجاء المعرض، وتقترح أن تظهر هذه المكاتب وتتخذ شكلا واحدا ولوناً واحداً وعلامة كبيرة واضحة في سماء المعرض حتي يتعرف عليها الزوار بسهولة، كما تنتقد يوسف عدم الإعلان عن أي من الأنشطة الثقافية والفعاليات بشكل فاعل من خلال مكتب في كل صالة عرض. وتطالب بتوفير ال ID للعارضين و تذاكر المرور للمعرض كعارضين وناشرين وعند السؤال اتضح أننا لابد أن نذهب للهيئة علي الكورنيش من أجل الحصول عليها، وترى يوسف أن التأمين في ظل الظروف الحالية غير كاف، حيث لم يتم تفتيش السيارات بدقة كما يجب أن يحدث في ظل الظروف الأمنية الحالية. كما تنتقد كرم غلبة الجو الاحتفالي وما يأتي معه من وجود الكثير من عربات وأكشاك الأكل ذلك أنك تجد أن الزائرين قد جاءوا للأكل أكثر من الاحتفال بالكتاب، وفي الختام تقترح أن يمتد المعرض لأسبوع ويتم الترتيب بشكل أفضل له حتى يحقق الأهداف المرجوة منه. ومن جهته يشير الناشر مصطفى الشيخ، إلى أن المعرض شهد تحسناً تنظيمياً لافتاً للنظر، فإن المشكلة لا تزال في حجم الإقبال الجماهيري المتأثر من حالة الذعر العام بعد العمليات الإرهابية وهي مشكلة لا تملك الدولة حلا لها، لكن الشيخ يتوقع أن يشهد الاسبوع المقبل تحسنا في درجات الإقبال إلى جانب عودة المؤسسات العربية لشراء الكتب بالجملة، لأن المعرض نقطة مركزية لتبادل وشراء الكتب على الصعيد العربي، والمكاسب الحقيقة التي يحققها الناشرون مصدرها البيع بالجملة وليست مبيعات الأفراد وبالتالي الحديث عن تأثير الإقبال الجماهيري على البيع ينطوي على مبالغات كبيرة. وردا على هذه الملاحظات يؤكد الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب المنظمة للمعرض أن التنظيم كان هو الأفضل مقارنة بالسنوات السابقة، حيث تم تجهيز خيم العرض بطريقة تضمن تأمين المعروضات من الأمطار والسرقة، كما أضيفت نشاطات جماهيرية جديدة لاستقطاب فئات جديدة للمعرض، ومنها خيم أنشطة الأطفال وعروض مسرح الشارع، ولجأت الهيئة إلى تقديم خصومات هائلة على بيع الكتب لتحفيز المشاركة للجماهيرية. ويشير مجاهد إلى أن الظروف السياسية كان لها تأثير كبير غير أنها لم تدفع الهيئة لإلغاء المعرض لكي لا تسبب خسائر الناشرين، وفي نفس الوقت لتأكيد الرسالة السياسية للمعرض كأداة لمواجهة الإرهاب، فالمعرض رسالة استنارة قبل أي شيء مشيدا بالتعاون مع القيادات الأمنية في تأمين المعرض. ويؤكد مجاهد أنه لم يتلق أيه عروض لإلغاء المعرض من جهات أمنية وسياسية وفضل أن تمضي الأمور في سياقها المعتاد متوقعا أن ترتفع المبيعات في الأسبوع الحالي قياسا على توقعات بمجيء العديد من المؤسسات البحثية العربية التي قدمت لها الهيئة المزيد من عروض الجذب بالتعاون مع اتحاد الناشرين. وبالنسبة لعرض الكتب المزورة وهي ظاهرة سلبية يؤكد مجاهد أن على المتضرر تقديم بلاغات، وستقوم الهيئة بإلغاء مشاركة الناشر المزور فورا بالتعاون مع جهات الضبط القضائي وشرطة للمصنفات وحماية الملكية.