أحمد أمين عرفات مع ظهور التسريبات الأخيرة لمكالمات أعضاء حركة 6 إبريل، تساءل الكثيرون عما إذا كنت هذه الحركة بالفعل شاركت فى ثورة يناير بدافع وطنيتها لمصر أم أنها كانت كانت تعمل لحساب جهات خارجية وقتها؟ وهل بالفعل تم اختراقها، وماذا عن شبهة تمويلها؟ وأسئلة أخرى كثيرة حاولنا البحث عن إجابة لها، وهو ما دفعنا لهذا الحوار مع د. مى مجيب، مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة والدكتور الزائر بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، وذلك لقيامها بعمل دراسة عن هذه الحركة . نعيش هذه الأيام ذكرى 25 يناير، كيف تنظرين لها بعد مرور 3 سنوات عليها ؟ أراها ذكرى لثورة عظيمة، كان هدفها مستقبلا أفضل لمصر وشبابها، سقط فيها من سقط، لكن ما لم يسقط هو طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، حيث برز انقسام حاد بين طبقة المحكومين، كما أظهرت هذه الثورة على الواقع طبيعة تيار الإسلام السياسى، وهشاشة التنظيمات السياسية الشبابية. إذن هناك مكاسب حققتها هذه الثورة ؟ مكاسب معنوية مؤقتة، أدرك المصريون بعدها أن الشعارات شىء ولقمة العيش شىء آخر، لكن لا يمكن أن ننكر أنها حدث مهم غيّر التاريخ السياسى المصرى. وهل المكاسب المعنوية كفيلة بمنح ماحدث صفة الثورة ؟ أعترض جدا على المسميات بشكل عام، فمسميات «ثورة أو احتجاج أو ربيع مصرى»، كلها مفاهيم مغلوطة أو على الأقل مستوردة، ولا يمكن وصف حدث بمفهوم أو مصطلح معين قبل أن ننتهى منه، خاصة أن الأحداث لاتزال تجرى فى مصر. لكن العلوم السياسية مليئة بالمصطلحات؟ الأزمة الحقيقية التى تواجهها العلوم السياسية أنها تلهث وراء الحدث، ولا تستطيع أن تتنبأ به! وبالفعل هذا هو واقع العلوم السياسية فى أى دولة. إذن لا يمكن الحكم حاليا على 25 يناير؟ هناك مؤشرات للحكم بالتأكيد، خصوصا أن الأحداث متشابكة، فمثلا لا يمكن إنكار أنه لولا يناير ما كانت يونيو، ولولا أخطاء المجلس العسكرى ما جاء مرسى، ولولا انغلاق مرسى وضيق أفقه ما خرجت الجموع فى 30 يونيو . هل تتفقين مع ما يردده البعض من أن ماحدث لم يكن سوى انقلاب، خصوصا بعد التسربيات التى أكدت تجنيد شباب الثورة من جهات خارجية؟ بالطبع لا! لأننا لو اعتبرنا ما جرى فى 30 يونيو انقلابا، فمن باب أولى نتعامل مع ما حدث فى 2011 على أنه انقلاب أيضا، ويشجع على ذلك أنه بالمقارنة بين الجموع التى خرجت فى الحالتين وأعدادها، سنجد أن من خرجوا فى 30 يونيو أضعاف من خرجوا فى يناير. من يتمسكون بوصف انقلاب يدعمون موقفهم بالدور الذى لعبه الجيش فى يناير ويوليو؟ وما الذى كان مطلوبا من الجيش فى الحالتين؟ ولنا أن نتصور إن لم ينحز الجيش للجموع فى الشارع، فالنتيجة الحتمية هى حرب أهلية مروعة وقتل من بيت لبيت، لذلك هى بالتأكيد لم تكن انقلابا، كما هى بالتأكيد أيضا ليست «شرعية» كما يزعم أنصار (الرئيس) المعزول. وكيف ترين ما تم الكشف عنه أخيرا من تورط شباب 6 إبريل فى الثورة على نظام مبارك لحساب أجندات خارجية؟ ؟ بالنسبة لشباب 6 إبريل، لا يمكن إطلاق التعميمات عليهم، فهذه الحركة عندما تأستت فى عام 2008، التف حولها الشعب ولكنها بعد ذلك انقسمت على نفسها، وقد أكدت هذه الانقسامات على وجود اختلافات بين أعضائها سواء فى القيادة أو أسلوب الإدارة أو الظهور الإعلامى. وقد أكد لى وجود هذه الاختلافات ما حدث من أحمد ماهر عندما القى فى أمريكا أوائل نوفمبر الماضى محاضرة فى جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس التى أقوم بالتدريس بها، وجاءت كلمته عن الأحداث الجارية فى مصر، بشكل يمثل إهانة كبيرة فى حق الدولة المصرية والمصريين، فقد قال إن المصرى يعشق العيش فى الذل وكل مواطن مصرى يختال وفوق رأسه البيادة. بعدها فوجئت بعلاء عبد الفتاح يقول فى تغريدة له على تويتر «إنه حتى لو تم انتخاب رئيس واستقرت الأمور، فلن نهدأ أو نسكت «. وما رد فعلك حول ما قاله أحمد ماهر؟ مهما كان السخط على أوضاع داخلية . فلا يمكن أن أتخيل أن أتحدث عن وطنى بهذا الشكل فى بلد آخر، خصوصا أن أمريكا هى الدولة التى فى البداية وصفت الأمر «بالانقلاب» ثم عاودت وتراجعت عندما وجدت إلى أى مدى هذا الشعب كارها للإخوان.لذلك أغضبنا كلام ماهر عن مصر والمصريين وتساءلت مع كل زملائى وأصدقائى عن وجه له الدعوة؟ وعلى حساب من؟ وللأسف لم نستطع التوصل للإجابة ذلك. كانت لك دراسة عن 6 إبريل، فماذا عنها؟ هذه الدراسة كانت ضمن كتاب تعاونت فيه مع الدكتور على الدين هلال، وقد صدر فى 2013 عن الدار المصرية اللبنانية بعنوان « الصراع من أجل نظام سياسى جديد: مصر بعد الثورة». ما الذى دعاك لعمل دراسة عن 6 إبريل تحديدا؟ كان موضوع الكتاب تغطية لكل ما يتعلق بالنظام المصرى منذ 2011، وحتى إقرار دستور 2012، فى ديسمبر قبل الماضى.وقد تم تقسيم مهام الكتاب، بينى وبين دكتور هلال، ودكتور مازن حسن، ومن ضمن ما تناولته حركة 6 إبريل باعتبارها ضمن المجتمع المدنى الذى وقع على عاتقى الكتابة عنه، فتحدثت عن نشأتها ودورها فى 2011، والانقسامات وأهم القيادات وتراجع دورها خصوصا بعد قضية التمويل مع نظرة استشرافية لدورها، الذى أراه فى انحسار الآن. وما النتائج التى خرجت بها؟ كان من أهم ما خرجت به أن التنظيمات الشبابية بوجه عام، افتقدت لأى «شرعية» أو تأييد لها من الجموع، لأسباب تتعلق بضعف تنظيماتها الداخلية من جانب، وشبهات تمويلها من الخارج. بذكر شبهات التمويل هل تأكد لك ذلك خلال دراستك؟ لم يتأكد لى، ولم تكن توجد حتى ذلك الوقت أى وثائق عن هذا التمويل، لكن ما أود أن أشير إليه هو أن التأييد الشعبى لها قل بسبب «شبهة» التمويل الخارجى وليس صحيحا أنه انخفض بعد التسجيلات الخاصة بهم والتى تم تسريبها أخيرا . ماذا كان وقع التسريبات عليك خاصة وأنت صاحبة دارسة عنهم، هل كان بمثابة الصدمة أم كنت تتوقعين ذلك؟ بمنتهى الصراحة، كان الأمر مفاجأة كبيرة لي! فلم أتصور أبدا أن يحدث ذلك من حركة نشأت بين الشباب ومنهم وكنت من أكثر المعجبين بشعبيتها، وتنظيمها، خصوصا أنها نشأت فى خضم عنفوان الدولة البوليسية فى 2008 وهل الانقسام فيها هو الذى أضعفها؟ بالتأكيد، كما أنه قلل من شعبيتها إلى حد كبير جدا، علاوة على أن الصراع بين القيادات عمم التقييم السيىء لكل من كانت له علاقة بالحركة، وكما يقولون «الحسنة تخص والسيئة تعم»، ثم جاءت التسريبات الاخيرة فأفقدت الناس ثقتها فيهم، وتعاملهم الآن باعتبارهم خونة وعملاء، وأسهم فى ذلك أن المصريين لديهم ثقافة «الكارت المحروق»، بمعنى أن أى تنظيم أو شخصية أو موضوع، تكون له «موضة» أو «وقت»، ثم يتراجع بعد فترة، فما بالك بتلوث تنظيم بتهمة «العمالة»، رغم أن تلك التهمة -إن صحت- بعد حكم قضائى قاطع، فهى بالطبع لن تطول كل من انضم للحركة من الشباب. ما أهم علامات الاستفهام التى سيطرت عليك وأنت تقومين بالدراسة عن هذه الحركة؟ الوثائق... فقد كانت هى علامة الاستفهام الكبيرة، لأنها تمثل الدليل القاطع على مصادر التمويل وتوجهات القيادة، وهى بالطبع لم تتوفر لى وقتها بالإضافة إلى أن الدراسة كانت نظرية وليست عملية، لكن ما كنت على يقين منه أنه بعد مرور عامين على يناير 2011 – وقت أن قمت بهذه الدراسة - فإن الأرضية الشعبية للحركة تتلاشى، حتى من انشقوا عنها أصبحوا يكشفون بعض أسرارها، فمنذ أيام قليلة صرح طارق الخولى المتحدث باسم القوى الثورية فى حوار له على فضائية « سى بى سى» بأنه كان ضمن شباب حركة 6 إبريل، وأنه سعيد بالخروج منها، خصوصا أنه تم اختراقها بشكل كبير من جماعة الإخوان المسلمين، مشيرا إلى أنه دعا فى مؤتمر صحفى السيسى لترشيح نفسه، فهل كان يملك أحد أن يتصور أن يخرج أحد أعضاء حركة 6 إبريل ليطالب بترشيح وزير دفاع مصر -أيا كان- للرئاسة؟ من خلال متابعتك للإعلام الأمريكى والغربى كيف يتحدثون عن حركة 6 إبريل إنهم ينظرون للحركة وتنظيم الإخوان وتعامل الدولة معهم على أنه انتهاك لحرية الرأى ورفض لقبول الاختلاف السياسى، وأعتقد لهذا السبب تمت دعوة أحمد ماهر لإلقاء المحاضرة. ألم يصلك أن هناك شبابا تم تدريبهم قبل الثورة فى دول أجنبية على كيفية المشاركة فى المظاهرات لإسقاط الأنظمة الحاكمة؟ وهل من المنطقى أن يذهب أحد ليتمرس على كيفية إسقاط نظام حكم؟ هل تحتاج لتدريب؟ أنا نفسى شاركت فى يناير ويونيو دون حصولى على تدريب مسبق، ولو كان ذلك حدث بالفعل، فلا شك أن الدول التى ترعى هذا «التدريب» تريد أن تتعرف على عقليات شبابنا وتوجههم بشكل معين، وفى يقينى أنه لو كانت الأوضاع الاقتصادبة جيدة، ولكل من تلك القيادات وظيفة محترمة واستقرار اجتماعى ما كانت ستلجأ إلى تلك «التدريبات». أخيرا .. هل نشأت حركة 6 إبريل كحركة وطنية خالصة أم هى صناعة أمريكية؟ نظام مبارك كان مسئولا عن نشأة هذه الحركة، وهيأ لها التربة الخصبة، وهى حركة وطنية خالصة بالتأكيد، ولكن بعد ذلك تم اختراقها من الداخل والخارج نتيجة ضعف التنظيم، فهو اللبنة الأولى لانهيار أى حركة أو تنظيم، كما يقول أستاذ العلوم السياسية الشهير الراحل صمويل هنتجنتون.