أشرف بدر عندما تسقط الأقنعة كسقوط أوراق الشجر فى الخريف، وتتعرى الأجساد وتتكشف العورات، عن أبشع الوجوه، وأحقر النفوس، عندما يجرحك من كنت تحسبه دواءك، ويخذلك من كان في دنياك عزاءك، عندما تراجع مواقفهم فينكشف زيفهم وخداعهم وخيانتهم، وتظهر الحقيقة التى توارت خلف أقنعة لا تمت إلى حقيقتهم بأية صلة وهم إلى الذئاب والشياطين أقرب. أتحدث هنا بلا شماتة عن الحفنة المأجورة التى عملت لإسقاط الدولة المصرية وتسليمها بالمفتاح للخونة والعملاء، ومرتزقة الغرب. أتحدث عن الذين خدعونا تحت مسميات وشعارات وخطابات براقة، وكشفت التسجيلات المسربة حجم كراهيتهم لمصر، وأنهم ليسوا إلا مجموعة من تجار الموت والخراب أسهمت في إراقة الدماء وإضاعة سنوات عديدة من عمر الدولة المصرية. أتحدث عن "السياسيين" الذين أوجعونا بكلماتهم الرنانة عبر فضائيات مأجورة وصحف عميلة فتحت لهم الأبواب - ولاتزال - ليتحدثوا ب «الريموت كنترول» عن انكسار العدل وضياع حقوق الفقراء والجوعى، بينما تزداد بطونهم انتفاخا بملايين العملات الخضراء والدنانير والريالات، ويتلذذون برائحة اللحم البشرى المشوي، على نار خداعهم وخيانتهم، ومنظر الجلود المنزوعة عن الأبدان طوعا، ورُكام الأسنان المكسرة، ووديان العيون المخلوعة من محاجرها. أتحدث أيضا - بلا شماتة - عن المصير الذى ينتظر القطب الكبير فى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين "أردوغان "الذى ملأ الأرض صياحا وبكاء بعد عزل عصابته الإخوانية من حكم مصر، واتهامه ثورة 30يونيو، بالانقلاب على الشرعية، وراح يجوب الدنيا من أقصاها إلى أقصاها لحشد القوى الخارجية ضد جيش مصر الوطنى الذى استجاب لنداء وإرادة الشعب الذى جاء بتلك الشرعية، ثم ثار عليها وسحب الثقة ممن أعطاه إياها. ولم يطل القصاص العادل من عبث وتطاول هذا ال «أردوغان» حتى وجد نفسه بطلا فى حلقات «مسلسل سقوط الأقنعة»، ويكتشف أتباعه «المضحوك عليهم» فضائح وفساد رجاله الذين كان يحلمون معه بإمبراطورية الخلافة الإسلامية. كما اكتشفوا الأوهام التى كان يروجها أتباع الإخوان «النهضة والحرية والعدالة» قبل أى انتخابات من أنهم أكثر الناس معرفة بالله، وأنهم يمقتون الثراء ولا يهمّهم المال وأنهم سيوفّرون العمل للعاطلين ويحققون رغد العيش للمحتاجين ، وسيقطعون دابر فساد رموز النظام السابق، لكنهم خذلوهم شأن ما حدث من إخوان مصر وتونس وليبيا واليمن، وشهدناهم حينما سرق الضعيف، أقاموا عليه الحد، وحينما سرق الشريف ستروه، وانتشر الإلحاد فى عهدهم، وتفشت الجاهلية في كل مكان بسبب التعصب العنصري والقبلى والإبادات الجماعية، فهل أخطأ المصريون عندما رفضوا حكم الإخوان؟ لقد نسى هذا ال "أردوغان" أو تناسى ومن على شاكلته، أن الشرعية والديمقراطية اللتين بكى عليهما لم ترد فى قاموس الحكم الإخوانى طيلة العام فى مصر، وال 24 عاما فى السودان، ولم يقيموا دولة العدل، بل خالفوا شرع الله. إن ما يحدث في تركيا الآن هو شهادة إثبات بأن مشروع حكم "الإخوان السياسي" في حالة موت سريري، بمعنى أكثر دقة حلم "الخلافة "قد فشل، فتركيا لن تصبح نموذجا، بعد أن انكشف القناع عن وجه رئيس وزرائها وتحوله إلى "مقاول" نشط لتنفيذ مشاريع "واشنطن وأخواتها" في المنطقة وبالتحديد في سوريا ومصر والعراق، وإلى "مروج وبائع" للغاز الإسرائيلي الذي اكتشف أخيرا في حقل «تمار» في عمق البحر المتوسط، وعلى بعد 90 كيلومترا قبالة مدينة حيفا على الشاطئ الفلسطيني المحتل والشواطئ اللبنانية، وقد تحولت "تل أبيب" بعد اكتشافه إلى دولة نفطية تعزز اقتصادها بنحو 3.6 مليار دولار سنويا. والمتابع للشأن التركي -على الرغم من التعتيم الإعلامي الشديد - يدرك بأن المظاهرات هناك لن تقف إلا بإسقاط أردوغان الذى أحاط نفسه بطبقة من المنتفعين، الذين كانوا يقولون له ما يحب أن يسمع فقط، منذ إعادة انتخابه رئيسا للوزراء للمرة الثالثة، ولم يبق من حزبه "العدالة والتنمية" إلا اسمه، بعد ما ألغى جميع آليات المحاسبة والمشورة، وتشكلت داخل الحزب طبقة من المتحكمين والمقربين الذين أسسوا حزبا داخل الحزب، وأصبحوا هم فقط أهل الحل والعقد ولا وزن لأى رأى يأتى من خارجهم. إن فضيحة الفساد التركى التي طالت وزراء ومسئولين، تجاوزت حدود الاحترام والمكانة، إلى فقدان الشخصية والهوية،حيث لم تستطع تركيا بعهد أردوغان أن تنجز تفاهمات إقليمية مع جاراتها لسببين رئيسين، أولهما تدخله المباشر وبشكل سافر في شئون أكثر من دولة، وثانيهما شخصنته للأمور بدلا من تحري الموضوعية، ونظرته المتعالية وأحادية الجانب، واعتمادها على أمريكا التى تشير الأصابع إلى تورطها فيما يحدث هناك. ولا يزال فى مسلسل الفساد الأردوغانى حلقات عديدة، فقد كشفت صحيفة "تاراف" التركية عن تسجيلات وفيديوهات جديدة تؤكد تورطه وأربعة وزراء آخرين في قضايا فساد، وحتى الانتهاء من الانتخابات، البلدية والتشريعية والرئاسية، ستستمر المواجهة بين حكومة أردوغان وحزبه ومناصريه من جهة، وجماعة فتح الله كولن ومناصريه وحزب الشعب الجمهوري وحلفائهم في الخارج والداخل من جهة أخرى. قال تعالى: «يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا .