ميرفت فهد استقالتى أحدثت هزة لم أكن أتوقعها فى كل مكان، وأنا علائى المذهب، أى زاهد فى المناصب ومهنتى تكفينى، وهوية مصر "مدنية" لا تتقبل أبدا أى حكم عسكرى أو حكم دينى على الإطلاق، وأن هوية مصر هى التى يفرضها شعبها. هكذا بدأ الدكتور وسيم السيسى، أستاذ جراحة الكلى والمسالك البولية والباحث فى علم المصريات وعضو لجنة الخمسين لتعديل الدستور"احتياط" والذى قدم استقالته منها. وقال: إن مصر تصدت للصهيونية العالمية وذيولها، أمريكا وإسرائيل وأوروبا وتركيا وقطر والإخوان، مصر تغلبت على ذلك كله وقلبت الدنيا وولدت من جديد، وهى تحتاج رئيساً يحبها وأن يكون على استعداد أن يضحى بعمره من أجلها. ما أسباب استقالتك من لجنة الخمسين؟ بداية أرسلت الاستقالة بالبريد المستعجل بعلم الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وقد أحدثت هزة لم أكن أتوقعها فى كل مكان، فى الداخل وفى الخارج، وهى كانت لسببين، الأول: بعد أن شاركنا كلجنة احتياط، ذكروا أننا لن نحضر التصويت فى الجلسات النهائية وتصبح جلسات سرية، لماذا السرية؟ إذن لعدم الحاجة إلى رقابة، فى حين أنه يجب أن تكون هناك شفافية مطلقة على الهواء وأمام الناس، السبب الثانى: هو إضاعة الجهد المبذول، فمثلا استغرقت مناقشة المادة الأولى «مصر دولة مدنية» 4 ساعات، ويكفى أن شيخ الأزهر قال: إن الحكم الإسلامى لم يعرف إلا الحكم المدنى وكلمة "مدنية" من المدينة، وهو يعنى أنها لا دينية ولا عسكرية، وقمنا بعمل تصويت من 14 شخصاً: 10 كانوا مع مدنية و4 ضدها، وبعد الانتهاء من كل المواد، أرسلناها إلى لجنة الصياغة، المفاجأة أن اللجنة محت كلمة "مدنية"، فشعرت أن الجهد ضائع علاوة على التهميش، لذلك كتبت فى الاستقالة:"نحن نفكر كما نشاء وهم يفعلون ما يشاءون". قيل أيضا إن من بين أسباب الاستقالة «البهائيين» خصوصاً أنك طالبت بتغيير فى المادة الثالثة «إلى غير المسلمين» بدلا من «المسيحيين واليهود» ؟ ليس ذلك هو السبب الحقيقى، هناك الأسباب السابقة، وعموما، وقد جاء ذلك فى جلسة عامة على الهواء، أننى قلت للسيد عمرو موسى، إننى كلفت من الدكتورة سوسن حسنى – أستاذ الأدب العربى فى جامعة بكين وهى بهائية، أن بيانات رقمها القومى غير دقيقة مما يسبب لها معاناة كبيرة، واقترحت أن تكون المادة الثالثة من الدستور: «غير المسلمين من المسيحيين واليهود أن يحتكموا إلى شرائعهم فى الأحوال الشخصية، وأيضا بما لا يتعارض مع ما تعارف عليه المجتمع». واقترحت غير المسلمين فقط، لأن مجتمعنا به بهائيون وشيعة، فنحن نريد أن نفتح على العالم كله، ونحن نطلب المساواة فى المواطنة وليس فى الدين أو العقيدة. أيضا قيل إنك اعترضت على كلمة «ديمقراطية» عندما تم اقتراحها بدلا من «مدنية»؟ ماذا تعنى «ديمقراطية»؟ كلمة معناها حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب، ليس لها معنى، أيضا كان من الاقتراحات: «دولة دستورية»، إيران لديها دستور، ليس له معنى، كل دولة لها دستور، كل ذلك هروب من كلمة «مدنية»، فعندما يأتى أى حكم: دينى أو عسكرى، تكون هذه الخانة «فاضية» حتى «يلعب فيها زى ما هو عايز»، فهى كلمة «خطيرة جدا» يجب أن تكون موجودة. فى خطاب الاستقالة، وحسبما جاء على صفحتك فى الفيس بوك:"أرجو يا سيادة الرئيس أن تقبلوا استقالتى، فأنا علائى المذهب"، ماذا كنت تعنى بذلك؟ علائي المذهب، أى أبوالعلاء المعرى، فقد طلب منه أمير المؤمنين أن يكون ناصحا ومشيرا، فأجابه:"يا أمير المؤمنين .. قالوا عنى إنى عالم والقائل بذلك هو الظالم" ورفض، وعندما سأله تلاميذه ومريدوه عن سبب رفضه لمنصب رفيع، قال:"توحدت إلى ربى الأعلى الأوحد، وبعدت عن عشرة الرؤساء، فأنا زاهد فى كل ذلك". علائى المذهب أى زاهد فى المناصب، ومهنتى تكفينى وأجد فى عملى satisfaction. كما أذكر قول القديس أغسطينوس: "أصبحت على قمة العالم عندما لم أعد أشتهى شيئا"، فالذى يضعف الإنسان الرهبة والرغبة. لماذا كل هذا الجدل المثار حول المادة 219؟ لم تكن هذه المادة من اختصاص لجنتنا للمقومات الأساسية فقط المواد من 1 حتى 38، ولكن أردت أن يعرفوا أصلها، فكتبت مقال:"مادة الخوف من الشيوعية والمجاملة للإخوان المسلمين"، فقد قامت الثورة البلشفية فى سنة 1917، فى الاتحاد السوفيتى وسقطت القيصرية، وفى مصر قامت ثورة سعد سنة 1919، وبدأوا فى عمل الدستور سنة 1922، ثم قام الحزب الاشتراكى المصرى سنة 1923، الذى أصبح الحزب الشيوعى وانضم إليه 40 ألف مصرى و700 مما جعل إنجلترا ترتعد: «مصر داخلة على الشيوعية». فأوعزوا إلى الملك فؤاد أن يضع مادة فى دستور 1923:"أن دين الدولة هو الإسلام واللغة العربية لغتها الرسمية". وأصبحت المادة 149 فى الباب السادس. وفى دستور السنهورى باشا سنة 1954، زحزحتها لجنة الخمسين إلى المادة 195 فى الباب العاشر. وفى دستور 1971، الذى من المفترض أن يكون كتبه إبراهيم درويش، إذ قال لى إنه مختلف تماما عما قام بتسليمه لأنهم غيروا فيه. وكان من أهم التغييرات وأخطرها مجاملة للإخوان أو مداهنة لهم أنه بعد أن كان الباب العاشر أصبح الباب الأول، وبعد أن كانت المادة 195 أصبحت المادة الثانية، وكان كل ذلك هو أصل الموضوع. كيف ترى هوية مصر فى الوقت الحالى؟ هوية مصر هى التى يفرضها شعبها، وهوية مصر هوية مدنية لا تتقبل أبدا أى حكم عسكرى أو حكم دينى على الإطلاق، كان مبارك عسكريا وانقلبوا عليه ومرسي لم يكمل السنة. بمناسبة مخزون مصر الحضارى، ذكرت فى كتابك "مصر علمت العالم" أننا نملك أعظم تاريخ وأطلق عليه جيمس هنرى برستد "فجر التاريخ". إذن فى رأيك ما أسباب التعصب فى حين أننا كنا معروفين بالوسطية والاعتدال؟ منذ هجرة المصريين لأول مرة من بلادهم إلى دول الخليج، عاشوا وأنجبوا هناك وعاد من عاد وبقى من بقي، والذى عاد عاد بجواز مصرى، ولكن بأخلاق وتطرف خليجيين، وهو الفرق ما بين حضارة النهر وثقافة الرمل لأن الرمل ليس له حضارة، حضارة النهر قائمة على الحب: أنا وأنت لكى نزرع ونروى ونحصد ونصد خطر الفيضان. أنا بك وأنت بى وليس هناك أنا وأنت بل هناك "نحن لمصر"، فالحضارة النهرية قائمة على الحب والتعاون وفيها وفرة. الثقافة الرملية ثقافة ندرة، أولا لا يوجد الأرض وهو الوطن والتمسك به، الوطن هو الكلأ حيثما يكون أرعى الجمال والقطيع، ما قبل الإسلام كان هناك ما يطلق عليه "التصبيح" أى قبيلة تصبح قبيلة تهجم عليها قبل الفجر تقتل رجالها تستولى على نسائها وأطفالها وبئر مائها، ثقافة الرمل ثقافة ندرة ليست أنا وأنت وإنما أنا أو أنت، بالطبع بعد الإسلام أصبح هناك ثراء رهيب وتفتحت الشعوب وانتهت هذه الأشياء، ولكن مازالت أخلاق العنف والدم والتطرف والفكر القبلى. لدينا الآن فريقان: الغالبية العظمى وهم المصريون الذين يحبون مصر، ومصريون لديهم جواز سفر مصرى ودماء خليجي، لأول مرة فى تاريخ مصر يطرأ عليها ناس من أهلها، ولكن من فكر آخر وهو ما يفسر ما نحن عليه من تطاحن وحروب وكراهية وتطرف. يقال إنه خلال العام الماضى هاجر العديد من الأقباط. كيف ترى وضع الأقباط؟ "الأقباط يا ما مر عليهم". عصور مظلمة. لدرجة أن أحد الخلفاء قال لأحد الولاة: "احلبها حتى الدم، احلبها حتى الصديد، احلبها ولا تتركها تصلح لأحد من بعدى"، هناك قرى كانت خاوية ولا يجدون من يزرعها بسبب القضاء على أهلها، وهذه الهجرة الحالية مؤقتة، سيعودون مرة أخرى بمجرد أن يعود لمصر وجهها الحضارى لأنها بلدهم ووطنهم، وأيام مرسي سألونى فى إحدى الحوارات الصحفية عن رأيي فى حكم الإخوان فقلت:"جملة اعتراضية فى تاريخ مصر". ونشروها فى الصفحة الأولى. فسنة لا تذكر فى آلاف السنين. لا شىء. ماذا يريد الأقباط فى الدستور الجديد؟ الأقباط لا يريدون شيئا إلا عدم التمييز والمواطنة الكاملة، يعنى يعجبنى فى الدستور الأمريكى:"نحن لا يهمنا لونك أو دينك، ولكن أن تعطى هذا البلد أفضل ما عندك وسيعطيك هذا البلد أفضل ما عنده". هل تخلصنا من صناعة الفرعون؟ "يا ريت نعمل فرعوناً، يا ريت يحكمنا فرعون"، لأن فرعون معناها العدالة الاجتماعية، كلمة "فرعون" ليست اسم ملك، ولكن مثل أن نقول قصر الاتحادية أو 10 ش داوننج ستريت فى لندن، أو البيت الأبيض فى أمريكا، أو الكرملين فى موسكو، فهى من "برعا عالى" وأصبحت فرعا البيت العالى أى بيت الحاكم. وقد قام حكم فرعون على دعامتين: العدل أساس الملك والعدالة الاجتماعية الكل أمام القانون سواء بسواء. فى رأيك، ما مواصفات رئيس مصر المقبل؟ أن يحب مصر وأن يكون على استعداد أن يضحى بعمره من أجل مصر، بالفعل كما قال الفريق عبدالفتاح السيسي: "أنا لم أجد أحداً يحنو على مصر"، نريد من يحب البلد، وإذا وجدناه سنكون من أعظم 3 و4 دول على مستوى العالم بسبب مخزونها الحضارى الأخلاقى الذى يجعلها على قمة العالم، كنت أتعجب عندما كان نابليون بونابرت يقول:" لو كانت جيوشى من المصريين لاستطعت أن أسيطر على العالم". وكذلك:" قل لى من يحكم مصر أقل لك من يحكم العالم"، والذى يحكم مصر هو شعبها بجيناته الفرعونية الحضارية، ويستطيع الشعب أن يغير العالم ويحكم العالم، الدليل على ذلك أن "أوباما مرعوب"، فنحن نغير العالم، مصر تصدت للصهيونية العالمية وذيولها: أمريكا وإسرائيل وأوروبا وتركيا وقطر والإخوان، مصر تغلبت على ذلك كله وقلبت الدنيا وولدت من جديد.