محمد الليثى كان الأمر مختلفا. الحزن يخيم على كل المصريين فى كل شبر من أرض مصر .. المرارة تملأ حناجر كل من عاش على ترابها وشرب من نيلها .. طال الانتظار للحظة التى يتمناها كل مواطن يعشق هواها .. وعلى الرغم من طول الانتظار فإن شعار « لا صوت يعلو فوق صوت المعركة « سيطر على وجدان كل مصرى فى الفترة العصيبة التى مرت بعد هزيمة 67 .. إلا أننا جمعيا كمصريين لم نفقد الأمل يوما .. كنا على يقين أن الله عزوجل سينصرنا .. فكل غال ونفيس كان فداء وتحت إمرة الوطن .. الأب يمسك بيد ابنه ويسلما نفسيهما لأقرب وحدة عسكرية وقودًا لمعركة العزة والكرامة .. لم يعترف المصريون بشئ اسمه المستحيل .. لم يصادفوا نوما انتظارا للحظة التى اشتاقوا إليها .. تغزلوا فيها نسيوا أهلهم وذويهم جميعا عشقًا فى الوطن بعيدًا عن أى إجبار .. بل بإصرار وعزيمة فاقتا صلادة الحديد .. كانت تخرج البسمة من على شفاهه فقط .. وقلوبهم تنزف من الألم يكبحون غيظهم من رؤية حثالة البشرية على الضفة الأخرى من القناة من محتل استغل استراحة محارب وفى غفلة من الزمن اغتصب الجزء الغالى من أرض الوطن. الرسالة الثانية والثالثة والرابعة بهذه الكلمات بدأ المحارب «سيدى ابن طنطا يومياته التى دونها يرصد فيها كل ما يدور حوله يقرأ رفاقه .. يدونهم بين سطور ذكرياته يأخذ منهم فى وقت الاستعداد للمعركة تفاصيل حياتهم ويربطها بالواقع الذى يعيشون فيه .. يعرض الوقائع كما حدثت يعلم أنه يدون هو ورفاقه تاريخاً جديداً لمصر يحرص ألا تمر لحظه إلا ويدونها فى يومياته .. والتى حصلنا على مجموعة صور لعدد من صفحاتها أملا فى إيجاد صاحبها لترد له بضاعته .. وحياته التى سطرها تحت قصف النيران يحكى من أرض الواقع ملحمة تاريخية يعتز بها كل مصرى والتى ترصد الأحداث فى الفترة من بعد عام 1967 حتى حرب العزة والكرامة أكتوبر 1973 هذه اليوميات التى تحكى فترة عزيزة على كل مصرى رد فيها المصريون كرامتهم وأجبروا العالم على احترام إرادة وعزيمة المصريين فى ملحمة تاريخية سميت بالمعجزة .. تتهافت على دراستها جيوش العالم لتتعلم منها .. ولكن لن يستطيعوا تنفيذها .. لأنها ارتبطت بالمصريين وأصبحت حكرا لهم وهم فقط من يصنعون المعجزات .. هذه المذكرات أو اليوميات للمجند بالجيش المصرى لا توجد الآن على أرض مصرية ولا بين يدى صاحبها أو أحد من ذويه.. لنقرأ ما جاء فيها ونطلع على تأريخ وتدوين لملحمة عسكرية من أحد أفرادها البواسل .. أراد أن يحكى فيها للأجيال التالية أن مصر ستظل دائما مقبرة لكل من يحاول المساس بها أو خيلت له نفسه أن جيش مصر يركع أمام أى قوة كانت على وجه الأرض. مر أربعون عاما وحلم المجند « سيد « لم يتحقق الذى كان يصنعه مع رفاقه لإعادة الكرامة والعزة للمصريين حلمه الذى دونه بمذكراته ليحكى لأبنائه وأبناء الوطن كل لحظة مرت عليهم فى صناعة التاريخ .. ليحكيه بنفسه لو كان على قيد الحياة أو نقرأه إذا كان نال الشهادة أو فارق الحياة .. الرسالة الخامسة والسادسة إنها ليست مجرد أوراق وحبر .. إنها حياة كتبت بمداد الدم والعرق .. وما يزيد من المرارة أن حلم المحارب وقع بين يدى من كان يحاربه .. العدو المغتصب الذى لم يهنأ بغنيمته فنال شرف أن يغتصب حياة محارب دونها بين سطور يومياته. «الأهرام العربى» استطاعت أن تحصل على بعض صفحاتها - فى انفراد جديد لها - التى تحكى لنا حكايات مبتورة عن أيام عاشها جنودنا البواسل خلال فترة الإعداد للمعركة فى محاولة منها لتحقيق حلم محارب أراد أن يحكى لنا أن الكرامة أساس الحياة .. هذه المذكرات بين يدى جندى إسرائيلى الآن .. شارك مع العدو فى طغيانه .. حصل عليها أثناء فراره أمام طوفان الغضب المصرى لا يعلم إن كان صاحبها على قيد الحياة من عدمة ، فقد عثر عليها يوم 10 أكتوبر ووفقا لروايته .. أخفاها عن أعين الجميع حافظ عليها لما تحويه من حكايات ينحنى لها إجلالا كل من يقرأها .. وبعد أربعين عاما وبعد أن شارف على الموت يريد إعادتها لهذا المحارب إن كان ما زال على قيد الحياة أو ذويه إن كان توفى أو استشهد خلال المعركة .. كل المعلومات المتوافرة بالمذكرات تصعب المهمة فى الوصول إلى المحارب « سيد « فكل ما نعرفة عن صاحبها أن اسمه سيد ومن مدينة طنطا بمحافظة الغربية فقط هذه هى المعلومات التى لدينا .. مما يزيد الأمور تعقيدًا أو تشويقًا فى زيادة الإصرار لدينا على مضاعفة الجهد للوصول إلى صاحب هذه السطور التى كتبت بمداد العرق والدم ، والتى تحكى فترة مضيئة من تاريخ الوطن يفخر بها سيد أو يتباهى بها ذووه ومن حقهم علينا أن نسردها ردًا للجميل على الرغم من مرور أربعين عاما عليها .. لم يتوقف الأمر عند مذكرات المجند سيد بل هناك الكثير من هذه اليوميات بين أيدى الإسرائيليين الذين حصلوا عليها بعد حرب 67 واحتفظوا بها لأنفسهم .. وبعضهم أخذ البطاقات الشخصية للمجندين حيث كان الجنود الإسرائيلون يفتشون فى ملابس الشهداء من الجنود المصريين ليحصلوا على ذكريات من الحرب لهم .. وبعضهم أخذ الصور العائلية الخاصة بالجنود المصريين أو المذكرات واليوميات للجنود التى تحمل بين طياتها سطوراً من نور دونها جنودنا البواسل أثناء ملحمة حرب الاستنزاف التى كبدت إسرائيل ما لم تتكبده من قبل خسائر فى الأرواح من الجنود الإسرائيليين أو فى المعدات من مجنزرات أو مواقع تم تدميرها من قبل جنودنا البواسل أقل ما توصف به أنها فوق مستوى البشر أخذًا بالثأر واستعدادا للمعركة الكبرى وكسر شوكة التعالى للمعتدى وهدم أسطورته التى بناها فى خياله من خلال طلعات إغارة على خطوط العدو وعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف والوصول إلى العدو فى عقر داره .. وكان التنافس على الطلعات الليلية بحرب الاستنزاف لضرب العدو المعتدى على أشده بين الجنود، الأمر الذى وصل إلى المشادات فيما بينهم على أسبقية الخروج لعبور القناة وتنفيذ المهام الموكلة إليهم .. وكانوا يتسابقون فى بداية الأمر على من يستطيع قتل أكبر عدد من الجنود أو تدمير منشآت حيوية للعدو حتى وصل التنافس بما يحملون فى قلوبهم من حماس ومن غل للعدو إلى المنافسة على من يأتى بعدد أكبر من الأسرى .. يعبر بهم القناة مكتوفى الأيدى أسرى للجيش المصرى. كل ما لدينا من يوميات المجند سيد من معلومات هى ما دونه بخط يده فى أوراقه والتى تحمل قصصا إنسانية مبتورة لأصدقائه بالجيش والتى دون معظمها بأسمائهم رباعية وعنوانهم وتواريخ ميلادهم وتاريخ التحاقهم بالقوات المسلحة والتى تدل على أن صاحب اليوميات كان تعليمه مؤهلاً عالياً من رسمة الخط والصيغه الأدبية العالية فى الوصف ورصد الأحداث نعرضها لعل أن يراها أحد أصدقاء سيد ابن طنطا ليكمل لنا القصة المبتورة ونحاول من خلاله استعادة هذه اليوميات لترصد لنا فترة تاريخية نعتز بها جمعيًا من ميدان المعركة، حيث يسعى من يسيطر عليها أن يرسلها إلى صاحبها أو أحد ذويه فقط. الرسالة السابعة والثامنة يوميات المجند «سيد» ابن مصر والجيش المصرى قبل أن يكون ابن طنطا تبحث عنه .. شاهدة على أيام حرص على توثيقها له وللتاريخ والتى توجد الآن بين يدى أحد الجنود الإسرائيليين أثناء حرب أكتوبر يبحث عن صاحبها ويعرض الجندى الإسرائيلى رد هذه المذكرات إلى صاحبها أو أحد ذويه ، يريد أن يكفر عن ذنبه بردها إلى البطل المصرى . ويبدو أن هذا الجندى ندم على فعلته فى احتفاظه باليوميات كتذكار من الحرب فقرر أن يعيد ما أخذه ولكنه خشى من ردود الفعل فهو إن سلمها للسلطات الإسرائيلية سيتعرض للمساءلة وإذا سلمها للمصريين لا يعرف كيف سيكون رد فعلهم؟ أى بعد أكثر مرور من 40 عاما على العملية من دون أن يتوصل إلى قرار بشأنها لكنه أشرك زوجته فى هذا الهم طلب منها أن تردها إذا ما مات وأبلغها برغبته فى تسليم اليوميات وإرسالها إلى صاحبها، معللًا ذلك أنه أيضا كان جنديا كتب ذكريات فى دفتر يوميات ولو قتل فى الحرب يود لو سلم هذا الدفتر إلى أهله لا أن يقع بأيدى جنود العدو وبدأ فى البحث عن وسيلة لتسليم اليوميات.