"التنظيم والإدارة" يتيح الاستعلام عن نتيجة التظلمات بمسابقة 3500 وظيفة معلم مساعد علوم    إجازة المولد النبوي الأقرب.. العطلات الرسمية المتبقية في 2025    وزير الإسكان يتابع آخر مستجدات تفعيل قانون الإيجار القديم    الخارجية القطرية: رد حماس الأخير إيجابي جدا    أمين خارجية "المصريين": استقبال رئيس الوزراء الفلسطيني عند معبر رفح يؤكد استمرار دور مصر المحوري تجاه القضية الفلسطينية    رئيس وزراء السودان يطالب الأمم المتحدة بالتدخل لفك الحصار عن مدينة الفاشر    الزمالك يعقد مؤتمرًا صحفيًا بسبب فرع 6 أكتوبر    حملات تموين المنيا تضبط 318 مخالفة تموينية متنوعة    جهود «أمن المنافذ» في مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    الليلة.. مصطفى حجاج والفلكلور الكولومبي نجوم سهرة مهرجان القلعة    بعد سقوط شعرها.. رحمة حسن تكشف عن إصابة جديدة    محافظ الدقهلية: - إحالة المدير المناوب وعدد من أفراد النوبتجية المسائية بمستشفى نبروه المركزي للتحقيق    فنان شهير يفجر مفاجأة عن السبب الرئيسي وراء وفاة تيمور تيمور    مدير أوقاف الإسكندرية يتابع لجان اختبارات مركز إعداد المحفظين بمسجد سيدي جابر    رحيل الدكتور يحيى عزمي أستاذ معهد السينما.. وأشرف زكي ينعاه    والد الطفل «حمزة» يكشف اللحظات الأخيرة في حياته بعد تناول وجبة سريعة التحضير (التفاصيل)    طبيب الأهلي يكشف حالة إمام عاشور ومروان عطية قبل مواجهة المحلة    رئيس الرعاية الصحية: بدء تشغيل عيادة العلاج الطبيعي للأطفال بمركز طب أسرة العوامية بالأقصر    جولة تفتيشية للوقوف على انتظام حركة التشغيل في مطاري الغردقة ومرسى علم    كامل الوزير: تشغيل خطوط إنتاج الأسمنت المتوقفة وزيادة القدرات الإنتاجية    الأرصاد: فرص أمطار رعدية على حلايب ونشاط رياح بكافة الأنحاء يلطف الأجواء    وزارة النقل تناشد المواطنين التوعية للحفاظ على مترو الانفاق والقطار الكهربائي    قرار جديد من وزارة الداخلية بشأن إنشاء مركز إصلاح (نص كامل)    وزير الري: تطوير مؤسسي ومنظومة إلكترونية لتراخيص الشواطئ    وزيرة التخطيط والتعاون تتحدث عن تطورات الاقتصاد المصري في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية    الأردن: عبور 85 شاحنة محملة بالمواد الإغاثية إلى غزة    بلتون للتمويل العقاري تصدر أول توريق بقيمة 1.32 مليار جنيه    محافظ المنوفية يشدد على الإسراع فى معدلات تنفيذ الخطة الاستثمارية    واعظة بالأزهر: الحسد يأكل الحسنات مثل النار    " ارحموا من في الأرض" هل هذا القول يشمل كل المخلوقات.. أستاذ بالأزهر يوضح    حسن عابد مديرا لبطولة أفريقيا ل شباب الطائرة    "قصص متفوتكش".. 3 معلومات عن اتفاق رونالدو وجورجينا.. وإمام عاشور يظهر مع نجله    ميدلزبره يقترب من ضم موهبة مانشستر سيتي    البورصة تواصل ارتفاعها.. وانخفاض ربحية شركة كونتكت بنسبة 17%    53 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 34 يومًا؟    80 قطارًا.. مواعيد انطلاق الرحلات من محطة سكك حديد بنها إلى المحافظات الثلاثاء 19 أغسطس    وزيرا السياحة والإسكان ومحافظ الجيزة يتابعون مستجدات المخطط الاستراتيجي لتطوير منطقة سقارة    استكمال أوراق الشهادات المعادلة العربية بجامعة بنها الأهلية (للمتقدمين إلكترونيًا فقط)    وزير العدل من البحيرة: نعمل علي تطوير ورفع كفاءة دور العدالة    كامل الوزير يستقبل سفير الهند بالقاهرة لبحث التعاون    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    5 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي لمحافظ البنك المركزي    عماد أبوغازي: هناك حاجة ماسة لتغيير مناهج التاريخ فى الجامعات    رئيس الوزراء يلتقى وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني    ضبط ترسانة أسلحة بيضاء ومواد مخدرة متنوعة بمطار القاهرة الدولي (صور)    بعد إلغاء تأشيرات دبلوماسييها.. أستراليا: حكومة نتنياهو تعزل إسرائيل    إيمي طلعت زكريا: أحمد فهمي سدد ضرائب والدي بعد وفاته    أبرز تصريحات لقاء الرئيس السيسي مع الشيخ ناصر والشيخ خالد آل خليفة    «عارف حسام حسن بيفكر في إيه».. عصام الحضري يكشف اسم حارس منتخب مصر بأمم أفريقيا    شروط الحصول على منحة الزواج 2025.. الخطوات والأوراق المطلوبة (كيفية حسابها من المعاش الشهري)    رسميًا.. 24 توجيهًا عاجلًا من التعليم لضبط المدارس قبل انطلاق العام الدراسي الجديد 20252026    وقت مناسب لترتيب الأولويات.. حظ برج الدلو اليوم 19 أغسطس    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    "الجبهة الوطنية بالفيوم" ينظم حوارًا مجتمعيًا حول تعديلات قانون ذوي الإعاقة    عماد النحاس يكشف موقف لاعبي الأهلي المصابين من المشاركة في المباريات المقبلة    حقيقة إصابة أشرف داري في مران الأهلي وموقف ياسين مرعي من مباراة غزل المحلة    إطلاق حملة لرفع وعي السائقين بخطورة تعاطي المخدرات    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. مصطفى سويف: العسكريون «أبرياء» ولا يجيدون «ألاعيب السياسة»..وانتظروا «ثورة ثالثة»!
نشر في الأهرام العربي يوم 07 - 10 - 2013


حوار – مصطفى عبادة
مع مصطفى سويف، عالم النفس الكبير، أنت فى حضرة التاريخ، وأمام شهادة حية على المسارات التى سلكتها مصر تطورا ونهوضا، حتى سنة الإخوان هبوطا، والخلاص منها بروح مصرية وصلت ما انقطع من وهجها.
مصطفى سويف، مواليد 1924، حاضر الذهن، يذكر الوقائع بالتواريخ والأشخاص، كأنه ينظر فى كتاب، حاولنا فى هذا الحوار الانشغال بالمستقبل، لكنه أصر أنه لا مستقبل، دون دروس الماضى، فالإخوان سقطوا سريعا لأنهم خارج التاريخ، خارج العصر، ولأنهم ورثوا أمراض المؤسس حسن البنا الذى حسب صورته النفسية التى يرسمها عالم النفس الكبير: ناعم، معقد فكريا، ميال للظهور، وكذلك جاء مرسى المتردد، التابع، أما السلفيون فهم يعيشون فيما يسمه علم النفس مرحلة «التوهان الحضارى».
أما الجيش المصرى، كما يراه د. مصطفى سويف، فهم قوم يتسمون بالبراءة، والوطنية الشديدة، وفوجئوا بالآلاعيب السياسية التى مارسها الإخوان أيام المشير طنطاوى، وبالتحليل العلمى والنفسى يرى مصطفى سويف أن المجلس برىء من أى كلام عن مؤامرة مع الإخوان، وعشرات القضايا التى رصدناها فى هذا الحوار.
⢴ حوار – مصطفى عبادة
مرت مصر بحدثين كبيرين هما 25 يناير و30 يونيو يراهما البعض متعارضين، ويراهما آخرون امتدادا لفعل واحد هو ثورة المصريين، كيف ترى أنت الأمر؟
أراهما حدثين مكملين لبعضهما بعضاً، ف 25 يناير قطعت جزءا من الشوط، لكنها لم تكمل ما بدأته لأسباب متعددة وشعر الشعب بأنه سرق، فقام قومته الثانية فى 30 يونيو و3 يوليو ثم 26 يوليو، وواضح فى كل ما جرى إصرار الشعب على تحقيق حلمه بالحرية، لكنه فى 30 يونيو استفاد من خبرته التى مر بها فى 25 يناير، فلم يكرر أخطاءها، وبالتالى، وهذا احتمال، وليس تمنيا، أن يقوم الشعب مرة ثالثة ليكمل ما بدأه، وليصحح ما يجرى من أخطاء.
يثور ضد من هذه المرة؟
لمن يتصدون للحكم، وعملهم لا يرضى مطالب هذه الثورة التى تحددت بشكل واضح، منذ 25 يناير: عيش كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية، حرية وكلها تؤدى إلى معنى كبير هو «الاستقلال الوطنى» وأى حكومة لن تحقق هذا الاستقلال سيغيرها الشعب، مع ملاحظة أن الوجدان الشعبى غير معنى بالتفاصيل التى تغرق فيها النخبة المثقفة، ويبدو أنها نخبة متفرغة «فاضية» لهذه التفاصيل، لكن الشعب يشعر ويستجيب، ولن يصبر طويلا على مماحكات النخب، لأنه منذ 25 يناير حتى 30 يونيو 2013، صبر أكثر من عامين، وراقب مجريات الأمور والأحداث، وهذه فى عمر الثورات مدة كبيرة لأن الثورة تفاجئنا بمستجدات يومية، سواء من مثيريها أم المعادين لها، الشعب إذن يصبر بذكاء، وحين يرى أن النخبة خذلته سيكون حاسما فى مواجهتها، وهو شعب لا تنقصه الشجاعة، ولا القدرة على الحشد، ولا التواصل لكى يتم هذا الحشد.
تقصد أن 30 يونيو صححت فشل 25يناير؟
لا أعتبره فشلا، لكن ما جرى أن الشعب خلع رأسى النظام، والحلقة الضيقة المحيطة به، ولم يتعامل مع المعارضة المرتبطة به بحسم، ثم تنبه بعد ذلك إلى الضرورات التى يحتاجها فى مسيرته، وأن الموجودين لا يلبون هذه الضرورات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، كان الوضع مليئا بالشوائب، لأن هناك من تقدموا لخديعة الشعب بنفس طريقة النظام السابق، سواء كانوا على وعى بأنهم يخدعون الشعب، أم لأن لديهم فلسفتهم الخاصة، ونسوا أن الشعب قرر وارتضى أن يكمل ما بدأه، بقينا فترة فى ظل المجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى، وفى هذه الأثناء انزلق إلى السطح الإخوان المسلمون، والقول إن هناك مؤامرة بينهم وبين المجلس العسكرى، لا يخضع للامتحان العقلى، وغير مقبول عقليا، وأنا كعالم نفسى أخضع الأشياء للتحليل لا يدخل عقلى أبدا أى تأمر من المجلس العسكرى، لكن هذا هو الذى حدث، وإذا بالإخوان المسلمين، ولهم من يمهد لهم، فى أثناء وجود المجلس العسكرى، بدءا من استفتاء 19 مارس المشهور باستفتاء الجنة والنار، وسبقته علامات مريبة مثل اختيار لجنة يرأسها طارق البشرى، وهو من يختار صبحى صالح، وكلها علامات على التمهيد للإخوان «والأستاذ صالح ليه يعنى» وهو والبشرى من مشرب واحد, وأنا أعرف البشرى وأعرف تاريخه ولست مخدوعا فى شىء لأننى أعرف حقائق الأشخاص، وبدأت تتشكل ملامح الطريق الذى مررنا فيه حتى 30 يونيو.
بعد قليل وجدت الجماهير نفسها فى قبضة تضيق عليها شيئا فشيئا وتتجه لها إلى حكم الإخوان المسلمين، والإخوان كانت لهم هالة وسط الجماهير، وفى قطاع معين منها، فى الأرياف، من يقولون عنهم «ناس بتوع ربنا»، وتبعهم الناس.
هل هناك تفسير نفسى لانقياد الشعب المصرى وراء هذه المقولة «بتوع ربنا»؟
لا. الشعب المصرى له خصائص أعقد وأدق من هذا، فيبدو سلسل القياد، إنما لا، هو سلس القياد بمعنى أنه يدع الأمور تمر دون تعقيد يفوت يعنى، لكن تبقى فى نفسه شكوكه وأسئلته وربما رفضه، ولدينا أمثلة شعبية تدل على ذلك مثل: قال أسلمت يا كنيسة.. أسلمت، إنما اللى فى القلب فى القلب، ولو أن المثل غير مناسب للظرف التاريخى، إنما هو مثل، لكن وقت الجد، لا يفوت الشعب المصرى أبدا ويكون حاسما ولا يمشى وراء من يخدعه.
أين دور المثقفين فى هذا التحليل؟
25 يناير كانت سبيكة من كل قدرات ومن كل أشخاص أبناء الشعب، ومن بينهم المثقفون، وإن كان الإخوان لم ينزلوا إلا يوم 28 يناير بعد أن اطمأنوا، ولم يكونوا مؤمنين بالثورة، ولما تمكنوا استغلوا عدم خبرة المجلس العسكرى، فرجاله أبرياء، وهنا كان على المثقفين لعب دور فى توعية الشعب بآلاعيب الإخوان لكنهم لم يفعلوا، وكون المجلس العسكرى يتسم بالبراءة، يعنى البطء فى اتخاذ القرارات، وهذا لا يناسب ظرفا ثوريا ومشاعر وطنية متأججة، فظهر شعار يسقط حكم العسكر.
هل أنت موافق على هذا الشعار، ما تفسيرك له؟
أنا على دراية بأن الشعارات تكون ذات صيغة محددة ليسهل على الجماهير ترديدها، فليس من السهل القول: يسقط حكم العسكر إلا فى حالة كذا وكذا، وهذه ميزة الشعار المختصر، والصيغة المختصرة دائما هى صيغة إطلاقية، إذا أعملت فيها العقل تجد نفسك أمام لا يعنى أو أمام فراغ، وغير موافق على الشعار، بدليل أن من ردوده احتموا بالعسكر لمساندة ثورة 30 يونيو، وهم كانوا على مستوى الحدث، ولولا مساندتهم للجماهير لفشلت الثورة، وخصوصا أن العسكر ممثلون فى الفريق أول عبد الفتاح السيسى أدوا أداء ممتازا فى بلورة الموقف بوعى سياسى ناضج أكسب الخروج فى 30 يونيو معنى الثورة.
مع ذلك لم تجبنى عن دور المثقفين وتتحاشى الكلام عنهم؟
دور المثقفين يتوقف على معنى كلمة مثقف، وإلا فالإخوان المسلمون فيهم أساتذة جامعات، ومرسى نفسه أستاذ فى كلية الهندسة، والبلتاجى أستاذ فى كلية طب الأزهر، إذن المسألة ليست فى المتعلمين أو الحاصلين على الدكتوراه أو غيره، إذن مرة أخرى، هل نتكلم عن الذين اشتركوا فى حصار مكتب وزير الثقافة خوفا من أخونة الثقافة، وكانت هناك منفردات بذلك، وهم وفق التعريف العربى القديم للمثقف:«الأخذ من كل شىء بطرف» فالمثقف يشترط فيه أن يكون ملما بأمور أوسع بكثير جدا من التخصص الذى ارتضاه لعمله، وبهذا المعنى كان دور المثقفين فى 30 يونيو جزءا من أدوار أخرى، الأهم منه دور الشباب الذين أسسوا حركة «تمرد» وهى فكرة مبدعة ولعلها من بين العوامل التى زلزلت الإخوان أمام أنفسهم بصرف النظر عن حالة الإنكار التى يبديها الإخوان المسلمون، بثقافة تمرد تناسب جيلهم، وتناسب الفترة التاريخية التى نعيشها، وهى فترة مختلطة جدا بالتكنولوجيا واستعمال «الآى باد» و«اللاب توب» إلخ، ربما ينقصهم العنصر التاريخى، خصوصا تاريخ مصر الحديث، فلديهم فيه ثغرات كثيرة، فى هذا السياق لعب المحاصرون لمكتب الوزير دورا رائعا ومحترما، وبالتالى تبدو هنا أهمية المثقف المسيس الذى له دور فى مناقشة وبلورة أفكار معينة تنهض بمستقبل هذه الأمة.
ومستقبلا كيف ترى دورهم؟
المستقبل القريب لابد أن يتصدره المثقفون، ليس بالمعنى السياسى، وإنما بمعنى تقديم الحلول، وبلورة للمشكلات التى ستطرأ فى الواقع المصرى، مشكلات الحرية بالتحديد، وهذه فرصة لأحدثك عن كتابى «مصرنا فى سعيها نحو مستقبل أفضل» فقد أخذت نفسى مأخذ الجد وظللت أحصى مشكلات مصر وأبلورها فى سياقات محددة، لكى يسهل تقديم الحلول لها ورصدت فيه إرهاصات ما جرى بعد ذلك، وفيه استبصارات علمية لمشكلات مصر، كان هذا دورى الذى حددته لنفسى منذ مارس 1990، وكنت أنشره فى مجلة الهلال المصرية شهريا فمهمتى، وأعتقد أنها مهمة كثير من المثقفين، أو من يعتبرون أنفسهم مثقفين، أو من يعتبرهم الآخرون مثقفين، أولا: إثارة المشكلات، ثانيا ترتيب المشكلات من حيث أهميتها فى أولويات، والتفكير الجدى فى حلول لها، بعد دراسة تاريخها وهذا ليس ترفا، بل حكم وواجب على المثقف فمادام مجتمعك أتاح لك فرصة التعليم، ووفر لك الأخذ من كل شىء بطرق، فعليك رد الجميل لهذا المجتمع.
ذكرت أن الإخوان هزموا أمام أنفسهم، برغم ما يبدونه من حالة إنكار، إلى متى ستستمر حالة الإنكار لدى الإخوان؟
أولا كثير من الأصدقاء من الأطباء النفسيين مثل د. أحمد عكاشة وغيره، شخصوا المسألة بحالة إنكار لدى الإخوان المسلمين، وهى على السطح تبدو كذلك، لكن الظواهر الاجتماعية لا يجوز أن نختزلها فى مصطلحات سيكولوجية أو قوانين سيكولوجية، وهذا ما ينساه زملاؤنا علماء النفس الظاهرة أعقد من ذلك، فهناك جهات داخلية وخارجية تدفع الإخوان دفعا للاستمرار فى الصمود، فبدل الإنكار يسمونه الصمود، وتدفع أموالاً فى هذا السبيل، للشوشرة وإنهاك الحكومة والدولة، ومحاولة كسر الدولة، وهو ما يخرج من حالة الإنكار كقانون سيكولوجى إلى حالة معقدة بشكل كبير، فمن يجد معه تركيا وقطر والأبعد من ذلك أمريكا، لا يمكنه تصور أنه مريض نفسى، برغم أن المدقق يلاحظ أن المجتمع الأمريكى انقسم على نفسه بشأن ما جرى فى 30 يونيو، ومن يرونه انقلابا لمجرد ظهور الجيش فى الصورة مضللون ويغالطون أنفسهم وعلى غرارهم سار الاتحاد الأوروبى، الذى هو تابع لأمريكا.
تحدثت فى كتابك الذى أشرت إليه منذ قليل عن هدر المنجز الحضارى فى هذا السياق، كيف رأيت دعوة السلفيين إلى هدم الآثار وتغطية التماثيل؟
الأيديولوجيا إذا تمكنت من الشخص فهى كفيلة بتبرير أى تخريجة تتم على ضوء هذه الأيديولوجيا مهما تكن فاقدة المعنى، أو مهما تكن متناقضة مع المقدمات، أو مهما تكن سيئة أو مؤذية للشعور العام، وعندما تتحول البنية الفكرية للشخص إلى عقيدة جامدة «دوجما» تدفعه إلى ارتكاب حماقات، وفى سياق التوهان الحضارى الذى يعيشه السلفيون لا أستغرب منهم أى شىء، وفى حدود فهمى لأفكارهم أنهم يحترمون السلف، والسلف لهم أفكار عظيمة، ولو أننى مؤرخ أجنبى لا أملك إلا أن أعجب بالخلفاء الراشدين لكنهم أى السلفيين يغفلون تناقضات ضخمة فى تراثنا السلفى، تبدو خارج السياق الآن، فهل كان السلف القدماء يشترطون فى المسلم إطلاق اللحية مثلا، وهل كان القدماء يجيزون هدم الأضرحة، ما دخل ذلك فى الإيمان بالله، فكيف تؤمن بالسلف، وتهدم أضرحتهم فى الوقت نفسه، من حقك ألا تعترف بأضرحتهم لكن ليس من حقك الاعتداء على الشعور العام بتكسير هذه الأضرحة، وإن كنت تخشى أن يكون العامة أفكارا حول هذه الأضرحة، فهذا يزول بزوال الأمية وانتشار التعليم وهذا دورك كلسفى، تعليم الناس، بدل الاعتداء على شعورهم، علمهم أولا ثم ثقفهم، واترك الأضرحة فى حالها.
لماذا تحول الدين عندنا إلى عامل تفريق، وبرغم أن كل الديانات السماوية نزلت عندنا، فإننا الأمة الوحيدة خارج سياق الحضارة الحديثة، ونحارب بعضنا بعضاً؟
لأن شئون العالم الدينوى لها مسار آخر، والحديث الشريف يقول:«أنتم أعلم بشئون دنياكم» إذن الرسول جاءنا بالدين وتركنا ننظم أمور الدنيا نحن، شئون دنياكم هذه تتداخل مع العوامل التاريخية، ومعارف العصر، ومعطيات الطبيعة والأخذ بالأسباب والعلوم والبحث فى أصل الأشياء، الناس متدنيون بطبعهم، المشكلة ظهرت عندما قررت طائفة من أن تدخل الدين فى السياسة، بدأت تختلف السياسة وتتعطل فى الثلاثينيات من القرن الماضى، بين النحاس باشا والسرايا ورجالها، بأن يتوج الملك فاروق فى الأزهر، ورفض النحاس باشا وقال: هذا إقحام للدين فى أمور لا يجوز أن يقحم فيها، ومثال ذلك أيضا محاولات الشيخ المراغى أن يجعل من الملك فؤاد خليفة للمسلمين، وتبعه بعد ذلك بعض الأزهريين تكلم هنا، وكان هذه نباتات ظهرت فى الأرض المصرية، إنما هذا غير صحيح، والتصور السائد فى الغرب عن منطقتنا، أنها لا يحكمها إلا الدين، وأن هذا جزء لا يتجزأ من تخلفها، وأنها لو دخلت فى مسألة القومية والوطنية التى دخل فيها عبد الناصر فتسصبح أمة حديثة، ومن هنا استخدم الغرب الإخوان المسلمين لضرب هذه الأفكار التحررية، لأن العرب لو تحرروا فلن يكون للغرب مكان هنا ولن يستطيع السيطرة علينا، وسيذهب إلى تحت الصحراء، وهذا دور الإخوان فى إبقاء المنطقة متخلفة.
فأريد لهذه المنطقة بإرادات خارجية وبدعم من إرادات داخلية أن يستخدم الدين كأداة سياسية، وليس أداة للتطور.
لو قمت بتحليل نفسى لحسن البنا، ماذا تقول كيف تشخص حالته؟
الظواهر التاريخية لا يكفى لتفسيرها التحليل النفسى، لكن الصورة النفسية له: أنه رجل ناعم، يتكلم بطريقة أكثر نعومة ورقة ويستخدم فى الكلام طريقة التلفيق، يعنى مثلا كان يتكلم فى الإذاعة، وقبلها كان يمسك بالميكروفون ويتكلم فى رواد سوق الخضار (ميال للظهور) فكان يقول: بالنص إحنا نأخذ حبة الشيوعية على حبة من الاشتراكية، على حبة من الرأسمالية، ونطلع منهم فكرا عظيما «إسلامى فيه الحرية والعدالة» ثم يلجأ إلى الهدوء الشديد، وثانيا هو رجل متحرك، يقوم برحلات إلى القرى والنجوع.
وهل كان البنا يؤمن بالاشتراكية حتى يأخذ منها؟
لا طبعا، هو كان يقصد هزيمة الأفكار اليسارية والشيوعية على طريقة «كله فى الإسلام» وعلى العموم هو فكريا أعقد من هذا ولا أشك فى ذلك.
هل جرت محاولات لتجنيدك فى الإخوان؟
أحد الشباب حاول ذلك، ولما ذهبت لم أرتح لسلوك الإخوان، لأن فيهم مظهرية لا أحبها، وأتذكر بكل دقة الآن أننى دخلت المكان وجلست فى البلكونة، ثم: الصلاة يا إخوان، فوجدت الجميع يشمرون ويلبسون القباقيب، وهو سلوك بدوى، ومثلى تعود الوضوء فى المنزل، والنزول مهندماً إلى المسجد، كما علمنى والدى أهمية الإسلام الحضارى، طبقا هذا ليس سببا ترفض من أجله الانضمام إلى تنظيم كبير، إنما عندما أتأمل العوامل النفسية التى أشتغلت فى نفس وقتها وجعلتنى لا أحب هذا التنظيم هى التكلف فى أخذ الإسلام فقد نادانى أحدهم مرة ب:«يا أخية» هذه عمليات تمثيلية والنفس البشرية حساسة للأشياء البسيطة مثل هذه كيف تخاطب شابا فى مثل عمرى بهذه اللغة، هذا الفصام من لغة العصر، ثم ما قضى على حماستى للإخوان أننى وجدت أناسا لا علاقة لهم بالتدين يتحمسون للإخوان، مثل بعض شباب الطبقة الراقية الذين كانوا يسهرون مع البنات فى مينا هاوس، ليلا، ويذهبون للإخوان نهارا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.