مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    الداخلية تكشف لغز جثث أطفال الهرم.. وتضبط المتهم    ماس كهربائى وراء حريق مصنع ملابس بشبين القناطر.. والحماية المدنية تسيطر    الطب الشرعي يحسم الجدل: «قاتل المنشار» بكامل قواه العقلية    عاجل - تحديثات الذهب مع بداية الأسبوع.. أسعار المعدن النفيس في مصر اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    أسعار طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    سعر الدولار اليوم الاثنين 27102025 بمحافظة الشرقية    اسعار الحديد فى الشرقية اليوم الأثنين 27102025    روسيا: تدمير 6 طائرات مسيرة أوكرانية كانت متجهة إلى موسكو    بعد سيطرة الدعم السريع.. الأمم المتحدة تطالب بتوفير ممر آمن للمدنيين في الفاشر    إسرائيل تؤكد أنها من يقرر مسار الأمور في غزة رغم الهدنة    فنزويلا تدين "الاستفزاز العسكري" لترينيداد وتوباغو وتتهمها بالتنسيق مع CIA    اتفاق اللحظة الحرجة.. واشنطن وبكين تقتربان من تهدئة حرب التجارة عبر المعادن النادرة و"تيك توك"    لافروف: مبادرة عقد قمة روسية أمريكية ما زالت قائمة لكنها تحتاج إلى تحضير جيد    فرنسا وبريطانيا تزودان أوكرانيا بدفعة جديدة من الأسلحة    رئيس غزل المحلة: الأهلي تواصل معنا لضم ثلاثي الفريق الأول    مصدر مقرب من علي ماهر ل في الجول: المدرب تلقى عرضا من الاتحاد الليبي    مواعيد مباريات اليوم فى الدورى المصرى    بهدف قاتل ومباغت.. التأمين الإثيوبي يفرض التعادل على بيراميدز بالدور التمهيدي من دوري الأبطال    الزمالك مهدد بالاستبعاد من بطولات إفريقيا لكرة اليد.. الغندور يكشف التفاصيل    "البلتاجي "على كرسي متحرك بمعتقل بدر 3 ..سر عداء السفاح السيسى لأيقونة يناير وفارس " رابعة"؟    «عائلات تحت القبة».. مقاعد برلمانية ب«الوراثة»    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    الداخلية تضبط شخصين روجا شائعات وأكاذيب تحريضية بواقعة المنيا    حالة الطقس في أسيوط الإثنين 27102025    العشق القاتل.. اعترافات المتهم بإنهاء حياة عشيقته وأطفالها الثلاثة في الهرم    عمرو أديب: موقع مصر كان وبالا عليها على مدى التاريخ.. اليونان عندها عمودين وبتجذب 35 مليون سائح    ريهام عبد الغفور تطرح بوستر مسلسلها الجديد «سنجل ماذر فاذر»    أكاديمية الفنون تُكرّم اسم الفنان السيد بدير بإعادة عرض «عائلة سعيدة جدًا»    بكلمات مؤثرة.. فريدة سيف النصر تنعي شقيقها    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    احذري، كثرة تناول طفلك للمقرمشات تدمر صحته    نمط حياة صحي يقلل خطر سرطان الغدة الدرقية    الزبادي اليوناني.. سر العافية في وجبة يومية    علاج سريع وراحة مضمونة.. أفضل طريقة للتخلص من الإسهال    صحة القليوبية: خروج جميع مصابى حادث انقلاب سيارة بطالبات في كفر شكر    في الجول يكشف كيف يفكر الأهلي لدعم الهجوم.. الأولوية للأجنبي وخطة بديلة    أمير عبد الحميد: تدريب حراس الأهلى حلم تحقق.. والمنافسة فى النادى صعبة    وصلت إلى 350 ألف جنيه.. الشعبة: تراجع كبير في أسعار السيارات (فيديو)    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط بدون إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس    3 أبراج «هيرتاحوا بعد تعب».. ظروفهم ستتحسن ويعيشون مرحلة جديدة أكثر استقرارًا    فرصة ثمينة لكن انتبه لأحلامك.. حظ برج الدلو اليوم 27 أكتوبر    مساعد وزير التموين: حملات مكبرة لضبط الغش التجاري وعقوبة المخالفات تصل للسجن    حماية المستهلك: ضبطنا مؤخرا أكثر من 3200 قضية متنوعة بمجال الغش التجاري    الجمع بين المرتب والمعاش.. التعليم تكشف ضوابط استمرار المعلمين بعد التقاعد    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس    مولودية الجزائر يتأهل لدور المجموعات في دوري أبطال أفريقيا    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    مأساة في ميدان الشيخ حسن.. مصرع طالبة تحت عجلات سيارة سرفيس مسرعة بالفيوم    التنمية المحلية: إجراءات عاجلة لمعالجة شكاوى المواطنين من انبعاثات محطة خرسانة بالمنوفية    وكيل صحة شمال سيناء يترأس الاجتماع الشهري لتعزيز وتحسين كفاءة الأداء    الحسابات الفلكية تكشف موعد بداية شهر رمضان 2026    برلمانية: سأعمل على دعم تطوير التعليم والبحث العلمي بما يواكب رؤية الدولة المصرية    قيادات حزبية: كلمة الرئيس السيسي جسدت قوة الدولة ونهجها القائم على الوعي والسلام    وزير المالية: إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة والتعليم خلال السنوات المقبلة    هل رمي الزبالة من السيارة حرام ويعتبر ذنب؟.. أمين الفتوى يجيب    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، عن 10 آداب في كيفية معاملة الكبير في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. مصطفى سويف: العسكريون «أبرياء» ولا يجيدون «ألاعيب السياسة»..وانتظروا «ثورة ثالثة»!
نشر في الأهرام العربي يوم 07 - 10 - 2013


حوار – مصطفى عبادة
مع مصطفى سويف، عالم النفس الكبير، أنت فى حضرة التاريخ، وأمام شهادة حية على المسارات التى سلكتها مصر تطورا ونهوضا، حتى سنة الإخوان هبوطا، والخلاص منها بروح مصرية وصلت ما انقطع من وهجها.
مصطفى سويف، مواليد 1924، حاضر الذهن، يذكر الوقائع بالتواريخ والأشخاص، كأنه ينظر فى كتاب، حاولنا فى هذا الحوار الانشغال بالمستقبل، لكنه أصر أنه لا مستقبل، دون دروس الماضى، فالإخوان سقطوا سريعا لأنهم خارج التاريخ، خارج العصر، ولأنهم ورثوا أمراض المؤسس حسن البنا الذى حسب صورته النفسية التى يرسمها عالم النفس الكبير: ناعم، معقد فكريا، ميال للظهور، وكذلك جاء مرسى المتردد، التابع، أما السلفيون فهم يعيشون فيما يسمه علم النفس مرحلة «التوهان الحضارى».
أما الجيش المصرى، كما يراه د. مصطفى سويف، فهم قوم يتسمون بالبراءة، والوطنية الشديدة، وفوجئوا بالآلاعيب السياسية التى مارسها الإخوان أيام المشير طنطاوى، وبالتحليل العلمى والنفسى يرى مصطفى سويف أن المجلس برىء من أى كلام عن مؤامرة مع الإخوان، وعشرات القضايا التى رصدناها فى هذا الحوار.
⢴ حوار – مصطفى عبادة
مرت مصر بحدثين كبيرين هما 25 يناير و30 يونيو يراهما البعض متعارضين، ويراهما آخرون امتدادا لفعل واحد هو ثورة المصريين، كيف ترى أنت الأمر؟
أراهما حدثين مكملين لبعضهما بعضاً، ف 25 يناير قطعت جزءا من الشوط، لكنها لم تكمل ما بدأته لأسباب متعددة وشعر الشعب بأنه سرق، فقام قومته الثانية فى 30 يونيو و3 يوليو ثم 26 يوليو، وواضح فى كل ما جرى إصرار الشعب على تحقيق حلمه بالحرية، لكنه فى 30 يونيو استفاد من خبرته التى مر بها فى 25 يناير، فلم يكرر أخطاءها، وبالتالى، وهذا احتمال، وليس تمنيا، أن يقوم الشعب مرة ثالثة ليكمل ما بدأه، وليصحح ما يجرى من أخطاء.
يثور ضد من هذه المرة؟
لمن يتصدون للحكم، وعملهم لا يرضى مطالب هذه الثورة التى تحددت بشكل واضح، منذ 25 يناير: عيش كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية، حرية وكلها تؤدى إلى معنى كبير هو «الاستقلال الوطنى» وأى حكومة لن تحقق هذا الاستقلال سيغيرها الشعب، مع ملاحظة أن الوجدان الشعبى غير معنى بالتفاصيل التى تغرق فيها النخبة المثقفة، ويبدو أنها نخبة متفرغة «فاضية» لهذه التفاصيل، لكن الشعب يشعر ويستجيب، ولن يصبر طويلا على مماحكات النخب، لأنه منذ 25 يناير حتى 30 يونيو 2013، صبر أكثر من عامين، وراقب مجريات الأمور والأحداث، وهذه فى عمر الثورات مدة كبيرة لأن الثورة تفاجئنا بمستجدات يومية، سواء من مثيريها أم المعادين لها، الشعب إذن يصبر بذكاء، وحين يرى أن النخبة خذلته سيكون حاسما فى مواجهتها، وهو شعب لا تنقصه الشجاعة، ولا القدرة على الحشد، ولا التواصل لكى يتم هذا الحشد.
تقصد أن 30 يونيو صححت فشل 25يناير؟
لا أعتبره فشلا، لكن ما جرى أن الشعب خلع رأسى النظام، والحلقة الضيقة المحيطة به، ولم يتعامل مع المعارضة المرتبطة به بحسم، ثم تنبه بعد ذلك إلى الضرورات التى يحتاجها فى مسيرته، وأن الموجودين لا يلبون هذه الضرورات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، كان الوضع مليئا بالشوائب، لأن هناك من تقدموا لخديعة الشعب بنفس طريقة النظام السابق، سواء كانوا على وعى بأنهم يخدعون الشعب، أم لأن لديهم فلسفتهم الخاصة، ونسوا أن الشعب قرر وارتضى أن يكمل ما بدأه، بقينا فترة فى ظل المجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى، وفى هذه الأثناء انزلق إلى السطح الإخوان المسلمون، والقول إن هناك مؤامرة بينهم وبين المجلس العسكرى، لا يخضع للامتحان العقلى، وغير مقبول عقليا، وأنا كعالم نفسى أخضع الأشياء للتحليل لا يدخل عقلى أبدا أى تأمر من المجلس العسكرى، لكن هذا هو الذى حدث، وإذا بالإخوان المسلمين، ولهم من يمهد لهم، فى أثناء وجود المجلس العسكرى، بدءا من استفتاء 19 مارس المشهور باستفتاء الجنة والنار، وسبقته علامات مريبة مثل اختيار لجنة يرأسها طارق البشرى، وهو من يختار صبحى صالح، وكلها علامات على التمهيد للإخوان «والأستاذ صالح ليه يعنى» وهو والبشرى من مشرب واحد, وأنا أعرف البشرى وأعرف تاريخه ولست مخدوعا فى شىء لأننى أعرف حقائق الأشخاص، وبدأت تتشكل ملامح الطريق الذى مررنا فيه حتى 30 يونيو.
بعد قليل وجدت الجماهير نفسها فى قبضة تضيق عليها شيئا فشيئا وتتجه لها إلى حكم الإخوان المسلمين، والإخوان كانت لهم هالة وسط الجماهير، وفى قطاع معين منها، فى الأرياف، من يقولون عنهم «ناس بتوع ربنا»، وتبعهم الناس.
هل هناك تفسير نفسى لانقياد الشعب المصرى وراء هذه المقولة «بتوع ربنا»؟
لا. الشعب المصرى له خصائص أعقد وأدق من هذا، فيبدو سلسل القياد، إنما لا، هو سلس القياد بمعنى أنه يدع الأمور تمر دون تعقيد يفوت يعنى، لكن تبقى فى نفسه شكوكه وأسئلته وربما رفضه، ولدينا أمثلة شعبية تدل على ذلك مثل: قال أسلمت يا كنيسة.. أسلمت، إنما اللى فى القلب فى القلب، ولو أن المثل غير مناسب للظرف التاريخى، إنما هو مثل، لكن وقت الجد، لا يفوت الشعب المصرى أبدا ويكون حاسما ولا يمشى وراء من يخدعه.
أين دور المثقفين فى هذا التحليل؟
25 يناير كانت سبيكة من كل قدرات ومن كل أشخاص أبناء الشعب، ومن بينهم المثقفون، وإن كان الإخوان لم ينزلوا إلا يوم 28 يناير بعد أن اطمأنوا، ولم يكونوا مؤمنين بالثورة، ولما تمكنوا استغلوا عدم خبرة المجلس العسكرى، فرجاله أبرياء، وهنا كان على المثقفين لعب دور فى توعية الشعب بآلاعيب الإخوان لكنهم لم يفعلوا، وكون المجلس العسكرى يتسم بالبراءة، يعنى البطء فى اتخاذ القرارات، وهذا لا يناسب ظرفا ثوريا ومشاعر وطنية متأججة، فظهر شعار يسقط حكم العسكر.
هل أنت موافق على هذا الشعار، ما تفسيرك له؟
أنا على دراية بأن الشعارات تكون ذات صيغة محددة ليسهل على الجماهير ترديدها، فليس من السهل القول: يسقط حكم العسكر إلا فى حالة كذا وكذا، وهذه ميزة الشعار المختصر، والصيغة المختصرة دائما هى صيغة إطلاقية، إذا أعملت فيها العقل تجد نفسك أمام لا يعنى أو أمام فراغ، وغير موافق على الشعار، بدليل أن من ردوده احتموا بالعسكر لمساندة ثورة 30 يونيو، وهم كانوا على مستوى الحدث، ولولا مساندتهم للجماهير لفشلت الثورة، وخصوصا أن العسكر ممثلون فى الفريق أول عبد الفتاح السيسى أدوا أداء ممتازا فى بلورة الموقف بوعى سياسى ناضج أكسب الخروج فى 30 يونيو معنى الثورة.
مع ذلك لم تجبنى عن دور المثقفين وتتحاشى الكلام عنهم؟
دور المثقفين يتوقف على معنى كلمة مثقف، وإلا فالإخوان المسلمون فيهم أساتذة جامعات، ومرسى نفسه أستاذ فى كلية الهندسة، والبلتاجى أستاذ فى كلية طب الأزهر، إذن المسألة ليست فى المتعلمين أو الحاصلين على الدكتوراه أو غيره، إذن مرة أخرى، هل نتكلم عن الذين اشتركوا فى حصار مكتب وزير الثقافة خوفا من أخونة الثقافة، وكانت هناك منفردات بذلك، وهم وفق التعريف العربى القديم للمثقف:«الأخذ من كل شىء بطرف» فالمثقف يشترط فيه أن يكون ملما بأمور أوسع بكثير جدا من التخصص الذى ارتضاه لعمله، وبهذا المعنى كان دور المثقفين فى 30 يونيو جزءا من أدوار أخرى، الأهم منه دور الشباب الذين أسسوا حركة «تمرد» وهى فكرة مبدعة ولعلها من بين العوامل التى زلزلت الإخوان أمام أنفسهم بصرف النظر عن حالة الإنكار التى يبديها الإخوان المسلمون، بثقافة تمرد تناسب جيلهم، وتناسب الفترة التاريخية التى نعيشها، وهى فترة مختلطة جدا بالتكنولوجيا واستعمال «الآى باد» و«اللاب توب» إلخ، ربما ينقصهم العنصر التاريخى، خصوصا تاريخ مصر الحديث، فلديهم فيه ثغرات كثيرة، فى هذا السياق لعب المحاصرون لمكتب الوزير دورا رائعا ومحترما، وبالتالى تبدو هنا أهمية المثقف المسيس الذى له دور فى مناقشة وبلورة أفكار معينة تنهض بمستقبل هذه الأمة.
ومستقبلا كيف ترى دورهم؟
المستقبل القريب لابد أن يتصدره المثقفون، ليس بالمعنى السياسى، وإنما بمعنى تقديم الحلول، وبلورة للمشكلات التى ستطرأ فى الواقع المصرى، مشكلات الحرية بالتحديد، وهذه فرصة لأحدثك عن كتابى «مصرنا فى سعيها نحو مستقبل أفضل» فقد أخذت نفسى مأخذ الجد وظللت أحصى مشكلات مصر وأبلورها فى سياقات محددة، لكى يسهل تقديم الحلول لها ورصدت فيه إرهاصات ما جرى بعد ذلك، وفيه استبصارات علمية لمشكلات مصر، كان هذا دورى الذى حددته لنفسى منذ مارس 1990، وكنت أنشره فى مجلة الهلال المصرية شهريا فمهمتى، وأعتقد أنها مهمة كثير من المثقفين، أو من يعتبرون أنفسهم مثقفين، أو من يعتبرهم الآخرون مثقفين، أولا: إثارة المشكلات، ثانيا ترتيب المشكلات من حيث أهميتها فى أولويات، والتفكير الجدى فى حلول لها، بعد دراسة تاريخها وهذا ليس ترفا، بل حكم وواجب على المثقف فمادام مجتمعك أتاح لك فرصة التعليم، ووفر لك الأخذ من كل شىء بطرق، فعليك رد الجميل لهذا المجتمع.
ذكرت أن الإخوان هزموا أمام أنفسهم، برغم ما يبدونه من حالة إنكار، إلى متى ستستمر حالة الإنكار لدى الإخوان؟
أولا كثير من الأصدقاء من الأطباء النفسيين مثل د. أحمد عكاشة وغيره، شخصوا المسألة بحالة إنكار لدى الإخوان المسلمين، وهى على السطح تبدو كذلك، لكن الظواهر الاجتماعية لا يجوز أن نختزلها فى مصطلحات سيكولوجية أو قوانين سيكولوجية، وهذا ما ينساه زملاؤنا علماء النفس الظاهرة أعقد من ذلك، فهناك جهات داخلية وخارجية تدفع الإخوان دفعا للاستمرار فى الصمود، فبدل الإنكار يسمونه الصمود، وتدفع أموالاً فى هذا السبيل، للشوشرة وإنهاك الحكومة والدولة، ومحاولة كسر الدولة، وهو ما يخرج من حالة الإنكار كقانون سيكولوجى إلى حالة معقدة بشكل كبير، فمن يجد معه تركيا وقطر والأبعد من ذلك أمريكا، لا يمكنه تصور أنه مريض نفسى، برغم أن المدقق يلاحظ أن المجتمع الأمريكى انقسم على نفسه بشأن ما جرى فى 30 يونيو، ومن يرونه انقلابا لمجرد ظهور الجيش فى الصورة مضللون ويغالطون أنفسهم وعلى غرارهم سار الاتحاد الأوروبى، الذى هو تابع لأمريكا.
تحدثت فى كتابك الذى أشرت إليه منذ قليل عن هدر المنجز الحضارى فى هذا السياق، كيف رأيت دعوة السلفيين إلى هدم الآثار وتغطية التماثيل؟
الأيديولوجيا إذا تمكنت من الشخص فهى كفيلة بتبرير أى تخريجة تتم على ضوء هذه الأيديولوجيا مهما تكن فاقدة المعنى، أو مهما تكن متناقضة مع المقدمات، أو مهما تكن سيئة أو مؤذية للشعور العام، وعندما تتحول البنية الفكرية للشخص إلى عقيدة جامدة «دوجما» تدفعه إلى ارتكاب حماقات، وفى سياق التوهان الحضارى الذى يعيشه السلفيون لا أستغرب منهم أى شىء، وفى حدود فهمى لأفكارهم أنهم يحترمون السلف، والسلف لهم أفكار عظيمة، ولو أننى مؤرخ أجنبى لا أملك إلا أن أعجب بالخلفاء الراشدين لكنهم أى السلفيين يغفلون تناقضات ضخمة فى تراثنا السلفى، تبدو خارج السياق الآن، فهل كان السلف القدماء يشترطون فى المسلم إطلاق اللحية مثلا، وهل كان القدماء يجيزون هدم الأضرحة، ما دخل ذلك فى الإيمان بالله، فكيف تؤمن بالسلف، وتهدم أضرحتهم فى الوقت نفسه، من حقك ألا تعترف بأضرحتهم لكن ليس من حقك الاعتداء على الشعور العام بتكسير هذه الأضرحة، وإن كنت تخشى أن يكون العامة أفكارا حول هذه الأضرحة، فهذا يزول بزوال الأمية وانتشار التعليم وهذا دورك كلسفى، تعليم الناس، بدل الاعتداء على شعورهم، علمهم أولا ثم ثقفهم، واترك الأضرحة فى حالها.
لماذا تحول الدين عندنا إلى عامل تفريق، وبرغم أن كل الديانات السماوية نزلت عندنا، فإننا الأمة الوحيدة خارج سياق الحضارة الحديثة، ونحارب بعضنا بعضاً؟
لأن شئون العالم الدينوى لها مسار آخر، والحديث الشريف يقول:«أنتم أعلم بشئون دنياكم» إذن الرسول جاءنا بالدين وتركنا ننظم أمور الدنيا نحن، شئون دنياكم هذه تتداخل مع العوامل التاريخية، ومعارف العصر، ومعطيات الطبيعة والأخذ بالأسباب والعلوم والبحث فى أصل الأشياء، الناس متدنيون بطبعهم، المشكلة ظهرت عندما قررت طائفة من أن تدخل الدين فى السياسة، بدأت تختلف السياسة وتتعطل فى الثلاثينيات من القرن الماضى، بين النحاس باشا والسرايا ورجالها، بأن يتوج الملك فاروق فى الأزهر، ورفض النحاس باشا وقال: هذا إقحام للدين فى أمور لا يجوز أن يقحم فيها، ومثال ذلك أيضا محاولات الشيخ المراغى أن يجعل من الملك فؤاد خليفة للمسلمين، وتبعه بعد ذلك بعض الأزهريين تكلم هنا، وكان هذه نباتات ظهرت فى الأرض المصرية، إنما هذا غير صحيح، والتصور السائد فى الغرب عن منطقتنا، أنها لا يحكمها إلا الدين، وأن هذا جزء لا يتجزأ من تخلفها، وأنها لو دخلت فى مسألة القومية والوطنية التى دخل فيها عبد الناصر فتسصبح أمة حديثة، ومن هنا استخدم الغرب الإخوان المسلمين لضرب هذه الأفكار التحررية، لأن العرب لو تحرروا فلن يكون للغرب مكان هنا ولن يستطيع السيطرة علينا، وسيذهب إلى تحت الصحراء، وهذا دور الإخوان فى إبقاء المنطقة متخلفة.
فأريد لهذه المنطقة بإرادات خارجية وبدعم من إرادات داخلية أن يستخدم الدين كأداة سياسية، وليس أداة للتطور.
لو قمت بتحليل نفسى لحسن البنا، ماذا تقول كيف تشخص حالته؟
الظواهر التاريخية لا يكفى لتفسيرها التحليل النفسى، لكن الصورة النفسية له: أنه رجل ناعم، يتكلم بطريقة أكثر نعومة ورقة ويستخدم فى الكلام طريقة التلفيق، يعنى مثلا كان يتكلم فى الإذاعة، وقبلها كان يمسك بالميكروفون ويتكلم فى رواد سوق الخضار (ميال للظهور) فكان يقول: بالنص إحنا نأخذ حبة الشيوعية على حبة من الاشتراكية، على حبة من الرأسمالية، ونطلع منهم فكرا عظيما «إسلامى فيه الحرية والعدالة» ثم يلجأ إلى الهدوء الشديد، وثانيا هو رجل متحرك، يقوم برحلات إلى القرى والنجوع.
وهل كان البنا يؤمن بالاشتراكية حتى يأخذ منها؟
لا طبعا، هو كان يقصد هزيمة الأفكار اليسارية والشيوعية على طريقة «كله فى الإسلام» وعلى العموم هو فكريا أعقد من هذا ولا أشك فى ذلك.
هل جرت محاولات لتجنيدك فى الإخوان؟
أحد الشباب حاول ذلك، ولما ذهبت لم أرتح لسلوك الإخوان، لأن فيهم مظهرية لا أحبها، وأتذكر بكل دقة الآن أننى دخلت المكان وجلست فى البلكونة، ثم: الصلاة يا إخوان، فوجدت الجميع يشمرون ويلبسون القباقيب، وهو سلوك بدوى، ومثلى تعود الوضوء فى المنزل، والنزول مهندماً إلى المسجد، كما علمنى والدى أهمية الإسلام الحضارى، طبقا هذا ليس سببا ترفض من أجله الانضمام إلى تنظيم كبير، إنما عندما أتأمل العوامل النفسية التى أشتغلت فى نفس وقتها وجعلتنى لا أحب هذا التنظيم هى التكلف فى أخذ الإسلام فقد نادانى أحدهم مرة ب:«يا أخية» هذه عمليات تمثيلية والنفس البشرية حساسة للأشياء البسيطة مثل هذه كيف تخاطب شابا فى مثل عمرى بهذه اللغة، هذا الفصام من لغة العصر، ثم ما قضى على حماستى للإخوان أننى وجدت أناسا لا علاقة لهم بالتدين يتحمسون للإخوان، مثل بعض شباب الطبقة الراقية الذين كانوا يسهرون مع البنات فى مينا هاوس، ليلا، ويذهبون للإخوان نهارا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.