صلاح غراب لا يزال ملف حوادث قطارات السكك الحديدية بمصر حافلا بالمآسى، تنزف منه دماء الأبرياء بشكل أصبح شبه يومى. وطبقا لإحصاءات وزارة النقل، فإن ستة آلاف شخص يموتون سنويا فى مصر، ويصاب ثلاثون ألفا آخرون فى حوادث الطرق. فكم من دماء سالت على قضبان السكة الحديد، وكم من أرواح أُزهقت تحت عجلات قطاراتها، وكم من أبرياء لفظوا أنفاسهم الأخيرة بسبب بدائية العمل فى مزلقاناتها، وكم من دماء ستسيل، وكم من أرواح ستُزهق، وكم من أنفس ستصعد إلى بارئها، وكم.. وكم، والحوادث لن تنتهى، والكوارث لن تكون الأخيرة، ما دام الإهمال هو سيد الموقف، والطرف الثالث الذى يعيش بيننا. يبدو أن قضبان السكة الحديد ظمأى وعطشى، فكم شربت وارتوت من الدماء الذكية الطاهرة، فإلى متى ستظل دماؤنا ودماء أبنائنا وبناتنا تروى هذه القضبان؟ إلى متى ستظل أرواحنا أسرى الإهمال؟ وإلى متى سيستمر هذا المسلسل الدامى الذى يعتصر قلوبنا ويُحزن أفئدتنا كل فترة من الزمن؟ هل تطوير مزلقانات السكة الحديد ألغاز يصعب حلها، أو طلاسم يستحيل تفسير حروفها؟ بداية، يبلغ إجمالى طول شبكة سكك حديد مصر 9570 كيلو مترا، وإجمالى عدد المحطات 705 محطات رئيسية وفرعية ومتوسطة، منها 22 محطة رئيسية، و59 محطة مركزية، و60 محطة متوسطة، و564 محطة صغيرة، ويبلغ عدد عربات الركاب 3500 ، منها 850 عربة مكيفة لخدمة النقل على شبكة خطوط سكك حديد مصر بنوعيات مختلفة من القطارات، تتراوح سرعتها من90 إلى 120 كيلو مترا فى الساعة. .يقول عدلى عبد العال-موظف بالسكة الحديد- إن منظومة الإشارات بها خلل كبير، حيث إنها تتوقف فجأة أثناء سير القطار، ويستمر القطار فى السير دون إشارات، وتقع الكارثة. ويشير إلى أنه يوجد داخل الجرار ما يسمى "إيه تى سى"، وهو ما يطلق عليه "الصندوق الأسود للقطار"، وهو مسئول عن تحديد السرعة، والمسافة، ووقت دخول القطار للمحطة، إلا أن معظم السائقين لا يعرفون عنه شيئا، لأنهم غير مؤهلين. ويطالب بضرورة وجود عسكرى المرور مع "خفير" أو عامل المزلقان، حفاظا على أرواح الناس، أى لا بد من وجود تنسيق بين وزارة الداخلية والسكة الحديد فى ضبط منظومة العمل داخل المزلقانات. كما يطالب بضرورة الاهتمام المادى بهذه الطائفة المطحونة فى هيئة السكك الحديدية، حتى تؤدى عملها على الوجه الأكمل. ويؤكد نبيل عبده-عامل مزلقان- أن العشوائية هى التى تفرض سيطرتها على مزلقانات مصر، ومن ثم صعوبة تحكم العامل فى حركة المارة والسيارات معا، بالإضافة إلى قرب المزلقان من مواقف الميكروباصات، مما يؤدى إلى وقوع العشرات من الحوادث، خاصة أن أغلب المارة لا يلتزمون بالوقوف عند سماع أجراس السيمافور، التى تسبق قدوم القطار بدقائق معدودة. ويشدد على تطوير مزلقانات السكة الحديد، من خلال تزويدها بالإشارات الإلكترونية، والاستغناء عن السلسلة الحديدية، مؤكدا أن تعطل معظم الإشارات الضوئية والكهربائية والسيمافورات التى تشير إلى اقتراب القطار من شريط المزلقان، وتعطل الأبراج، هو ما يساعد على وقوع العديد من الحوادث. ويقول عامل آخر: إن المزلقانات تعانى الإهمال، بداية من بؤس عامل المزلقان، نهاية بعدم وجود الحاجز الذى يمنع العبور أثناء مرور القطار، مما اضطر بعض العمال إلى الاستعانة ب"حبال الغسيل" وشدها لمنع الناس فى أثناء مرور القطار..سيد عبدالعزيز، رئيس حركة، أكد أن عجز العمالة فى السكة الحديد سببه عدم التعيين منذ أكثر من تسع سنوات، لأن عمال المزلقانات يريدون تقليل عدد ساعات العمل، بحيث لا تزيد على ثمانى ساعات، وأن يكون على كل مزلقان عاملان، لأنه لو قدر الله وحدث له شىء يكون هناك عامل آخر يقوم بتنظيم حركة مرور القطارات. مشددا على ضرورة وجود إتقان فى اختيار عامل المزلقان، ومعرفة هل يعمل عملا آخر أم لا، فلا بد من اختيار عمال المزلقانات ومتابعتهم بصورة مستمرة .. ويكشف مجدى نصر، مدير عام بالسكة الحديد، عن أن معظم المزلقانات الموجودة فى مصر تم إنشاؤها بشكل غير قانوني، حيث إن هناك مزلقانات غير قانونية يتم إنشاؤها خصيصا لأعضاء مجلس الشعب، بدعوى خدمة دوائرهم الانتخابية، ولكنها فى الأساس لخددمة أغراضهم الشخصية، ومرور سياراتهم الخاصة. مشيرا إلى أنه لابد من توافر شروط معينة بها، أهمها خدمة الأماكن ذات الكثافة العالية، وأن تكون الطرق حولها مرصوفة، وأن حوادث المزلقانات تحدث إما بسبب سائقى السيارات الذين لا يلتزمون بإشارة إغلاق المزلقان، أو بسبب إهمال عامل المزلقان..لواء مجدى الشاهد، خبير النقل، انتقد الشاهد حالة الإهمال التى تعيشها الهيئة، وأعرب عن دهشته من مضى 4 سنوت على تنفيذ 171 مزلقانا لتصبح مزلقانات إلكترونية، ورغم ذلك لم ينفذ سوى 17 مزلقانا حتى اليوم. وأشار إلى أن السكك الحديدية فى مصر تعرضت للعديد من وسائل التخريب والتدهور على مر سنوات طويلة، وهى تعانى عقما وعشوائية، مؤكداً أن منظومة السكة الحديد فى مصر تحتاج إلى إعادة تطوير شاملة وكاملة، وهى تشمل قاطرات، وإشارات، ومزلقانات، وعربات السكة الحديد، والعنصر البشرى. وأوضح الشاهد أن العنصر البشرى يحتاج إلى إعادة تدريب، وأنه لابد من توفير معهد متخصص لتدريب السائقين ومساعديهم، كما كان يحدث فى معهد الورديان للتدريب فى عهد عبد الناصر، بالاشتراك مع ألمانيا، مطالبا بإعادة فتح المعهد وإعادة برامجه فورا، وإقامة مصنع لتصنيع عربات السكة الحديدى "الترسو"، وصيانتها على غرار ما كان يحدث بشركة "سيماف" التى آلت إلى القوات المسلحة. واستطرد الشاهد، أنه يجب أيضاً الاهتمام بالإشارات من خلال برنامج تحكم ذاتى، وهذا لا يمكن أن تعمل بصورة كاملة، إلا إذا قام المصريون بإعدادها، والمشاركة فى تركيبها، والاستعانة بكليات الهندسة والمعاهد الهندسية بالاشتراك مع موظفى السكة الحديد، ثم تناول الشاهد مشكلة المزلقان، مؤكدا أنها تمثل 75% من مشاكل السكة الحديد، وهى سبب معظم الحوادث تقريبا