دينا توفيق ما إن تم حسم قضية «وادى النطرون» فى يوم الأحد 23 يونيو.. وقررت النيابة أن اقتحام السجون خيانة للوطن وطالب الدفاع بإحالة مرسى والإخوان الهاربين إلى النيابة، وقال ممثل النيابة إن الشعب سيعرف ما حاق به من مكائد بيد العملاء، وإن المقتحمين للسجن ومن هربوا الإخوان ال 34 اتفقوا مع البدو لإبعاد الشبهة عن الفاعل الأصلى.. حتى كان المصريون فى الأسبوع التالى يوم 30 يونيو فى الشوارع يوقعون بأقدامهم على ميثاق الديمقراطية الجديدة رافضين الوصاية، أو اعتبار الصندوق الذى يتحجج به الإخوان صك وصاية أبدية على شعب ثار من أجل العيش والحرية والعدالة.. وإن ننسى لن ننسى أن خلف كل هذا الجهد رجلاً أثارته تصريحات غريبة لوزير الداخلية بعدم وجود اسم الرئيس محمد مرسي، ضمن المعتقلين بسجن وادي النطرون، وأن مصلحة السجون لا يوجد لديها ما يفيد أن الرئيس مرسي كان بالسجن!! مما يعنى بجلاء ووضوح بالنسبة له أنه أمام جريمة إخفاء معلومات موثقة بالصوت والصورة.. وقدم لى مستندات وتقارير توضح كيف دخلت أيام 27 و28 و29 و 30 يناير أعداد هائلة من القوات فى الخفاء، ومنها تقرير 6 أيام فقط وبه 200 سيارة لاند كروز محملة بالمدافع ال "آر. بى. جى" والجرينوف والرشاشات والبنادق الآلية.. وهنا قرر الحقوقى أمير سالم أن يروى لنا حكاية قضية أصر أن تكون قضيته ورسالته حتى لو غض الآخرون الطرف أو حصدوا المكاسب لأنفسهم، ويكفيه شرفاً أنه قرر وفعل وأيقن أن الثورة مستمرة..إنه الحقوقى الحالم بدولة مدنية حديثة ديمقراطية، والمهتم بقضية الدولة ومعناها وفلسفتها. كيف كانت بداية تفجيرك لتلك القضية الشائكة؟ البداية كانت مع قضية مبارك والعادلى التى كنت أحاول دراستها جيداً بالتركيز على دور الدولة البوليسية فى أحداث الثورة على داخل البلاد بمعنى قمع المظاهرات وضرب المتظاهرين، والمنظور الأمنى فى رؤيتهم للثورة وعدم إحساسهم أن هناك شعباً يعانى، ولكن فجأة أومضت فكرة برأسى وهى تحقيقات عمر سليمان، وشهادته فى المحكمة، ووصل الأمر إلى اشتباكى معه لأنه لم يرغب فى استكمال تلك الشهادة المهمة، فعندما رصد عمر سليمان، التخابر بين الإخوان وحماس اعتبرت ذلك تأليفاً وادعاءً منه وأيضاً عندما كشف فى شهادته أنهم رصدوا دخول قوات من الأنفاق من غزة ظننت أنه يحاول تبرئة مبارك والداخلية واتهمته بالشهادة الزور فى المحكمة، ولكن القاضى لم يلتفت لما قلته. استغرقت قضية فتح السجون وقتاً طويلاً مما يدل على وجود تواطؤا أخرها؟ تعرفين أن هذه القضية كان من الممكن حسمها وقت قضية مبارك والعادلى لأننى قدمت مجموعة طلبات محددة للمحكمة وصلت إلى 17 طلباً منها تقارير المخابرات العامة والمخابرات الحربية والمستندات المتوافرة لدى الداخلية وأمن الدولة ورصد الاتصالات، ولم يستجب القاضى لأى طلب بل إننى فوجئت فى الجلسات بعدد من المحامين كانت وظيفتهم إبعادى عن المنصة بأى طريقة. كنت محصوراً بين طرفين كشِقى الرحى فى حرب ضارية.. طرف من الإخوان وطرف من محامين لهم علاقة بأمن الدولة والنظام السابق كادوا "يفرموننى" وحرس عمر سليمان قام بالاعتداء علىَّ وأنا أحاول سؤاله وأوجه المحكمة لاستكمال شهادته، حيث إنه طالما رصد الاتصالات والدخول ماذا فعل كحكومة؟ ولكن المحكمة كان موقفها "مش كويس أبداً" وكان لدى شبه يقين أن القاضى كان منحازاً سياسياً. هل عرضت فى تلك الأثناء شيئاً على النائب العام؟ أنا لم أدخل مكتب النائب العام طلعت عبد الله لمدة عام كامل باعتبار أنها خيانة لاستقلال القضاء. وكانت مُلابسات قضية الإسماعيلية هى شرارة البدء؟ نعم، فمصادفة ومع بداية يناير 2013، كانت هناك قضية الإسماعيلية التى تخص شخص مُلتبس فى اسمه وغير معروف سواء كان محبوساً بوادى النطرون أم لا؟ وفوجئت بالقاضى خالد محجوب على التليفزيون يعلن أن من لديه معلومات عليه أن يقوم بتقديمها للمحكمة.. وذهبت ليس معى معلومات فقط بل ملف القضية كلها.. ووضعت لنفسى خطة محام محترف، وتكتيكاً لتقديم الأوراق والمستندات وتكتيكاً للمرافعة لا أخبر فيها القاضى بالمعلومات دفعة واحدة.. لأنى لو فعلت ذلك لن يهتم فلا وقت لديه ولن يربط ما أقوله بالقضية الأصلية التى تخص شخص مشتبه باسمه فحسب.. فكنت أقدم للقاضى كل جلسة معلومة أو مستنداً كى يدخل معى فى المسار الذى أطرحه.. وبمنتهى الصراحة فوجئت بقاض لديه قدر من الاهتمام وإرادة أن يفهم الحقيقة ويصل إليها ويحكم على أساسها وليس على أساس مرافعات إنشائية، وحدث بينى وبين ذلك القاضى ما نسميه فى العدالة بالتواصل دون أى كلمة شخصية أو أى معرفة مسبقة مطلقاً إنما يقين بأننا نعمل معاً ويدنا بيد بعض للوصول للعدالة، مما فتح الباب لطرح كل ما لدى بدءًا من تنصت المخابرات العامة والحربية ودخول القوات الأمنية وشهادات الشهود وأهم ما استطعت أن أقوم به فى القضية هو تربيط أجزاء الصورة المبعثرة. ما الصعوبات التى واجهتك وبخاصة أننا نعرف أن إدخال أحداث شمال سيناء فى القضية كان أمراً صعباً وغير مقبول من جانب المحكمة فى البداية؟ كانت المحكمة رافضة أن أتحدث عن شمال سيناء وتسألنى عن دخل ذلك بالقضية؟! وحاولت لوقت طويل أن أقنع المحكمة أن من اقتحموا السجن هم أنفسهم من دخلوا من الأنفاق.. وكنت أخبرهم أننى أريد أن أروى القصة من البداية وكيف دخلوا ولماذا؟ واتصلوا بمن ودور مكتب الإرشاد ودور محمد مرسى عيسى العياط، الذى أريد محاكمته إعتباره سجيناً هارباً وليس باعتباره رئيساً للجمهورية تخابر واتفق وظهر بصوته على قناة الجزيرة، وقدمت 16 سى دى لإثبات ما أقوله.. وقمت بعمل بلاغ كبير لأمن الدولة مرفق بمستندات وقدمت بلاغاً للمستشار عبد المجيد محمود، فور عودته وقبل أن يترك منصبه. ماذا كان تعليق المستشار عبد المجيد محمود فى حينها؟ أخبرنى أنه أثناء متابعته لمحاكمة الإسماعيلية كان فى حالة ذهول، لأن كل الأسئلة التى طُرحت على الشهود تكون بذهنه، فيجدنا نطرحها بحنكة وذكاء. وكذلك فقد أخبرت المستشارين عبد المجيد محمود، وعادل السعيد، المحامى العام، ومصطفى سليمان، الذى أصبح مدعياً للنائب العام، أننى ذاكرت ودرست المجهود المذهل الذى قامت به النيابة بقضية مبارك، وأن تكوين وجهة نظرى كان مبنياً على أساس الملف الذى قاموا بإعداده وأننى مندهش أن ما خرجت به واستخدمته كان من تلك الملفات، فلماذا لم يتمسكوا به بقوة ويستخدموه بقضية مبارك؟ كانت هناك أشياء فى الملف الكبير الذى يزيد على 50 ألف صفحة لم يطرحوها بقوة.. ولكن للأسف فالقاضى فى تلك القضية رمى الجهد المبذول فى التراب! ما النقاط الذى لم يتم طرحها بقوة واستفدت أنت منها؟ تعرفين أن المشكلة الكبرى والكارثة أن الدولة بأكملها والداخلية كان حرصهما قمع الثورة وإجهاضها، ولم يروا أبعاد حماية الحدود واقتحامها ودخول قوات أجنبية لشمال سيناء والجماعات الإرهابية الموجودة ولم يلتفتوا للمحاضر الكثيرة التى تم تحريرها هناك لقتل واختطاف الضباط، وكلها كانت موجودة بالملفات وتعاملوا معها كموضوع فرعى واهتموا بأن الشرطة انكسرت وأصبحت فى حالة إحباط ويأس! لكنك استكملت جهدك وصممت على المواجهة؟ فى الجلسة قبل الأخيرة لمحاكمة مبارك كاد أنصاره أن يفتكوا بى على باب المحكمة بسيارتى، ولأننى لست مع مبارك ولست مع مرسى، فلم يكن لى حول ولا قوة إلا نفسى. ووصل الأمر أن فى نفس تلك الجلسة التى قررت فيها أننى لن أحضر ثانية - بعد أن قلت كل ما لدى - أننى تعرضت لسباب وقذف علنين أثناء الجلسة من محامي الحزب الوطنى والإخوان! وخارج القاعة كان الهتاف ضدى "أمير سالم يا خاين".. لقد كنت أتحرك وسط حقل الألغام ولا أحد يحمينى من التهديدات التى كنت أتعرض لها سواء فى محاكمة مبارك أو محكمة الإسماعيلية، حتى وصل الأمر أن ضربنى الإخوان داخل المحكمة أمام القاعة، حيث قاموا بالتهجم على حتى اضطر القاضى أن يرفع الجلسة وفى لحظات ما إن تم رفع الجلسة حتى ضربونى على ظهرى ورأسى من الخلف! متى اتضحت لك الصورة؟ وصلت إلى الشرارة التى أضاءت لى الدنيا وهى ما تم رصده أثناء التصنت على الإخوان يومى 26 و27 يناير، وكانت الإجابة عن السؤال المحير بالنسبة لى لأن الجميع فى حالة إنكار.. متى دخل مرسى السجن؟ حتى وصلت أنه تم القبض عليه هو وال 33 الإخوان فجر يوم 27 يناير 2011، ولم يكن السبب هو التخابر مع أمريكا أو تركيا وإنما تم جمعهم من المحافظات إلى أمن الدولة ب 6 أكتوبر ومنها إلى مديرية أمن 6 أكتوبر ومنها إلى السجن الذى وصلوا إليه الساعة 5 مساء، وفى صباح يوم 28 يناير كانت كل مليشيات حماس وكتائب القسام وحزب الله تقتحم 11 سجناً فى مصر فيما لا يزيد على 10 ساعات بسبب الاتصالات الدقيقة بينهم والاستخبارات ذات الأداء العالى الذى لا تستطيع حماس أو الإخوان عليها، إنما تقدر عليه دول أخرى ولذلك كان دور تركيا وقطر لتقديم كل المساعدات اللوجستية والفنية والأسلحة والذخائر والتدريب ووضع خطة كبيرة لاقتحام مصر. كيف كانت الدولة تعرف فى فترة مبكرة جداً أن هناك كل تلك الأعمال الجهادية والإرهابية واستطاعت تلك العناصر الوصول إلى شمال سيناء؟ كانت تلك الأسئلة تثير جنونى.. بل كانت تجعلنى أتساءل أكثر.. كيف تم تمرير تلك الأسلحة فى مصر من السلوم إلى سيناء؟ وكيف تم تخزين تلك الكميات الهائلة من السولار فى محطات بنزين وعمل بيارات موازية، تحت الأرض ليس بشمال سيناء بل فى مختلف المحافظات فى مصر، حيث يتم تهريب السولار إليها ويُسكب عليه لون كيمائي ويتم تصديره إلى غزة على أنه منظفات صناعية؟ كيف كان يتم ذلك قبل محمد مرسى. أخبرتنى من قبل أن هناك مخاطر تكشفت لك تخص سيناء فى رحلة تقصى الحقائق التى عشتها فى توقيت القضية؟ كنت أبحث فى خريطة سيناء وإذا بى أجد خطاً من رفح ممتداً باتجاه الجنوب الشرقى فى اتجاه طابا وخليج العقبة مكتوباً عليه "الطريق من رفح إلى الدوحة" داخل مصر.. من الذى فعل ذلك؟! وسألت الخبراء فى جوجل فقالوا لى: هذا الأمر لا يحدث إلا بدفع مبالغ طائلة لجوجل لعمل ذلك على الخرائط الرسمية فى العالم، أو إن الدولة وافقت.. وتلك جريمة موجودة على أرض الواقع والتواطؤ حدث فى دولة مبارك، لكن محمد مرسى أعطى الضوء الأخضر للجماعات الجهادية فى سيناء وأنفاق رفح وغزة مع العفو الذى أعطاه لعدد كبير جداً من تجار المخدرات ليفتح البلاد أمام عملية احتلال ممنهجة باستخبارات دولية.