محمد زكى الكاتب الكبير مصطفى بكرى له آراؤه الوطنية المستقلة وهو أحد فرسان العمل الوطنى الآن تحدث عن استقالة البرادعى، حيث قال لم يكن الأمر مفاجئاً، كثيرون توقعوا أن يفعلها البرادعى، لقد تولى المنصب واستقالته فى جيبه، لكنه ينتظر اللحظة المناسبة، إنه يخاطب الغرب، عينه على أمريكا، مصر بالنسبة إليه محطة ترانزيت غاب عنها أكثر من ثلاثة عقود، تنازل عن الجنسية المصرية طواعية، واعترف بامتلاكه جواز سفر نمساوياً فى برنامج تليفزيونى بالمحطات الخاصة المصرية . يقول بكري إن استقالة الدكتور البرادعى من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية للشئون الدولية ليست مفاجأة، ولكن الاستقالة جاءت فى وقت خطير، فى غمرة تنفيذ قرار الحكومة المصرية بفض اعتصامى «رابعة العدوية» و«النهضة» وفرض سيطرة الدولة لإعادة الأمن والاستقرار فى البلاد. وقال إنه استقال احتجاجاً على قيام قوات الأمن بفض اعتصامى الإخوان بالقوة، وإنه كان يرى أن هناك خيارات سلمية لحل الأزمة قبل اللجوء إلى العنف، وإن هناك حلولاً مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطنى، ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه، وقال: «لقد أصبح من الصعب علىّ أن أستمر فى تحمل مسئولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها. وللأسف فإن المستفيد مما حدث اليوم هم دعاة العنف والإرهاب والجماعات الأشد تطرفاً». كانت الكلمات التى تضمنها خطاب الاستقالة المقدم منه إلى رئيس الدولة طعنة فى ظهر الشعب المصرى، جاءت فى وقت صعب للغاية، وحملت إشارة تعنى تحريض القوى الخارجية ضد مصر وإعطاءها المبرر للإساءة إلى الثورة المصرية وحكومتها وإلى الجيش المصرى. قبيل أن يقدم البرادعى استقالته بقليل كانت واشنطن قد أعلنت عن موقفها الرافض لموقف الحكومة المصرية من فض اعتصام جماعة الإخوان وتأكيدها الملح على ضرورة إعداد مائدة للحوار بين جميع الأطراف، وأعلنت عن نواياها فى إعادة تقييم المعونة الأمريكية. أما «كاترين آشتون»، المفوض الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى، فقد أعلنت فى أول رد فعل على استقالة البرادعى عن أسفها لهذه الاستقالة، وقالت: «إن العنف اليوم وإعلان حالة الطوارئ وقرار نائب الرئيس محمد البرادعى بالاستقالة لن يشيع المناخ الملائم لإرساء أجواء الديمقراطية». كان طبيعياً والحال كذلك أن تهدد فرنسا باللجوء إلى مجلس الأمن، وأن يصل رئيس وزراء قطر فى خروجه على العرف الدبلوماسى إلى حد تحذير الجيش المصرى، الذى قال إنه تعدى كل الحدود، وإن بلاده لن تسكت وستعمل على دعم «مرسى»، وأن تعلن تركيا عن استمرارها فى مؤامرتها ضد مصر وثورتها العظيمة. لم تكن استقالة البرادعى صادمة للكثيرين، لكنها فى الزمان والأوان اعتبرت بمثابة خنجر فى ظهر الوطن، ومحاولة لاستعداء الخارج على الداخل، وكأنه يقدم نفسه مجدداً على أنه «كرزاى» مصر! ويضيف بكري فى الثانى من أغسطس الماضى كان البرادعى قد أدلى بحديث إلى صحيفة «الواشنطن بوست» أثار جدلاً واسعاً فى الشارع المصرى، أكد فيه ثلاث نقاط أساسية تضمنها الحوار، وهى: المطالبة بإسقاط الاتهامات الموجهة للرئيس المعزول محمد مرسى إذا لم تكن الجرائم خطيرة، حيث قال: «أريد أن أرى عفواً محتملاً فى إطار صفقة كبيرة، لأن مصير البلد أهم بكثير»! المطالبة بإدماج الإخوان فى الحياة السياسية، حيث قال: «إن الإخوان فى حاجة لأن يتعاونوا، لكنهم فى حاجة بالطبع لأن يشعروا بالأمن، يحتاجون إلى حصانة وألا يشعروا بأنهم مستبعدون، وهى أمور نحن على استعداد لتوفيرها». قوله إن المسئولين الأمريكيين يشعرون بالقلق من أن يقوم الجيش المصرى بقمع المعتصمين من أعضاء جماعة الإخوان ويكون هناك المزيد من إراقة الدماء. كان موقف البرادعى الذى عبر عنه فى حديثه ل«الواشنطن بوست» مثيراً وغريباً، إلا أن الانتقادات التى وجهت إليه فى هذا الوقت كانت على استحياء شديد، حيث تعامل البعض مع هذه التصريحات على أنها تنطلق من حرص على إحداث حالة من التوافق الوطنى وحقن الدماء، غير أن الغالبية كانت ترى أن دعوة البرادعى لها أسباب سياسية ومرتبطة بالموقف الأمريكى الغربى الذى عبر عن المعانى ذاتها. كانت واشنطن منذ البداية ترفض وبشدة عزل محمد مرسى من منصبه، مارست ضغوطاً شديدة على الفريق أول عبدالفتاح السيسى، إلا أنها فشلت فى إثنائه عن التغيير، خصوصا بعد أن بذل كل الجهود مع الرئيس المعزول وفشل فى إقناعه بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة! موقف البرادعى كان لكسب الوقت وإحراج الجيش ويتحدث بكرى عن مؤامرة البرادعى ضد الجيش المصري ويقول إن واشنطن أبدت قلقها من موقف الجيش والشعبية الكاسحة التى حصل عليها القائد العام الفريق أول عبدالفتاح السيسى، بما يعيد أمامها تكرار نموذج الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، فلجأت إلى البرادعى، حيث طلبت منه الاستعداد للترشح للانتخابات الرئاسية، لأنها ستتصدى لأى محاولات لترشيح السيسى لرئاسة الجمهورية. بعدها مباشرة بدأ البرادعى يجرى اتصالاته، اتصل بكاثرين آشتون والإدارة الأمريكية، فجاء ويليام بيرنز وعضوا الكونجرس جون ماكين وجراهام ووزير الخارجية الألمانى وغيرهم. كان يصر دوماً على أن يجلس وحيداً مع أعضاء هذه الوفود ويرفض حضور أى من المسئولين معه، بل وحتى من رجال السكرتارية الذين تكون مهمتهم الإلزامية دوماً حضور هذه الاجتماعات لتسجيل المحاضر، وكان ذلك أمراً غريباً أيضاً! كان هو وراء فكرة زيارة محمد مرسى وخيرت الشاطر والكتاتنى داخل سجونهم، وكان داعماً ومؤيداً لتشدد جون ماكين وجراهام، بل رفض حتى مجرد الاستجابة لمطلب إدانة تصريحات جون ماكين التى وصف فيها الثورة المصرية بالانقلاب، وكأنه مؤيد للاستفزازات الشديدة التى أطلقها ماكين فأصابت المصريين بجرح فى كرامتهم. ظل البرادعى يراوغ لأكثر من خمسة عشر يوماً، طلب من وزير خارجية قطر أن يتوسط له للقاء رموز من جماعة الإخوان، إلا أن الجماعة رفضت وساطته ما لم يعلن عن استقالته وموافقته على عودة الرئيس المعزول إلى منصبه السابق. وفى الاجتماع الثانى لمجلس الدفاع الوطنى قدم وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم خطة الوزارة لفض الاعتصامين، إلا أن البرادعى اعترض مرة أخرى على التنفيذ، غير أن وزير الدفاع رفض جميع الحجج التى قدمها البرادعى، خصوصا أن اجتماعاً لمجلس الوزراء تمت فيه الموافقة على الخطة، وصدر بيان يؤكد فشل جميع المفاوضات للوصول إلى حل سلمى لإنهاء الاعتصام، كما أن بياناً صدر من رئيس الجمهورية أكد المعنى ذاته. وخلال اللقاء الأخير الذى عقد برئاسة الجمهورية بحضور الرئيس ورئيس الحكومة ووزيرى الدفاع والداخلية، تم الاتفاق على خطة التنفيذ التى سبقتها خطة خداع إستراتيجى نفذت بدقة، حتى فوجئت الجماعة بهذا الحشد الكبير من قوات الأمن والجيش الذى حاصر وسد جميع المنافذ، وفى السابعة صباحاً كانت إشارة التنفيذ قد وصلت إلى الجميع. ويكمل بكرى: إن علاقة البرادعى بأمريكا والغرب لا تخفى على أحد، فالرجل معروف بمواقفه المؤيدة لكثير من السياسات الغربيةوالأمريكية، كما أن موقفه فى التحريض والتمهيد للعدوان الأمريكى على العراق معروف، لكن الأخطر هو عضويته التى ظل محتفظاً بها لعدة سنوات فيما يسمى بمجلس إدارة «مجموعة الأزمات الدولية»، التى تضم فى عضويتها شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلى، وشلومو بن عامى، وزير الخارجية الإسرائيلى الأسبق، وجورج سوروس، المليونير اليهودى وصاحب منظمة المجتمعات المفتوحة، الذى كان وراء الثورات البرتقالية التى استهدفت تخريب دول أوروبا الشرقية وإلحاقها بعجلة التبعية الأمريكية، وتحديداً فى يوغسلافيا وجورجيا وأوكرانيا. وفى المقابل كان البرادعى حليفاً للإخوان المسلمين فى عهد «مبارك»، تحالف معهم وتحالفوا معه، ولم يكن ضد الرئيس المعزول محمد مرسى حتى وقت قريب، وكان ميالاً دوماً إلى حل إصلاحى مع «مرسى» ويرفض المطالبة بإسقاطه.