السيد حسين عبر الشاعر والمثقف الحبيب الأمين وزير الثقافة الليبى عن خشيته أن تتحول الثورات العربية إلى الفوضى، أو تطول فوضاها فليست القضية فيمن يحكم وإنما كيف يحكم وأنه من المهم أن تؤدى الثورات إلى خدمات أفضل لشعوبها ومعيشتها لأن من قام بالثورة أناس بسطاء من الشعوب المظلومة والمقهورة من حقهم أن تحقق الثورات أهدافها المعنوية فى نيل الحرية والحفاظ على كرامة الإنسان وأن تنشئ ثقافة الحوار بين كل الطوائف والطبقات المجتمعية وتحترم الحقوق الفكرية والدينية الموجودة فالحضارة الإسلامية عاشت بسلام مع الحضارات الأخرى . كيف تقيم المشهد السياسى فى كل من مصر وليبيا الآن؟ بعد الثورات الحالة تبدو كالكأس المرتعشة، لا أريد القول بأننى أنظر للنصف الفارغ من الكوب أو الممتلئ، لأن الكوب مهتز ولا يمكن أن نميز بين الممتلئ والفارغ فثورات الربيع العربى مثل الزلزال الذى أصاب المنطقة العربية بعد أن سيطر عليها خريف طويل كانت تعانى خلاله، وأصبحت فى مرحلة الربيع بما فيه من ريح وهرج وصخب.. الأمر بالفعل يحتاج إلى وقت حتى تهدأ الأجواء وتستقر.. فلا يعقل أن يقال إننا اليوم قمنا بالثورة وغدًا سنصبح مثل سويسرا، فالشعوب تتحرك فى مئات السنين ولم تؤتِ الثورة الفرنسية ثمارها إلا بعد مائة عام. الأنظمة الاستبدادية أفسدت الحياة السياسية بشكل كبير، والحراك السياسى والاختلافات الحادة مبررة فالأحزاب الكرتونية السابقة عادت إلى الساحة مع ظهور الأحزاب الجديدة والتيارات الفكرية، إضافة للمواطنين العاديين الذين عانوا القهر والتهميش.. والكل يتحدث والصحافة تنقل الآراء المختلفة وهذه ظاهرة صحية أرجو أن تستمر على ألا تطول حتى لا ندخل مرحلة الفوضى. الثقافة الليبية تعرضت لظلم وقهر شديدين، وتكونت فى الأذهان صورة نمطية على عكس الحقيقة صدرها النظام السابق؟ ربما تكونت فى فترة ما صورة نمطية عن الليبي، وربما نجح النظام السابق فى أن يبثها للآخرين وأنا لا أريد أن أوصفها أو أتحدث عنها، ربما يتصور البعض أن ليبيا ليس فيها ثقافة أو فنون وليس فيها مثقفون أو فنانون وأنها بلد هائم ومعزول عن العالم، يتحكم فيها رجل معين يديرها كيفما شاء، لكن يجب أن يعرف الجميع أن المثقف فى ليبيا عانى الكثير ونجح النظام السابق فى إقصاء وأدلجة الثقافة، وبالتالى عانت الثقافة الليبية الكثير من الغياب فى منابر ومحافل عدة. الآن ليبيا تريد أن تعود بالمثقف للثقافة، ونحن بدأنا فى التعبير عن أنفسنا وعن تميز الثقافة الليبية التى لا بد أن تكون متميزة باعتبارها لشعب عاش لقرون ولديه مدخرات تراثية وهوية كاملة، وملامح متعددة لحضارات متعاقبة.. مشاكل وقضايا وهموم واستشراقات يريد أن يعبر عنها الكاتب والشاعر والقاص والرسام الفنان. ويجب أن نفتح المجال للموهوبين الجدد والشبان للاحتفاء بالمثقف وتقدير قيمته وكرامته، والدفع به وتسهيل عملية الانتشار والنشر عبر تعاون مشترك معه ومع الناشر أيضا. كيف تقيم مشاركة ليبيا بمعرض القاهرة الدولى للكتاب كضيف شرف فى دورته الأخيرة؟ هذه هى المرة الأولى التى تكون فيها ليبيا عبر تاريخها الثقافى والسياسى كدولة، ضيف شرف فى معرض للكتاب، وعندما تكون هذه السابقة مع معرض كمعرض القاهرة فهو أمر مهم لنا فى هذه الفترة التى تتم فيها عملية إعادة البناء والتى سيكون للمثقف الليبى دور كبير فيها. ولأول مرة تكون ليبيا حاضرة بثقافة غير مؤدلجة أومسيسة وبعيدة عن ثقافة الفكر الواحد والفرد الواحد.. والحمد لله شاركنا بقوة، فالجناح الليبى لأول مرة يكون جناحًا شاملا يجمع كل المؤسسات الثقافية من وزارة الثقافة والمجتمع المدني، والناشرين، والمراكز البحثية والجامعات الليبية وأول مرة أيضا بعد الثورة تشارك ليبيا بكتب وعناوين جديدة برقم ممتاز وغير مسبوق، 100 كتاب للوزارة و300 كتاب للناشرين. الثقافة الليبية عانت لفترة طويلة القمع وأسهم ذلك، فى غيابها إلى حد ما عن الساحة.. كيف استغل الجانب الليبى فرصة المعرض؟ كما أشرت حضرت المؤسسات الثقافية، وزين حضورها نخبة من المثقفين والكتاب والمفكرين وهو ما انعكس على تنظيم عدد لا بأس به من الفعاليات الثقافية التى من شأنها مشاركة ليبيا فى الحراك الثقافى العربى. كلٌ حضر، ثقافات متنوعة ومرجعيات فكرية مختلفة، وحضرت عدة فرق للفنون التشكيلية والفنون البصرية والموسيقية بشكل مميز وباعتقادى أن الوفرة والتنوع الكثير ما بين عناوين مهمة وكتّاب تنشر لأول مرة أو كانت ممنوعة قبل الثورة، وموضوعات الكتب أغلبها عن الثورة والسياسة وبعضها مهتم بالآداب لكن لم يكن لأصحابها حضور من قبل لأنهم كانوا بعيدين عن المؤسسة الثقافية السابقة. دائما الأنظمة الحاكمة كانت تمرر الاستبداد بمقولة إما أنا أو الفوضى.. هل نحن أمام إرهاصات الفوضى؟ نخشى أن تتحول الثورات إلى الفوضى أو تطول فوضاها فليست القضية فيمن يحكم وإنما كيف يحكم، من المهم أن تؤدى الثورات إلى خدمات أفضل لشعوبها ومعيشتها لأن من قام بالثورة أناس بسطاء من الشعوب المظلومة والمقهورة من حقهم أن تحقق الثورات أهدافها المعنوية فى نيل الحرية والحفاظ على كرامة الإنسان وأن تنشئ ثقافة الحوار بين كل الطوائف والطبقات المجتمعية وتحترم الحقوق الفكرية والدينية الموجودة، فالحضارة الإسلامية عاشت بسلام مع الحضارات الأخرى ونقلت عنها معارف وعلوم وثقافات إنسانية عدة، فالواجب أن نتخلص من النعرات السياسية. وكما نرى فإن الدول الناجحة حققت الشرعية والدستور والمواطنة خاصة تلك التى نهضت فى فترة وجيزة مثل المكسيك والبرازيل. هل هناك تخوف فى ليبيا من قفز تيار معين على السلطة واحتكار الرأى؟ وما أثر ذلك على الحركة الثقافية؟ من حق الجميع الاعتقاد بأن مشروعه هو الأنسب، أو هو الحل لما عانته الشعوب من ظلم وقهر وتهميش.. من حقهم أن يتكلموا، نحن لا نحب الإقصاء، يجب أن نؤمن أن هناك آخر له مرجعية وثقافة مختلفة عنك، من حقه أن يمارس دوره فى الدولة، لكن ما هو الفيصل والفاصل؟ هى العملية الديمقراطية وصندوق الاقتراع. وعلى من يقول أنه الأفضل أن يقنع الشعوب بذلك، وأن يؤمن بالتداول السلمى للسلطة ولا يفرض مشروعه على الناس.. لسنا فى مرحلة أن يضع كل تيار سياسى برنامجه ويفرضه، هذه مرحلة تهدئة الشعوب وعودة البلدان إلى العمل والخدمات، والتغيير الاجتماعى، وإذا لم يحدث تغير اجتماعى ستكون ثورة فارغة، فالثورة ليست تغييرا سلطوياً فقط وإنما أول عملها أن تسقط السلطة البائدة القامعة وتأتى بسلطة شرعية متفق عليها، ثم تتحول فعلياً إلى تنفيذ برنامجها فى التغيير الاجتماعى والاقتصادى حتى يتلمس الناس فضل ودرجة وميزة التغيير. وما دور المثقف فى تجاوز الوضع الراهن.. خاصة مع ظهور الميليشيات المسلحة، وتصفية الحسابات؟ هذه الظاهرة مقلقة جدا.. ولكن يتم العمل على استيعابها فى الجيش والشرطة ودور المثقف هو تغيير هذه الثقافة، وهناك برامج ودراسات مهتمة بهذا الشأن، وهذا لا ينفى أن أحداث وحوادث قد تحدث وهذا وارد فى ظل ثورة كانت مسلحة بالكامل أمام نظام دموى ومسلح، ومع أن هناك قلقا، إلا أن هناك أيضا أملا أن تقوم الدولة الشرعية المدنية بإعداد الدستور قريباً خلال سنة ونصف السنة، والعمل على برامج نوعية ومكثفة لتأمين البلاد وتفعيل الأمن والاستقرار عبر الجيش والشرطة، وتفعيل خدمات المواطنين فى ظل سنة ونصف تقريباً. هل أنتم متفائلون بالمستقبل؟ متفائل إن أحسنا العمل، ولكنى قلق من أننا قد ندخل فى مرحلة الفوضى إن استطاعت بعض الأطراف والتيارات أن تمارس الديماجوجية على الشعوب، بمعنى استغلال عواطف الشعوب والضحك عليها بقصد الوصول للسلطة، ثم سرقة الثورات لكن الآن علينا أن نعمل من أجل أن نؤسس للدولة وسيادة وهيبة الدولة المدنية، ولا أقول الحكومة بل أعنى الدولة كمكون ولا أعنى من سيقوم بمسماه فيها، حتى نصل إلى تكوين الدولة وإقامة الشرعية واحترامها ووجود دستور اتفق عليه الشعب وأقره. نضع قوانين ونعيش المواطنة الفعالة فى الحقوق والواجبات الواضحة دستورياً، هذا هو الضامن ليس لنا ضامن إلا عملية دستورية لدولة مدنية كاملة وبنسق ديمقراطى كامل وبثقافة للحوار، وإن تخلينا عن هذه الأمور سوف نجد فوضى من جديد والفوضى تعيد الاستبداد بأشكال أخرى متجددة ومتطورة، وتخدع حتى من يكون ثائراً ولكنه يستبد بالسلطة فيجد نفسه فيها فلا يتخلى عنها، ويمارس الوصاية أو البطريركية المعروفة على الثورة والشعب والوطن إلى الأبد وهذا ما حدث حتى فى ثورات عربية سابقة قبل هذا الربيع. هل لديكم نية لنشر مشترك وتبادل ثقافى مع مصر؟ تم توقيع بروتوكول للتعاون مع مصر، وهذا يشمل كل جوانب التعاون والتبادل الثقافى فى النشر والترجمة والتدريب والتطوير والأسابيع الثقافية والزيارات المشتركة وهو برنامج متكامل سيغطى كل هذه الجوانب..وقد زرت أكاديمية الفنون وبحثنا التعاون والدراسات ومهتمون بصغار وكبار الفنانين الليبيين، وكل أنواع الفنون التى ترعاها هذه الأكاديمية العريقة والتنسيق مع وزارة الثقافة المصرية ولدينا بروتوكول تعاون مع الأكاديمية المصرية وبرنامج مع هيئة الترجمة أيضا.. ونأمل أن تسمح الظروف بأن نقوم بهذه الإجراءات والرغبات فى الحكومة الانتقالية ونحن سعداء بذلك.