كانت الثقافة الليبية كغيرها في ظل أنظمة همشت الشقق وتعاملت معه كشيء زائد، لكن الثقافة الليبية لم تغب يوماً رغم الصعاب إلتي أحاطت بها، وكان حضورها القوي في معرض القاهرة الدولي للكتاب خير تعبير عن قوتها ورسوخها. علي هامش المعرض التقت »أخبار الادب« مع المثقف والشاعر الحبيب الأمين وزير الثقافة الليبي، وحاورته حول القضايا المختلفة التي تشغل العقل المصري والليبي والعربي بوجه عام. كيف كان وضع الثقافة الليبية في ظل النظام السابق؟ ربما تكونت في فترة ما صورة نمطية عن الليبي، وربما نجح النظام السابق في أن يبثها للآخرين وأنا لا أريد أن أوصفها أو أتحدث عنها، ربما يتصور البعض أن ليبيا ليس فيها ثقافة أو فنون وليس فيها مثقفون أو فنانون وأنها بلد هائم ومعزول عن العالم، يتحكم فيها رجل معين يديرها كيفما شاء، لكن يجب أن يعرف الجميع أن المثقف في ليبيا عاني الكثير ونجح النظام السابق في إقصاء وأدلجة الثقافة وبالتالي عانت الثقافة الليبية الكثير من الغياب في منابر ومحافل عدة. الآن ليبيا تريد أن تعود بالمثقف للثقافة، ونحن بدأنا في التعبير عن أنفسنا وعن تميز الثقافة الليبية التي لا بد أن تكون متميزة باعتبارها لشعب عاش لقرون ولديه مدخرات تراثية وهوية كاملة، وملامح متعددة لحضارات متعاقبة.. مشاكل وقضايا وهموم واستشراقات يريد أن يعبر عنها الكاتب والشاعر والقاص والرسام الفنان. و ما نريد أن نقدمه من تراثنا يقدم كما هو، دون أن تدخل عليه الحكومة أيقونتها أو تبصمه ببصمتها، وهذا ما سنقبل عليه وما نحن خدامه وزراء ومسئولين، نحن مكلفون بهذه المسئولية أمام هذا الشعب وهذه الثقافة وهذا الوطن ولذلك نحرص علي المشاركة في هذه المحافل، ونحرص علي تقديم الفن والثقافة الليبية عبر مثقفين حقيقيين بصفتهم كمبدعين ليس مثقفي حكومة أو كتاب سلطان، هذه مرحلة انتهت ويجب أن نفتح المجال للموهوبين الجدد والشبان للاحتفاء بالمثقف وتقدير قيمته وكرامته، والدفع به وتسهيل عملية الانتشار والنشر عبر تعاون مشترك معه ومع الناشر أيضا. هل مشاركتكم في معرض القاهرة شجعتكم لتنظيم معرض دولي للكتاب في ليبيا؟ أقيمت عدة معارض صغيرة بشكل خجول، ولكن هناك نية لعمل معرض طرابلس الدولي للكتاب ويعتمد ذلك علي التنسيق مع قاعة المعارض ودور النشر في ليبيا ويعتزم إن شاء الله أن يكون في شهر مايو- يونيو القادم. كيف تقرأ اللحظة الراهنة في مصر وليبيا بعد الثورة؟ بعد الثورات الحالة تبدو كالكأس المرتعش لا أريد القول بأنني أنظر للنصف الفارغ من الكوب أو الممتلئ، لأن الكوب مهتز ولا يمكن أن نميز بين الممتلئ والفارغ فثورات الربيع العربي مثل الزلزال الذي أصاب المنطقة العربية بعد أن سيطر عليها خريف طويل كانت تعاني خلاله، وأصبحت في مرحلة الربيع بما فيه من ريح وهرج وصخب.. الأمر بالفعل يحتاج لوقت حتي تهدأ الأجواء وتستقر.. فلا يعقل أن يقال إننا اليوم قمنا بالثورة وغداً سنصبح مثل سويسرا، فالشعوب تتحرك في مئات السنين ولم تؤتِ الثورة الفرنسية ثمارها إلا بعد مائة عام. الأنظمة الاستبدادية أفسدت الحياة السياسية بشكل كبير، والحراك السياسي والاختلافات الحادة مبررة فالأحزاب الكرتونية السابقة عادت إلي الساحة مع ظهور الأحزاب الجديدة والتيارات الفكرية، إضافة للمواطنين العاديين الذين عانوا القهر والتهميش.. والكل يتحدث والصحافة تنقل الآراء المختلفة وهذه ظاهرة صحية أرجو أن تستمر علي ألا تطول حتي لا ندخل مرحلة الفوضي. هل هناك تخوف في ليبيا من قفز تيار معين علي السلطة واحتكار الرأي؟ وما أثر ذلك - إن حدث - علي الحركة الثقافية؟ من حق الجميع الاعتقاد بأن مشروعه هو الأنسب، أو هو الحل لما عانته الشعوب من ظلم وقهر وتهميش.. من حقهم أن يتكلموا، نحن لا نحب الإقصاء، يجب أن نؤمن أن هناك آخر له مرجعية وثقافة مختلفة عنك، من حقه أن يمارس دوره في الدولة، لكن ما هو الفيصل والفاصل؟ هي العملية الديمقراطية وصندوق الاقتراع. وعلي من يقول أنه الأفضل أن يقنع الشعوب بذلك، وأن يؤمن بالتداول السلمي للسلطة ولا يفرض مشروعه علي الناس.. لسنا في مرحلة أن يضع كل تيار سياسي برنامجه ويفرضه، هذه مرحلة تهدئة الشعوب وعودة البلدان إلي العمل والخدمات، والتغيير الاجتماعي، وإذا لم يحدث تغير اجتماعي ستكون ثورة فارغة، فالثورة ليست تغييرا سلطوياً فقط وإنما أول عملها أن تسقط السلطة البائدة القامعة وتأتي بسلطة شرعية متفق عليها، ثم تتحول فعلياً إلي تنفيذ برنامجها في التغيير الاجتماعي والاقتصادي حتي يتلمس الناس فضل ودرجة وميزة التغيير. وما دور المثقف في تجاوز الوضع الراهن.. خاصة مع ظهور الميليشيات المسلحة، وتصفية الحسابات؟. هذه الظاهرة مقلقة جدا.. ولكن يتم العمل علي استيعابها في الجيش والشرطة ودور المثقف هو تغيير هذه الثقافة، وهناك برامج ودراسات مهتمة بهذا الشأن، وهذا لا ينفي أن أحداثا وحوادث قد تحدث وهذا وارد في ظل ثورة كانت مسلحة بالكامل أمام نظام دموي ومسلح، ومع أن هناك قلقا، إلا أن هناك أيضا أملا أن تقوم الدولة الشرعية المدنية بإعداد الدستور قريباً خلال سنة ونصف، والعمل علي برامج نوعية ومكثفة لتأمين البلاد وتفعيل الأمن والاستقرار عبر الجيش والشرطة، وتفعيل خدمات المواطنين في ظل سنة ونصف تقريباً. والثقافة دورها مهم في أن تكون عاملا أساسيا في التنمية البشرية وفي الأمن والاستقرار، وفي تفعيل دور المثقف المجتمعي، وهذا مهم جداً، وعموما البلدان المستقرة أحيانا تحدث فيها أحداث عنف، فما بالنا بدول عانت وهي الآن في طور الثورة والتحول من الثورة إلي الدولة. هل أنتم متفائلون بالمستقبل؟ متفائل إن أحسنا العمل، ولكني قلق من أننا قد ندخل في مرحلة الفوضي إن استطاعت بعض الأطراف والتيارات أن تمارس الديماجوجية علي الشعوب، بمعني استغلال عواطف الشعوب والضحك عليها بقصد الوصول للسلطة، ثم سرقة الثورات لكن الآن علينا أن نعمل من أجل أن نؤسس للدولة وسيادة الدولة وهيبة الدولة المدنية، ولا أقول الحكومة بل أعني الدولة كمكون ولا أعني من سيقوم بمسماه فيها، حتي نصل إلي تكوين الدولة وإقامة الشرعية واحترامها ووجود دستور اتفق عليه الشعب وأقره. نضع قوانين ونعيش المواطنة الفعالة في الحقوق والواجبات الواضحة دستورياً، هذا هو الضامن ليس لنا ضامن إلا عملية دستورية لدولة مدنية كاملة وبنسق ديمقراطي كامل وبثقافة للحوار، وإن تخلينا عن هذه الأمور سوف نجد فوضي من جديد والفوضي تعيد الاستبداد بأشكال أخري متجددة ومتطورة، وتخدع حتي من يكون ثائراً ولكنه يستبد بالسلطة فيجد نفسه فيها فلا يتخلي عنها، ويمارس الوصاية أو البطريركية المعروفة علي الثورة والشعب والوطن إلي الأبد وهذا ما حدث حتي في ثورات عربية سابقة قبل هذا الربيع. هل هناك برتوكول لنشر مشترك وتبادل ثقافي مع مصر؟ تم توقيع بروتوكول كامل للتعاون مع مصر بين وزارتي الثقافة وهذا يشمل كل جوانب التعاون والتبادل الثقافي في النشر والترجمة والتدريب والتطوير والأسابيع الثقافية والزيارات المشتركة وهو برنامج متكامل سيغطي كل هذه الجوانب. زرنا أكاديمية الفنون وبحثنا التعاون والدراسات ومهتمون بصغار وكبار الفنانين الليبيين، وكل أنواع الفنون التي ترعاها هذه الأكاديمية العريقة، وهذا جزء من برنامجنا في هذه الزيارة في المعرض، والتنسيق مع وزارة الثقافة المصرية ولدينا بروتوكول تعاون مع الأكاديمية المصرية وبرنامج مع هيئة الترجمة أيضا.. ونأمل أن تسمح الظروف بأن نقوم بهذه الإجراءات والرغبات في الحكومة الانتقالية ونحن سعداء بذلك. ومع حالة الحراك الثقافي التي تشهدها ليبيا الآن وما أحدثته ثورة فبراير من تغير واضح في طبيعة الشعب الليبي للتعبير عن نفسه بحرية دون خوف من بطش الحاكم يجعلنا نتطلع إلي آفاق جديدة في الإبداع الليبي ويصبح المثقف فاعلا ومشاركا في بناء ليبيا الجديدة.. ليبيا بعد الثورة والحرية.