التقت البديل وزيرالثقافة الليبي الحبيب الأمين الذي سرد حكايته مع الكتابة والاعتقال والسجن أثناء حكم القذافي، وفي هذه الحلقة يقدم الأمين رؤيته وتوقعاته لمستقبل الثورة الليبية والمصرية. كنت مقاطعًا للوسط الثقافي الرسمي في ليبيا فلا تنشر أعمالك في صحفه أو مجلاته وتفضل دائمًا النشر في مواقع النت خارج ليبيا ....... هل ساعدك النشر الإلكتروني علي الانتشار الكافي؟ قاطعت الصحف ووسائل الإعلام الرسمية لأن نصوصي كانت لا تحتملها السلطة وأنا أيضًا كنت أري أنه من الخزي والعار أن تنشر نصوصي في الصحف الصفراء ولهذا ابتعدت عن السلطة تمامًا، كما أنني لست معنيا بالانتشار ولكنني معني بالقيمة الحقيقية للثقافة، وإذا تحدثنا عن النشر الإلكتروني فسنجد أنه وازن الثقافة الليبية إلي حد ما ومكنها من التواصل مع العالم من خلال الإنترنت وثورة المعلومات ومن خلاله أصبحت الثقافة عملية تفاعلية افتراضية ولكنها حقيقية، وأعتقد أن الثقافة هي القيمة وهي الحقيقة بصرف النظر عن الوسيلة التي نشرت فيها فهل يمكننا أن نرفض ملحمة جلجامش التي كتبت علي الطين! الرمزية واستعادة الحدث التاريخي من أهم ملامح شعرك.. هل اعتمدت علي الرمز حتي تهرب من مقص الرقيب ؟ استخدمت الرمز والتلغيز في بعض الأمور المتصلة بالسلطة وأيضًا عندما أريد الحديث في أمور تحرج النظام ولكن بطريقة جمالية وفنية بحيث لا تكون فجة ومباشرة فاستخدام الرمز يكثف من الفكرة ويضفي جمالًا علي النص الشعري، أيضًا استخدمت الأساطير بكثرة فكنت أعيد بها رسم ملامح الهوية الليبية المفقودة الغنية بالأسماء والأحداث فالأسطورة يمكن أن توظف في الواقع من خلال الربط بين الماضي البعيد والحاضر فلجأت إلي الأسطورة والرموز التاريخية لإسقاطها علي واقع لا أستطيع أن أكون فيه مباشرًا وأيضًا إذا استخدمت المباشرة فسيفقد النص جماله وفي نفس الوقت أنا لا أؤمن بالتلغيز الكامل بحيث يصبح النص مغلقًا علي النخبة ويصبح شكلًا مقاليًا وتحريضيًا إذا كان مباشرًا ولكني لن أترك النص دون أن استودع فيه مفاتيحا لفتحه، ولأنني أدرك أن شعبي يعاني من الاغتراب والاختطاف ومن مسح الملامح اشتغلت علي العمق التاريخي لأنني أريد أن يستعيد الليبي ذاكرته فهو يعيش علي تراث كبير ولكن للأسف جعلنًا الديكتاتورمثل المغتربين البعلين وكأن الزمن بدأ معه وسينتهي معه. وما رأيك في الحركة الشعرية في عالمنا العربي؟ العرب لم تؤسس لديهم ثقافة القراءة لأنهم يفكرون أولًا في الطعام ومجابهة السلطة وبين مجابهة السلطة والطعام ضاع العقل العربي، والشاعر أو المثقف لايستطيع أن يجبر مواطنا عاريا وجائعا علي البحث عن كتاب أو قصيدة لأن السلطات نفسها أبعدت المثقف حينما جعلته صالونيًا، فعندما نجد شاعرًا يمتدح السلطان والمواطن لايجد رغيف الخبز فسوف نكفر بالشعر، ولكن هناك شعراء دفعوا ثمن أشعارهم ودفعوا ثمن الحبر وقمعوا وقتلوا ولا تزال نصوصهم باقية ولذلك فالمشكلة تكمن في الشاعر وليس في الشعر. وما هي توقعاتك للمشهد الثقافي الليبي في الفترة القادمة؟ المشهد الثقافي الليبي بدأت تتغير ملامحه منذ بداية الثورة فعندما تحررت بعض الأجزاء من ليبيا أصبحت هناك ممارسات فردية لممارسة الفعل الثقافي ومبادرات فردية بإنشاء الصحف حتي وصل عدد الصحف الآن إلي 180 صحيفة، فالمثقف الليبي الآن دخل في ورشة عمل مفتوحة فهناك ندوات تعقد في كل المدن الليبية ومعارض فنية وأمسيات شعرية وهذه الأجواء تتصاعد يوميًا فالحياة الثقافية في ليبيا تتم الآن إعادة صياغتها وفقًا لاحتياجات المبدع وهذا ما نريده ومايراه المثقف الليبي في حياته لأول مرة، فأصبحت هناك وزارة الثقافة والمجتمع المدني ولأول مرة نسمع كلمة وزارة في ليبيا بعد أن حرمها القذافي وهذه الوزارة تقوم بمجهودات عظيمة الآن ومن خلالها ستستعيد ليبيا مكانتها الثقافية. ما قراءتكم للحالة السياسية الراهنة في كل من: مصر وليبيا بعد الثورة؟ ** بعد الثورات الحالة تبدو كالكأس المرتعش لا أريد القول بأنني أنظر للنصف الفارغ من الكوب أو الممتلئ، لأن الكوب مهتز ولا يمكن أن نميز بين الممتلئ والفارغ فثورات الربيع العربي مثل الزلزال الذي أصاب المنطقة العربية بعد أن سيطرعليها خريف طويل كانت تعاني خلاله، وأصبحت في مرحلة الربيع بما فيه من ريح وهرج وصخب.. الأمر بالفعل يحتاج لوقت حتى تهدأ الأجواء وتستقر.. فلا يعقل أن يقال إننا اليوم قمنا بالثورة وغدًا سنصبح مثل سويسرا، فالشعوب تتحرك في مئات السنين ولم تؤتِ الثورة الفرنسية ثمارها إلا بعد مائة عام. النظام المصرى السابق كان يمرر الاستبداد بمقولة إما أنا أو الفوضى.. هل نحن أمام إرهاصات الفوضى؟!. ** نخشى أن تتحول الثورات إلى الفوضى أو تطول فوضاها فليست القضية فيمن يحكم إنما كيف يحكم، من المهم أن تؤدي الثورات إلى خدمات أفضل لشعوبها ومعيشتها لأن من قام بالثورة أناس بسطاء من الشعوب المظلومة والمقهورة من حقهم أن تحقق الثورات أهدافها المعنوية في نيل الحرية والحفاظ على كرامة الإنسان وأن تنشأ ثقافة الحوار بين كل الطوائف والطبقات المجتمعية وتحترم الحقوق الفكرية والدينية. Comment *