الأهلي يحسم موقفه من العرض الأمريكي ل وسام أبوعلي ب300 مليون جنيه    محافظ الجيزة يهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    محافظ الجيزة: استعدادات مكثفة بالمنظومة الصحية لاستقبال عيد الأضحى    محافظ الشرقية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى    قبل عيد الأضحى.. البورصة تختتم بربح رأس المال السوقي 17 مليار جنيه    مدبولي: مواردنا الدولارية من السوق المحلية تغطي احتياجاتنا للشهر ال3 على التوالي    وزير الاتصالات يستقبل وفدًا رفيعًا من «حزب الشعب الجمهوري»    تكريم مصر إيطاليا العقارية بجائزة شنايدر إلكتريك للاستدامة 2024 في الشرق الأوسط وأفريقيا    الإطلاق الرسمي اليوم.. كل ماتريد معرفته عن خدمات ال G5    الرئيس السيسي يعود لأرض الوطن عقب زيارته لدولة الإمارات    انفجارات في مستودع ذخيرة قرب حماة وسط سوريا    زوارق إسرائيلية تختطف صيادًا من المياه الإقليمية بجنوب لبنان    أبوريدة يبحث برنامج منتخب مصر لكأس العرب مع الجهاز الفني    نجم الزمالك السابق: وسط الملعب كلمة السر في مواجهة بيراميدز    قرار عاجل من الزمالك بفسخ عقده لاعبه مقابل 20 ألف دولار    بعد اهتمام برشلونة والنصر.. ليفربول يحسم موقفه من بيع نجم الفريق    تقرير مغربي: الزمالك يفاوض عادل رمزي لتدريبه.. وخطوة من المدرب    رئيس بعثة الحج: نجاح خطة تصعيد حجاج القرعة إلى عرفات| صور    جثة الخلابيصي تثير الذعر في قنا.. والأمن يتحرك لحل اللغز    بعد نشرأخبار كاذبة.. مها الصغير تتقدم ببلاغ رسمي ل«الأعلى للإعلام »    نقابة الفنانين السوريين تعلن وفاة الفنانة حنان اللولو    صعب عليهم نسيان الماضي.. 5 أبراج لا يمكنها «تموڤ أون» بسهولة    تأكيدا ل «المصري اليوم».. أيمن منصور بطل فيلم آخر رجل في العالم (البوستر الرسمي)    محمد رمضان يقترب من الانتهاء من تصوير «أسد»    دعاء يوم عرفة من الكتاب والسنة (مستجاب)    خُطْبَةُ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ 1446ه    هل تُجزئ صلاة العيد عن صلاة الجمعة؟.. «الأزهر للفتوى» يرد    رسالة مؤثرة من الشيخ محمد أبوبكر بعد قرار الأوقاف بنقله إلى الوادي الجديد    جامعة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى والطوارئ بجميع مستشفياتها    محافظ المنيا يزور مديرية الصحة ويتابع سير العمل داخل الإدارات والأقسام    وزيرة خارجية لاتفيا: سنعمل في مجلس الأمن لتعزيز الأمن العالمي وحماية النظام الدولي    فابريجاس يوافق على تدريب إنتر ميلان خلفًا لسيموني إنزاجي    الصحة: 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج خلال فترة إجازة عيد الأضحى المبارك    رئيس الوزراء: إزالة تداعيات ما حدث بالإسكندرية تمت فى أقل وقت ممكن    طريقة عمل المكرونة المبكبكة، أسرع أكلة من المطبخ الليبي    البنك المركزي: ارتفاع صافي الاحتياطيات الدولية إلى 48.526 مليار دولار بنهاية مايو 2025    تموين الإسكندرية: توريد 71 ألف طن قمح حتى الآن    حسام حبيب: مشكلة جودة أغنية "سيبتك" قد يكون بسبب انقطاع النت أو الكهرباء    ما تفاصيل مشروع قرار مجلس الأمن المرتقب بشأن غزة؟    «بن رمضان» في مواجهة توانسة الأهلي.. الأرقام تحذر معلول    إنتر ميلان يفتح قنوات الاتصال مع فابريجاس لتدريب الفريق    إغلاق ميناء الغردقة البحري لسوء الأحوال الجوية    زلازل وعواصف وجفاف.. هل تستغيث الأرض بفعل تغيرات المناخ؟    وزير الثقافة ل«الشروق»: لا غلق لقصور الثقافة.. وواقعة الأقصر أمام النيابة    بالصور.. تامر حسني يتألق بحفل عالمي فى ختام العام الدراسي للجامعة البريطانية.. ويغني مع محمد ثروت "المقص"    مجلس الوزراء يوافق على اتفاقية مع الاتحاد الدولي للاتصالات لتحقيق التنمية الرقمية    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    مد فترة التشطيبات.. مستند جديد يفجر مفاجأة في واقعة قصر ثقافة الطفل بالأقصر    رئيس هيئة النيابة الإدارية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى المبارك    البابا تواضروس الثاني يهنئ فضيلة الإمام الأكبر بعيد الأضحى المبارك    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    «مباشرة لا عن طريق الملحق».. حسابات تأهل العراق ل كأس العالم 2026    تحرير 911 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    مسابقة لتعيين 9354 معلم مساعد لغة إنجليزية من «العاملين بالحصة» (تفاصيل)    أنشطة ثقافية ومسرح وسينما فعاليات مجانية لوزارة الثقافة فى العيد    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاشتها «الأهرام العربى» برابعة العدوية.. ليلة قرار فض الاعتصام!
نشر في الأهرام العربي يوم 13 - 08 - 2013


منال عبيد
فى يوم الأربعاء 31 يوليو قرر مجلس الوزراء فض اعتصام رابعة وقام بتفويض الداخلية باتخاذ الإجراءات اللازمة لفض هذا الاعتصام.. ‫وفى الثانية عشرة من منتصف ليل الخميس، قررت النزول إلى رابعة لأرصد رد فعل المعتصمين هناك على هذا القرار ولأشاهد الحقيقة بعينى لا بأعين الآخرين، مستندة على الخبرات التى توافرت لى من وجودى فى الميادين المختلفة منذ أحداث يناير 2011 وحتى الآن، والتى تتيح لى معرفة شكل ومعنى: البلطجية، الإرهابيين، المتحرشين، تحديد الحشود والأعداد.‬
نصحتنى إحدى قريباتى بارتداء عباءة سوداء، لكننى فضلت ارتداء ملابسى العادية لأنه مكتوب فى بطاقتى إننى صحفية فخشيت أن يعتقدوا أننى متنكرة للتجسس عليهم، وقدت سيارتى فى شارع عباس العقاد حتى شارع أنور المفتى (الموازى للأوتوستراد خلف طيبة مول)، الحياة تسير بشكل طبيعى جدا فى النصف الأول من الشارع بما لا يشير إلى ما هو موجود فى آخره،‫ وفى النصف الثانى من الشارع الطويل تقل الإضاءة وتنعدم حركة المشاة إلا من شباب ورجال ملتحين خارجين من الاعتصام لبعض شئونهم، قرب آخر الشارع وتحديدا خلف مرور مدينة نصر تغلق اللجان الإخوانية الطريق بحواجز حديدية وأكياس من الرمال، ويقف عدد من الرجال مرتدين الخوذات ويحملون الهراوات، أوقفت سيارتى وترجلت منها و طلبت الدخول، فأشار واحد من الرجال إلى فتاتين تقفان إلى جانبهما قامتا بتفتيشى بدقة وطلبتا بطاقتى الشخصية وسلطت إحداهن عليها كشافا ثم قلبتها سريعا وإعادتها لى قبل أن تقرأ-فيما أعتقد - إننى صحفية‬.
داخل الاعتصام
‪فور دخولى شعرت بأننى فى سوق إحدى العشوائيات، على يمينى وشمالى الخيام المفتوحة ينام بداخلها رجال وشباب وتجلس على بعض مداخلها سيدات، ولفت انتباهى مجموعة من الشباب يرتدون بنتاكورات وأحذية رياضية تدل على مستوى اجتماعى عال، فقررت أن أكتب أن رابعة تضم جميع الفئات، لكن ما إن توغلت حتى لم أجد أثرا لتلك الطبقة مرة أخرى فأغلب الموجودين من طبقات يبدو عليهم الفقر جاليا..‬
لم أشاهد إرهابيين ولا بلطجية ولا من يبدو على مظهرهم تلك الصفات كما لم أر المتحرشين الذين تبدو سيماهم على وجوههم، الصفة الوحيدة البادية على الجميع " غلابة"، وأيضا لم يكن هناك الزحام الذى توقعته ولا الذى كنت أراه على شاشات الفضائيات (الأعداد لا تزيد على عشرين ألفا فى تقديرى)، تجولت براحتى جدا، لم يسألنى أحد ولم يعترضنى أحد سوى عيون الجميع التى كانت ترقبنى باستغراب كأنهم يعرفون بعضهم البعض وسوى اثنين ممن يرتدون الجاكت البرتقالى (منظمين )كنت أجدهم ورائى كلما تلفت فجأة لكنهما لم يتحدثا إلى‫، ‬بمجرد السماح لى بالدخول شممت رائحة سيئة معتادة في مثل تلك التجمعات، فقررت كتابة أننى شممت مثلها في "بعض"الأيام في التحريرعندما كانت خيام الاعتصام تتزايد، لكن مع استمرارى في السير تحولت تلك الرائحة إلى كريهة جدا تشبه رائحة الحمص العفن، فبحثت بعينى عن باعة حمص الشام واستغربت لعدم وجود أى منهم ومن كراهة تلك الرائحة الغريبة أصابنى الغثيان وكدت أن أرحل!!
لكن بعد قليل تعودت أنفى على الرائحة وظل الدوار والغثيان يؤكدان لى وجودها فزال استغرابى من قدرة المعتصمين على تحملها: إنه التعود، باعة الفول والمأكولات الخفيفة والحلويات الرمضانية منتشرون بين الخيام ورأيت الناس يدفعون ويشترون فاعتقدت أن ما قيل عن أن المعتصمين مجرد باحثين عن طعام مجانى، هو كلام غير حقيقى، لكن الحقيقة تكشفت في آخر الجولة.
مخيمات اللاجئين!
الساعة الثانية فجر الخميس ..أتجول، أشاهد، أرقب: الناس إما نائمون أو يأكلون أو يقرأون الصحف والبعض يقرأ القرآن، أطفال صغار يمرحون ويلعبون في المياه القذرة التى تملأ الأرض..نساء يتجولن ويتجاذبن الحديث والضحكات يرتدين العباءات السوداء والملونة والخمار (شابة وحيدة مكشوفة الشعر كانت تجلس بجوار سيدة تبدو والدتها أمام إحدى الخيمات)...المشهد كله ذكرنى بمخيمات اللاجئين التى زرتها في بيروت، عدد النساء يمثل تقريبا ثلث عدد الرجال معظمهن في منتصف العمر مع وجود ملحوظ لفتيات شابات، وهناك خيمة لافتة للنظر لأن من يجلسن فيها تبدو عليهن مظاهر الطبقة الراقية علمت أن بعضهن ساكنات مدينة نصر، وأن معظمهن تعرفن على بعض في الاعتصام ، بعض الشباب يقفون فى مجموعات متفرقة وشاب أجنبى يبدو أنه "مراسل" يقف مرتاحا بين مجموعة من شباب المعتصمين يتبادل معهم الحديث ويعطى انطباعا أنه مقيم بالمكان.
في طريقى إلى المنصة الرئيسية رأيت تجمهرا وسمعت هتافا "الصحافة فين.. باسم عودة أهو" ووجدته بالفعل يحيط به مجموعة شباب فرحين بوجوده وكأنهم يرونه للمرة الأولى ..اخترقت التجمهر والتقطت معه صورة (للرصد و التوثيق)، تظاهرت بالفرحة لوجوده وانتهزت الفرصة وسألت المتجمهرين حوله عن وجود قيادات أخرى في الاعتصام، فكانت الأجابات مبهمة: بييجوا، بنشوفهم،كلهم هنا معانا، ماحدش بيشوفهم، وقالت سيدة و الفرحة تقفز من عينيها " عبد المقصود كان هنا النهاردة ومسح على رأس ابنى ودعالى ".
وصلت بسهولة جدا إلى المنصة الرئيسية وكان أمامها عدد يقدر بالمئات ولم يكن هناك من يخطب عليها وقت وصولى، استوقفت شابا طلبت منه التقاط صورة لى فنظر لى باستغراب وتركنى!! استوقفت آخر فلم يتوقف أو يرد!!
استوقفت سيدة متوسطة العمر والمستوى الاجتماعي تمسك بيد طفلها ذى الخمس سنوات ورسمت ابتسامة انبهار على محياى، وطلبت منها بسعادة بادية التقاط صورة لى أمام المنصة فرحبت جدا وسألتنى إن كانت هذه هى زيارتى الأولى ثم سألتنى عن رأيى فلم أزد عن قول "ربنا معاكو" وعلمت أنها من حدائق القبة وتأتى كل يوم بصحبة زوجها ولايبيتان فى المكان وقالت وهى تودعنى: ها.. لقيتى أسلحة؟ فأشرت لها بيدى لا.
قليل من ..الخوف
اقترب منى الشابان المنظمان اللذان ذكرتهما من قبل ووقفا يتهامسان وأحدهما يشير إلى الكاميرا في يدى (يغلب على ظنى أنهما كانا مترددان في مصادرتها) فحشرتها في جيب بنطلونى وما لبث أمام المنصة أن دعا إلى صلاة التهجد قائلا " أستحلفكم بالله ألا يصلى أحد في الخيام ..تعالوا إلى هنا وافترشوا الطرقات حتى يعلم الإعلام عددنا وحجمنا " وفي ثوان قليلة امتلأ المكان بحشود المصلين فانتهزت الفرصة للغياب عن ناظريهما (هذا هو الوقت الوحيد الذى شعرت فيه بقليل من الخوف وتذكرت حكايات التعذيب).
اخترت العودة من طريق آخر لمزيد من الاستكشاف وكان الجميع يصلون في خيامهم أو خارجها، تظاهرت بالرغبة في قضاء الحاجة واستوقفت فتاة نحيفة (اتضح أنها سيدة و أم لطفلين) ترتدى عباءة زرقاء نظيفة ونقابا أبيض وسألتها عن مكان للسيدات فقالت إن المكان الوحيد للسيدات هو حمام جامع رابعة وعرضت على الذهاب معى ورحبت بعرضها لأن سيرى وحيدة يلفت لى الأنظار بشدة.
سرت مع علياء (هذا هو اسمها) وعندما اقتربنا من جامع رابعة وجدت الزحام شديدا وعادت الرائحة الكريهة أشد وأصابنى الدوار حتى خشيت الإغماء فسألتها "هو التواليت نضيف؟ يعنى ها أقدر أدخل؟" وتمنيت أن تجيب بالنفى لأننى لم أكن سأدخل في جميع الأحوال، ولم تخب علياء ظنى ونظرت لى بشفقة من خلف نقابها وهزت رأسها بالنفى!
غمرتنى السعادة لأن علياء أعفتنى من هذا الجزء القاسى وقررنا العودة وسألتها ماذا تفعل هى إذن في مثل تلك الظروف؟ وعلمت أنها تسكن مدينة نصر ولا تبيت في الاعتصام بل تعود إلى بيتها بعد صلاة الفجر، وتأتى إلى رابعة بعد صلاة العصر من كل يوم بصحبة زوجها وأحيانا طفليها اللذين تتركهما مع حماتها في الأيام "اللى فيها قلق" وكانت هذه الليلة من تلك الليالى، حيث أعلن مجلس الوزراء في صباحها عن تفويض الداخلية بفض الاعتصام.
داخل الخيام
كان طبيعيا أن تسألنى علياء عن سبب زيارتى، وهل هى مرتى الأولى، وعن رأيى وانطباعى ثم تختم أسئلتها بالسؤال الذى سمعته أربع مرات في تلك الليلة: ها ....لقيتى أسلحة؟ وفي هذه المرة قررت أن أجيب إجابة مختلفة " يعنى يا علياء لو فيه أسلحة هايحطوها هنا؟ فقالت: تحبى تشوفى الخيام؟ أجبت " أحب ..بس برضه لو فيه أسلحة مش هايحطوها في الخيام ".
اختارت علياء خيمة مفتوحة – أشهد أنها اختارتها بعشوائية - كان ممدا بها حوالى ثمانية رجال، بعضهم يغط فى النوم والبعض مستيقظ وقالت " المدام أول مرة تيجى وعاوزة تشوف الخيام "، حاول الرجال الممددون الجلوس، لكننى اعتذرت لهم على إقلاقهم وشكرتهم وانصرفنا فلم يكن بالخيمة ما يلفت النظر.
تكرر دخولنا لعدد من الخيام وتكررت كلمات الترحيب منهم ثم الاعتذار والشكر منى دون رؤية أى جديد: أناس بسطاء ينامون بملابسهم الكاملة، وأقدامهم الحافية تدل على حياتهم الشاقة ونظرات "الغلب" تملأ عيونهم، كانت علياء تشعر بالزهو والانتصار كلما خرجنا من خيمة، حتى وصلنا إلى خيمة قررت أنا أن تكون الأخيرة، خيمة صغيرة مثلثة الشكل تقع على الجانب الأيمن بالقرب من اللجنة الشعبية التى تفضى إلى خارج الاعتصام من ناحية مرور مدينة نصر ...رفعنا بابها بهدوء وأطللنا برأسينا أنا وعلياء بداخلها، رأيت ثلاثة شباب ملتحين: اثنان يغطان فى نومهما أما الثالث فأيقظته حركتنا، رددت علياء عبارتها المتكررة وهم المستيقظ بالجلوس دون أن يبدى علامات الترحيب، فشعرت بالحرج وقلت له وأنا أخرج رأسى من الخيمة "خليك زى ماأنت.. أنا آسفة" وفى اللحظة نفسها وقعت عيناى على كومة من المواسير الحديدية السوداء تقبع فى جانب الخيمة، وفى نهاية كل منها سلسلة حديدية كبيرة! ندمت لخروجى متسرعة من الخيمة وودت لو أننى كنت أطلت الحديث مع الشاب غير المرحب حتى أتبين المشهد أكثر..قالت علياء : ها..؟ اتطمنتى إن مافيش أسلحة؟ لم أستطع إخفاء دهشتى فأخبرتها بما رأيته وأننى أريد أن أريها إياه.
اقتربنا من الخيمة مرة أخرى ورفعنا ستارها بهدوء ..تحققت مما رأيت فى المرة الأولى وأشرت لعلياء إلى الكومة فقالت ببساطة " دى الأوتاد بتاعة الخيام" !! لم أر فى حياتى أوتادا بهذا الشكل أو الحجم لكننى لم أشأ مجادلتها وأعلنتها عن رغبتى فى التجول بين الخيام مرة أخرى لقليل من الوقت فاستجابت، كان هدفى فى هذه المرة التركيز على أوتاد الخيام المنصوبة علنى أشاهد مثلما شاهدت داخل الخيمة..الخيام فى معظمها ليست خياما بل أعمدة من الخشب مغطاة بملاءات أو بلاستيك أزرق وبعضها من الصاج الخفيف، أما الخيام التقليدية فهى قليلة العدد ولم أجد بين أوتادها مثلما شاهدته فى الخيمة الصغيرة!!
المطبخ
عدنا إلى قرب مخرج "المرور" وتأهبت للانصراف لكن علياء التى كانت فيما يبدو سعيدة بدور المرشد السياحى الذى تلعبه معى اقترحت أن نزور خيمة المطبخ، لأنها لم ترها من قبل! خيمة كبيرة جدا تقع قرب المخرج ومكدس خارجها أجولة البصل والبطاطس وأكياس المكرونة بأعداد رهيبة، ويجلس على مدخلها شابان ألقينا عليهما التحية وكررنا عبارتنا المحفوظة فابتسما ورحبا بنا وقام أحدهما (محمود) من جلسته واصطحبنا داخل الخيمة: للدقة هى ليست بخيمة لكنها مساحة مستطيلة مغطاة لا تقل عن 500 متر مربع بها أوانى للطهو (حلل) لم أر فى حياتى مثل حجمها! وبها عدة مواقد كبيرة و أيضا ثلاجات سوبر ماركت وعدد من رصات الأطباق الفوم ومستلزمات التقديم.
قال محمود إن هذا هو المطبخ الرئيسى وأن هناك سبعة مطابخ أخرى صغيرة تقدم جميعها 30 ألف وجبة مجانية يوميا للإفطار ومثلها للسحور!! وجبة الإفطار أرز أو مكرونة، ولحم وخضار أما السحور فخبز وجبن وبيض ..قلت له إننى رأيت الباعة والناس يشترون فقال إنهم يستزيدون فقط وأن البعض "بيتكبر" علينا ويحضر طعامه من الخارج، اندفعت علياء قائلة: أنا أحضر طعامى من الخارج ليس تكبرا لكن تخفيفا عليكم فأجابها أن هذا ليس تخفيفا لأن الوجبات تفيض يوميا فيضطرون لتوزيعها على الحاضرين حتى لا تفسد فيأكلون اللحم فقط ويرمون باقى الطعام، قلت له إذن الحاضرون يقل عددهم عن 30 ألفا فأكد كلامى وأضاف: فيما عدا يوم الجمعة الذى تزداد فيه الأعداد كثيرا.
كان أذان الفجر قد اقترب ..عرضت علياء الحاصلة على ليسانس الآداب من جامعة عين شمس (ذكرت لى القسم وللأسف نسيته) توصيلى إلى سيارتى فاستجبت شاكرة وسألتها: ماذا ستفعلين الليلة لو جاءوا لفض الاعتصام وطالبوكم بالمغادرة وإلا استخدموا العنف؟ قالت لن نغادر وسنموت شهداء.
ما الذى يضمن لك أنك ستحسبين شهيدة؟
الرسول قال من مات دون ماله فهو شهيد وهؤلاء سرقوا وطنا بأكمله.
لو تحدثنا بهذه "الرمزية" يكون من حق السكان هنا أن يقاتلوكم لأنكم سرقتم أمانهم وشوارعهم ومداخل عماراتهم، ولو دافعتم عن أنفسكم يصبحون هم شهداء؟
لمعت عينا علياء من خلف نقابها وترددت قليلا، وكان آخر ما أتوقعه أن تقول: صح، عندك حق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.