أمنية عادل - المفكر الإسلامى والسياسى الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، أحد حكماء الأمة، يرفض باستماتة كل دعاوى التخريب والفوضى والإضرار بمصلحة البلاد تحت مسمى العصيان أو الإضراب مهما كانت المبررات، ويرى فى الفوضى الخلاقة فعلاً فاضحاً علنياً يجب عدم السكوت عليه مؤكداً أننا فى مرحلة فارقة تحتاج إلى شحذ الهمم وتحريك الآمال والطموحات إلى أقصاها ورافضاً الانتقادات المبتذلة التى تنال من هيبة المجلس العسكرى مهما كانت أخطاؤه فى إدارة المرحلة الانتقالية، ويرى أن الخروج من المحنة يحتاج إلى التوافق لا الاختلاف وإلى قبضة الدولة الحديدية، كما يستنكر موقف بعض الدول العربية الضاغطة والرافضة لمساعدة مصر موجهاً لها رسالة شديدة اللهجة بأنها ستكون نادمة لا محالة وستظل مصر الرائدة شاءوا أم أبوا. الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، صاحب رؤى خاصة وهو السياسى البارع والفقيه الدستورى والعالم الإسلامى فى كيفية مواجهة هذه الفترات العصيبة التى تمر بها البلاد نستعرضها على لسانه خلال هذا الحوار.. تمر البلاد الآن بمنعطف خطير تسيطر عليه حالة من الضبابية والارتباك السياسى فما قراءتك للمشهد؟ المشهد مقلق بحق ويتطلب تحليله أمرين فى غاية الأهمية، أولهما: ضرورة توسيع دائرة المشهد الذى نحن بصدد تحليله بمعنى ألا ننظر إلى مواقع أقدامنا لأننا لا نعيش فى عالمنا فقط، بل هناك أمور عدة تضع بصماتها على المشهد، فنحن محاطون بقوى عديدة منها المؤيد والمحايد والمعارض ومن يفهم ومن لا يفهم، ناهيك عن الهيئات المرتبكة والمؤسسات شبه المنهارة وغيرها من الشواهد التى تدفعنا إلى ضرورة الأخذ بمبدأ العقلانية لنعيد للمشهد توازنه المفقود، أما الأمر الثانى يستلزم الموضوعية فى مواجهة هذه المرحلة الفارقة التى ستشكل تاريخ مصر والمستقبل ولن يتحقق هذا إلا إذا أنصت كل منا للآخر. وهل فى الدعوة الملحة إلى الإضراب العام والعصيان المدنى حل لعثرات الفترة الانتقالية أو شحذ لتحقيق الأهداف الثورية كما يدعى أصحابها؟ أنا لا أفهم ما الغرض من مثل هذه الدعوات التخريبية ولمن يوجه العصيان المدنى، هل للمجلس العسكرى الذى لا نستطيع أن ننكر موقفه مهما كانت الأخطاء؟! فى حقيقة الأمر أن العصيان المدنى لا يوجد إلا عند هذا الشعب وهذا البلد الذى يمر بظروف قاسية، ويجب أن يعلم الجميع أن «الشيلة صعبة» والساحة مشتعلة والعاقل هو من يمسك بخرطوم ماء ليطفئ الحريق ويسترد الأمن والأمان، ويشحذ الهمم للبناء لا للتخريب والتدمير وأنا فى قولى هذا لا أخشى فى الحق لومة لائم فأنا أرى ضباباً وقلقاً على المستقبل، وعلينا أن نكون أشد حذراً واحترازاً، فالمجهول أسوأ من كل معلوم، ألا نشكر الله على نجاح أول تجربة ديمقراطية بعد قيام الثورة وتنصيب مجلس شعب يعكس الإرادة الشعبية لأول مرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً. سيناريو افتعال الأزمات بين الحين والآخر يعد العدو الحقيقى للثورة فكيف يتسنى لنا إحكام القبضة عليه؟ المنطقى أننا لسنا وحدنا فى الساحة وهناك كثيرون لهم مصلحة فى إجهاض الثورة وأن نرتد على أعقابنا وألا يسترد الكيان المصرى صلابته وريادته المؤهل لها خصوصاً بعد نجاح الخطوات الأولى نحو التحول الديمقراطى، لذا كفانا مناحة وشق الجيوب ولطم الخدود، وعلينا أن نتمسك بنداء هادئ لكل مصرى لنفكر قبل أن نتكلم وأن يعى كل منا «كلمة رايحة فين» هل ستبنى أم ستهدم؟ أثارت قضية التمويل الأجنبى لبعض منظمات المجتمع المدنى جدلاً مرفوضاً فى الإدارة الأمريكية وعلاقتها بمصر فما تعليقك؟ هذا أمر غريب وغير مبرر، فكيف نبنى علاقات إيجابية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية فى ظل ازدواجية الموقف الذى تتبناه فقديماً كانت تربط الإدارة الأمريكية المعنويات بالإصلاح السياسى والديمقراطى، ونحن الآن بصدد هذا الإصلاح الحقيقى الذى يستهدف إعادة بناء الأمة واسترداد الكرامة والدور المصرى الإقليمى والدولى، فأجد غرابة فى هذا الموقف، أليست هذه هى الديمقراطية وسيادة القانون؟ فنحن نعلم جيداً المعايير الدولية التى تحكم توجهاتنا ولن نسمح بالتدخل بأى شكل ونرفض التهديد أو المعونة المشروطة بما لا تقبله الكرامة المصرية ولدينا من القدرة والكفاءة ما يجعلنا نحكم سيادة القانون «ومحدش حيعلمنا». وما تحليك للإدارة الأمريكية فى ظل هذا التناقض المخزى الذى كشف عن نوايا غير طيبة؟ الأمريكان ليسوا عباقرة كما يدعون وليست بأيديهم أطراف الخيوط جميعها، فهذا وهم يحاولون تصديره وبالونة ينفخون فيها لإضعاف الدول المغلوب على أمرها، والدليل على ذلك اندلاع الثورة الإيرانية فى غفلة منهم، ونحن أجرأ وأذكى وأعقل منهم والعقل موزع على الخلائق جميعهم فليسوا السادة ولسنا الحاشية وعلى العرب أن يعوا هذا جيداً وليعيدوا ترتيب أوراقهم وليعيدوا النظر فى قضية السلام بما يعيد لنا كرامتنا وريادتنا، والانقسام فيما بيننا، ولنعيد ترتيب أوراقنا وعلاقاتنا مع دول الجوار والمحيط الإقليمى كدول إفريقيا والعالم العربى. وكيف يواجه الربيع العربى السياسة الأمريكية فى المنطقة لتكون له الغلبة والهيمنة والريادة؟ يجب أن ندرس التركيبة النفسية الأمريكية جيداً فهم أناس يعشقون القوة ولا يحترمون الضعيف بل هم كارهون له فإذا أردت أن تحترم فى أمريكا فكن ظالماً، ويحضرنى فى هذا التفسير قول الشاعر العربى «ألا لا يجهلن أحد علينا.. ونجهل فوق جهل الجاهلين» والجهل هنا يعنى الظلم، فعلى الإدارة الأمريكية أن تعى جيداً أنها فقدت هذا الزمان الذى كان فيه العربى المسلم يلطم الخدود، فقد نفد حبل الصبر وبدأ مشوار استرداد الكرامة ولن ينفعهم هذا التعالى فى معالجة قضاياهم العنصرية، فالعرب الآن بصدد قضية أشرف وهم فى قضية أضل سبيلاً ومخزية، ولن يزعزعنا عن مواصلة مشوار الكرامة ممارسات غول الإعلام الصهيونى الضال والمضل، ونحن قادرون على صيانة كرامتنا وإدارة صراعاتنا ومشكلة الإدارة الأمريكية الآن هو الخطأ فى قراءة الواقع العربى وإن لم تصحح رؤيتها وتقييمها لهذا الواقع فستندم كما سبق أن قلت انتهى عصر أنتم فيه تأمرون ونحن نطيع، إننا نعلم جيداً لعبة الموازين والقوى السياسية والتحديات المواجهة وعليكم أن تعوا ما يحدث فى العالم من حولكم من تغييرات سريعة، وماليزيا وتركيا وآسيا الوسطى خير دليل. ما تقييمك لأداء المجلس العسكرى أثناء المرحلة الانتقالية؟ للأسف يشوب أداء المجلس العسكرى شيئاً من البطء والغموض والسكوت على أشياء لابد من الإفصاح عنها الأمر الذى قد أدى إلى اهتزاز الثقة بعض الشىء، ولكن هذا لا يعنى إحراج المجلس العسكرى والمساس بهيبته خصوصاً أن الرأى العام المصرى والكوادر السياسية متفقة على بقاء المجلس العسكرى حتى تسليم السلطة للرئيس المقبل للخروج من الأزمة الراهنة ولا يستطيع أحد منا أن ينكر ما أنجزه المجلس العسكرى ودوره البطولى فى نجاح الثورة، هذا الدور الذى نعتز به جميعاً ونفخر به ونحن حريصون على مكانته وهيبته والتعاون معه والاستجابة للطلبات المعقولة، وأرفض تماماً الانتقادات الجارحة فهذه ليست من شيمنا ولا آدابنا ولا ديننا. للأسف ضغوط عربية سافرة تمارس على مصر حتى تنحرف الثورة عن مسارها وآخرها رفض تقديم المساعدات فكيف ترى هذا الموقف؟ مصر كبيرة ورائدة أرادوا أم لم يردوا وستندم هذه الدول على فعلتها قريباً ولن ينسى لها التاريخ هذا الموقف المخزى ولن يخذلنا نحن أصحاب القضية وسيأتى اليوم الذين يطلبون منا المساعدة ولكننا بإيماننا وعقيدتنا وتاريخنا العظيم فى الريادة لن نخذلهم وسنكون خير نصير لهم، وهذا دائماً هو موقف مصر المشرف، وأقول لهم كفاكم مكابرة وابدأوا بإصلاح أوضاعكم الداخلية وهذا من الذكاء والإحساس بالمسئولية حتى لا ينقلب الربيع العربى إلى خريف عربى. مجلس الشعب هذا التحدى الديمقراطى الذى اجتازته مصر بنجاح برغم كيد الكائدين وصيحات المعارضين، فما تقييمك لأداء المجلس فى القضايا الراهنة؟ أنا راض عن الأداء البرلمانى بشكل كبير وأقول للرافضين كلنا يخطئ ويتعثر ثم يصيب، ومن الظلم أن تحكم على المجلس وهو لا يزال يخطو خطواته الأولى فى مثل هذه الأجواء المشتعلة خصوصاً أن أعضاءه حديثو عهد بالعمل البرلمانى، وأسجل إعجابى برئيس مجلس الشعب لأنه نجح فى ضبط أعصابه والسيطرة على زمام الأمور وعلينا جميعاً أن نتجه نحو التوافقية مهما كان الاختلاف. الانفلات الأمنى هو الأزمة الحقيقية التى نمر بها اليوم وتتصاعد مع تقزيم الدور المنوط بوزارة الداخلية والإصرار المتواصل على إسقاطها فكيف الخروج من المأزق؟ بداية تجب المعارضة والمكاشفة بمرتكبى جميع الأحداث المؤلمة التى شهدتها البلاد بدءاً من ماسبيرو حتى ستاد بورسعيد وأن تكون يد الدولة أشد قوة وحسماً دون الخروج عن سيادة القانون وهذان أمران غير متعارضين. اتهامات عديدة ضد سير محاكمات مبارك وأبنائه وأعوانه وخوف محموم من عدم القصاص واسترداد الأموال المنهوبة فمن المسئول؟ أرى بطئاً فى سير المحاكمات والقضاء هو خط الدفاع الأخير، وإن كان مؤسسة بشرية قد لحق بها ما لحق بكل مؤسسات الدولة من فساد لكنى أثق فى استقلال القضاء وبرغم ذلك يجب ألا ترتعش يد القضاء، فهو سنة وفريضة به تستقر النفوس وعليه أن ينأى بنفسه عن ردود الفعل حتى لا تتأثر العدالة. وقد يرجع بطء المحاكمات إلى قلة خبرة فى القضاء نفسه وعدم قراءة المشهد قراءة دقيقة بما يتضمن من قضايا إفساد سياسى ونهب أموال عامة ومشاركة فى القتل. دائرة الخلاف تتسع يوماً بعد آخر فيما يتعلق بوضع الدستور شكلاً ومضموناً فما تصورك كفقيه دستورى؟ لا داعى للخلاف، فسيراعى التمثيل الموجود فى مجلسى الشعب والشورى ولكنه لا يمكن أن يقتصر عليها فقط لأن الأمر لا يعنى جهة أو مؤسسة أو حزباً أو سلطة، ولكن المجتمع كله وبالتالى لابد أن يأتى التمثيل فى اللجنة التأسيسية لوضع الدستور تتضمن كل الأطياف من نقابات مهنية وعمالية وكوادر ونخب ومرأة وأقباط وممثلى مجمع مدنى بحيث يتم تمثيل الخريطة المجتمعية كلها، ووضع الدستور ليس بالأمر الصعب كما يتصوره البعض. وهل ستسير الأمور على النحو المرغوب فى ظل شيوع الفوضى فى كل أركان البلاد؟ مصر تحتاج إلى من يعصمها من الفوضى ولكن معاذ الله أن نعيد النظام الفرعونى وأن تكون كل المؤسسات فى قبضة ديكتاتور القول ما يقوله الرئيس فقط، وعلينا أن نتجنب السوءتين وهما النظام الاستبدادى وما يسمى بالفوضى الخلاقة, التى اعتبرها «فعل فاضح علنى». فلا يوجد شىء اسمه فوضى خلاقة، ولكن النظام هو الخلاف وعلى من يدعو إلى هذه الفوضى ويشجعها مهما كانت المبررات أن يتقوا الله فى مصر وابنائها. ما رأيك فى الأداء الإعلامى وتناوله للقضايا الراهنة خصوصاً أن أصابع اتهام كثيرة تشير إلى بعض الإعلام الموجه لسكب الزيت على النار وتحمله مسئولية «الشحن» السلبى للجماهير؟ أنا غير سعيد بالأداء الإعلامى والمسئولية تقع على الذين حرموا الإعلام من المعلومات، فيضطر البعض إلى القفز على حقيقة الأخبار وتلوينها بالإشارة التى تضعف الأمل وتثير الإحباط، نحن فى حاجة إلى حوار المكاشفة وأناشد الفضائيات أن تتوب من هذه الممارسات وأرجو من «الطماعين أن يبطلوا طمع». يسعى الأزهر إلى إحياء دوره الريادى ومكانته فى العالم الإسلامى وإعلاء دعوة استقلال الأزهر إلا أن قانون انتخابات شيخ الأزهر أثار جدلاً بين مؤيد ومعارض فما رأيك؟ الأزهر بالفعل يسترد دوره ولكننى أشفق عليه من ألا يغالى فى عالم السياسة وأتمنى أن يكون التركيز على استرداد مكانة الأزهر العلمية والاجتهادية.