كان حلم الذين أسقطوا مبارك فى الخامس والعشرين من يناير، أن تصبح مصر وخلال سنوات قليلة، دولة من دول العالم الأول، وأن تكون نموذجا يحتذى فى العالم العربى، بوضعها لعقد اجتماعى جديد تكون أعمدته الأساسية العدالة والمعرفة والبناء ولا تكون فيه قوة تعلو فوق قوة القانون. هكذا تقدمت أوروبا وأمريكا، خصوصا أن الشعوب العربية عانت طوال تاريخها من قهر حكامها، ونهب ثرواتها، وتبديدها، وإهدار طاقات علمائها ومبدعيها، حتى لم يعد هناك من فارق بين الحاكم الوطنى والمحتل الأجنبى، ولعل المقارنة أحيانا تحسب لصالح المستعمر الأجنبى، وكأن التاريخ وبسخرية هذه المرة يعيد نفسه، فما إن تنحى مبارك حتى هبت قوى مضادة لصد زحف الثوار ووأد ثورتهم، السؤال الساذج من هم قواد هذه الثورة المضادة؟ هل هم الذين جمعوا ثروات غير شرعية فى ظل النظام السابق ويخشون استقرار البلاد فيسألون عما اقترفوه؟ أم الذين وجدوا فى الثورة فرصة تاريخية لتطبيق حلم راودهم لأكثر من ثمانية عقود؟ أم هؤلاء الذين يرون الثورة مجرد كعكة يجرى توزيعها بعيدا عن أفواههم؟ أم تلك القوى الأجنبية التى ضربت مشروعى محمد على وجمال عبد الناصر، لتبقى مصر منكفئة داخل همومها وبعيدا عن صناعة التاريخ؟ وهو أمر غير خفى وورد على لسان كونداليزا رايس فيما عرف بنظرية الفوضى الخلاقة، وهى المقدمة الأولى للشرق الأوسط الجديد كما يريده الغرب، الإجابة عن السؤال الساذج سوف تطال كثيرين، ولكن ومن المؤكد أن ما غاب عن هؤلاء القواد أن هذه الثورة قد استنهضت جيلا ذا جينات مختلفة عن سابقيه، هذه الجينات أفرزت جينات مضادة للخوف والخنوع، كما نزعت عن الحاكم شرعية الأب الملهم محتكر الحكمة والرأى السديد وصاحب التوجيهات غير القابلة للنقد أو الاحتجاج، وبالتالى فإن استيعابنا لهذه الجينات الجديدة داخل أجساد هذا الجيل تجبرنا على دعوته إلى حوارات جادة وحقيقية للوصول إلى حلول عملية لوقف العنف والعنف المضاد فى الشارع المصرى، فضلا عن الوضع الاقتصادى المتردى وهو الزيت الذى سوف يصب على النار إذا ما امتدت تلك الفوضى لأشهر أخرى، لا بديل إذن عن دعوة من بالشارع إلى مائدة حوار يدرك كل الجالسين على مقاعدها أن هناك دولة عريقة وصاحبة أول حضارة فى التاريخ يجرى تفكيكها وهدم أعمدتها الراسخة منذ آلاف السنين.