الكلام عن فعل ثقافى فى ملتقى الشعر العربى الثالث 1821 مارس بعنوان «ربيع الشعر .. ربيع الثورة .. دورة أبوللو» أى كلام هو تزييف للواقع وتمييع للحقائق، والمعنى الكبير الذى يخرج به المتابع للأيام الأربعة التى شملت ندوات وأمسيات هذا الملتقى هو أن مصر لم تتغير أبداً ويبدو أنها لن تتغير، وتحت هذا المعنى الكبير هناك مجموعة من الدلالات فيما جرى أولاها، أن دولة العواجيز تشعر بانتهاء دورها وتحارب معركتها الأخيرة، فى محاولة للانسحاب المشرف من المشهد إلى الأبد، ففشل وأخطاء هذه الدورة قضيا على جيلين من الشعراء المصريين، الأول جيل الستينيات وعلى رأسه حجازى، باستبداده وطاووسيته وتحكمه فى كل كبيرة وصغيرة، وإصراره على أن يكون الأمين العام للدورة بحجة أنها مؤجلة منذ عام 2011، وقت أن كان رئيساً للجنة الشعر، غير معترف بما جرى من انتخابات داخل اللجنة. أما الجيل الثانى الذى قضت هذه الدورة على وجوده فهو جيل السبعينيات ممثلاً فى رئيس لجنة الشعر ماجد يوسف الذى بدا غريباً فى بيته، يتابع كأى ضيف، فيما زميله ورفيق الأمس حسن طلب يصول ويجول ويقوم بتهميشه، وثالثهما هو محمد سليمان عضو لجنة التحكيم، جيل السبعينيات بدا سلطوياً أكثر من أى سلطة حاربها فى السابق، ذلك الجيل الذى بدأ حياته الثقافية ثائراً على مواضعات المؤسسة الثقافية وقام بالحركة الثقافية الأهم فى عقدى الثمانينيات والتسعينيات، قبل أن يأتى سبعينى آخر هو جابر عصفور ويدخل الجميع حظيرة الوزارة، حسن طلب -كما أخبرنى ناقد كبير عضو فى اللجنة المنظمة- قام بتغيير بعض الأسماء المشاركة فى الأمسيات الشعرية فوجىء الجميع بها ولم يكن متفقاً عليها، حتى إنه أقصى د. عبدالمطلب من إدارة الندوة الرابعة مساء يوم 20 من مارس الجارى، ووضع مكانه شاعرة شابة، ومحمد سليمان، عضو لجنة التحكيم لم يبد سعيداً بما آل إليه الأمر، سألته فى الجلسة الختامية بعد إعلان الفائز بها د. المقالح (مواليد 1937) هل يصح يا سليمان أن تذهب الجائزة لشاعر لم يدع وغير مشارك ولم يحضر حتى لتسليم جائزته، ومن بين الحضور على الأقل شاعران كبيران حقاً هما: عز الدين المناصرة، وعلى جعفر العلاق؟ قال لى: نعم يصح، فليس شرطاً حضور الفائز لتسلم الجائزة؟ فقد كان من ضمن المرشحين سعدى يوسف وأنسى الحاج وأدونيس، لكنهم جميعاً مرضى لا يستطيعون المجىء وركوب الطائرة وتحمل مشاق السفر، قلت له لكن المقالح أيضاً مريض ولم يستطع المجىء فلماذا ذهبت إليه هو؟ وليس أحداً من هؤلاء بما أنهم جميعاً لايطيقون ركوب الطائرة؟ سكت سليمان، وأظنه خجل من أن يقول لى إنه عند ذكر اسم سعدى يوسف قال حجازى «بس ده بيلبس حلق» فى الحقيقة لا أفهم معنى الجملة، أو إلى ماذا يشير حجازى، على أية حال فعل حجازى كل ما يريد ودشن خروجه النهائى من المشهد على طريقة كل الطغاة، فليهنأ بما فعل. وأما الدلالة الثانية فهى الاستسلام الغريب من جيل الشباب، الذى لم يدافع عن وجوده وحضوره، رافضاً فكرة التمثيل الجيلى فى الشعر، وكان قد تم اختيار جرجس شكرى ممثلاً لقصيدة النثر، عدو حجازى الأول، الذى خاض ضدها معركته الشهيرة، ورد إليه الشباب الصاع صاعين، لكن جرجس تضامن مع زملائه ورفض المشاركة من أساسه، وأصدر مع مجموعة من الشباب بياناً يوضحون فيه أسبابهم للانسحاب، اللافت للنظر فيما جرى هذه المرة أن الشباب سابقاً عندما كان يتم تجاهلهم، كانوا يقيمون فعاليات موازية للملتقى الرسمى، ويحرجون به دائماً المؤسسة الرسمية، بل وكان العالم كله يحتفى بفاعليات الشباب، سواء أقيمت فى الأتيليه أم مقر مجلة أدب ونقد، كما جرى مع الدورة الأولى، أم أقيمت فى مقر نقابة الصحفيين، كما جرى فى الدورة الثانية، وكان مؤتمر الشباب دائماً يحظى بنجاح ثقافى إعلامى، أكثر من ملتقى الدولة قبل الثورة، بعد الثورة انسحب الشباب فى هدوء ودون ضجيج، ولم يبادروا إلى إقامة فاعلية لهم يأساً وقنوطاً، فمصر لم يتغير فيها شىء ولن يتغير. ولا أدل على ذلك من أن عنوان الثورة حمل كلمة ربيع مرتين وكلمة ثورة، فإذا بحثت عن الثورة فيما جرى، فالله معك، لأن السادة المتحدثين يتحدثون عن الثورة بأثر رجعى عند أمل دنقل ومحمد عفيفى مطر. الكلام عن ثورة فى ملتقى جاء بعد ثورة حقيقية كان يقتضى أن يكون جيل الشباب فى مقدمة الصفوف، أن يحصى أحدهم ويدرس الشعر الذى كتب فى ميدان التحرير والأغنيات الجديدة التى واكبت الثورة، والمادة كلها موجودة ومطروحة. حدثان كبيران شهدهما هذا الملتقى، الأول هو مؤسسة اليونسكو التى أسهمت بإحضار الشعراء الأجانب على حسابها وهم: جوزيه بيكسوتو، وأوليفر شيبروف وجيزيه سيزوس، ودانتى مارينتشى، لكن السيدة كاترين بوجاياى، سفيرة اليونسكو قالت فى كلمة الضيوف الأجانب فى الافتتاح كلمة عامة مثل أن اليونسكو تهدف إلى مد الجسور الثقافية والعلمية من أجل بناء الروابط والتواصل بينها وبين العالم، وكلمات مثل السلام العالمى....إلخ إلخ، مما أعطى إيحاء بأن اليونسكو تتولى الإنفاق على الملتقى وهو أمر غير صحيح، فكل ما فعلته أن تحملت إقامة الشعراء الأجانب، لكنها لم تأت بهم أساساً من أجل عيون ملتقى الشعر العربى الثالث بل من أجل إقامة احتفالية شعرية على هامش اليوم العالمى للشعر، بالتعاون مع مستشفى 57357، فى المسرح المكشوف، فى يوم ختام ملتقى الشعر الثالث، وبالتزامن مع جلسته الختامية وإعلان اسم الفائز بجائزته، ومعهم بالطبع الصديقان أحمد عبدالمعطى حجازى، وحسن طلب، فضربت السيدة اليونسكو عصفورين بحجر واحد، فهل اكتفت بذلك؟ أبداً، بل أقامت فاعلية ثالثة فى الفندق الذى ينزل فيه ضيوف الملتقى بعنوان: «صحة المرأة الفلسطينية فى قطاغ غزة» حضرها عرب وإسرائيليون، فلماذا لم تذهب بهم اليونسكو إلى غزة ليرى الجميع الأوضاع على الأرض هناك فى غزة؟ فما معنى أن يأتى أوروبيون وعرب من فلسطين وإسرائيل لمناقشة مشكلات غزة فى مصر؟ أم أن اليونسكو أرادت تجميع الكل فى مكان واحد على أرض مصر، التى تتولى وحدها ملف القضية الفلسطينية أو بمعنى أصح ستحل القضية الفلسطينية وحدها. أما فتنة السيدة رغدة، فالموضوع اتخذ أبعاداً أكبر مما يستحق، لا سيما أن التوتر كان سيد الموقف فى هذه الليلة، وفى الأمسية الشعرية الرابعة مساء الأربعاء 20 مارس، وهى أمسية شعر العامية تغيب مقدم الأمسية الرئيسى د. أحمد مرسى، وحلت محله د. فاطمة الصعيدى من جامعة حلوان، ولم تكن تعرف لا أسماء الشعراء ولا أوزانهم الفنية، ولما جاء دور زين العابدين فؤاد، أحد أشهر شعراء العامية، وفى منتصف القراءة طالبته بالتوقف، فأصر على استكمال قصيدته، وهنا هاجت القاعة، ضد الدكتورة فاطمة الصعيدى، واختلط الحابل بالنابل، وتدخل العقلاء وهدأ الأمر، وفى نهاية الأمسية طلبت السيدة رغدة إلقاء قصيدة وهى تلف على رقبتها العالم السورى ويرافقها «أحمد سبايدر» من جماعة «إحنا آسفين يا ريس»، وترافقها أيضاً القناة الفضائية الإخبارية السورية، المهم أن رغدة لم تلق شعراً وإنما ألقت بياناً مناصراً لبشار الأسد، ووصفت نفسها بأنها من الشبيحة، وأن من يحاربون ضد الأسد هم مجموعة من العملاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين فى سوريا، فهجم عليها الشباب لطردها من القاعة وتعالت الأصوات، واشتبك الجميع بالأيدى والكراسى وكل ما طالته أيديه، وصار الأمر خارج السيطرة. هذا الأمر برمته يطرح العديد من الأسئلة، فرغدة اسمها لم يكن مطروحاً ولا مدرجاً ضمن المشاركين، ثم لماذا سمحت لها مديرة الأمسية بالكلام، ولماذا لم تقاطعها عندما سمعت أن ما تقوله ليس شعراً، والسؤال الأهم لماذا نحل مشكلاتنا وخلافاتنا فى الرأى بالأيدى والكراسى؟ فشباب الثورة لم يكونوا على استعداد لسماع أحد، وفى وسط الصخب ترددت جملة الأبنودى الملتحق بقطار الثورة، والذى كان ضمن المرشحين للفوز بالجائزة: آن الأوان ترحلى يا دولة العواجيز».