من بين حشود اللاجئين الذين فروا من سعير النار وعويل البطش، أسرة سورية لجأت إلى غزة، تقول ربة الأسرة، وهي شابة في العقد الثالث من العمر إنها تقطن وزوجها وأطفالها الثلاثة تحت سقف دكان قديم مهجور، منحه لهم أحد المحسنين: ليتها تعود إلى دارها المهدمة، رغم كل البؤس، وكل الرجس الذي يرتكب بحق المواطن السوري، إلا أن صهد الدار أرحم من عار التشرد، وتوسد حصى التيه والحرمان، من رائحة تراب الوطن.. وغير هذه السيدة وعائلتها، فهناك من الحرائر اللاتي أصبحن سبايا، تتوه أمنياتهن في شوارع الضياع، والانصياع، لفراغ مراحل ما بعد الافتئات والشتات، مراحل الاحتطاب في غابات التوحش الإنساني. نقول وبكل صراحة، لو أن أحد طرفي النزاع على السلطة في سوريا المعارضة أو النظام يمتلك رائحة من ضمير حي لاتقى الله في سوريا وتخلص من الادعاءات والافتراءات وظلم ذوي القربى، وتوقف عن إراقة الدماء وهدم المنازل، وتهجير الآمنين، وتحطيم الأمنيات وتهشيم ما تبقى من سوريا. لو أن هؤلاء يعرفون أن الله حق، لأذعنوا لصرخة ابنة سوريا، وسليلة الحضارات العريقة، وألقوا سلاح الموت، وأشهروا سلاح السلام والوئام، فلا أحد ينكر ديكتاتورية النظام السوري، ولكن نقولها للمعارضة، ما هكذا تورد الإبل يا جماعة، سوريا ذاهبة إلى جحيم التفتيت، والشرذمة، وضياع الدولة في دياجير البؤس، والفأل النحس.. نقولها للنظام: يكفي سوريا التأزيم، وتقليم الأظفار، وتحطيم الحوافر، وتهشيم الأواصر، ارحل يا أخي، فلم يعد في قلب سوريا مكان لك، فالمطلوب هو مرحلة جديدة قد لا تكون أقل بؤساً ورجساً، وفألاً سيئاً، ولكن يجب أن نعترف بأنه لا حول ولا قوة، وكما قال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، لقد فاتك القطار، والقطار سريع جداً، أسلحتك القديمة قدم التاريخ، لن تردع الجشع الإقليمي والدولي، في التغيير فالرغبة عارمة، والقوة صارمة، والأجندات حاسمة، والسياسات الجديدة جازمة، ومن يقول غير ذلك، فهو يعيش خداعاً بصرياً. فإذا كانت الثقة معدومة، في المعارضة بنسبة 99%، فإن الثقة في قدرتك على قيادة المرحلة وصلت إلى ال 100%، ولم يتبق لنا سوى أن نعزي حرائر سوريا، وسليلات الدولة الأموية، بفقدان سوريا، كما فقدنا قبلها العراق، والأمر يعود برمته إلى ثقافة شعوب وقعت تحت سطوة التغيير والانتقال من نظام ديكتاتوري إلى ديمقراطي، وللأسف، فإن سنابك خيلها داست على رأس القضية الأساسية، وهي سيادة دول حتى أصبحت هذه الدول طرائق قدداً، ودويلات وطوائف ومللاً، والقادم أخطر إذا لم تعرف حجم الكارثة التي تولدها الحماقات الفكرية، والقدرات العصبية والثورات الهمجية. * نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية