منذ ستين عاما والعرب يجتمعون فى القمم العربية ويتخذون قرارات دون تنفيذها، خصوصا فى المجال الاقتصادى، حيث يتم إعداد ورقات عمل متكاملة وبالتنسيق بين الدول وبعضها البعض ولا يتم تنفيذ هذه القرارات خارج قاعة الاجتماعات السنوية والدورية للجامعة العربية التى تُعقد فى كل عام فى دولة مختلفة، وفى كل اجتماع يحدد المشاركون الصعوبات والتحديات التى لا تحتاج إلا لإرادة سياسية من قادة الدول العربية، لكن لا تخرج هذه المقترحات والتوصيات من الأدراج. ينطبق هذا الأمر على القمم العربية السابقة، وربما ينسحب على القمة المقرر عقدها فى نهاية الشهر الجارى بالدوحة، ويعكس ذلك مدى التخبط فى تنفيذ القرارات والغياب الكامل للإرادة فى تحقيق الحلم العربى، وإقامة السوق العربية المشتركة والوصول للتكامل الاقتصادى العربى الذى صدعت به الجامعة العربية رؤسنا وعدم الإحساس بالتغير العالمى السريع، والسعى لإقامة تكتلات عالمية وإنجاز المشروعات التى تم إقرارها فى القمم العربية، خصوصا بعد إٍقامة أول قمة عربية اقتصادية فى الكويت عام 2009 ، والتى لم تر توصياتها النور حتى الآن. المهندس حاتم صالح، وزير الصناعة والتجارة الخارجية المصرى أكد أنه يجرى حاليا إعداد ورقة عمل متكاملة بالتنسيق بين مصر والدول العربية أعضاء جامعة الدول العربية حول الصعوبات والتحديات التى تعوق استكمال متطلبات البرنامج التنفيذى لإعلان منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والتى تتضمن الاتفاق على تحديد قواعد المنشأ العربية وتحرير التجارة فى الخدمات بهدف التوصل إلى خارطة طريق للوصول إلى الاتحاد الجمركى العربى، وذلك تنفيذا للقرارات الصادرة عن القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، والتى عقدت بالعاصمة السعودية الرياض خلال شهر يناير الماضى، لافتا النظر إلى أن هذه الورقة سيتم عرضها خلال الاجتماع المقبل للمجلس الاقتصادى والاجتماعى تمهيدا لرفعها لقمة الدوحة والتى من المقرر عقدها خلال شهر مارس الحالى. الدكتور أسامة عبدالخالق، الخبير الاقتصادى بجامعة الدول العربية، يؤكد أن غياب الإرادة السياسية للدول العربية يحول دون الوصول إلى التكامل الاقتصادى العربى بين الدول العربية، رغم أن كل الأمور على المستوى الاقتصادى والاجتماعى مهيأة لتحقيق هذا التكامل العربى خصوصا مع توافر الموارد البشرية والمالية والطبيعية والمواقع الجغرافية والثقافية والتاريخية التى لا مثيل لها فى العالم، مشيرا إلى أن اختلاف هذه الإرادة ينبع من تشعب المفاهيم واختلاف المصالح نظرا لأن كثيرا من الدول العربية دخلت فى أحزاب وتجمعات سياسية متأثرة بدول الاتحاد الأوروبى، ولوجود بعض الخلافات بين الدول العربية من الناحية السياسية فضلا عن دخول إيران كعامل مشترك للضغط فى هذا الاتجاه، لأنه ليس من مصلحتها التكامل الاقتصادى العربى، وبالتالى إذا توحدت الدول العربية سياسيا سيتم إنجاز الكثير من القرارات الاقتصادية الخاصة بالتكامل الاقتصادى العربى ولن تكون هناك أية عقبات . ولفت الدكتور عبدالخالق النظر إلى أنه إذا تم التوافق السياسى بين الدول العربية سينعكس إيجابيا على التكامل الاقتصادى العربى، وستكون له نتائج إيجابية لإنشاء تكتل اقتصادى عربى يعود بالفائدة على جميع البلدان العربية، لكن هذا لن يكون على هوى الفرقاء العرب وبعض الدول الأخرى مثل أمريكا وإيران ودول الاتحاد الأوروبى وإسرائيل التى يهمها فى المقام الأول ألا تجتمع الدول العربية ولا تتوحد سياسيا واقتصاديا لتظل حالة الضعف العربى، قائمة لأن أمان إسرائيل مرهون بقوة وتكاتف الدول العربية وتوحدها. وأعرب الدكتور عبدالخالق عن تفاؤله لتحقيق الحلم العربى القديم رغم غياب الزعامة فى الدول العربية حاليا، ولا توجد دولة كبيرة تلتف حولها باقى الدول العربية، كما كان يحدث فى الماضى مع مصر ولذلك فتحقيق الحلم العربى مرهون بالضمير العربى والصحوة العربية، مشيرا إلى أن هناك قوة لم تُختبر بعد ولم تتضح معالمها السياسية فى عدد من الدول العربية التى تغيرت قيادتها وتوجهاتها بعد ثورات الربيع العربى وتغيير مواقفها بعد رحيل بعض القادة السابقين والأنظمة السياسية بها، ومن هذه الدول مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن والعراق وفلسطين ولبنان، مبينا أن هذه الدول قوة تعمل على تغيير الموازين فى الوطن العربى مرجعا ضعف المنظمات العربية والاتحادات المنبثقة من الجامعة العربية للإرادة السياسية للدول العربية، وعدم تسديد التزاماتها لهذه المنظمات وهم ما يؤثر بشكل كبير على التكامل الاقتصادى العربي..ومن جانبه يقول السفير جمال البيومى الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب أن منطقة التجارة الحرة قائمة بالفعل وليست على الورق كما يشاع، حيث تشير الأرقام إلى أن التجارة البينية العربية ارتفعت من 8% إلى 19%، كما استفادت دول كثيرة من التجارة البينية بين الدول العربية، وارتفعت صادرات عدد كبير من هذه الدول بالمقارنة بوارداتها السلعية، مشيرا إلى أن معيار نجاح المنطقة العربية هو نسبة تغطية الصادرات للواردات، ولذلك تغطى الصادرات المصرية حاليا نصف وارداتها من الدول العربية، بعد أن كانت تغطيها بنسبة الثلث وهو تقدم حقيقى فى هذا المجال..وأشار السفير بيومى إلى أن التجارة البينية بين الدول العربية تحسنت وحققت الكثير من النتائج، لكن المطلوب الوصول للسوق العربية المشتركة، والتى تتطلب تحرير حركة الأفراد وهو معوق لم يتم الوصول إلى حله حتى الآن بسبب عدم وجود إرادة سياسية قوية بين القادة العرب، كما أن السوق العربية المشتركة تحتاج إلى تحرير حركة رؤوس الأموال وتجارة الخدمات، بمعنى تشجيع ودعم تجارة الخدمات فى الدول العربية ومنها إنشاء فروع للبنوك العربية فى الدول المختلفة وشركات الطيران والتأمين وغيرها مما يدعم التجارة البينية العربية فضلا عن الانتهاء من إنشاء الاتحاد الجمركى العربى الذى يسهم بشكل كبير فى سهولة التجارة بين الدول العربية والوصول إلى نسبة متوسطة من الجمارك المفروضة على الصادرات والواردات العربية لكى لا يحدث تضارب بين الجمارك فى هذه الدول ..ولفت السفير بيومى النظر إلى أن البيروقراطية التى تعانيها الدول العربية تؤثر سلبيا على إقامة السوق العربية المشتركة، حيث تتخذ بعض الدول العربية قرارات سلبية دون مراعاة الجانب الاقتصادى العربى، لكن لمصلحة جهة معينة كفرض شركة معينة للتصدير دون مقدرتها على تقديم المهمة، مشيرا إلى أن الدول العربية تفتقد حتى الآن لجهاز فض المنازعات بين هذه الدول فى الجامعة العربية وهو ما طالبنا به ولكن دون جدوى. وأضاف أن هناك نتائج كثيرة إيجابية للقمم العربية منها، إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية وطرح عدد من المشروعات التى تسعى إلى التكامل بين الدول العربية مثل مشروع الربط الكهربائى العربى، ومخطط الربط البرى بالسكك الحديدية، والبرنامج الطارئ للأمن الغذائى العربى، والاتحاد الجمركى العربى، وإنشاء صندوق لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة فى الوطن العربى، وغيرها من المشروعات مثل مشروع الربط البحرى، وربط شبكات الإنترنت العربية، وتعزيز قدرات الصناعات الصغيرة والمتوسطة فى المنطقة العربية، للوصول للتكامل الاقتصادى العربى.