نعتذر أننا لم نستطع أن نقدم حياتهم كما رأيناها، لأن الواقع ببساطة أسوأ بكثير مما كنا نتخيل.. الواقع يفوق الألم والقلم الذى يقف عاجزا أمام تلك الكتل البشرية التى تهيم على وجهها فى قلب قاهرة القلوب دون أدنى مقومات الحياة. لا شىء حولهم سوى الفقر والحرمان اللذين نجحا بجدارة أن ينهشا أجسادهم البريئة مغتالين أحلامهم وطفولتهم دون أى هوادة رافعين شعار «البقاء للأقوى والغلبة لقانون الغابة» . شاخت القلوب واسودت الوجوه واتشحت الأيادى الصغيرة بتجاعيد الشقاء والعذاب والتعذيب .. عالم أسود ملىء بالمزاج الأسود اللى من كل نوع وشكل «مخدرات حشيش بانجو أفيون.. كله برشام وهباب أسود وجنس مقزز وأطفال مستنسخة تحمل عار المجتمع كله، تجسد عجزاً وفساداً وطناشاً وقلة حيلة وسوء فهم وإدارة وكذبا بشتى الطرق وبجميع الوسائل من سلطات حاكمة ومنظمات أهلية تستخدم آلام وآهات وصرخات البشر من أجل سبوبة وحفنة من دولارات مشبوهة وأحاديث وتنظيرات وندوات ومؤتمرات وحتى ملفات صحفية ذابت أوراقها ومحيت ألوان أقلامها من جراء فرشها على سفرة الطعام ثم تكويمها تكويما فى صناديق القمامة. لاحياة لمن تنادى.. أُذن من طين والأخرى من عجين .. صراعات سياسية وأزمات اقتصادية وفتن طائفية وعدالة اجتماعية لم تعرف للنور طريقا، وثورة لم تكتمل وعصيان مدنى واتهامات متبادلة بالتخوين واعتقالات من داخلية لا ترحم ومؤامرات وهمية وحرية مزعومة وعدالة مفقودة وبلطجة وسرقة ومولوتوف وحرائق وحوادث. ووسط كل هذه المهازل تجدهم يقولونها عاليا .. ياريت نموت مش يمكن التراب اللى هنندفن فيه يكون أحن علينا من الدنيا دى .. يصرخون فى وجوهنا جميعا إنتم بتعاملونا على إننا كلاب ضالة .. وبحرقة تصم الآذان وبدموع تحجرت فى الأعين يهللون إحنا مالناش دية، هم ببساطة أطفال الشوارع. وها هى سطورنا المقبلة تفتح الملف .. وتنقل الآهات والصرخات والآلام وحتى الجنون وتبقى مجرد سطور فى كتاب أسود طويل تفضح صفحاته المسكوت عنه وتعرى المستور .. فهل من جديد .. هل من آذان تسمع .. هل من صوت يجيب؟