جاءت إلى الحياه تحمل اسم دنيا.. ملامحها التى «كانت» بريئة وجميلة أوحت لأمها أن تسميها دنيا.. أسرتها الصغيرة التى تسكن فى الضاحية المنتمية لمحافظة ساحلية، ربما كانت أحد أسباب ما وصلت إليه حالة دنيا التى تحولت فيما بعد إلى «أبوصلاح». أم حسناء، وأب يحاول توفير جميع طلباتها التى لا تنتهى، فعمل كموزع لتجار المخدرات واشتهر فى منطقته إلى أن قبض عليه وصدر عليه حكم بخمسة عشر عاماً، وطلبت الأم الطلاق وتزوجت ثريا خليجيا وسافرت وتركت طفلتها ذات الثمانية أعوام وحيدة مع عمها .. لم تستوعب دنيا نوم عمها بجانبها كل ليلة وعبثه بكل أجزاء جسدها الصغير.كانت تضحك وتفهم أنه يلعب معها، فهى تراه خط الأمان الأخير المتبقى لها بعد سجن والدها وزواج أمها وسفرها، إلى أن جاءت اللحظة الفارقة وتجرد الأب البديل من أى معنى إنسانى وتحول إلى حيوان يلتهم فريسته وقام باغتصاب ابنة أخيه .. فاقت دنيا لترى دنيا سوداء تحول فيها صمام الأمان إلى أسوأ كابوس تخيلته الصغيرة.. خرجت من منزله ولم تعد إليه مرة أخرى .. خرجت إلى الشارع .. وهناك تعلمت اللعبة الرسمية لأطفال الشوارع .. الاستغماية .. بينها وبين باقى أفراد مجتمعها .. هم فى دور العميان .. لا يرونها ولا تلفت انتباههم حتى لو كانت تستغيث بهم فى وجوههم، هم لا يرونها ولا يعترفون بجودها وهى تعلم أنها غير مرئية وتمارس حياتها فى الشوارع التى تعتبرها غرفتها الخاصة فلا أحد يراها .. مجتمع يعاملها كالحيوانات الضالة لا قيمة ولا حق لها، وهى تعامله على أنه غير موجود .. لا تستغيث بهم فهى تعلم أنهم لن يغيثوها .. مازلنا نتحدث عن دنيا بصيغة المؤنث؟ لم تعد دنيا الفتاة الجميلة التى كانت عليها .. أدركت هى منذ أن اغتصبها عمها أن جمالها هو سبب عذابها فتحولت إلى «أبوصلاح» عندما ترى هذا الكائن المتحول لن يخطر ببالك ولو لثانية واحدة أنها فتاة فى أوائل العشرينيات. سترى شابا متسولا بملابس رثة. حليق الرأس بطريقة تشبه مجرمى الأفلام الأمريكية. تتحدث بصوت خشن ساعدها على الوصول لنبرته شربها للسجائر والمخدرات والبيرة والخمور .. تجلس بجوار الفتيات الصغيرات المتسولات لتحميهن من أى رجل يحاول التحرش بهن .. آثار التعذيب الذى تعرضت له خلال اثنى عشر عاماً بالشوارع تبدأ من رأسها التى لا يخلو جزء منه من خياطات وغرز نزولا على باقى أجزاء جسدها الذى «علم» عليه تارة بالمطاوى والسنج .. تحاول أن تختبئ داخل هيئة الرجل وصوته وملابسه .. تعتبر نفسها محظوظة إذا باتت ليلة كاملة بدون حفلة .. نعم هى أيضاً تحضر حفلات ولكن حفلات أبوصلاح عادة ما تقام على «شرفها» . شرفها الذى لم تعد تعرف له معنى .. كل ليلة بعد انصرافنا إلى بيوتنا وإغلاق الأبواب علينا التى نغلق معها أصوات ضمائرنا تبدأ الحفلات الليلية. لا تستبعد أن تكون إحدى هذه الحفلات قد أقيمت تحت شرفة غرفتك .. طقوس الحفلة لا تتغير فهى مقدسة فى عرف الشارع. مهما حاولت تغيير مكانها فإنهم يعثرون عليها. مجموعة لا تقل عن عشرة رجال.. يقومون باغتصابها أمام بعض ويتنافسون من سيعذبها أكثر. هى لم تعد تصرخ .. تأكدت أن لعبة الاستغماية بينها وبين باقى أفراد مجتمعها قد حُدثت وأضيف إليها بجانب العمى الإرادى خاصية الطرش الإرادى .. لا أحد يراها ولن يسمع استغاثتها أحد .. تظل تنظر إليهم وهم يتناوبون عليها ككلاب نتنة تنهش فى جسدها .. يتركونها عارية ومتسخة بفضلاتهم ويرحلون .. عارفة يا أبلة أنا بعمل ريجيم علشان.. قالتها وهى تبتسم ولكن رجيم أبوصلاح يختلف قليلاً عن الأنظمة الغذائية التى يتبعها بنات جنسها ممن هم فى نفس عمرها .. هى لا تنوى فقد وزن كى تلبس مقاساً أقل ليناسب مقاسات مصصمى أزياء الممثلين .. هى تريد فقد وزنها كما تقول «علشان أعرف أجرى أستخبى» ... يا أبلة أنا عارفة إن ده شعب جبان .. بصى .. قامت بوشم على ذراعها كتبت عليه «حاكم ظالم وشعب جبان». فتاة صغيرة تحمل اسم دنيا تحولت بسبب حيوانية عمها وإجرام أبيها وجشع أمها إلى شابة فى العشرينيات باسم وصوت وهيئة رجل تستخدم نهاراً كبلطجية أحياناً بالإيجار وليلاً يستخدم جسدها ليتحول إلى صرف غير صحى لفضلات حيوانات مجتمعها .. أنا باخد برشام يا أبلة وبشم كًُله وبشرب بيرة .. عارفة البرشام ده هيعمل فيا إيه؟ أنا عارفة خليت واحد يقرالى، قالى إنه هيخلينى أتعمى وأتشل بعد كام سنة أنا نفسى أتعمى يا أبلة .. قالتها وهى تبتسم .. نظرت إلى أبوصلاح وقلبى يكاد أن ينخلع من هول ما أسمعه، وهى تنظر لى وتبتسم! كيف لها أن تبتسم؟ هل تبتسم لأنها تعلم أن الله سيحاسبنا عليها وعلى من هم مثلها ومن الواضح أنهم ليسوا قليلين، هل تبتسم لتوصل لى رسالة أنها ستظل هى المثال الحى على سلبيتنا وجبننا، هل تبتسم لى لأنها كشفت كم نحن جميعاً عديمو النخوه والإحساس وكلنا سبب لعذابها اليومى ؟ شىءٌ من الخجل أم أنّكم ما عدتم تخجلون.