تعجب المصريون عندما رفع الرئيس الإيرانى نجاد، إصبعيه السبابة والوسطى فى الهواء أمام عدسات المصورين وهو محاط بشيوخ الأزهر الشريف، وتساءلوا ترى ماذا يقصد الرجل بعلامة النصر هذه التى يفعلها أينما حل وذهب؟ وعلى من انتصر بالضبط، وتضاحكوا بخفة دم المصريين قائلين: ربما جاء لخوض مباراة سياسية مع د. مرسى ويأمل فى الفوز، وقال البعض إنه نصر المجىء إلى مصر وزيارة الإمام الحسين والسيدة زينب أخت الحسين، فمصر عشق للكثيرين جداً ومطمع. ولأنها حركة فى غير محلها، ولأن الرجل أولاً وأخيراً ضيف، برغم انتقادات البعض السياسية، وضيق البعض الآخر وعدم ترحيبه بالضيف الإيرانى لما يفعله فى سوريا، فإن المصريين كعادتهم متسامحون كرماء، يكبرون أدمغتهم فى أمور كثيرة حتى تمضى الحياة، ولكن ما أثار الدهشة هو أن الرئيس الشيعى رفع نفس الإصبعين وهو يصلى فى ضريح السيدة زينب رضى الله عنها، وهو جالس فى التشهد الأخير كما يفعل أهل السنة برفع إصبع واحد للدلالة على التوحيد، وهنا تفجرت الشكوك والظنون وطلب تفسير ذلك. وتدفقت الأسئلة: هل ما حدث من أصابع نجاد مجرد حركة من حركات مخالفة الشيعة لأهل السنة، وهى كثيرة؟ بعد البحث والاقتراب من المشهد الفكرى تجلت الحقيقة تقول: إن المسألة غير ذلك تماماً، وليست حركة عفوية أو علامة انتصار، فليس هناك ما يدعو لذلك، وليس الرجل مدرب فريق كرة القدم الإيرانى، وقد انتصر على الفريق المصرى مثلاً وإنما الحقيقة المرة التى لخصتها إجابته للصحفيين ب «اللغة العربية» لم نتفق على ذلك، لمن سأله: هل سينفذ ما طلبه منه شيخ الأزهر بإقلاع علماء الشيعة عن سب الصحابة الكرام وخصوصاً أبى بكر وعمر، وكذا الإمام البخارى؟ والمعلوم أن الشيعة يتقربون إلى الله بسبهم، بل شيدوا ضريحاً ضخماً فخماً لأبى لؤلؤة المجوسى، قاتل الخليفة الثانى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ويحتفلون بمولده كل عام، ويعدونه بطل الأبطال الذى خلص الإسلام والمسلمين من الطاغية عمر، تانى ثلاثة اغتصبوا الخلافة من الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه برغم أن للإمام على أبناء غير مشهورين من غير فاطمة رضى الله عنها بأسماء أبى بكر وعمر وعثمان، ولهم أضرحة بالعراق، ولكنهم بعد رحيل صدام حسين غيروا أسماءها إلى «بكر وعمران وعون». وحتى لا نتهم أحداً بالباطل فخير شاهد عليهم أئمتهم وأحاديثهم وكتبهم، وهى كثيرة ومنها تقريب المعارف للحلبى وكتاب الكافى الشريف، وكتاب بحار الأنوار، وإذا أردنا مثالاً ففى كتاب شفاء الصدور الجزء الثانى قولهم: «من لعن الجبت والطاغوت أبا بكر وعمر لعنة واحدة كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة، ومحا عنه سبعين ألف ألف سيئة. والحديث طويل وملىء بمثل هذه الأقوال. وحديث آخر فى كتاب تقريب المعارف فى صفحة 245 ما نصه: «روى الشيخ الجليل أبى الصلاح الحلبى رضى الله عنه سنده عن أبى الخراسانى عن مولى لعلى بن الحسين عليهما السلام قال: كنت مع على بن الحسين فى بعض خلواته، فقلت إنى لى عليك حقاً، ألا تخبرنى عن الرجلين، عن أبى بكر وعمر؟ فقال: كافران، كافر من أحبهما. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر، فمن المعلوم فى كتب السيرة والتاريخ ومنها كتاب الطبقات لابن سعد، إن عدد أولاد الإمام على 14 من الذكور و 19 من الإناث من عشرة أزواج بعد وفاة فاطمة رضى الله عنها، ومن الطريف أن إحدى الزوجات وهى أسماء بنت عميس الخشعمية قد تزوجها أبوبكر ومات عنها فتزوجها عمر وبعد موته تزوجها الإمام على، وأنجب منها يحيى وعثمان. ومن الطريف أيضاً برغم إنكار الشيعة أن عمر بن الخطاب قد تزوج أم كلثوم ابنة على بن أبى طالب. نعود إلى أصابع نجاد المرفوعة بما يوحى علامة النصر لنكتشف حسب عقيدة الشيعة أن رفع الإصبعين ما هو إلا رمز على لعنة أبى بكر وعمر، وقولهم فى ذلك: اللهم العن صنمى قريش أبى بكر وعمر وفى كتب الشيعة التى من أشهرها «مفتاح الجنان» أن أبى بكر وعمر كانا كافرين كفر إبليس. فهل فعلها نجاد ليرد بها على ما قام به د. مرسى من الترضى عندما ذهب إلى طهران فى مؤتمر دول عدم الانحياز أخيراً، وقال فى مستهل كلامه: «ورضى الله عن سادتنا أبى بكر وعمر وعثمان وعلى» وكهرب أجواء المؤتمر بتلك الترضية. وبهذه الحركة من نجاد يكون قد ردها على الرئيس المصرى، واحدة بواحدة كما يقول المثل وتصبح النتيجة التعادل واحد واحد؟ أما ما يجعل الرئيس الشيعى يرحل إلى بلاده منتصراً ويكون قد أحرز هدفاً آخر فى شباك أهل السنة، هو ما نجحت فيه السفارة الإيرانية فى مصر من تغيير كسوة مقصورة الإمام الحسين وإزاحة القماش الأخضر المريح للعين والنفس إلى كسوة يعمها اللون الأسود الشيعى ليبكى عليها الرئيس الإيرانى. تبقى حقيقة تنقشها مصر على جبين التاريخ لمن تلعب برأسه الأمنيات الغريبة، تقول: «إن كل من ذهب إلى مصر .. تمصر» يعنى أصبح منها ولم تصبح هى منه، وخير مثال الجامع الأزهر الشريف الذى يقود الوسطية السنية فى العالم أجمع، كان قد بناه الشيعة الفاطميون لينشر مذهبهم