فى رحم الموت الطبيبان الشهيدان رانيا فؤاد وعلاء عبد الهادى والطبيبة المسحولة غادة كمال وعشرات المصابين وغيرهم الكثير من الأطباء الذين قدموا تضحيات كثيرة من أجل إنقاذ أرواح الثوار والإيمان بأهداف الثورة والإصرار على تحقيق مطالبها، فهم ثوار بمهنة أطباء ... فعلى مدار عام كامل منذ اندلاع ثورة 25 يناير قرروا أن يضحوا بكل ما هو غال ونفيس من أجل الاشتراك فى التغيير.. هم الأطباء فى ميدان التحرير وكل ميادين المواجهات فى مصر الذين عاشوا أياما وشهورا وسط النيران وضحوا بأنفسهم لإنقاذ الأرواح وسط جو خيم عليه الموت من كل مكان، وكانت أصوات الرصاص وأنين المصابين هى الموسيقى المصاحبة لعملهم ليل نهار ورائحة الدماء والغاز المسيل للدموع مازلت تملأ أنوفهم .. يحكى الدكتور الصيدلى ميلاد وليم المسئول عن مستشفى سفير الميدانى عما ذاقه هو وزملاؤه من تعذيب وإهانات وضغط نفسى ومحاولات خطف مستمرة ومكالمات تهديد وتعذيب بالكهرباء لجعلهم يتركون الميدان ويقول على مدار الشهور الماضية وزملاء كثيرون مثله أعمالهم، وطلبة الطب والصيدلية تركوا كلياتهم من أجل البقاء بشكل مستمر فى الميدان ومساعدة المصابين، مشيرا إلى تقديم تضحيات كثيرة تصل حد الاستشهاد موضحا أن شهداء الأطباء فى الميدان حسب علمه وصلوا إلى أربعة أطباء منهم الدكتورة رانيا فؤاد وطالب الطب علاء عبدالهادي، بالإضافة إلى طبيب يدعى محمد سامى والذى قتل فى أحداث محمد محمود أيضا وترددت أنباء عن أن جثته قد اختفت ولا علم هل هذه حقيقة أم أنها مزاعم؟ ويتذكر وليم أجواء العمل وسط النيران والموت، قائلا: الأطباء كانوا يقسمون أنفسهم إلي3 مجموعات، الأولى تدخل وسط أماكن الضرب لعمل الإسعافات السريعة للثوار والمجموعة الثانية تعمل داخل المستشفى الميدانى للحالات الحرجة والمجموعة الثالثة من الأطباء كانت تعمل على معالجة الأطباء زملائهم، فقد كان كثير من الأطباء يغشى عليهم من التعب الشديد أو من رائحة الغاز أو من الطوب الذى يضرب عليهم أثناء تأدية عملهم. ويضيف أن الأطباء المتطوعين فى المستشفى الميدانى كانوا أحيانا لا ينامون إلا نادرا بسبب المصابين الذين يتوافدون إليهم بسبب أحداث مثل أحداث شارع محمد محمود أو أحداث مجلس الوزراء وكان عدد المصابين لا نهائي، فكل دقيقة يأتى أكثر من3 حالات وكل ثانية تمر كانت فارقة فى عمر أى مصاب مؤكدا أنه فى هذه الأحداث العصيبة وتوقع الموت فى أى لحظة جعل من الأطباء المشاركين أكثر قوة وتحمل لأى صعاب، والتفانى من أجل الإيمان بفكرة التغيير. أما الدكتور سيد سمير طبيب المخ والأعصاب المتطوع مع مجموعة من زملائه من مستشفى قصر العينى لمساعدة الثوار فتذكر الحالات المرضية التى كانت تأتى للمستشفى الميدانى المتطوع بها فكان أكثرها إصابات اختناق خطيرة وكثيرا ما كانت تنقلب هذه الأعراض إلى تشنجات قد تؤدى لموت المصاب على الفور إن لم يتم إنقاذه موضحا أن كثيرا من الأطباء المتطوعين فى الميدان قد حصلوا على تدريبات ميدانية فى جمعية أطباء بلا حدود وتم تدريبهم على عمل المستشفيات الميدانية وأن أحداث 25 يناير أعطت خبرة كبيرة لهؤلاء الأطباء فى التعامل فى ظل الأزمة وكيف يقوم الطبيب بتأمين نفسه وتنظيم العمل بنظام ورديات للأطباء وتوزيع المهام خصوصا أن العمل يحتاج للسرعة والدقة فى نفس الوقت. وعلى الرغم من حماية الثوار للمستشفى الميدانى فقد كان يتم مهاجمة تلك العيادات والمستشفيات فى نصف الليل من قبل البلطجية ويحاولون ضرب الأطباء وسرقة الأدوية والمعدات الطبية، وذلك حسب ما رواه الدكتور سمير الذى أكمل والألم يملأ تضاريش وجهه: أكثر ما يقهر الطبيب موت مريضه خصوصا إن عجز عن إنقاذه بسبب الإمكانات الطبية وهذا ما حدث مرارا وتكرارا خلال العام المنصرم فى كل الأحداث التى صاحبت الثورة ووسط ميدان التحرير. ويتذكر بحزن الدكتور محمد محيى الدين أستاذ المخ والأعصاب بكلية الطب بجامعة القاهرة، تلك الذكريات التى مازالت قريبة ويضيف أن الأبشع موت خيرة شباب مصر بدون حق وعلى أيدى مواطن آخر مثله، ويشير إلى الإصابات البشعة والمؤلمة التى أصيب بها الثوار خلال كل أحداث المواجهات مع الشرطة أو الجيش أو البلطجية، هى وسام شرف على جبين كل ثائر، وأكبر مثل على هذا البطل الدكتور أحمد حرارة الذى فقد عينيه الاثنتين وغيره الكثير ممن ضحوا بأرواحهم وأعينهم وصحتهم للدفاع عن الثورة وأهدافها. ويتذكر أستاذ المخ والأعصاب بإعجاب طرق الثوار المتعددة المبتكرة لمواجهة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى والحجارة فى المواجهات بينهم وبين الحكومة، وكيف قاموا بابتكار رش مكون من المياه والخميرة لمعالجة المصابين من تأثيرات الغاز وصمموا أغطية بالسلك لحمايتهم من الرصاص المصوب على الوجه والعين، مشيرا إلى الموتوسيكلات التى أطلق عليها الثوار الإسعاف الطائر والذى كان حلا سريعا لنقل المصابين لأن سيارات الإسعاف لا تستطيع الدخول إلى الأماكن الضيقة أو التى يتم إطلاق قنابل الغاز فيها إضافة إلى الحرائق التى أشعلها المتظاهرون والتى كانت سببا فى تقليل أثر الغاز، موضحا أن تلك الأساليب لم تحدث من قبل فى أى دولة فى العالم وهذا إن دل يدل على ذكاء الشعب المصرى وإصرار الثوار على استكمال الثورة حتى تتحقق مطالبهم. ويشاركه نفس الإحساس والدكتور هشام عبد الغفار أستاذ أمراض النساء والولادة والذى شارك فى أحداث الثورة منذ يومها الأول وشاهد أحداثها يوما بيوم ويقول: ما قدمه الأطباء الشباب من تضحيات هو درس ليس فقط لكبار الأطباء المشاركين بل للشعب المصرى كله. ويتذكر عبد الغفار بداية إنشاء أول مستشفى ميدانى فى مسجد عباد الرحمن يوم 28 يناير، وتجمع نحو 500 طبيب فى خلال أيام لمساعدة المصابين ثم فى يوم موقعة الجمل تم إنشاء العيادات الصغيرة نظرا إلى بعد مكان الضرب نسبيا فى ميدان عبد المنعم رياض ومكان المستشفى الميدانى أمام الجامعة الأمريكية، مضيفا أن كبار الأطباء كانوا يعملون مثلهم مثل أطباء الامتياز فى خياطة الجروح وإيقاف النزيف، والكل يعمل على نفس رجل واحد نساء ورجال وشباب وكبار السن، موضحا أن الثورة كانت السبب فى عمل الأطباء فى ظروف شبيهة بظروف الحرب وهو الأمر الذى لم يتعامل معه معظم الأطباء المصريين، مؤكدا أن العمل وسط النيران وأجواء الموت هو أعظم خدمة إنسانية يقدمها الطبيب. برغم أنهم على الجانب الآخر قد يكونون سبب إصابات الثوار كان الأطباء يهتمون بإصابة الجنود والبلطجية ويقومون بمعالجتهم بشكل مهنى بحت والكلام يرجع لأستاذ النساء والولادة، ويتذكر أنه عالج بعض البلطجية يوم موقعة الجمل ومثله الكثير، أما عن الإمكانات المتاحة للأطباء للعمل داخل ميدان التحرير فيقول إنها فى بادئ الأمر كانت متواضعة جدا، أما فى الفترة الأخيرة وصل الأمر بتبرعات الناس والرجال الوطنين إلى كم هائل من الأجهزة الطبية والأدوية التى قد لا تكون متوافرة فى الوحدات الصحية الحكومة نفسها. أربعة انتخابات نزيهة فى مصر شهدت مصر ثلاث انتخابات فقط شهد جميع المؤرخين بنزاهتها الكاملة، اثنينان منها قبل ثورة 1952 وواحدة بعد الثورة ورابعة بعد ثورة 25 يناير 2011، وكلها أعقبتها انتخابات لجأت فيها الحكومة للتزوير لاستبعاد المعارضة التى تحظى بمؤازرة الشعب. الانتخابات الأولى 1924 جرت هذه الانتخابات فى أجواء تاريخية بعد ثورة 1919، حيث أصدرت بريطانيا تصريح 28 فبراير الذى يعطى استقلالا نسبيا لمصر، وكذلك صدر دستور 1923. وفى 23 يوليو 1923 ألغيت الأحكام العرفية، وخاض الوفد بزعامة سعد زغلول الانتخابات فى يناير 1924 وجاءت النتيجة أن فاز الوفد فوزا ساحقا وحاز على غالبية مقاعد البرلمان، بينما نجح عدد قليل من حزب الأحرار الدستوريين برئاسة عبد الخالق ثروت، وشكل سعد زغلول وزارة برئاسته، فكان أول مصرى من أصول ريفية يتولى هذا المنصب وسميت وزارته بوزارة الشعب. انتخابات 1950 الانتخابات النزيهة الثانية جاءت فى ظروف مختلفة، فقد كان من مصلحة بريطانيا أن يتولى الوفد رئاسة الوزراء، لأنه القادر على التحكم فى الحركة الوطنية بعد تدهور شعبية فاروق، أما فاروق فقد رأى أن يقوم بلعبة سياسية تحسب له بعد تدنى مركزه، وذلك بتخفيف حدة الهجوم على الوفد وإبداء مرونة فى دخول الوفد فى وزارة قومية، وفى نفس الوقت رأى الوفد أن من مصلحته الملاينة مع فاروق للوصول إلى الوزارة، ومن ثمار هذا التقارب دخول الوفد فى وزارة حسين سرى القومية التى استمرت حتى جرت الانتخابات فى 3 يناير 1950 وفاز فيها الوفد بأغلبية ساحقة، وبذلك قام النحاس بتشكيل الوزارة الرابعة للوفد والأخيرة لمصطفى النحاس. الانتخابات الثالثة 1976 وفى عهد جمال عبد الناصر دخلت الحياة النيابية فترة كمون طويل لم تخرج منه إلا عندما أعاد السادات التعددية الحزبية وقامت انتخابات 1976 وهى الانتخابات النزيهة الثالثة التى جاءت بشخصيات عارضت سياسة السادات، وخصوصا اتفاقية كامب ديفيد، وانتهى الأمر بحل المجلس عام 1979 وإقامة انتخابات أخرى جرى فيها التزوير على نطاق واسع لتأتى بمجلس نواب وافق على اتفاقية السلام مع إسرائيل باستثناء صوت واحد، هو صوت المستشار ممتاز نصار، عضو مجلس النواب عن دائرة البدارى أسيوط، وهى الدائرة الوحيدة التى لم تفلح الحكومة فى تزوير أصواتها. الانتخابات الرابعة 2011 وهذه أول انتخابات حرة بعد ثورة 25 يناير 2011 التى قيل عنها الشعب أسقط النظام.