الدكتور عاطف البنا، أستاذ القانون وعضو الجمعية التأسيسية السابق، يرى أن مشروع الدستور المصري الجديد أفضل الدساتير، وأنه سيخرج مصر من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، ويرفض وصف القوى السياسية بأنه يحيل رئيس الجمهورية إلى ديكتاتور بتمكينه كل السلطات التنفيذية والتشريعية ، وأن سلطات الرئيس في الدستور الجديد ثلث سلطاته في دستور 71 ، وأن المواد التفسيرية هي ما تتصل بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الحوار يجيب عن تساؤلات عديدة حول الأحداث التالية للاستفتاء على الدستور. * ما رأيكم فيما يحدث في الشارع المصري الآن من انقسام؟ يحدث بعض الاعتصامات والخلافات وغيرها، والمفروض أن ينتهي هذا الوضع بعد أن بدأنا في إيجاد مؤسسات دستورية منتخبة: مجلس شعب وشورى رئيس منتخب، ولكن مع الأسف تعطل مجلس الشعب والفترة الانتقالية أوشكت على الانتهاء بعد أيام، وما يثير الناس حاليًا أن بعض القوى السياسية تقول إن "الشعب" يريد وهم أقلية تحرك فئات مختلفة من المجتمع ومعهم الشباب.. ولا أدري كيف تحركها وهؤلاء يعارضون الإعلان الدستوري، رغم أنه ينتهي إذا وافق الشعب على نص مشروع الدستور إذا وافق الشعب في الاستفتاء. * وماذا عن تجمهر أعضاء الحرية العدالة أمام المحكمة الدستورية ومنع القضاة من ممارسة عملهم؟ - لست مع التظاهر أو التجمع أمام المحاكم، وأتمنى ألا يحدث ذلك، ولكنها ظاهرة وجدت في هذه الفترة، وحزب الحرية والعدالة أعلن أنه لم يصدر أي أوامر لأنصاره بالذهاب إلى المحكمة. ويوجد مندسون، مثلما يتحدث الثوار عن مندسين يضربون بالمولوتوف والحجارة. * المستشار زكريا عبد العزيز طرح فكرة أن يجمد الرئيس الإعلان الدستوري، ويمد عمل الجمعية التأسيسية لمدة أسبوعين لتلقي المقترحات حول المواد الخلافية في مسودة الدستور للوصول إلى نقطة اتفاق والخروج من الأزمة الحالية. فكيف ترى هذا الاقتراح؟ - مع الاحترام للصديق العزيز المستشار زكريا عبد العزيز، أنا لست مع هذه المطالب في شقيّها، مسألة تجميد الإعلان الدستوري وتمديد عمل الجمعية التأسيسية التي أنهت عملها بتسليم مشروع الدستور إلى رئيس الجمهورية ولم تعد تملك الجمعية أن تخط حرفًا واحدًا في الدستور، فهي لها مهمة محددة وعملت خلال خمسة أشهر ونصف الشهر في لجان متخصصة وأخرى للصياغة، وفي اجتماعات اللجان اليومية واجتماعات الجمعية الأسبوعية، وبالتالي من يقولون إن الدستور "سُلِق" تعبيرات سخيفة وكاذبة وتنبو عن المنطق والأدب، وبعضهم كان في الجمعية لبعض الوقت وأيضًا الكنيسة المصرية شاركت في بعض الجلسات، ويعرف جميع المنسحبين؛ أنه كان هناك توافق على كل المواد التي كانت محل نقاش، وبعض المنسحبين ومنهم ممثلو الكنيسة وغيرهم لدينا صور لأوراق وقّعوا عليها، بينها أسماء كبيرة منها من كان وزيرًا سابقًا في العهد السابق لمدة عشر سنوات، ثم أصبح ثوريًا لأنه ترشح للرئاسة، وينتظر الترشيح للرئاسة قريبًا، وليس هناك مبرر لهذه الأعمال التي يقومون بها عبر وسائل الإعلام المختلفة. * إذا رفض القضاة الإشراف على الاستفتاء.. من سيشرف عليه؟ - سيقوم بذلك الدعاة والمحامون. * وماذا لو جاءت نتيجة الاستفتاء ب"نعم" ؟ - الإعلانات الدستورية كلها، التي صدرت من المجلس الأعلى للقوات المسلحة والرئيس ستنتهي في اليوم التالي لإعلان نتيجة الاستفتاء، وتنتقل السلطة التشريعية إلى "مجلس الشوري" لحين انتخاب مجلس النواب خلال شهرين ثم يعاد انتخاب مجلس الشورى بعد ذلك. * وإذا جاءت النتيجة ب"لا" هل ستسقط شرعية الرئيس؟ - المسألة محسومة بأن تستمر الفترة الانتقالية لحين تشكيل جمعية تأسيسية جديدة، وأعتقد أن هذا يستغرق وقتًا طويلاً، بسب تلك القوى التي تريد أن تسيطر على كل شيء، فإذا قيل "لا" سيظل الرئيس يمارس السلطة التنفيذية والتشريعية وسلطة وضع إعلانات دستورية وتعديلها، وستبقى الفترة الانتقالية لسنوات لن تقل عن عامين، كما أن انتخاب جمعية تأسيسية توافقية وتشكيلها سيأخذ وقتًا أيضًا. * يعيب البعض كثرة مواد مشروع الدستور الجديد، وأن منها ما هو شارح لمواد أخرى، كما توجد قوانين تقر بعضها. فلماذا كل هذه المواد ال 234 ؟ - كل الدساتير في العالم تضع المبادئ الأساسية، وتترك التقييم والتفسير للقانون، ودستور 71 مواده كانت أيضًا بمثل هذا العدد، وبعد الثورات من الممكن أن تتضمن الدساتير تفسيرًا لبعض المواد، وأن أكثر المواد طولاً في الدستور الجديد هي المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وليس هناك كلام زائد. والدستور هو أبو القانون. * البعض يرى أن مسودة الدستور الجديد تتضمن عددا من المواد يصفونها ب"تصفية حسابات" من الإخوان المسيطرين على الجمعية والساحة السياسية الآن من المجتمع. فما رأيكم؟ - تعبير "تصفية حسابات" سخيف من عدة نواح: أن الإخوان ليسوا أغلبية في الجمعية التأسيسية، بل يمثلون 33 % من الأعضاء، وإذا قلتِ إن كثيرين توجهمهم إسلامي، لأنهم يصلون ويصومون، فليس هناك سيطرة لفصيل معين، والحرية والعدالة والإخوان لا يمثلون أغلبية في الجمعية، والخلافات بينهم وبين الأحزاب السياسية في أمور كثيرة، ولا يتفقون في أمور كثيرة، وقد يتفقون ويختلفون مع سلفيين أيضًا، إذن فليس هناك سيطرة لاتجاه محدد، كل من قال بذلك هم من كانوا أعضاء في الجمعية وانسحب، ومنهم أسماء كبيرة.. "كاذبون". * وهناك أيضًا عدد من القوى السياسية يرى بعض المواد تعظيم سلطات رئيس الجمهورية وتجعله – من وجهة نظرهم - يعلو فوق القانون.. إذ هو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس هيئة الشرطة ومجلس الدفاع الوطني ومجلس الأمن القومي، وبيده حل مجلس الشعب وإلغاء أحكام.. فلماذا؟ - إطلاقًا.. إطلاقًا .. إطلاقًا، سلطات رئيس الجمهورية في مشروع الدستور لا تصل إلى ثلث سلطاته في دستور 71 ، حيث كانت سلطات الرئيس واسعة، وكانت في التطبيق مطلقة، فيما أن السلطات الموجودة في نص الدستور الجديد لا تزيد على قصر السلطات التي كانت مقررة في ظروف استثنائية، والتي كانت تعطيه سلطات واسعة جدًا، المادة 74 من دستور 71 التي كانت تعطي الرئيس إذا حدث ما يفسد الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أن يتخذ إجراءاته، وعلى هذا الأساس قام أنور السادات بمذبحة للمجتمع كله في 3 و5 سبتمبر 1981 واعتقل 1536 شخصية، منهم من كانوا وزراء قبل ثورة 1952 ومنهم وزراء من عهد جمال عبد الناصر، ووزراء في عهده هو، وقيادات إسلامية ومسيحية، هذه المادة (74) غير موجودة في مشروع الدستور الجديد.. وفيما يخص إسناد للرئيس حل مجلس الشعب، إذا حل المجلس تنتقل سلطة التشريع إلى مجلس الشورى، ولا تسند إلى الرئيس إلا إذا كان مجلس الشورى غير موجود، وفي النظم البرلمانية أو النظم المختلطة يكون حل مجلس الشعب، لفكرة التوازن، والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والنتفيذية، وأشد وسائل رقابة على الحكومة هي سحب الثقة من الوزير بل من الحكومة كلها، في مقابل هذا يوجد حل مجلس النواب وهو ليس بدعة، وهو مواز لعملية سحب الثقة، والحل فيه الاحتكام إلى استفتاء الشعب، يرتبط في الدساتير خلال مدة ستون يومًا، لحين دعوة انتخاب مجلس جديد، والنقطة الثانية الحل الذي نص عليه الدستور بعد استفتاء الشعب على قرار الحل، بل وقورن هذا بنص شديد وخطير وغير موجود في أي دستور بالعالم –النص الثاني- إذا استفتي الشعب على حل مجلس النواب ولم يوافق، يجب على الرئيس أن يقدم استقالته.. وفيما يخص رئاسته لمجلس الشرطة فهي شرفية ليحضر احتفالاتهم. * ينتقد كثير من الإعلاميين والصحفيين رفض الجمعية التأسيسية إلغاء الحبس على النشر، ويعتبرون ذلك "تصفية حسابات" بينهم وبين الأعضاء الإخوان، ويخشون أن يتكرر ما تم من إقصاء رئيس تحرير جريدة الجمهورية أو منع البث عن القنوات المعارضة لهم ؟ - لا حصانة لأحد ضد المساءلة القانونية، سواء كان صحفيًا أو رجل إعلام، الصحفيون كانوا أوردوا نصًا لمنع الحبس على جرائم النشر، والرئيس كان أصدر قانونًا ألغى الحبس الاحتياطي بالنسبة للنشر، والحبس الاحتياطي هو إجراء وقائي لصالح التحقيق في الحبس، وإلغاء الحبس الاحتياطي معقول، لكن العقوبة لا يجوز إلغاءها أبدًا، لأن الحبس الاحتياطي في يد النيابة وإجراؤه يجوز، وإنما لا يجوز أن أعفي صحفيًا أو أحمي مرتكب جرائم النشر، التي هي أكثر خطورة على الرأي العام ولا يجوز أن أعفيه، لكن منع الصحف أو وقفها لا يجوز إلا بحكم قضائي، وغير كاف أن أعاقب الصحفي أو الجريدة بالغرامة، في الوقت الذي توجد فيه صحف وقنوات ممولة بالمليارات ومسئوليها من الفلول، وكلما يرتكب جريمة ضد أحد يقوم بدفع غرامة أو تعويض.. أما الرقابة على النشر فلا تسري إلا في حالة الحرب أو التعبئة العامة، وهي رقابة محدودة للحفاظ على الأمن القومي. * تردد في بعض وسائل الإعلام أنك وضعت الإعلان الدستوري.. فما حقيقة ذلك؟ - غير صحيح، ولم أعلم به إلا من الصحف، وأوافق عليه كله.. وعمل الجمعية التأسيسية كان مؤقتًا، وتحصينها انتهى بتقديم مسودة الدستور إلى رئيس الجمهورية.