تصوير: عماد عبدالهادى - أثارت الصورة العارية تماما لفتاة تدعى علياء المهدي, والتى نشرت بمواقع التواصل الاجتماعى على النت, زوبعة كبيرة ولا تزال محل جدل كبير، كما ظهر فى نفس الوقت فيديو لها مع صديقها والذى يدعى كريم، وقد تم ضبطهما فى وضع مخل بإحدى الحدائق، وهما يطالبان بحقهما فى ممارسة الحب والجنس ويرفضان أن تكون هناك عقوبات تنال كل من يفعل ذلك فى الأماكن العامة، ولا تقتصر دعوات التحرر على ما قامت به علياء وصديقها كريم بل إن مواقع الفيس بوك والمنتديات تزخر بمثل هذه الدعوات التى تطالب بالحرية الجنسية، وأحدثها جروب بعنوان «كلنا علياء المهدي». البعض يرى أن ذلك ما هو إلا رد على دعوات التشدد التى تمارسها الجماعات الإسلامية والسلفيون، وآخرها ما قام به حازم شومان وهو داعية سلفى بمحاولة منع هشام عباس من الغناء فى إحدى الحفلات، لأنه يرى أن الغناء حرام وحذر من الانسياق وراء تلك الحفلات، التى وصفها بالمنكر, علاوة على ما تحفل به المنتديات من تهديدات للمتبرجات والمطالبة بمنع النساء عن العمل، وعدم اختلاطهم بالرجال, وفرض النقاب عليهن, وتحريم السياحة والتمثيل والغناء, وأيضا كرة القدم باعتبارها مضيعة للوقت، ومحاولة هدم الأضرحة والمطالبة بهدم التماثيل لأنها حرام وشرك بالله وأن المعابد الفرعونية ما هى إلا معابد للكفر، وإغلاق البنوك لأنها تمارس الربا وكذلك القنوات التليفزيونية فيما عدا التابعة لهم، وفرض الجزية على المسيحيين أو طردهم، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل تفقد مصر أهم صفاتها والتى اتسمت بها عبر تاريخها وهى الاعتدال، وأنها فى طريقها إلى التطرف وأن الغلبة ستكون للتيار المتطرف الأقوى؟ فى البداية يقول د. عادل محمد هريدي، أستاذ علم النفس كلية الآداب جامعة المنوفية: التطرف يخلق تطرفا مضادا, والفترة السابقة على الثورة، كانت فترة كبت للحريات، وخصوصاً فيما يتصل بالجانب السياسي, وهذا جعل التيار الإسلامى بكل أطيافه محظورا وممنوعا من ممارسة حقه فى التعبير, وفى المقابل كانت هناك حالة لميل كثير من الشباب الصغير نحو التغريب ومحاكاة الغرب فى بعض الأشياء، كهروب من الإحباطات المتوالية, ولكن ومع قيام ثورة يناير وما تبعها من انطلاق للحريات إلى مدى غير مسبوق، وبدون أى قيود, فقد دفع ذلك، كل طرف إلى التطرف، ودائما السلوك مرهون بحاجات الإنسان وتوقعاته المستقبلية, فإذا كان هناك شخص يمارس الاعتدال ولكنه يجد شريكه فى المجتمع وقد بدأ يتطرف على النحو الذى يلحق به الأذى ويحد من حرياته التى يعتقد فيها، يتحول على الفور إلى التطرف فى الاتجاه المعاكس .. ويعزز من التطرف لدى كل تيار إذا كان المنطلق الأيدلوجى لديه أحادى الرؤية سواء كان دينيا أو سياسيا, حيث يرى أنه هو الأوحد والأصوب الذى لا يقبل التعديل والمشاركة من الآخر, وهذا ما نراه يمارس وعلى نحو سافر وعنيف وحاد من التيارات الإسلامية كافة, وهو ما قابله استنفار فى الاتجاه المقابل بالتطرف المضاد من الليبراليين وكل من يناهضهم من الإسلاميين، وإن كنت أشك فى موضوع الصورة العارية هذه وأستبعد حدوثها لأنها فعل أخرق ومجنون، وأميل لكونها استخدمت من خلال اللعب عليها بالفوتوشوب من أحد التيارين لتشويه الآخر وبالتالى فهى لعبة سياسية غير نظيفة عبثت بها بعض الأيادى المشبوهة بهدف تشويه أحد الطرفين بيد الآخر أو بعنصر مدسوس بأجر من الآخر، خاصة أن كل الثورات يعقبها حالة من الهذيان, تماما مثل الذى يدخل لإجراء جراحة كبيرة يخرج منها وهو يهذي, ولكن للأسف طالت حالة الهذيان التى تعيشها مصر, وكان لابد من الطبيب المشرف على الجراحة عقب الثورة أن يمارس من الإجراءات المشروعة ما يعجل الإفاقة وانتهاء الأعراض الهذائية وهذا ما لم يحدث، وما أخشاه على مصر أن تتعالى وتتزايد الحشود من الجانبين, ويقف كل منهما فى اتجاه الآخر، لذلك أتوقع دخول مصر مرحلة من أشد مراحل حياتها خطورة. تضامن إسرائيلي وبرغم ما أعلنته الصحف ووسائل الإعلام من قيام 40 امرأة إسرائيلية بخلع ثيابهن وتصويرهن عاريات تضامنا مع المدونة المصرية علياء المهدي، وتشجيعهن للمصريات بالتضامن معها، بشكل يهدد المجتمع المصرى فإن د.على المكاوي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة ومدير مركز البحوث والدراسات الاجتماعية يرى أن مصر ستظل بخير, وكل ما يحدث حاليا ما هو إلا نتيجة لمرور المجتمع المصرى بمخاض عسير, وهذا أمر طبيعى لأن لكل ثورة فى العالم تبعاتها وضحاياها، وأن الثورة المصرية تعد الأنقى مقارنة بغيرها من الثورات التى حدثت فى روسيا ورمانيا أو فى أى دولة عربية، كما لا أخشى من الدعوات الدينية التى يخافها الكثيرون فهذا أمر طبيعى خاصة أن المجتمع المصرى منذ 60 سنة وهو موجه ضد الدين الإسلامى من الداخل والخارج، لذلك تقابل دعوات الجماعات الإسلامية وكل من يريد التحدث بالدين بالخوف والاتهام بالرجعية والتخلف.. بعد أن ظلت الأنظمة السابقة بكل ما لديها من وسائل إعلام تهاجم هؤلاء وتعمل على استبعادهم ووأدهم وفى المقابل تفسح الساحة للعرى والراقصات ولاعبى الكرة، وللاتجاهات الأخرى التى تناهض الإسلاميين وتعمل على تشويه صورتهم وأنهم سيعودون بالمجتمع لعصر الجمل، وأنهم سيأخذون الجزية من الأقباط، وهم كلام غير صحيح فالدين الإسلامى يدعونا لبناء كنائس المسيحيين من بيت مال المسلمين, ويضمن لهم السلامة والأمان والرعاية, علاوة على أن هناك أطرافا علمانية ومناصرة للفكر الغربى تدعو للحداثة التى هى فى مفهومها الغربى تعنى إزالة كل ما هو إسلامى وعربى ووضع ما هو غربى مكانه، وبرغم كل ذلك فمصر مهما حدث بها من تطرف, محظوظة بحفظ الله لها، وهى طوال تاريخها تعرضت للسرقة والنهب ولا تزال بخير ورائدة وستستمر إن شاء الله، فالمجتمع المصرى ذو حضارة وإذا بحثت به عن الإيجابيات والسلبيات ستجدها فيها, وهذا ليس مقلقا لأن أى مجتمع صاحب حضارة لابد أن نجد فيه كل الأنماط, كما أننا مجتمع بشرى ولسنا مجتمع ملائكة. الثورة الأولى وما يحدث حاليا من تشدد دينى مرت به مصر من قبل وخصوصاً عقب الثورة الاجتماعية الأولى، هذا ما يؤكده الدكتور على أحمد الشريف، أستاذ تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر, ولكنه ينفى فى نفس الوقت اتجاه المرأة للإباحية بحجة التحرر بل كانت مثلا افتتن به المؤرخون اليونان والرومانيون حيث يقول: لقد شهدت مصر عقب الثورة الاجتماعية الأولى وسقوط الأسرة السادسة المصرية سنة 2780 قبل الميلاد، حالة تشابه تماما ما نعيشه الآن بعد ثورة 25 يناير، وبعد أن وقف المصرى القديم نتيجة غياب العدالة أمام الملك وطالبه بأن يتنحى من مكانه، كما تسللت أيدى العامة فى هذا الوقت إلى الأهرام ونهبوا ما فيها من كنوز الملوك، ليس هذا فحسب بل وصل بالإنسان المصرى أنه لم يكن يصل إلى رغيف الخبر إلا بإراقة الدماء, وكان الأخ يقتل أخاه والابن يقتل أباه من أجل الحصول على الخبز، وفى نهاية الأسرة الرابعة حدث صراع بين السلطة الزمنية المتمثلة فى الملك ويمثلها حاليا المجلس العسكري، والسلطة الدينية المتمثلة فى الكهنة ويمثلها حاليا الإخوان والسلفيون، قد انتهى هذا الصراع بتمكن الطبقة الدينية من السيطرة على الحكم وتأسيسها الأسرة الخامسة الفرعونية. وطول التاريخ المصرى لم يحدث ما حدث هذه الأيام من هذا المجون والخلاعة بالتعرى الذى ظهرت به إحدى الفتيات تحت ستار الدعوة للتحرر، فالمرأة فى مصر القديمة وصلت إلى أعلى درجة من الحرية ليس بعريها ولكن بحصولها على حقوقها كاملة, لدرجة أن المؤرخين من اليونانيين والرومان كانوا يحسدونها على ما وصلت إليه حيث تميزت على قريناتها فى اليونان والرومان وفى بلاد فارس بالحصول على ما لم يحصلن عليه، فكان على سبيل المثال، من شروط الزواج طاعة الرجل للمرأة وأن تكون العصمة فى يدها، أما ما حدث من الفتاة المصرية الحالية فهو لا يخرج عن كونه تخليا عن القيم والمبادئ التى نادت بها الأديان السماوية جميعها.