يمارس الشاعر المغربى « حسن نجمى» العمل العام، بجانب الكتابة الإبداعية، فقد ترأس اتحاد كتاب المغرب فى الفترة مابين عامى 1998 و 2005، كما تولى مسئولية بيت الشعر المغربى، ويشغل حاليا موقع مدير هيئة الكتاب والمطبوعات. يتراوح منجز “ نجمى “ الأدبى بين الشعر والرواية، فقد أصدر عدة دواوين منها “ سقط سهوا “ و “ حياة صغيرة “ و “ على انفراد “ وله روايتان هما “ الحجاب و “ جيرترود “ إضافة إلى حوارات طويلة أصدرها فى كتب، منها كتاب عن الشاعر المصرى أحمد فؤاد نجم. “ الأهرام العربى “ أجرت هذا الحوار معه أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة. كيف ينظر المثقفون المغاربة للمشهد السياسى فى مصر منذ قيام ثورة 25 يناير حتى اللحظة الراهنة ؟ تابعنا فى المغرب الثورة المصرية منذ انطلاقها حتى اليوم، وامتلأنا بروحها، وتعلمنا من منجزها التعبوى والتنظيمى على الأرض ، لكن الأساس أن نتعلم من أفقها الفكرى والأخلاقى ، كنا ومازلنا مشدودين إلى مصر وأفقها الثورى، وحريصين على ألا تصبح هذه الثورة مفردة، وألا تسرق من صناعها وأهلها، وألا تحيد عن اختياراتها المؤسسية وأفق الأمل الواسع ، الذى رسمته للمصريين وللعرب جميعاً. عندما زرت مصر بعد الثورة أدركت أن هناك حالة خوف على مصير هذه الثورة المجيدة، بل تخوف شديد من أن يقطف ثمارها فصيل سياسى واحد، ويلغى الآخرين، وشخصياً أتفهم هذه الحالة ، وأدرك تماماً أن بإمكان الشعب المصرى الذى خرج فى يناير أن يخرج إلى الشارع من جديد ، ليعترض على كل من يتوهم أن بإمكانه أن يضع يده على ثورته أو يستعملها لحسابه الخاص، وبالتالى لا أظن أن الإخوان المسلمين يفتقدون الذكاء المطلوب ، كى يرتكبوا نفس الأخطاء التى ارتكبها النظام السابق ، الإخوان المسلمون ليس بإمكانهم إعادة كتابة تاريخ مصر كله ، أو إعادة رسم الخريطة الاجتماعية للشعب المصرى وإنما عليهم أن يديروا الدولة المصرية بما يصون لمصر مكانتها الإستراتيجية، وقوتها المرجعية فى الوطن العربى، مصر ليست فى حاجة إلى المزيد من العثرات والأخطاء لا إلى حرب طواحين الهواء، هى فى حاجة إلى عقلاء يعرفون كيف ينتمون إلى التاريخ وكيف يصنعون مستقبلهم، أتصور أنه لا معنى لاتخاذ التدابير التى تنتقم أو تخوض حروبا صغيرة ضد أشخاص وحالات من الاختلاف الفكرى والثقافى والسياسى. كان بيت أبو القاسم الشابى محرضا على ثورات الربيع العربى فهل يمكن القول إن الشعر أدى دوره ؟ الفعل الثورى العربى الجديد لم تصنعه قصيدة الشابى، وإنما تضافرت جملة من المعطيات السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية التى جعلت الشرارة الأولى تنطلق من تونس، برغم أن الظروف الثورية كانت تؤكد أن الشرارة الأولى ستنطلق من مصر، أعتقد أن هذه الثورات لم تنبثق من فراغ ، وإنما استندت إلى تراكم تاريخى وثقافى وفكرى وسياسى ، وإلى ركام من التضحيات الجسيمة فى ظل دولة القهرالسياسى. لماذا هجرت عالم الشعر لتكتب الرواية ؟ الانتقال إلى الكتابة الروائية لايعنى توقفى عن كتابة الشعر وهجرته، لعل الحقيقة أننى كتبت الرواية بروح الشاعر وبنفس الشعر ، لم أتخل أبداً عن وضعى الاعتبارى كشاعر ولكن الكتابة تختار أشكالها، هناك قدر كبير من روح المغامرة فى كتابتنا الأدبية، أحياناً تعثر على الفكرة ثم تعثر الفكرة على شكلها لا أحد يزعم بأنه يهيئ شكلاً أدبياً، ويبحث له عن أفكار لأن الأمرلايتعلق بقوالب جاهزة، هذا التنقل بين الأجناس الأدبية، لا يعنى أنه اختراق للحدود الجمركية القائمة ، لكنه تنقل للخبرة الإبداعية واستثمار للقدرات الذاتية. ماذا تقصد بأن الكتابة هجرة مفتوحة ؟ عندما نكتب كتابة أدبية حقيقية، نحن نحقق أنواعاً من الانزياح عن الواقع، وعن اللغة اليومية وعن أنفسنا، هناك قدر من الاختلاف عن الواقع وعن القوانين والمعايير، وهناك قدر من الجنون فى التجربة الأدبية، نحن نكذب فى الكتابة، ولكننا لا نستطيع أن نكذب فى الواقع، نلتزم أخلاقياً داخل المجتمع والمعايير السائدة، لكننا نقوم بجملة من الانتهاكات داخل نصوصنا الإبداعية. بعد روايتك الأولى “الحجاب" كتبت أخرى بعنوان “جرترود"وهى روائية أمريكية فما الذى دفعك لتكتب رواية عنها؟ جاءت الفكرة من مصادفة ولقاء عابر مع سيرتها الذاتية التى كتبتها فى بداية الثلاثينيات من القرن العشرين “السيرة الذاتية لأليس توكلاس"عندما اقتنيته فى منتصف الثمانينيات من أحد باعة الكتب المستعملة فى الدارالبيضاء، وما تضمنته من إشارة إلى زيارة جيروترود وصديقاتها إليس إلى مدينة طنجة 1912 هناك التقيت شاباً مغربياً عرفها على المدينة وأسرارها، لكنها لم تشر إلى هذا الشاب إلا باسمه محمد فقط, فظل يسكننى هاجس العثور عليه ذات يوم ولذلك كلفت نفسى بأن أشيد هويته المفتقدة ومن ثم كانت سيرته المتخيلة، أساساً للبناء الحكائى والسردى فى هذه الرواية ، فمشروع هذه الرواية الذهاب من التاريخ إلى المتخيل والعودة من المتخيل إلى الواقع ، كتابة انتصرت لنفسها فكتبت الرواية تحت أنظار القراء، عندما يقرأ القارئ النص يجد نفسه يرافق الراوى خطوة بخطوة، وهو يجمع المادة الأولى والمعطيات الضرورية لكتابة سيرة محمد ، وما إن يصل إلى نهاية الرواية يجد الراوى يعلق فى الجملة الأخيرة ، مخاطباً صديقه الغائب قائلاً لقد وعدتك بأن أكتب كتاب حياتك وقد كتبته و"هاهو". صنف النقاد هذه الرواية على أنها نوع من المحاكاة الساخرة فما تعليقك؟ لا أظن أن هذه الرواية عبارة عن محاكاة ساخرة، للواقع والتاريخ لربما كانت أقرب إلى ما يسمى فى الخطاب الشعري بالمعارضة الشعرية ، كأنها معارضة سردية لنص سردى سابق هو نص “جيروتريد"لكن هناك ما هوأعمق من ذلك وهو أنها رواية متخيلة بامتياز، تشتغل على مادة من الواقع التاريخى ، رواية تعيد الحياة إلى شخصية مجهولة وتعيد بناء شخصية “جيروترود"لتقدمها بعد نسيان طويل، إلى قراء جدد وإلى طرائق جديدة من التلقى والتفاعل. تشغل حاليا منصب مدير هيئة الكتاب والمطبوعات فى المغرب، من خلال عملك ما المشاكل التى تواجه صناعة الكتاب؟ الثورة العربية أخرت الكتاب العربى على عكس ما قد نتصور فقد اختلت عدة إمكانيات لتداول الكتاب العربى التى كانت سائدة قبل الربيع العربى مثلما تأخرت السياحة والرواج الاقتصادى لكنها مرحلة عابرة كما أتوقع ، قبل أن تعود الأمور إلى نصابها لكن ما أتمناه أن تأتى الحالة الثورية العربية الراهنة بروح جديدة إلى الكتابة والتأليف وسوق النشر وإلا لن تكون هناك حالة ثورية حقيقية. دائما تنتقد المشهد الثقافى وتعيب عليه تقديسه للماضى، وأنه لا يتطلع إلى المستقبل إلا فى حدود ضيقة فلماذا؟ لا آخذ على الآخرين أن يتأملوا الماضى ويعيدوا قراءته وتمثله، وإنما أخشى على نفسى والآخرين أن تتملكنا حالة من الحنين والبكائية أو حالة ردة فى خطابنا وفى نظرتنا وسلوكنا الثقافى ، لايمكن لمشروعنا الثقافى الوطنى فى المغرب أن يكون مشروعا سلفيا ، وإنما ينبغى أن يتجه إلى المستقبل، وفى هذه الحالة كل ممارسة ثقافية وطنية جادة هادفة لا يمكنها إلا أن تكون ممارسة تقدمية تفكر فيما يأتى هذا هو ما ألح عليه ، أما التاريخ فلا نستطيع أن نتخلص منه، لابد من التاريخ لكى نصنع مستقبلنا ونبنى أنفسنا التاريخى كوعى وتراكم ودرس مفتوح للأجيال وللتجارب المتلاحقة. هل للشعر وظيفة تواصلية تقوم على إعادة الأشياء العابرة؟ وهل يمكنه الاقتراب من الفن التشكيلى؟ هوية الشعر فى الأساس أن يشتغل على العابر والوهمى وغير المألوف والهش وعلى التفاصيل التى لا ينتبه إليها الآخرون فى حياتهم اليومية ، لكن الشاعر الجيد هو الذى ينجح فى الارتقاء بكل هذا اليومى العابر إلى مستوى من الأسطورة والبناء المتعالي"