لا تظهر الأزمة السياسية في العراق أي مؤشر على الانحسار بعد شهر من سعي الحكومة التي يقودها الشيعة إلى اعتقال طارق الهاشمي النائب السني للرئيس مما أثار مخاوف من احتمال انزلاق العراق إلى صراع طائفي مجددا في ظل غياب القوات الأمريكية التي كانت تمثل قوة عازلة. لجأ الهاشمي الذي اتهمه نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الشيعي بتشكيل فرق اغتيالات إلى كردستان العراق حيث نزل ضيفا على الرئيس الكردي. ولم ترد حكومة كردستان العراق على طلبات بغداد بتسليمه. وأدت هذه الخطوة ضد الهاشمي إلى جانب محاولة المالكي إقالة نائبه السني صالح المطلك الى مقاطعة الكتلة العراقية التي يدعمها السنة للبرلمان والحكومة. وشكل هذا ضغطا على الائتلاف الهش بين الشيعة والسنة والأكراد الذين يشكلون معا حكومة لاقتسام السلطة بزعامة المالكي. وحدث عدد من أسوأ الهجمات التي تستهدف الشيعة في أواخر العام الماضي عقب هذه الأزمة مباشرة مما يهدد بانهيار الحكومة الائتلافية التي استغرق العراقيون وقتا طويلا في تشكيلها وربما يزيد من تفاقم الانقسام الطائفي في البلاد. وفيما يلي بعض السيناريوهات المحتملة.. استمرار المالكي في مساره يطالب الهاشمي المتهم بتشكيل فرق اغتيالات بعدم محاكمته في بغداد حيث يحكم المالكي سيطرته على النظام بل في مدينة كركوك شمالا وهي من الناحية الرسمية تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد لكن الأكراد يتمتعون فيها بنفوذ. ويؤيد مسؤولون أكراد مطالبه فيما يبدو. وقال المالكي إن الهاشمي لابد أن يحاكم في بغداد. ورفضت هيئة قضائية طلب الهاشمي بنقل القضية. ومع عدم وجود مؤشر على تسوية سريعة لقضية الهاشمي فإن حكومة المالكي التي يقودها الشيعة ستعمل فيما يبدو على استغلال الانقسامات الواضحة داخل الكتلة العراقية. وتعكف كتل سياسية على الاعداد لعقد مؤتمر للمساعدة على حل الازمة السياسية لكنه قد لا يعقد هذا الشهر. ويقول بعض الساسة إن المؤتمر يمكن أن يخفف من التوترات ويتيح لأعضاء مجلس النواب السنة حفظ ماء الوجه والعودة إلى وظائفهم وانهاء المقاطعة. وفي محافظة صلاح الدين التي تسكنها أغلبية من السنة بدأت محاولة للحصول على المزيد من الاستقلالية عن بغداد تكتسب ثقلا لكن من غير المرجح التوصل إلى قرار سريع. وتم توزيع التماسات وهي خطوة لازمة دستوريا لإجراء استفتاء على الحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي. ويحاول حلفاء المالكي من الشيعة استغلال الازمة للفوز بمناصب حكومية أو نفوذ داخل الوزارات ومجالس المحافظات والإفراج عن سجناء. كما قد تستغل كردستان العراق وجود الهاشمي والدعم الضروري للمالكي كورقة تفاوضية للحصول على تنازلات في نزاعاتهم الحالية مع بغداد حول النفط والأرض ونصيب المنطقة من الميزانية العامة. ومن الممكن أن تزيد الخطوات التي تقوم بها الحكومة من مشاعر العزلة السياسية بين السنة مما يؤدي إلى هجمات من جماعات متشددة بما في ذلك القاعدة. وفي حين أن بعض المحللين والساسة يعتقدون أن المشكلات الحالية يمكن ان تؤدي إلى تقسيم العراق إلى مناطق سنية وكردية وشيعية على المدى الطويل فإن النتيجة على المدى القريب من الممكن أن تعزز سلطة الأغلبية الشيعية. تفتت الكتلة العراقية أدت الخطوات التي قامت بها الحكومة ضد الهاشمي والمطلك إلى الضغط على الكتلة العراقية وهي كتلة فضفاضة تتألف من طوائف عدة وهي عرضة منذ زمن لخطر الانهيار. ولا يلتزم كل أعضاء الكتلة بمقطاعة البرلمان والحكومة.. إذ حضر ثلاثة وزراء اجتماعا حكوميا هذ الأسبوع. ولا تلقى محاولات العراقية لحشد التأييد في البرلمان لإجراء اقتراع لحجب الثقة عن المالكي تأييدا. إذ لا يوجد دعم للشخصيات البديلة لتولي منصب رئيس الوزراء. حصلت الكتلة العراقية على 91 مقعدا في الانتخابات التي أجريت في مارس اذار عام 2010 لكن مجموعتين من النواب انفصلتا.. إحداهما مجموعة من 11 من الشيعة ومن العلمانيين السنة يطلقون على انفسهم اسم الكتلة "العراقية البيضاء" والثانية تحالف من ستة من السنة العلمانيين. وربما تنضم إليهما مجموعة ثالثة تضم 14 عضوا. وقررت الكتلة خلال اجتماع عقد امس الأربعاء الاستمرار في المقاطعة. لكن اياد علاوي زعيم العراقية لمح إلى ضرورة إقالة المالكي أو إجراء انتخابات مبكرة في حالة عجز المؤتمر الوطني العراقي عن تحقيق السلام. وفي حالة تفكك العراقية تماما ربما يحصل المالكي على ما يريد فيما يبدو وهو حكومة أغلبية بمساعدة الأكراد دون اتخاذ المزيد من الخطوات ضد الكتلة المدعومة من السنة. لكن إشراك الكتلة العراقية في الحكومة الائتلافية يعتبر أمرا حيويا لمنع التوترات الطائفية ومن الممكن أن يؤدي إقصاؤها إلى تفاقم مخاوف السنة. المزيد من الهجمات منذ انسحاب القوات الأمريكية يوم 18 ديسمبر كانون الأول وبدء الأزمة السياسية شهد العراق بعضا من أسوأ الهجمات خلال العام الماضي. ففي 22 ديسمبر كانون الأول تسببت أكثر من عشرة تفجيرات منسقة في مناطق تسكنها أغلبية شيعية من العاصمة في سقوط 73 قتيلا واصابة 200 . وقتل انتحاري يوم السبت أكثر من 50 شخصا وأصاب 130 بينما كان يعبر زوار شيعة نقطة أمنية في مدينة البصرة بالجنوب. وكان الكثير من الهجمات التي وقعت في الآونة الأخيرة تحمل البصمات المميزة لجماعة تابعة لتنظيم القاعدة في العراق والذي ربما يكون هدفها استعراض عضلاتها وسط الازمة السياسية. ويقول مسؤولو أمن أمريكيون وعراقيون إن قوة الجماعة تراجعت كثيرا في السنوات القليلة الماضية لكن ما زال لديها القدرة على تنفيذ بعض الهجمات الكبيرة. وأعلنت جماعة عصائب أهل الحق الشيعية التي أصبحت من الأطراف الرئيسية في ساحة المعارك العراقية خلال السنوات القليلة الماضية أنها ستلقي السلاح وتنضم للعمل السياسي كفصيل معارض. لكن الإعلان أثار غضب مقتدى الصدر رجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة الذي تمثل حركته السياسية حليفا مهما لكن غير مستقر للمالكي في البرلمان. ووصف الصدر عصائب اهل الحق بأنهم قتلة لا مكان لهم في السياسة. وحذر مسؤولو أمن من التوترات واحتمال اندلاع العنف بين التيار الصدري وعصائب أهل الحق في الشوارع حيث يوجد للصدر أتباع مخلصون. ومن الممكن ان تؤدي عوامل مثل تجدد عمليات حركات سنية مسلحة أو الصراع بين ميلشيات شيعية أو تدخل دول مجاورة في إطار التفاعلات بين السنة والشيعة بالمنطقة إلى تجدد العنف في العراق حيث ما زالت قوات الأمن التي أعيد تشكيلها تحاول التكيف مع الوضع دون وجود قوات امريكية.