- رسالة قوية بالتفاف العرب والمسلمين حول الاستقرار جاءت القمم العربية والإسلامية والخليجية الثلاث التى استضافتها مدينة مكةالمكرمة الخميس الماضي، لتؤكد قوة وسلامة الموقف العربى والالتفاف العربى والإسلامى الكامل حول الممكلة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية الشقيقة، فى مواجهة المخاطر الإيرانية المتزايدة بعد محاولة المساس بناقلات النفط فى ميناء الفجيرة الإماراتي، والتى خلصت غالبية التحليلات الأمنية بما فيها الجيش الأمريكي، إلى أن إيران وحلفاءها يقفون وراء هذه التفجيرات، وأن الحرس الثورى الإيرانى هو من نسق كل هذه العمليات الإرهابية، ناهيك أن ميليشيا الحوثى اعترفت علناً باستهداف خطوط إمداد النفط شرق السعودية، فما رسائل قمم مكة الثلاث؟ وكيف يمكن البناء عليها لتعميق السلام والاستقرار فى مواجهة دعاة الفوضى والحروب فى المنطقة؟ وهل حققت القمم الثلاث الردع السياسى والدبلوماسى الذى يمنع الحرب قبل وقوعها؟ 1 المؤكد أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لعقد القمم الثلاث فى رحاب مكة الطاهرة، وفى الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان الكريم، جاءت لتؤكد المكانة الرفيعة التى تحظى بها المملكة العربية السعودية على جميع المستويات العربية والخليجية والإسلامية والدولية، فالسعودية هى محور استقرار منطقة جنوب غرب آسيا، وهى الدولة العربية الوحيدة ضمن أكبر 20 اقتصادا فى العالم، ويدين لها العالم بالفضل فى استقرار سوق النفط العالمية على مدار أكثر من 80 عاماً، بالإضافة إلى وجود الحرمين الشريفين فى أراضيها، وهو ما جعل المملكة العربية السعودية تحظى بمكانة خاصة فى العالمين العربى والإسلامي، ولذلك عندما تتعرض ناقلتها للنفط للضرر من جانب ميليشيات موالية لإيران فى المنطقة، وفق الخلاصة التى توصل لها الجيش الأمريكى تسابقت الدول العربية والإسلامية لحضور قمم مكة الثلاث، لتؤكد دعمها للحق العربى فى مكافحة ورفض كل المشروعات المشبوهة التى تعمل على تقويض الأمن القومى العربي، وأن هذا الحضور الرفيع للقمم الثلاث والترتيبات المحترفة للقمم، أثبتت مدى المكانة التى تحظى بها المملكة العربية السعودية فى عقول وقلوب الشعوب العربية والإسلامية والخليجية، لأن المملكة تنطلق فى مواقفها السياسية من التزام أخلاقى ودينى رفيع ينتصر للقيم الإنسانية، ويعلى من الحلول السياسية والسلمية ويبتعد كل البعد عن الحلول العسكرية، لكن إذا ما اقتضت الضرورة القيام بعمل عسكرى يتفق مع هذه المبادئ، ويتسق مع الشرعية الدولية والقانون الدولى فإنها لا تتأخر عن ذلك، وخير دليل على ذلك عاصفة الحزم التى انطلقت فى 26 مارس 2015. 2 التوقيت المناسب لقمم مكة الثلاث بعد أن تحولت التهديدات الإيرانية الكلامية، بإغلاق مضيق هرمزإلى سلوك على أرض الواقع من خلال تحريك ميليشياتها لتنفيذ عمليات إرهابية ضد السفن السعودية وسفن أخرى فى ميناء الفجيرة العالمي، وتحريك الحوثيين لإطلاق طائرات مسيرة ضد خطوط نقل النفط فى السعودية، ولذلك سرعة الدعوة من جانب خادم الحرمين الشريفين ، والاستجابة العربية والإسلامية، دشنت مرحلة جديدة من العمل العربى المشترك تقوم على التضامن فى مواجهة الأخطار، وعدم التساهل فى مواجهة العمليات الإرهابية التى تقوم بها إيران، فهناك شعور متزايد فى المنطقة العربية، بأن إيران مارست خلال الشهور الماضية تنمرا سياسيا غير مسبوق من خلال المعلومات التى كشفها القائم بوزير الدفاع الأمريكي، التى كشف فيها إحباط محاولات إيرانية لاستهداف القوات الأمريكية وحلفاء فى واشنطن فى المنطقة. 3 جددت الدول العربية والإسلامية والخليجية دعمها الكامل وغير المشروط وعلى إدانتها لكل السلوكيات الإرهابية الإيرانية فى المنطقة، التى تستهدف الأمن القومى العربي، وأن رسالة العرب والمسلمين كانت قوية بأن الدول العربية تقف صفاً واحداً فى مواجهة الخطر الإيرانى، الذى يتفاخر بأنه سيطر على 4 عواصم عربية هى بيروت والعراق ودمشق وصنعاء، وأن القرار من المشرق إلى المغرب العربى يأتى بتوجيهات إيرانية مزعومة، وتأكيد نائب القائم العام للجيش الإيرانى، أن إيران نقلت ثقافة جيشها فيما اسماه بالمقاومة إلى الدول العربية المجاورة، فى أكبر تحد علنى من إيران لزعزعة الاستقرار فى المنطقة، وتشكل الدعم العربى والإسلامى للملكة والإمارات بحقوقها الكاملة فى الدفاع عن مصالحها، وانحياز العالم كله ضد التصرفات الإيرانية، فإيران وضعت سقفا زمنيا تهدد به الدول الأوروبية للانسحاب من الاتفاق النووى ، كما انسحبت طهران من بعض الالتزامات التى وافقت عليها عام 2015. 4 شكل التحرك الدبلوماسى والسياسى السعودى والإمارتى بصحبة أشقائهم العرب والمسلمين حكمة سياسية بالغة فى تفويت الفرصة على إيران بإشعال حرب إقليمية جديدة، وفى نفس الوقت حشر إيران فى الزاوية من خلال تعريتها سياسياً ودبلوماسياً وجعل كل الدول العربية والإسلامية والخليجية شاهدة على سلوكيات وتصرفات إيران، وظهرت هذه الحكمة السياسية من خلال ترحيب دول كبيرة حول العالم بما صدر عن قمم مكة الثلاث، التى اعتمدت على القانون الدولى ومبادئ حسن الجوار وعدم جواز التهديد بالقوة، وهو ما ينسجم مع قيم الدول المتحضرة فى تحقيق السلام والتنمية والابتعاد عن الحروب والدمار. 5 أصبح الزخم العربى والإسلامى لموقف الإمارات والسعودية فى قمم مكة الثلاث منصة سياسية لموقف دولى يمكن التوصل إليه فى الفترة المقبلة، فالبيانات الصادرة من القمم الثلاث يمكن أن تشكل بداية لتحرك عربى إسلامى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، لتوسيع دائرة الإدانة للسلوك الإيرانى وتهوّر الملالى، باستهداف سفن نقل النفط فى منطقة حيوية من العالم تشكل الخزان الأكبر للطاقة، كما أن الممرات المائية التى تشرف عليها الدول العربية تمر من خلالها أكثر من ثلث الصادرات البحرية للطاقة حول العالم ، ولذلك القضية ليست سعودية أو حتى عربية، لكنها قضية عالمية بامتياز. 6 أثبتت قمم مكة الثلاث، أن المملكة العربية السعودية والعرب دعاة سلام واستقرار، وأن أى حرب فى المنطقة ستكون طهران المسئولة حصريا عن اندلاعها، وأن مواصلة إيران لنفس السلوك القديم سيواجه بقوة من كل هذه الدول العربية والإسلامية والخليجية، وأنه فى الوقت الذى تهدد فيه طهران بالأسلحة العلنية والسرية، فإن الدول العربية تنتهج الطريق السياسى والدبلوماسى، وتشكيل جبهة عريضة رافضة لسعى إيران نحو نشر الفوضى والطائفية والمحاصصة فى المنطقة، وحرصت القمم الثلاث على تقديم رسالة سلام من أرض السلام بأن العالمين العربى والإسلامى لا يسعوا للحرب، ولا حتى تدعو حلفاءها الدوليين لمحاربة إيران، وأن دول المنطقة لعبت الدور الأكبر فى تبريد جبهة القصف الإعلامى والسياسى بين طهرانوواشنطن، وهو ما أدى لتصريح الرئيس الأمريكى الشهير، بأن هدف أمريكا وحلفائها فى المنطقة ليس إسقاط النظام الإيراني، وإن الهدف يبدأ وينتهى عند تغير السلوك الإيرانى المزعزع للاستقرار فى المنطقة ، وأن الحفاظ على الأمن القومى العربي، وأمن خطوط الملاحة ونقل الطاقة هى أهداف الدول العربية ، وأن اندلاع الحرب لا يصب فى صالح أحد. 7 أثبتت هذه القمم أن الدول العربية والخليجية، لن تتسامح فى المستقبل مع أى سلوك إيرانى يتنافى مع حسن الجوار ومبادئ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، وأن الدول العربية والإسلامية تملك خيارات كثيرة للتعاون مع الصلف الملالى، ومحاولته إضعاف الدولة الوطنية فى المنطقة، وأن نجاة إيران أكثر من مرة بعد التصعيد العسكرى والكلامى فى المنطقة لن يكون مقبولا فى الفترة المقبلة، خصوصا أن المواقف التى عبرت عنها القمم الثلاث تتفق مع رؤية الدول الكبرى، خصوصا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى وضع نصب عينه إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات من أجل تحقيق ثلاثة مبادئ رئيسية، هى عدم امتلاك إيران لأسلحة نووية من خلال رفض الرئيس ترامب للفترة الزمنية لاتفاق 5+1 الموقع فى يوليو 2015 ، التى تنص على 10 سنوات فقط، وأن الولاياتالمتحدة تريد التزاما كاملا ودائما ومراقبة يمكن التحقق منها لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية، وعدم امتلاك إيران لصواريخ بالستية بأبعادها المختلفة والتى تهدد جيرانها ، ويمكن أن تحمل رؤوسا نووية ، بالإضافة إلى عدم التدخل الإيرانى فى الشئون الداخلية للدول الأخرى فى الجوار العربى خصوصا تدخلاتها الفاضحة فى اليمن والعراق وسوريا ولبنان. 8 أكدت القمم الثلاث قيم المبادأة والمبادرة والعمل الاستباقى سياسياً ودبلوماسياً وهى المبادئ التى حكمت السياسة الخارجية السعودية منذ وصول الملك سلمان للحكم، والتى ترتكز على التحرك السياسى والدبلوماسى فى التوقيت المناسب، واستصحاب الأشقاء العرب والمسلمين فى أى قرار يتعلق بالعمل العربى أو الإسلامى المشترك، وقد حققت هذه السياسة نجاحا كبيرا فى تشكيل التحالف العربى لإعادة الشرعية فى اليمن، وكذلك فضح التحركات الإيرانية الخبيثة فى المنطقة، ومحاصرة النفوذ الإيراني، لأن البديل لغير ذلك ربما كانت إيران موجودة فى دول أخرى، كما يحلم قادتها منذ الثورة الخومينية التى نصت فى دستور 1979 على ضرورة تصدير الثورة الخومينية لدول الجوار، وبعد قمم مكة الثلاث على إيران أن تختار الآن بين أن تكون طبيعية يقتصر نشاطها على حدودها الجغرافية وعدم التدخل فى شئون دول الجوار، وأن السعى مجدداً لتصدير الثورة وهو ما لن تستطيع القيام بعد بعد تصفير مبيعاتها النفطية، وربما تتعرض لتصفير خزينتها بالكامل. 9 وثقت قمم مكة الثلاث المسار الذى ستسير عليه الدول العربية والإسلامية لمجابهة المخاطر فى الفترة المقبلة من خلال عمل عربى وإسلامى مشترك، يرتكز على عدم التفريط فى الحقوق العربية وانتهاج وسائل سياسية وسلمية للحفاظ على هذه الحقوق، اعتمادا على المواثيق الدولية وبدعم كامل من المنظمات الإقليمية والدولية. 10 أثبتت المملكة العربية السعودية، أن الرهان على الدول العربية والإسلامية يمكن أن يحقق الكثير، فقمم مكة الثلاث ستعيد السلام والاستقرار لمنطقة الخليج ، كما نجحت السعودية من قبل فى جمع أكثر من 54 دولة فى القمة العربية الإسلامية والأمريكية فى الرياض، فى مايو 2017 من أجل مكافحة الإرهاب.