ها وقد انقضي ثلثا شهر رمضان المعظم، شهر الخير والبركات والروحانيات والعبادة والإحسان، يمضي هذا الضيف الذي أتانا هذا العام بما يسر لنا الله سبحانه وتعالي من صيامه وقيام ليله، رمضان بدأ يشد الرحال فلم يتبق سوي عشرة أيام فقط، نتضرع الي الله العزيز الحكيم الرحمن الرحيم بأن يشملنا برعايته ويوفقنا الي صيام ما تبقي من أيامه وقيام التهجد في لياليه العشر الأخيرة، رمضان سيعود علي الأمة مرة أخري ولكن من يقدر له أن يعود عليه رمضان فهذا أمر الله سبحانه وتعالي، ولهذا كانت الدعوة الغالية:" اللهم بلغنا رمضان"، ثم عندما يأتينا رمضان ندعو المولي عز وجل أن يبلغنا ليلة القدر والتي هي خير الف شهر في رمضاننا هذا عندما نتلفت يمينا ويسارا وأعلي وأسفل نري نوره الساطع، نور أيام الخير والبركة ولكن ما أفسد تلك الأيام بروحانياتها الجميلة المحببة لكل نفس تلك النزاعات والصراعات المريرة ما بين قيادات بعض دول هذا العالم، فهذه إيران بأذرعتها المختلفة، تمد ذراعا هنا وآخر هناك لتفسد هذه الأجواء من خلال مساندتها لأعمال الإرهاب الذي لا تعرف غيره، فهي تدعم الميليشيات الحوثية وتنظيم داعش وحزب الشيطان، فهي تدعم كل ما هو مسيئ للأمة الإسلامية وتدعي أنها من الإسلام وهو منها براء.. وهناك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إذ يشمر ساعديه ويحملق بعيينه ويحمرها علي إيران احمرارا وهميا مثلما قلت في الأسبوع الماضي، تهديد هنا وآخر هناك، من أجل ماذا؟ من أجل استفزازنا نحن العرب والمسلمون. علينا ونحن في هذا الشهر، شهر الخير والبركات، أن نأخذ أسوة حسنة من هذا الشهر ومن حياة سيدنا محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم. فخلال شهر رمضان عرف المسلمون الانتصارات، وأمامنا غزوة بدر باكورة تلك الانتصارات العظيمة، فمن الله جل وعلا على المسلمين بالنصر مع قلة عددهم وعدتهم، قال تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) ]آل عمران 123-126[.
نعلم جميعا أن غزوة بدر غيرت معالم التاريخ في هذا الوقت، فكانت فرقانا فرق الله به بين الحق والباطل وكان لها ما بعدها، فهي أول غزوة في الإسلام وأولي معاركه الكبري وتوج المسلمين بالنصر المبين. فلم يركن المسلمون الي الراحة عندما تركوا مكة وهاجروا الي المدينة المدينة المنورة ولم يستسلموا لاستفزازات الكفار وقريش التي لاحقت المسلمين بالأذي والاضطهاد والخسائر المادية، فأراد رسولنا الكريم أن يشفي صدور المؤمنين من عدوهم وأن يقوي معنوياتهم ويثبت قلوبهم باغتنام تلك الفرصة، فما أن لاحت فرصة أمام المسلمين وهي عبور قافلة لقريش يقودها أبو سفيان حتي أمر النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه بمواجهتها وقال لهم:" هذه عير قريش فيها أموالكم فأخرجوا اليها لعل الله ينفلكموها"، وبهذا ينفذ رسولنا الكريم هدفا من دعوته هذه وهو تحطيم عنفوان وقوة المشركين، وقد كتب الله النصر للمسلمين وشفي الله صدورهم وأيدهم جل وعلا بالنصر المبين من عنده. والعبرة هنا أن سيدنا محمد صلوات الله عليه لم يركن للراحة والهدوء، ولم يتوان عن استرداد حقوق المسلمين المهاجرين، فاستعد وانتصر وأنعم المولي عز وجل عليهم بنعمة الأمن.. وكانت النتيجة أن المسلمين شعروا بالأمن بعد بدر وخافهم عدوهم والمشركين ولم يعد هدف هؤلاء شن هجمات علي أهل المدينة واستضعافهم كما كان في الماضي، فأوقعت بدرا في قلوب هؤلاء وكل من يتربض بمسلمي المدينة الرعب..وصدق الله حيث وصف هذا النصر: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].
غزوة بدر التي انتصر فيها المسلمون وهم صائمون، وهاهو التاريخ يعيد نفسه، وهناك إجماع علي أن تعقد قمة عربية إسلامية في مكةالمكرمة مهد الرسالات، فإن عقد هذه القمة بات ضروريا ونحن نحيا أيام وليالي هذا الشهر الكريم لنحدد طريقنا نحن المسلمون، فإذا كان هناك عضو يسئ الي الإسلام فلابد من اجتذاذه وبتره..إن ما فعله خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز بدعوته الكريمة لعقد القمة العربية الإسلامية، ليؤكد للعرب والمسلمين جميعا أنه واجب علينا أن نسعي في تحصين أمننا، فبالأمن تقام شعائر الإسلام ، وبالأمن نتقدم، وبالأمن نحصل علي العلم والأمان ونحفظ ثرواتنا ونحمي أعراضنا وبلداننا، فيجب علي العرب والمسلمين الاجتهاد في هذا الشهر الفضيل لتأمين حياتهم وحاضرهم ومستقبلهم، ومواجهة أعدائهم بالاتحاد، فالاتحاد قوة، والأمن نعمة لا ينالها المتقاعس أو الذي يعتمد علي قوة غيره، فالقوة ما لم تكن من صفاتنا فالغير سوف يستبيحنا، وهذا ما نراه حاليا، تلك الدولة تهدد والأخري ترد عليها، وكأن أهل المنطقة نيام غير موجودين، رغم أن أي قرار حرب يجب أن يكون نابع منهم أصلا بعد ترتيب أوضاعهم وحشد قواتهم والاستعداد لحرب يعلموا موعدها وموقعها، ولكن أن تندلع حرب فوق أرضنا بدون علمنا، فهذا لن يكون.
نعم..يجب أن نترك لأحفادنا وأجيالنا القادمة ذكري عطرة يتغنون بها كما ترك أباءنا لنا من انتصارات في شهر رمضان، انتصارات غيرت مجري التاريخ وأرست دعئام الأمن في ربوع الدولة الإسلامية، ففي شهر رمضان الكريم كان فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، وكانت معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص، وتم فتح بلاد الأندلس علي يد طارق بن زياد، وانتصر المسلمون في معركة حطين واستردوا فيها بيت المقدس، كما انتصروا بقيادة سيف الدين قطز علي التتار في معركة عين جالوت، وكان آخر تلك الانتصارات العاشر من رمضان عندما ألحق المصريون بعدوهم الإسرائيلي هزيمة نكراء جعلت المصريين والعرب الأعلون ليعرف الجيش الصهيوني قدره بين الجيوش عندما تتحد وتعود الي كلمة الحق..يقول الشاعر هاشم الرفاعي متغنيا في قوة العرب والمسلمين:
في هذا الشهر الكريم، شهر الخير والمبرات علينا جميعا أن نتحد ونتخذ من تاريخ هذه الأمة الإسلامية تاريخا يحقق للأجيال القادمة مجدا مجيدا لتذكرنا به تلك الأجيال بأننا قد صنعنا شيئا لهم، مثلما نتذكر نحن أجدادنا الذين تركوا مجدا لنا ووقفوا ندا قويا أمام أعداء الإسلام، فيجب علينا أن نستذكر في هذه الأيام هذه المواقف وأن العدو يتريص بنا، إسرائيل من جهة وأعداؤنا في الغرب من جهة أخري، وأمامنا إيران كما أسلفت التي تنشر أذرعتها الإرهابية في اليمن وسوريا ولبنان، إن هذه الأمة في امتحان صعب علينا أن نجتازه في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل.
نسأل الله أن يجعل بلادنا وبلاد العرب والمسلمين واحة للأمن والأمان والسلامة والإسلام والسخاء والرخاء والحمد لله رب العالمين.