احترف الرقص مع الشر، وتوقفت حساباته عند لحظة صعود باطل لجماعات الإسلام السياسى. لم يواكب مجريات الأحداث فى ذاكرة الشعوب، نام على سرير الوهم، ولم يستيقظ منه، برغم أن الشعب قال كلمته فى من يحكمه.. فى عواصم عديدة القاهرة نموذجا وإشارة ونقطة ارتكاز. يظن الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، أنه قادر على استكمال وهمه بالخلافة، وزعزعة استقرار المنطقة، باحتضان الميليشيات، والجماعات الإرهابية.
يدرك أن استعادة واستقرار الدولة الليبية، سيضرب سيناريوهاته فى مقتل، فيبذل قصارى جهده فى تمويل ودعم خطة التخريب، أرسل طائرات بدون طيار لاستهداف قاعدة «الجفرة الجوية» بالمنطقة الوسطى، وقام بتحريك سفن تركية تنقل ذخائر ومعدات عسكرية ومدرعات إلى ميناء مصراتة، هذا فضلا عن إرسال رحلات من مطارات غير رسمية فى تركيا، لتنقل ما تبقى من جبهة النصرة فى سوريا أو أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية.
فى السودان لم يتوقف عن المشاركة فى إطالة عمر الفوضى، والوقوف خلف جماعات التخريب، لم يختلف كثيرا موقفه فى الجزائر، ويراهن على أن يكون للإخوان فيها موطئ قدم يعيد الروح لمشروعه الإخوانى. لم يعد خافيا على أحد دعمه الكامل للقاعدة وداعش فى شمال سوريا وشمال العراق. الواهم «العثمانلى» صار شريكا فى مخطط التخريب بالمنطقة، يعتقد أن الحكم سيتمسك به حتى عام 2029، لكن لم يدرك أن قرار الشعب على الحافة، فى انتظار صافرة التعبئة المناسبة للخروج فى مواجهة أردوغان والإخوان، يعلم جيدا أن شعبيته تراجعت، لكنه يكابر «كعادة الإخوان الإرهابيين».
فقد توازنه وصوابه.. وضع نفسه فى مقدمة مثلث الشر «تركياإيرانقطر»، وأكد تضامنه مع «الإخوان» وأرسل وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، لحضور لقاء مع نظيره الإيرانى، محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، فى العاصمة القطرية، بحضور تميم، لرفض قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بإدراج الإخوان ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية.
نعم.. أردوغان يؤدى الرقصة الأخيرة وإن طالت قليلا.. فحسابات السياسة على الأرض تقول إن هناك شيئا قادماً فى الأفق.. المستقبل يكشر عن أنيابه.. والتاريخ لن يرحم المتاجرين بدماء البشر. الأيام المقبلة ليست فى صالح أردوغان.. طريق استمراره فى الحكم مفروش بالأشواك، الغليان مكتوم.. وإشارات من إسطنبول، والتى كان يعتقد أنه يمتلكها، تقول إن قطار أردوغان سيغادر محطة الاستقرار قبل نهاية مدة ولايته.. سينقلب السحر على الساحر.
أمواج الغضب فى طريقها، حيث «مخادع» الوهم العثمانلى، علمنا التاريخ أن الباطل لن ينتصر، انشقاقات فى الداخل لن يقوى على الصمود أمامها، وصدام وشيك مع الخارج لا يملك أمامه سوى التنازل على بياض، هربا من اتهامات بالقتل والتدمير، ودعم الجماعات المدرجة على قوائم الإرهاب.
لم تشفع له تجارته بحقوق الإنسان، وأكاذيب الدفاع عن الحريات، فقد باتت سياساته تعتمد على وضع معارضيه فى السجون، فمنذ عام 2006، حتى عام 2019، أنشأ أردوغان 166 سجنا جديدا، فضلا عن أنه يتم الآن إنشاء 48 سجنا جديدا على مساحة 6 ملايين متر مربع، بتكلفة تزيد على 9 مليارات ليرة، أبواب هذه السجون لن تحتمل كل هذه المظالم، أمام العالم أصبح أردوغان نموذجا صارخا فى تجاوز حقوق الإنسان وضرب الحريات. فقد مصداقيته مع الجميع إلا إسرائيل.. يتحدث عن دعمه للشعب الفلسطينى، ويفتح الطريق أمام الجيش الإسرائيلى ليستخدم قاعدتى إنجرليك وقونية، لضرب قطاع غزة، فضلا عن أن هناك ضباطا أتراكاً يتدربون مع الجيش الإسرائيلى، وتوجد 60 اتفاقية عسكرية بين تركيا وإسرائيل، تنظم التدريبات الجوية، وفى مقدمة تلك الاتفاقيات «الميثاق الشبح» الذى تمكنت من خلاله تركيا من التجسس على الجيوش العربية لصالح إسرائيل، فضلا عن أن تركيا من أوائل الدول التى اعترفت بإسرائيل عام 1949.
إذن.. نحن أمام رجل يتحدث عكس ما يبطن قلبه وعقله.. يتبنى خطابات ويطبق عكسها.. أجاد تضليل شعبه.. قاده غروره للاعتداء على أراضى الجوار، لدرجة أنه يفكر فى الخروج من اتفاقية لوزان عام 1923، التى تحدد حدود تركيا. أردوغان يصنع بيده حالة من العزلة -داخليا وخارجيا- على نظامه وحكمه وحزبه، وبالتالى، من المؤكد فى ظل هذه الشواهد، أن أردوغان سيمر خلال الفترة المقبلة بمطبات، ربما يصعب عبورها.