- قائد الاحتلال يقدم التحية إلى «اليوزباشى» مصطفى رفعت على بسالة رجاله
لعيد الشرطة فرحتان.. فرحة أم شهيد باستبسال وشجاعة ابنها البطل، الذى حملته وهناً على وهن، ليحمى ويدافع عن الوطن ويدفع عمره ثمنا لكى نعيش ويبقى الوطن، أما الفرحة الثانية، فهى فرحة لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فهؤلاء يتباهون أمام التاريخ الذى يفرد صفحاته أمامهم كنماذج مضيئة فى تاريخ وطنهم، الذى يسطر مستقبلا عظيما لرجال بواسل، فهؤلاء ممن قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «...عين باتت تحرس فى سبيل الله».
ما بين الفرحتين، يعيش وطن شامخ راسخ قوى مرفوع الرأس، فهذا ليس بجديد عليهم، عقيدة ثابتة وعميقة، كما يؤكد السيد محمود توفيق، وزير الداخلية، دائما على نشر ثقافتها بين أبنائها من رجال الشرطة.
فصفحات التاريخ تكتب بحروف من نور قصة عيد الشرطة عاما وراء عام، اليوم هو العام (67). اليوم من حق هؤلاء، لا بل من حق الشعب بأكمله أن يحتفل ويفرح فى عيد الشرطة، الذى هو عيد الوطن. فسيظل 25 يناير رمزا لبسالة وفدائية رجال الشرطة المصرية، وشاهدا على تضحيات هؤلاء الأبطال، حينما رفضوا تسليم محافظة الإسماعيلية للبريطانيين، برغم قلة أعدادهم، وضعف أسلحتهم، فسقط العديد من الشهداء، ومئات الجرحى، وهذا اليوم أيضا اكتسب خصوصية أكبر بالنسبة لأهل الإسماعيلية، الذين تكاتفوا لمقاومة المحتل، فتقاسم رجال الشرطة ومحافظة الإسماعيلية هذا اليوم، ليكون عيدًا لهم ولكل المصريين.
وتبدأ فصول رواية أبطال الشرطة المصرية عندما كانت منطقة القناة تحت سيطرة القوات البريطانية بمقتضى اتفاقية 1936، التى كان بمقتضاها يجب أن تنسحب القوات البريطانية إلى محافظات القناة فقط دون أى شبر فى القطر المصرى، فلجأ المصريون إلى تنفيذ هجمات فدائية ضد القوات البريطانية داخل منطقة القناة، وكبدتها خسائر بشرية ومادية ومعنوية فادحة، وذلك كان يتم بالتنسيق مع أجهزة الدولة فى ذلك الوقت.
كان الفدائيون ينسقون مع رجال الشرطة لشن هجمات فاعلة وقاصمة ضد القوات البريطانية، وهو ما فطن له البريطانيون، حيث قاموا بترحيل المصريين الذين كانوا يسكنون الحى البلدى فى الإسماعيلية، بينما كانوا هم يسكنون الحى الأفرنجى، وذلك للحد من عملياتهم البطولية ضد قواتهم، لكن ذلك لم يؤثر على الفدائيين وزادت هجماتهم شراسة، وذلك بالتنسيق مع قوات الشرطة المصرية.
ففطنت القوات البريطانية بأن رجال الشرطة يساعدون الفدائيين، فقررت خروج جميع أفراد الشرطة المصرية من مدن القناة، على أن يكون ذلك فى فجر يوم 25 يناير 1952، وفوجئ رجال الشرطة بعد وصولهم إلى مقر عملهم فى مبنى محافظة الإسماعيلية، بقوات الاحتلال البريطانى تطالب اليوزباشى مصطفى رفعت، قائد بلوكات النظام الموجودة بمبنى محافظة الإسماعيلية، بإخلاء مبنى المحافظة خلال 5 دقائق، وترك أسلحتهم بداخل المبنى، وحذروهم بمهاجمة المبنى فى حالة عدم استجابتهم للتعليمات، وهو ما رفضه رجال الشرطة الأبطال، وقرروا الدفاع عن موقعهم حتى آخر طلقة بحوزتهم.
وبدأت المعركة من خلال قيام القوات البريطانية بإطلاق قذيفة دبابة أدت إلى تدمير غرفة الاتصال «السويتش» بالمبنى، وأسفرت عن استشهاد عامل التليفون، لتبدأ المعركة بقوة، التى شهدت فى بدايتها إصابة العشرات من رجال الشرطة واستشهاد آخرين، فخرج « اليوزباشى « نقيب مصطفى رفعت، قائد قوة بلوكات النظام الموجودة داخل مبنى المحافظة إلى ضابط الاحتلال البريطانى فى مشهد يعكس مدى جسارة وشجاعة رجل الشرطة المصرى، فتوقفت الاشتباكات ظنا من قوات الاحتلال بأن رجال الشرطة سيستسلمون، لكنهم فوجئوا بأن اليوزباشى مصطفى رفعت يطلب الإتيان بسيارات الإسعاف لعلاج المصابين، وإخلائهم قبل استكمال المعركة، لكنهم رفضوا واشترطوا خروج الجميع أولا والاستسلام، وهو ما رفضه اليوزباشى مصطفى رفعت، وعاد إلى جنوده لاستكمال معركة الشرف والكرامة، التى لم يغب عنها أيضا أهالى الإسماعيلية الشرفاء، حيث كانوا يتسللون إلى مبنى المحافظة لتوفير الغذاء والذخيرة والسلاح، برغم حصار دبابات الاحتلال للمبنى.
ومع استمرار الاشتباكات، بدأت الذخيرة فى النفاد من رجال الشرطة المصرية، لكنهم رفضوا أيضا مجرد فكرة الاستسلام، وقرروا القتال حتى آخر طلقة، وقرر» اليوزباشى « مصطفى رفعت الخروج من المبنى لقتل قائد قوات الاحتلال (إكس هام) أملا منه فى أن يؤدى ذلك إلى فك الحصار وإنقاذ زملائه ... وبالفعل عندما خرج، توقف الضرب كالعادة، لكنه فوجئ بضابط آخر أعلى رتبة من (إكس هام)، وبمجرد أن رأى هذا الضابط اليوزباشى مصطفى رفعت، أدى له التحية العسكرية، فما كان من اليوزباشى رفعت إلا أن يبادله التحية، وتبين بعد ذلك أن ذلك الضابط هو الجنرال ماتيوس، قائد قوات الاحتلال البريطانى فى منطقة القناة بالكامل.
وتحدث الجنرال ماتيوس إلى اليوزباشى مصطفى رفعت، وقال له إنهم فعلوا ما عليهم بل أكثر، وإنهم وقفوا ودافعوا عن مبنى المحافظة ببطولة لم تحدث من قبل، وأنهم أظهروا مهارة غير عادية باستخدامهم البنادق التى معهم، ووقوفهم بها أمام دبابات وأسلحة الجيش البريطانى المتعددة، وأنه لا مفر من وقف المعركة بشرف، فوافق اليوزباشى مصطفى رفعت على ذلك مع الموافقة على شروطه، وهى أن يتم نقل المصابين والإتيان بالإسعاف لهم، وأن الجنود الذين يخرجون من المبنى لن ترفع أيديها على رأسها وتخرج بشكل عسكرى يليق بها .. فوافق الجنرال ماتيوس على تلك الشروط، وتم خروج قوات الشرطة بشكل يليق بهم وهم فى طابور منظم.
وأسفرت تلك الملحمة التاريخية للشرطة المصرية عن استشهاد نحو 50 من رجال الشرطة، وإصابة 80 آخرين، فاستحقت أن تكون ليست يوما فقط أو عيدا للشرطة المصرية، لكنها أصبحت عيدا قوميا لمحافظة الإسماعيلية وللشعب المصرى كله.
ولم تنته هذة الملحمة، فالشرطة المصرية لا تزال تقدم كل يوم فصلا من فصول « رواية الأبطال « فى جميع الميادين، وأبناء شهدائها شهود على ذلك . فتحية وتعظيم سلام للشرطة المصرية فى عيدها ال67 .