مع كل الهزائم العسكرية التي يتعرض لها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في الدول التي انتشر فيها بكثافة كسورياوالعراق، إلا إن المعركة لا تزال طويلة، ليس فقط عسكريًا بل ايديولوجيًا وفكريًا، فاستمرار وجوده في بعض الجيوب رغم ضخامة الحملة العسكرية التي يقودها التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة الاميركية، واستمرار استقطابه للمقاتلين رغم الملاحقات الامنية، يفتح الباب حول التساؤل عما اذا كانت نهاية داعش اقتربت فعلا ام انها نهاية البداية لهذا التنظيم الإجرامي. والأرجح أنها نهاية البداية، فالتنظيم وعلى غرار التنظيمات التكفيرية - الإرهابية يعتمد على الإعلام بشكل أساسي للتوسع ونشر أفكاره السوداء تحت مسميات وطرق عديدة، منها الدين والأحاديث والفتاوي، التي يتم التلاعب بها وفقًا للمخطط الموضوع من قبل أمراء التنظيم ومن يقف ورائهم وطبقًا لمتضيات المرحلة، وبالتالي فان البروباغندا تساعد التنظيم على البقاء الكترونيًا مما يؤدي إلى بقائه على أرض الواقع، مع التنويه أو التذكير بأن المعركة مع هذا التنظيم لا تنحصر على الأرض بالسلاح بل تشمل المعركة الفكرية والإعلامية، والتي يبدو ان التنظيم خسر عسكريا، الا انه لا يزال يتمتع بقواه الاعلامية والفكرية التي ضعفت فقط عما كانت عليه ولم تخسر معركتها. 100 مقاتل شهريا هو عدد المقاتلين الذين لا يزالون يتوافدون الى سوريا عبر البوابات التركية حسب التاكيدات الاميركية العسكرية، ورغم ضآلة الرقم مقارنة مع الرقم السابق وهو 1500 مقاتل شهريًا، الا انه نذير بخطر قائم بشكل جدي، خصوصًا وان التمويل لا يزال ممكنًا، وذلك عبر الطرق الالكترونية المعتمدة من قبل مجموعات التنظيم الخاصة التي تقوم بالتداول في هذه الفترة بالعملات الإلكترونية التي يصعب تعقب مصادرها ووجهاتها، بالإضافة إلى التمويل المباشر عبر الخطف مقابل الفدية، وكان اخر هذه الصفقات تلك التي تجري حاليًا في محافظة السويداء السورية، حيث حصل التنظيم على 30 مليون دولار مقابل إطلاقه مجموعة من المدنيين (معظمهم من النساء والاطفال) كان قد خطفهم من قرى المحافظة خلال هجومه الاخير عليها، حيث كان الهجوم مباغتًا ومفاجئًا وسادت تساؤلات عديدة عن أهدافه، لكن إتضحت الصورة بعد مطالبة التنظيم بالأموال لقاء إطلاق المخطوفين. ومما سبق نستنتج ان نهاية التنظيم ليست قريبة على الإطلاق، بل على العكس فقدراته الحالية تدل أنه لا يزال في طور التحضير للبداية الحقيقية والتي قد تكون أخطر من المرحلة الأولى، وهي البداية التي ستعتمد على الإنتشار السري والاستقطاب والعمل تحت الأرض، شانه شان باقي التنظيمات الإرهابية الأخرى، حيث كانت مرحلة المجاهرة في الإنتشار فريدة من نوعها بتاريخ التنظيمات الإرهابية، وساعدت في الحد من قدراته القتالية المباشرة، إلا ان قدراته الإرهابية من إغتيالات وتفجيرات ونشر الفكر الظلامي تنامت، وقد تكون المرحلة الأولى سببًا أساسيًا من أسباب إنطلاقة جديدة قد تكون الإنطلاقة الحقيقية لعمل التنظيم في الفترة المقبلة. والامر المسلم به والغير قابل للنقاش، هو أن التنظيم ينفذ أجندات محددة طبقًا لأوامر إستخباراتية عالمية، والتي ستحاول إستكمال تنفيذ مخططاتها بعد أن شارفت الحرب على وضع أوزارها في سوريا، بعد أن ساهم التنظيم في عملية التقسيم والفرز الديموغرافي وإحداث الشق في المجتمع السوري من خلال إثارة النعرات الطائفية لأقصى حدود ممكنة، مما ولد في المقابل قبولاً لدى الاطراف الاخرى للإنخراط في تنظيمات طائفية مقابلة لتأمين الحماية ومقاومة التنظيم وإمتداده. وقد تكون المهمة المقبلة للتنظيم داخل سوريا وخارجها، من خلال عمليات لا تهدف سوى إلى زعزعة الأمن في بعض الدول، خصوصًا وان إمكانية إنتقال العناصر المتواجدين حاليًا داخل سوريا إلى الخارج قائمة من خلال الحدود التركية أو التسلل إلى الأراضي الأردنية، أو المغادرة عبر الحدود العراقية. وفي النهاية يجب الاكيد على إن الحرب الحقيقية مع داعش خصوصًا والتنظيمات الإرهابية عمومًا لا يمكن ان تتم عبر السلاح فقط، بل يعتبر سلاح الفكر والعقيدة الاداة الأساسية في هذه المعركة والتي يجب التركيز عليها في المرحلة المقبلة عبر وسائل متعددة موجودة بين ايدينا بكثافة وأحسن التنظيم إستغلالها لتحقيق اهدافه بعكسنا. * كاتب وصحافي لبناني مقيم بالقاهرة