سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025    الاحتلال رفض 5 أسرى طالبت حماس بالإفراج عنهم والقائمة الكاملة ليست جاهزة    إجراء عقابي محتمل من ترامب ضد النرويج حال عدم منحه نوبل للسلام وصحيفة تكشف ما يحدث    «ابني مات بجرعة مخدرات».. كيف أقنع مبعوث ترامب «بن جفير» بإنهاء حرب غزة؟    بمشاركة دغموم.. الجزائر المحلي ينتصر على فلسطين بثلاثية وديا    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    وليد صلاح: عقدنا اجتماعا مع مانشيني.. وتوروب مناسب لكل معاييرنا    غرقت في ثوان، 13 صورة ترصد كسح مياه الأمطار من شوارع وميادين العجمي بالإسكندرية    بسبب محل.. التحقيق مع مسؤول بحي العمرانية لتلقيه رشوة من أحد الجزارين    طقس مائل للحرارة نهارًا ومعتدل ليلًا.. الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الجو اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025 في مصر    تحويلات مرورية لتنفيذ أعمال إنشائية خاصة بمشروع المونوريل بالجيزة    4 أعشاب سحرية تريح القولون وتعيد لجهازك الهضمي توازنه الطبيعي بشكل آمن    اليوم.. انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء بالبحيرة لاختيار 4 أعضاء    استدعاء كريم العراقي لمعسكر منتخب مصر الثاني بالمغرب استعدادًا لكأس العرب    محمد العدل: 3 أشخاص كنت أتمنى تواجدهم في قائمة الخطيب    حبس ديلر المخدرات وزبائنه في المنيرة الغربية بتهمة حيازة مخدر البودر    اليوم، انطلاق انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء    حماس: حصلنا على الضمانات.. والحرب انتهت بشكل كامل    رسميًا.. موعد بداية فصل الشتاء 2025 في مصر وانخفاض درجات الحرارة (تفاصيل)    متى يتم تحديد سعر البنزين فى مصر؟.. القرار المنتظر    تراجع حاد للذهب العالمي بسبب عمليات جني الأرباح    رئيس فولكس فاجن: حظر محركات الاحتراق في 2035 غير واقعي    السيسي يُحمّل الشعب «العَوَر».. ومراقبون: إعادة الهيكلة مشروع التفافٍ جديد لتبرير الفشل    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع يانيك فيريرا فى الزمالك بحضور جون إدوارد    وليد صلاح الدين: لا إصابة مزمنة لأشرف دارى وعودة قريبة لإمام عاشور فى الأهلي    وصول عدد مرشحى النظام الفردى لإنتخابات مجلس النواب الى 1733 شخصًا    أوقاف الفيوم تعقد 150 ندوة علمية في "مجالس الذاكرين" على مستوى المحافظة.. صور    سعر الذهب اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025.. الجنيه الذهب ب42480 جنيها    منتخب المغرب يهزم البحرين بصعوبة وديا (فيديو)    وزير الخارجية الإيطالى يشكر مصر والوسطاء على جهود التوصل لاتفاق سلام فى غزة    النيابة تصدر قرارًا ضد سائق وعامل بتهمة هتك عرض طالب وتصويره في الجيزة    الأرصاد الجوية تكشف تفاصيل طقس الجمعة 10 أكتوبر وأماكن سقوط الأمطار    أسامة السعيد ل إكسترا نيوز: اتفاق شرم الشيخ إنجاز تاريخي أجهض مخطط التهجير ومصر تتطلع لحل مستدام    اتحاد كتاب مصر ينعى الناقد والمؤرخ المسرحي عمرو دوارة    محافظ شمال سيناء: اتفاق وقف الحرب لحظة تاريخية ومستشفياتنا جاهزة منذ 7 أكتوبر    شيماء سيف: «أنا نمبر وان في النكد»    "كارمن" تعود إلى مسرح الطليعة بعد 103 ليلة من النجاح الجماهيري.. صور    كريم فهمي يكشف حقيقية اعتذاره عن مسلسل ياسمين عبد العزيز في رمضان 2026    كيف يحافظ المسلم على صلاته مع ضغط العمل؟.. أمين الفتوى يجيب    موعد أول أيام شهر رمضان 2026 فى مصر والدول العربية فلكيا    زاخاروفا: الجهود المصرية القطرية التركية لوقف حرب غزة تستحق الإشادة    عشان تحافظي عليها.. طريقة تنظيف المكواة من الرواسب    د. عادل مبروك يكتب: كيف ننقذ صحة المصريين؟    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميلة أميرة الرفاعي لحصولها على درجة الماجستير    بيفكروا قبل ما يطلعوا الجنيه من جيبهم.. 5 أبراج بتخاف على فلوسها    أميرة أديب ترد على الانتقادات: «جالي اكتئاب وفكرت أسيب الفن وأتستت»    سعر الموز والتفاح والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025    فلسطين.. تجدد القصف الإسرائيلي شمال غربي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    استقرار أسعار الحديد والأسمنت في سوق مواد البناء اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025    نقابة أطباء الأسنان بالدقهلية توضح ملابسات وفاة شاب داخل عيادة أسنان بالمنصورة    مباشر مباراة المغرب ضد كوريا الجنوبية الآن في كأس العالم للشباب 2025    نصائح للأمهات، طرق المذاكرة بهدوء لابنك العنيد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9-10-2025 في محافظة الأقصر    بيت الزكاة والصدقات يثمّن جهود الوساطة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة    بتكليف من السيسي.. وزير الصحة يزور الكابتن حسن شحاتة للاطمئنان على حالته الصحية    الثلاثاء المقبل.. أولى جلسات اللجنة الرئيسية لتطوير الإعلام بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب    كوارث يومية فى زمن الانقلاب…حريق محل مراتب بالموسكي ومصرع أمين شرطة فى حادث بسوهاج    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصل على راتب 140 جنيها.. ننشر لأول مرة قرار تعيين محمود درويش فى «الأهرام»
نشر في الأهرام العربي يوم 11 - 08 - 2018

في تلك الأجواء القلقة نظر درويش حوله فلم يجد من جاءوا به إلى القاهرة وأقنعوه بمخاطبة العالم في مؤتمر صحفي
انتقل في 1972 للعمل في مجلة الطليعة التي أسسها الكاتب لطفي الخولي عام 1966

سمير فريد: اقتربت منه عندما عملنا معًا في مكتب واحد في مجلة «الطليعة»

في 11 أكتوبر 1971
كتب مدير شئون العاملين بمؤسسة الأهرام مذكرة داخلية لمدير المراجعة تضمنت كلمات قليلة جدا لا تزيد على أربعة أسطر:
(بعد التحية، تقرر التحاق الأستاذ / محمود درويش للعمل بمكافأة شهرية قدرها 140 جنيها شهريا (مائة وأربعون جنيها) للعمل بإدارة التحرير اعتبارا من 1 / 10 / 1971 ).
وهكذا انتقل محمود درويش من صوت العرب إلى (الأهرام) التي كافحت مع قسم شئون العاملين فيها للبحث عن ملف وظيفي لمحمود درويش، ولأنه لم يكن مصريا، كان من الصعب العثور على هذا الملف، لكن البيروقراطية المصرية لا تفقد أبدا أوراق الصرف المالي منذ عهد الفراعنة إلى الآن، لذلك طلبت كشوف المكافآت التي يحصل عليها العاملون في الأهرام أو المتعاملون معها وكان الزملاء بشئون العاملين عند حسن الظن.
جاء الفرج عند مراجعة كشوف المتعاملين مع «الأهرام» منذ أن وصل درويش للقاهرة حتى غادرها، وهنا اكتشفت أنه اعتبارا من أكتوبر 1971 أصبح من حملة الجنسية «الأهرامية» في الصحافة العربية.
وفي أوراق الصرف مذكرة داخلية أخرى موجهة للسيد رشاد الحداد مدير شئون العاملين بالأهرام، كان نصها كالتالي: «يرجو الأستاذ هيكل موافقتكم على تعيين الأستاذ محمود درويش بالأهرام بمرتب شهري قدره 140 جنيها سيتحمل نصفها مركز الدراسات الفلسطينية والنصف الآخر القسم الأدبي بالتحرير، وأن يبدأ التعيين من أول أكتوبر 1971
وشكرا خالصا
د.عبد الملك عودة (6 أكتوبر 1971 )


ولمن لا يعرف فإن مركز الدراسات الفلسطينية هو نواة أولى لمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية الذي تأسس بالأهرام 1968، واستمر يحمل اسم مركز الدراسات الفلسطينية حتى العام 1972، واختص في بداياته بدراسات قضية الصراع العربي - الإسرائيلي ثم توسع بعدها، ومن ثم كان وجود درويش ضمن الفريق البحثي أمرا طبيعيا لكونه يعرف اللغة العبرية معرفة دقيقة، وعلى معرفة جيدة بطبيعة هذا الصراع.
ولنتذكر هنا الوصايا والنصائح التي قدمها أحمد عبد المعطي حجازي في المقال الذي رحب فيه بوجود درويش على أرض مصر، لكن ما لفت نظري في أوراق الملف المالي لمحمود درويش داخل مؤسسة الأهرام، مذكرة أخرى تخص نظام (التأمين) المالي، وتشير إلى أن درويش كان يعمل بإذاعة (صوت العرب) حيث يطالب اتحاد الإذاعة والتليفزيون الشاعر بتسديد سلفة مالية قيمتها (34,290) جنيها كان قد حصل عليها على ذمة بدل السفر في المهمة التي أوفد من أجلها إلى كل من بيروت وقبرص طبقا للقرار الوزاري رقم 190 لسنة 1971 .
وفي مذكرة أخرى نعرف أن الأهرام قامت بتسوية السلفة وتحويلها لحساب الاتحاد على بنك القاهرة – رمسيس – بتاريخ 20-10 - 1971 .


وهكذا وصلنا إلى رقم القرار الوزاري الذي يؤكد أن درويش لم يعمل في مصر إلا في إذاعة صوت العرب ومن بعدها (الأهرام) في حين كانت علاقته بدار الهلال كما قالت «صافي ناز كاظم» صيغة خاصة «ابتكرها أحمد بهاء الدين» لكنها لم تكن «تعيين» في المصور .
ولا يمكن فهم انتقال درويش من صوت العرب أو الهلال إلى الأهرام إلا علي ضوء التحول الكبير الذي مر به النظام السياسي عقب أحداث 15 مايو 1971 والتي سماها السادات (ثورة التصحيح) وكان محمد حسنين هيكل أحد مهندسيها الكبار .
وفي تلك الأجواء القلقة نظر درويش حوله فلم يجد من جاءوا به إلى القاهرة وأقنعوه بمخاطبة العالم في مؤتمر صحفي، لأنهم ببساطة صاروا في السجون وبدا واضحا أن النظام في طريقه لتبني نهج آخر بخلاف ما خطط له من أصبحوا في السجن، وبين يوم وليلة وجد درويش نفسه في «الطل» أو كما تقول منى أنيس» لم يكن يعرف ما الذي ينبغي أن يفعله».
وحده ظل أحمد بهاء الدين من الوجوه الأليفة التي كان يعرفها ويطمئن لها وكانت صلته بالسادات لا تزال «متينة» برغم أن الخريطة الصحفية كانت تتغير أسرع من ملاحقتها والتغيير آت لا محالة.
وكما نفهم من مقال كتبه الراحل مصطفي نبيل، وكان الأقرب إلى قلب الأستاذ بهاء (مجلة الهلال أكتوبر 1996) فإن مجىء السادات إلى السلطة قاد بهاء إلى موقع مختلف، فبعد شهور تم نقله تعسفيا من دار الهلال التي حقق فيها نجاحات كبيرة إلى روز اليوسف، وقد قرأ قرار النقل في الصحف، وبرغم علاقته الشخصية الوثيقة بالسادات فقد جرى ذلك دون علم مسبق وتم فصله من العمل الصحفي مرة وتم وقفه عن الكتابة مرتين.
وكما يشير نبيل فقد بدا واضحا أن الرئيس يريد تطويع الصحافة في ظل العهد الجديد عن طريق الصدمات الكهربائية التي كان يجيدها.
وقد كتب بهاء إلى السادات بعد أن قرأ في الصحف قرار نقله من دار الهلال يقول: لقد اخترعت الثورة صحفيين وكتابا ودكاترة في كل مجال لكنني لست أحد اختراعات الثورة. وبسرعة ظهرت محنة أحمد بهاء الدين مع السلطة وهو الذي حافظ دائما على استقلاليته عنها.
وفي تقديري أن بهاء الذي كان يخاف على «درويش فلذة كبده»، صنع له الجسر الذي عبره باتجاه ضفة أخرى على نهر الصحافة المصرية اسمها محمد حسنين هيكل .
كانت علاقة بهاء وهيكل فريدة ومثالية، تقوم على التقدير المشترك وعلى منافسة يدرك كل طرف فيها قيمة الطرف الثاني، لذلك كان انتقال درويش للطابق السادس في الأهرام «خطوة ضرورية» ليطمئن بهاء الأب على درويش الابن، وسط العواصف السياسية التي كانت تعيشها القاهرة، وربما كان أيضا تعبيرا عن دفء حقيقي كانت تعيشه العلاقات المصرية - الفلسطينية.
جعل هيكل من الطابق السادس في مبنى الأهرام منصة ل «النجوم»ودولابا وظيفيا كبيرا اعتنى فيه بمقتنيات العقل المصري، ولا بأس أن يكون درويش إضافة عربية للمؤسسة التي كانت مع هيكل تعيش عهدها الذهبي.

في مقال عن أيام درويش في مصر نشر عقب وفاته بصحيفة (القدس العربي) أشار الشاعر أحمد الشهاوي في محاولة متميزة لتوثيق إنتاج درويش في القاهرة إلى أنه، بالإضافةً إلى قصيدة «غَزَالٌ ودم»، نَشَرَ محمود درويش في الأهرام وبالتحديد من الفترة من 12 من نوفمبر 1971 حتى الخامس من أكتوبر 1973 تسع قصائد هي: 4 مزامير (وكانت الرسوم بريشة يوسف فرنسيس)، أغنية البطل اليائس (بريشة يوسف فرنسيس)، سرحان يشربُ القهوةَ في الكافتيريا (بريشة يوسف فرنسيس)، عودةُ الأسيرِ المصري – إلى الأسيرِ الشهيدِ سعيد نصَّار (بريشة مكرم حنين)، حوارٌ مع مدينةٍ (بريشة مكرم حنين)، الخروجُ من ساحلِ المتوسط (دون رسمٍ)، كأنِّي أُحِبُّكِ (بريشة مكرم حنين)، تأملاتٌ في لوحةٍ غائبةٍ (بريشة مكرم حنين)، النهرُ غريبٌ وَأَنْتِ حبيبتي (بريشة مكرم حنين).
ويرجِّح الشهاوي أنَّ هذه القصائد (الأهرامية) (المصرية) كتبها – جميعًا – في القاهرة. وقد توفَّرت ريشتان لرسَّامَيْنِ من الأهرام لتجسيد شعرِهِ وَهُما : يوسف فرنسيس ومكرم حنَيْن
لكن البحث في مصادر أخرى يشير إلى أن بعضها رسم بريشة الفنان محمد حجي، كما أن (غزال ودم) ليست هي أوَّل قصيدة نشرها محمود درويش في مصر، لكنها أول قصيدة تنشرها جريدة الأهرام، فقد نشر قبل المجىء لمصر العديد من القصائد في مطبوعات دار الهلال «وخاصة» المصور والكواكب والهلال التي نشرت له أيضا مقاله الشهير «لماذا خرجت من إسرائيل؟» في عدد مارس 1971 بعد شهر واحد من مجيئه للقاهرة، وكانت معه لوحة بورتريه بديعة للشاعر رسمها الفنان الفلسطيني الشهير إسماعيل شموط.
وبخلاف قصائده واصل درويش عمله في مركز الدراسات الفلسطينية (مركز الدراسات الإستراتيجية الآن) ونشر على صفحات الأهرام مجموعة من المقالات المتعلقة بكونه فلسطينيا ومنها مقال عنوانه: «غزة كل يوم» نشر في 2 _ ديسمبر 1971.
كما نشر بعدها بأسبوع تعليقا على انعقاد مؤتمر الأدباء العرب في دمشق بتاريخ 9 ديسمبر 1971
وكان من بين الكتاب الرئيسيين في الملحق الأدبي الذي كان يحرره آنذاك لويس عوض وكتب إلى جواره العديد من المواد منها (عزف منفرد فوق القانون (31 / 3 / 1972 ) وضاع الشعر في البصرة ( 21 /4 /1972 ) .
كما كتب تغطية صحفية من بيروت عن الخوف من الشعر وعن تراجع أرقام النشر بعنوان: (نحن نستمع ولا نقرأ ) وفي الفترة نفسها كتب مقالا مهما عن رواج الكتب الإسرائيلية المترجمة إلى العربية عنوانه (ظاهرة تثير القلق .. من الانغلاق التام إلى الانفتاح التام) ومن بيروت أيضا كتب رسالة بعنوان (حتى تصبح يا وطني وطني ) ( 14 يوليو 1972).
وتدريجيا بدا واضحا تراجع نشاطه الصحفي بسبب كثرة تنقلاته من القاهرة لعواصم أخرى أبرزها بيروت، ففي مارس 1973 يظهر مقال وحيد ضمن صفحة تيارات عربية وإلى جوار كاريكاتير صلاح جاهين عنوانه (شباب عربي وإسرائيلي في قفص اتهام واحد.. مقاومة لا تجسس) ومن هولندا كتب رسالة عنوانها «الشعر يعلن حضوره» ، لكنه مع ذلك واصل نشر قصائده ومنها (تأملات في لوحة غائبة/ النهر غريب وأنت حبيتي)
واعتبارا من 28 يناير 1972 ركز اهتماماته أكثر على الشأن الفلسطيني ونشر مقالا مهما عنوانه «صورة إسرائيلية» ضمن سلسلة حول الصورة التي خلقتها إسرائيل عن مواطنيها أمام الغرب، كما نشر دراسة مهمة عنوانها «معنى القلق في الأدب الإسرائيلي «بدأها ب «أنا وأنت والحرب القادمة» 25 فبراير 1972.
لكن أمرا آخر يفسر قلة كتاباته في تلك الفترة، وهو انتقاله للعمل في مجلة الطليعة التي كان الكاتب لطفي الخولي أسسها في العام 1966 داخل الأهرام منبرا للفكر اليساري، حيث ظهر اسم محمود درويش في هيئة تحرير ملحق الفن والأدب عند ظهوره لأول مرة في العام 1972.
إلى جوار الدكاترة: لطيفة الزيات، غالي شكري، صبري حافظ والناقد السينمائي سمير فريد، ومن يراجع أعداد المجلة في تلك السنوات لا يفوته طغيان «النفس الفلسطيني» فيها، لأن فلسطين كانت «خبز تلك الأيام».
لكن الواضح أن وجود درويش ضمن هيئة تحرير الملحق الأدبي قد زاد من الأسماء الفلسطينية التي انتظمت في الكتابة ضمن المجلة، والملحق مثل سعيد حوارنيه، صديقه الذي صنع له حفل الوداع في موسكو فقد كان يكتب من هناك رسائل منتظمة ، كما نشر الشاعر مريد البرغوثي قصيدته «سادت في الأفق طيور عمياء» ونشر الشاعر معين بسيسو الذي استقبل درويش بحوار في الأهرام يوم وصوله قصيدة «آخر القراصنة» وكذلك ظهرت قصص لمحمود الريماوي وآخرين .
كانت «الطليعة»، قد نشرت في عددها الذي صدر في الأول من سبتمبر عام 1969 مقال محمود درويش الشهير: «خطابٌ مفتوحٌ إلى النقادِ والأدباءِ العرب – أنقذونا من هذا الحبّ القاسي».
وينقل الزميل عزمي عبد الوهاب في كتابه «وجوه تطل من مرايا الروح» شهادة الناقد السينمائي سمير فريد التي يقول فيها: «اقتربت من محمود درويش عندما عملنا معًا في مكتب واحد في مجلة «الطليعة» بالأهرام لإصدار «ملحق الأدب والفن» الذي صدر عدده الأول في يناير 1972 وكانت أول قصيدة اختارها درويش للنشر هي «اشتهاء الملكة» للشاعر الشاب آنذاك «محمد عفيفي مطر».
هذه المعلومة مهمة، لأنها تبدد ما أشيع عن أن درويش كان معزولا خلال وجوده في القاهرة، لأن الطليعة آنذاك كانت المنبر الأهم الذي يكتب فيه أهم أدباء ونقاد مصر القدامى والجدد، ويبدو اختياره لقصيدة عفيفي ليس فقط دليلا على أنه كان على وعي تام بما يجري في الساحة الأدبية، وإنما إشارة لتقدير شعري متبادل، حيث نشرت مجلة «سنابل» التي كان يصدرها عفيفي مطر في فبراير 1971 قصيدة لدرويش بعنوان (كبر الأسير) .
في هذا المناخ وجد درويش نفسه يسكن النصوص الأدبية التي كان يقرأها ويعجب بها، فكان – كما وصف نفسه مرارا - أحد أبناء الثقافة المصرية تقريبا.
كان غالي شكري علي صفحات الطلليعة يواصل التمهيد لما سماه أدب الموجة الجديدة، ويراهن على صوت «أمل دنقل بالتحديد» وقدم فاروق عبد القادر الإشارات الأولى عن جيل الستينيات، ودشن سمير فريد ميلاد «مومياء» شادي عبد السلام».
وفي « الأهرام «وخارجه التقى درويش بهؤلاء الكتّاب الذين كان من قرائهم وكان يعدهم الآباء الروحيين».
قال لعبده وازن: «من سوء حظي أنني لم ألتق طه حسين، كان في وسعي أن ألتقي به، ولم يحصل اللقاء، وكذلك أم كلثوم لم ألتق بها، وحسرتي الكبرى أنني لم ألتق هذه المطربة الكبيرة، كنت أقول إنني مادمت في القاهرة فلديّ متسع من الوقت لألتقي مثل هذه الشخصيات».
وأم كلثوم بالذات وصفها لي ب«متنبى الغناءالعربي» وكتب عنها نصا فريدا بعنوان (إدمان الوحيد)، التقي محمود درويش في مشروع غناء نجاة لقصيدته مع محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما، وكان مجاورا في الأهرام لمكتب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم».
وفي حوار مطول أجراه عبده وازن معه تحدث درويش: عينني محمد حسنين هيكل مشكورا في نادي كتّاب الأهرام، وكان مكتبي في الطابق السادس، وهناك مكتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وبنت الشاطئ، وكان توفيق الحكيم في مكتب فردي، ونحن البقية في مكتب واحد، وعقدت صداقة عميقة مع محفوظ وإدريس الشخصيتين المتناقضتين، محفوظ شخص دقيق في مواعيده ومنضبط، يأتي في ساعة محددة ويذهب في ساعة محددة، وكنت عندما أسأله: هل تريد فنجان قهوة أستاذ نجيب؟ كان ينظر إلى ساعته قبل أن يجيب، ليعرف إن كان وقت القهوة قد حل أم لا، أما يوسف إدريس فكان يعيش حياة فوضوية وبوهيمية، وكان رجلاً مشرقًا».
وظلت علاقته مع هيكل قائمة وكانت زيارة بيته والغداء معه واحدة من طقوس درويش الثابتة عند كل زيارة.
ما لم يذكره درويش أنه سكن في نفس البناية التي يسكنها توفيق الحكيم، وتولي محافظ القاهرة وقت مجيئه السيد وجيه أباظة تدبير هذه الشقة، كما شرح لي «نبيل درويش» وهو ينقل لي ذكريات صديقه محمود درويش في مصر.
في القاهرة صادق الشعراء الذين كان يحبهم: صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي و صلاح جاهين وأمل دنقل، (كتب مرثية للأخيرين واحدة نثرا والثانية شعرا) .
كان هؤلاء كما وصفهم من الأصدقاء القريبين جدًا وكذلك الأبنودي، فقد كانت القاهرة «من أهم المحطات في حياتي» هكذا قال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.