حديث للرئيس عبد الناصر مع الصحفى الهندى كارانجيا الشعب المصرى رد بالتحدى على الغارات الإسرائيلية
أمريكا تهدد بتصاعد الغارات الإسرائيلية ما لم تستسلم مصر
أعلن الرئيس جمال عبدالناصر، أن قوتنا وحدها هى التى تستطيع أن تفرض حلا لأزمة الشرق الأوسط، وأن تجارب الماضى علمتنا، أن قوتنا وحدها هى القادرة على إقناع العدو بعدم جدوى محاولاته لإجبارنا على الاستسلام. وقال الرئيس - فى حديث أدلى به للصحفى الهندى كارانجيا رئيس تحرير مجلة بليتز - إن السلام الذى نسعى إليه يعتمد على نقطتين أساسيتين: الأولى الانسحاب التام من جميع الأراضى المحتلة، والثانية إعادة الحقوق المشروعة لعرب فلسطين. وتناول الرئيس فى حديثه (1) موقف أمريكا المؤيد بل والمشجع لإسرائيل والمشروعات الزائفة التى عرضت تحت ستار السلام (2) الأهداف التوسعية لإسرائيل (3) موقف التحدى الذى وقفه الشعب المصرى ردا على الغارات الإسرائيلية (4) تماسك الجبهة الداخلية المصرية رغم الأيام الصعبة التى مررنا بها فى عامى 67 و1968، التى تحملنا فيها عذاب عدو ثمل بعجرفة النصر (5) الموقف الاقتصادى المستقر فى مصر. وفيما يلى النص الكامل لحديث عبد الناصر:
سؤال: الآن، وحرب يونيو تقترب من عامها الثالث، فإن العالم يتطلع لمعرفة وجهة نظر الرئيس عبد الناصر بالنسبة لاحتمالات الحرب أو السلام فى غرب آسيا؟ جواب: سأكون صريحا معك غاية الصراحة، إننا نستعد للسلام وللحرب كليهما: بمعنى أننا نقوى أنفسنا اقتصاديا وعسكريا لمواجهة كل احتمال، والحقيقة أنه ليس هناك تناقض بالنسبة للقول: إن السلام يعتمد فى النهاية على مدى قوتنا واستعدادنا للحرب. وقد علمتنا تجارب الماضى أن قوتنا وحدها هى القادرة على إقناع العدو بعدم جدوى محاولته لإجبارنا على الاستسلام غير المشروط. سؤال: سيادة الرئيس، ما هو تعريفك للتسوية المشرفة؟ جواب: إننا قبلنا قرار مجلس الأمن الصادر فى 22 نوفمبر 1967، والذى ينص على الحل الواقعى الوحيد والممكن، بدعوته إسرائيل إلى الانسحاب التام من جميع الأراضى المحتلة، وتسوية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بإعادة حقوقهم المشروعة إليهم. لقد كان وقف إطلاق النار بعد حرب يونيو، من وجهة نظرنا، متصلا اتصالا تاما بانسحاب المعتدى، ولقد التزمنا بوقف إطلاق النار، لكن إسرائيل رفضت أن تفعل ذلك، وراح الإسرائيليون يضربون السويس والإسماعيلية وغيرهما بالقنابل، ويقتلون المدنيين ويدمرون ممتلكاتهم. ثم جاء قرار مجلس الأمن الصادر فى نوفمبر، لكنه بدوره لم يمنع الإسرائيليين من مواصلة حرب الإرهاب ضد شعبنا. وهذه الحرب مستمرة حتى اليوم، وقد وصلت إلى القاهرة، حيث ضربت الطائرات الإسرائيلية فى الآونة الأخيرة مصنع «أبو زعبل»، وقتلت أكثر من 70 من العمال الأبرياء، وكان توقيت ضرب المصنع - شأنه فى ذلك شأن الكثير غيره - موقوتا بحيث يقتل أكبر عدد ممكن من الناس. فقد تمت الغارة فى نفس وقت تغيير الورديات. وكان للعناية الإلهية فضل إنقاذ حياة مئات العمال، بسبب تأخر القطار الذى يحمل وردية الصباح إلى المصنع.
النصيحة الغريبة سؤال: يبدو - يا سيادة الرئيس - أن الإسرائيليين قد تعلموا دروسهم تماما من هتلر وجورنج، ومع ذلك فإنه مما يثير الدهشة حقا أن تخرج صحيفة «نيويورك تايمز» لتدعوك إلى التخلى عن أحلامك باستعادة المناطق التى فقدتها بالحرب، وتناشدك أن تسعى لتسوية دبلوماسية. فهل لسيادتك أن تجيب على هذه النصيحة الغريبة؟ جواب: إن «نيويورك تايمز» تردد ما ظلت تقوله لنا الحكومة الأمريكية على طول الخط. فأمريكا تؤيد وتشجع إسرائيل بكل وسيلة، وبدلا من أن تطالبها بوقف حماقاتها ضد شعبنا، فإنها تهددنا بأن الغارات ستتصاعد وتتسع وتزداد عمقا، ما لم نستجب لنصيحتها ونستسلم للمعتدى. سؤال: هل فعلوا ذلك حقيقة يا سيادة الرئيس؟ جواب: أجل.. فعلوا ذلك بطبيعة الحال عن طريق النصيحة «الودية»، ولكننا نعرف أن أمريكا مسئولة عن جميع الفظائع التى ترتكبها إسرائيل. وفضلا عن ذلك، فمن هم الذين أعطوا الإسرائيليين الطائرات التى يستطيعون بها أن يتوغلوا فى عمق أراضينا لضرب شعبنا؟ لقد أعطتهم أمريكا منذ حرب يونيو 50 طائرة فانتوم، ومائة طائرة سكاى هوك، بالإضافة إلى غيرها من الأسلحة الحديثة، وذلك بالرغم من حقيقة أن سلاح الطيران الإسرائيلى لم يتعرض لأية خسارة تذكر فى معارك سنة 1967. وعندما نحتج فإنهم يقولون لنا: إن عليهم أن «يوازنوا» قوة إسرائيل الجوية بقوتنا، ويطلقون على ذلك اسم المحافظة على «توازن القوى» فى هذه المنطقة، ولكنهم حينما يقيمون «التوازن» فإنهم يضيفون إلى قواتنا الجوية كل طائرة تملكها كل دولة عربية! سؤال: لعل فى إمكان سيادتك أيضا أن تضيف السلاح الجوى الأمريكى إلى السلاح الجوى الإسرائيلى! جواب: بجد، هناك بعض الحقيقة فيما تقول، فإن أمريكا لم تكتف بتسليح إسرائيل حتى درجة التشبع ولكنها، فى الوقت نفسه، وضعت تحت تصرفها أحدث وأرقى ما لدى «البنتاجون» من الموارد. ولدينا من الشواهد على أنهم أعطوا إسرائيل أحدث أسلحة الحرب الإلكترونية، كأجهزة التشويش الإلكترونية، وعيون الاستطلاع وغيرها.
العروض المزيفة! سؤال: وبالرغم من ذلك فإن نيويورك تايمز» تحذرك من «تعميق إشراك الدول الكبرى عسكريا فى النزاع». فهل هذا تهديد؟ جواب: إنهم يصدرون مثل هذه التهديدات والتحذيرت منذ سنة 1967، فليس فيها شىء جديد، وفضلا عن ذلك فإن أمريكا موجودة فى إسرائيل. إن إسرائيل هى قاعدتها الأمامية فى غرب آسيا، فأى إشراك يمكن أن يكون أعمق من إشرك أمريكا مع إسرائيل؟ إن واشنطن تردد فى كل مرة كلام إسرائيل، والمذكرات الأمريكية لنا تكرر، كالببغاء، الكلمات والجمل التى تستخدمها «مائير» و«إيبان». والحقيقة السافرة هى أن أمريكا تشجع إسرائيل وتفرض علينا الدخول فى مفاوضات مع المعتدى بدون ضمان انسحابه، ومعنى ذلك أنها تريد أن تعطى إسرائيل مكافأة على عدوانها، وهذا هو ملخص وفحوى ما جاء في «التوصيات العشر» التى قدمها مستر روجرز، فكيف يمكن أن نبحثها بحثا جديا؟ سؤال: ذلك يعنى أن التسوية السلمية مستبعدة؟ جواب: فى ضوء المقترحات الأمريكية القديمة التى لا تخرج عن تأييد موقف إسرائيل، فإننا نستبعدها تماما وكلية. إن ما يسمى بمشروع روجرز، الذى يطالب كل دولة عربية على حدة بالتفاوض مع إسرائيل على انفراد، يسعى فى الحقيقة إلى مساعدة العدو على الضغط علينا.. ويفتت الوحدة العربية والتصميم العربى.. والواقع أن الإسرائيليين يريدون أن يتصرفوا من مركز القوة، وواشنطن تشجعهم بالسلاح والأموال، وكذلك بعروض السلام المزيفة. وجوابنا على ذلك التهديد لا يمكن أن يكون إلا بأن نصبح أقوياء حتى نستطيع أن نواجههم، وأن نهزم قوتهم بقوتنا فى السلام أو فى الحرب، بحسب ما يقتضيه الموقف.
الحرب وتركيب إسرائيل سؤال: فى 24 مارس الماضى، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن قرارها الرسمى بالبدء فى استعمار الأراضى العربية المحتلة، بادئة بالخليل. بل إن صحيفة «التايمز» اللندنية اعتبرت ذلك «خطوة حاسمة لتحويل الاحتلال الإسرائيلى إلى استعمار إسرائيلى»، فهل لسيادتك أن تعلق على ذلك؟ جواب: إن هذا الإعلان لم يثر أية دهشة لدينا.. لأن استعمار الأراضى العربية التى احتلتها إسرائيل مستمر منذ الحرب، وهو ليس إلا برهانا على صحة ما كنا نقوله دائما، من أن سياسة إسرائيل سياسة تقوم على العدوان الدائم، والتوسع، وضم الأرض واستعمارها. إن مؤسسى إسرائيل أنفسهم لم يخفوا أبدا مشروعهم الخاص بإسرائيل الكبرى، التى تشمل قناة السويس والدلتا والأردنولبنانوسوريا والعراق والمنطقة كلها الواقعة بين النيل والفرات. وذلك كله مسجل فى خريطة هرتزل لإسرائيل الكبرى. وقد سألتنى عما إذا كنت أتوقع السلام أو الحرب. وأقول لك: إنى أريد السلام لتنمية بلادى، كما تريده الدول العربية الشقيقة الأخرى. وصدقنى إننا قرعنا كل باب بحثا عن السلام، ولكن الجواب من إسرائيل وشريكاتها الدول الغربية كان: الحرب.. الحرب.. والحرب. إن الحرب كامنة فى تركيب إسرائيل نفسها، إنها جزء من خططها وسياساتها. ولننس وايزمان وبن جوريون، ولنتساءل: ما الذى تقوله جولدا مائير وموشى ديان لشعبهما حتى فى يومنا هذا؟ إنهما يهددان باستعمار كل الأرض التى سلبوها من سورياوالأردن ومصر. وموشى ديان يفاخر بأن جيله استطاع أن يحقق ويوسع حدود عامى 1948 و1967. ويطالب الجيل القادم بأن يتم المهمة بالغزو لتحقيق إسرائيل الكبرى! فكيف يمكن أن نتفاوض من أجل أى تسوية ثابتة ودائمة للحدود مع مثل هؤلاء الناس الذين لا يعرفون حدودا، ولا يعترفون بالحدود. سؤال: إن هذا يذكرنى بتطور مطابق.. لقد فهمت أن بعض الزعماء الفلسطينيين كانوا فى الآونة الأخيرة موضع اتصال من جانب مصدر فرنسى محايد، يعرض عليهم استعداد إسرائيل للتفاوض من أجل إنشاء دولة عربية فلسطينية فى الضفة الغربية لنهر الأردن، ومع هذا العرض طعم من إسرائيل يشجع إنشاء هذه الدولة الجديدة على ضم الضفة الشرقية وابتلاع الأردن.. فهل سمع سيادة الرئيس بهذا العرض؟ جواب: إن مثل هذا العرض لا يمكن إلا أن يؤدى إلى تحويل الأنظار عن قرار الأممالمتحدة الخاص بحل مشكلة فلسطين حلا عادلا، والانسحاب من الأراضى العربية المحتلة. كذلك فإن مثل هذه العروض مصيرها إلى الرفض.. وربما كان هذا هو ما تريده إسرائيل لتضليل الرأى العام العالمى بحلول مزيفة، مثل هذا الحل لمشكلة اللاجئين.. حلول إذا رفضت فإن اللوم عندئذ يقع على العرب، وتمضى إسرائيل فى ضم الأراضى التى احتلتها. كما أن من شأن ذلك أن يعطيهم حجة مقنعة لدفن قرار مجلس الأمن وإفساد قضيتنا.
الشعب يتحدى سؤال: طبقا لاعتراف إسرائيل نفسها، فإن غاراتها الإرهابية حول القاهرة رسمت ونفذت للخلاص من جمال عبد الناصر. ولكن النتيجة هى عكس ذلك تماما.. فإن «عملية» الخلاص من عبد الناصر، لن تؤدى إلا إلى تدعيم زعامته.. فهل أنا محق فيما أقول يا سيادة الرئيس؟ جواب: إن الحكومة الإسرائيلية لم تكن وحدها التى توهمت، بأن النظام فى مصر سينقلب خلال ستة أسابيع من تنفيذ هذه العملية.. ولكن شاركها فى هذا الوهم دوائر غربية معينة، ولا سيما الدوائر الأمريكية.. ونحن بطبيعة الحال لم يكن لدينا سبب لمثل هذا الخوف.. ومع ذلك فقد كنت حريصا على أن أعرف رد الفعل الشعبى، وتلقيت مسحا شاملا للبلاد كلها، تبينت منه أن الغارات لم تؤد إلا إلى تعبئة الشعب والتفافه حول هدف المقاومة. سؤال: تترد فى الكويت وبيروت وغيرهما رواية تقول: إن إسرائيل وضعت خطة لغارة يقوم بها الكوماندوز الإسرائيليون، على منزلك فى القاهرة لقتلك أو خطفك. جواب: هذه فى الحقيقة خطة قديمة رسمت بين بن جوريون وموليه، أيام عدوان 1956، ووضع لها اسم رمزى هو «عملية الفرسان»، لكنها لم تنفذ بسبب اعتراض أنتونى إيدن عليها. وقد عرفت فى الآونة الأخيرة أن هذه العملية كانت موضع بحث جدى من جانب الإسرائيليين. سؤال: ومع ذلك فإن مثل هذه الخطط والمؤامرات تبين أهمية جمال عبد الناصر للثورة العربية والمقاومة العربية.. الأمر الذى يقودنى إلى مسألة ذات أهمية كبيرة أضعها على الوجه التالى: إن نابليون العظيم نفسه سقط بعد معركة واترلو، لكن عبد الناصر لا يزال عظيما.. فهل لك أن تفسر هذه الظاهرة؟ جواب: الحقيقة أن الثورة العربية وشعوب الأمة العربية والشعب المصرى أكبر من أى فرد. روح الشعب وحصانته سؤال: لا تسىء فهمى ياسيادة الرئيس.. فإنى لا أتملقك.. ولكنى أضع أمامك سؤالا جديا.. إن التاريخ المعاصر يريد أن يسجل مصادر وأسباب بقاء عبد الناصر بعد معركة كمعركة واترلو.. هل مرد ذلك إلى شخصيته نفسها؟ أو أن السبب فيه هو الثورة الاقتصادية والاجتماعية التى قمت بها، أو هو شعور بالامتنان من جانب الشعب للحياة الأفضل التى قدمتها له. جواب: لقد قرأت تقييمك فى صحيفة «بليتز»، ولكن الأمر فى الحقيقة مختلف.. وسأقول لك رأيى فيه: لقد قيل لى بعد هزيمة 1967 إن الموقف العسكرى والاقتصادى والسياسى ميئوس منه تماما.. لكن رد الفعل الشعبى الذى أعقب ذلك، كان مظاهرة عظيمة ومثيرة للمشاعر بإيمان هذا الشعب بأهدافه، سواء فى الهزيمة أو فى النصر، مما اضطرنى إلى التراجع عن قرارى والمضى فى خدمة أمتى.. ويمكننى أن أضيف أن الشعب المصرى لم يكن وحده، هو الذى أصر على مواصلة النضال.. ولكن شاركته فى ذلك كل الشعوب العربية. تريد أن تعرف سبب ومصدر هذا الشعور.. عليك إذن أن تقوم بدراسة تاريخية للشعب المصرى وللأمة العربية. لقد كان هناك شعور بخيبة الأمل، بل كان هناك أيضا شعور بالغضب للهزيمة العسكرية التى تعرضنا لها.. ولكن شعبنا يتمتع بحصانة تاريخية ضد مثل هذه النكسات المؤقتة. إن لدى هذا الشعب حضارة سبعة آلاف عام.. جاء خلالها الغزاة إلى بلاده وخرجوا منها.. وعرف فيها الهزائم والانتصارات، ولكنه ظل دائما متحدا، وكان اتحاده يتجلى أكثر وأكثر فى أوقات الأزمات والأخطار. وكان لهذه التجارب الفضل فى غرس شعور عظيم من الثقة والقدرة المدهشة على امتصاص الصدمات والنكسات.. بل إنك حتى يومنا هذا، ترى الشعور بالهدوء والثقة التى يواجه بها هذا الشعب ضرب القنابل، ويتصدى للقتل الذى يحدث حوله. حتى عندما كان الضرب قريبا من القاهرة. سؤال: إننى أرى ذلك بوضوح يا سيدى.. وهو يذكرنى بالروح التى سادت لندن خلال غارات هتلر عليها. جواب: ثم هناك أيضا مسألة الوطنية و القومية الوطنية المصرية والقومية العربية. إن هذا الشعور بالوطنية وبالقومية يكون دائما أقوى وأعمق ما يكون حين يجرح أو يهان.. إن ما يحاوله الإسرائيليون وحلفاؤهم هو أن يضربوا ويهزموا هذا الشعور الوطنى والقومى، ويدخلوا فيه اليأس، بحيث يتخلى الشعب العربى عن أهدافه، ولكن تأثير ذلك هو العكس، فإن الشعور الوطنى ازداد، وأصبح التفاف الشعب حول أهداف نضاله التفافا كاملا وتاما. ولقد أشرت إلى الثورة الاجتماعية والاقتصادية، والفوائد التى عادت من ورائها على الشعب المصرى.. وهذا صحيح بطبيعة الحال.. ولكنك قد تدهش إذا عرفت إنه كان من بين من نادوا بسحب استقالتى، الإقطاعيون القدماء من أصحاب الأراضى، والرأسماليون الذين حرمتهم الثورة من أراضيهم وثرواتهم. وأستطيع أن أقول لك إنهم لا يحبوننى ولا يحبون سياستى، ولكن الوطنية هى العامل الذى حرك التفافهم حول البلد وحول من يتحمل مسئولية قيادته ساعة الخطر.. لقد كان هدف العدو ذا شقين: غزو من الخارج مصحوب بهجوم من الداخل، يترتب عليه انهيار الثورة فى مصر، وكان معنى ذلك الاستسلام بلا قيد ولا شرط.. وقد استطاع شعبنا أن يرى هذه الإستراتيجية بوضوح، وأن ينجح فى تدعيم الجبهة الداخلية، الأمر الذى سيمكننا من أن نواصل كفاحنا حتى النصر.
صبر وعمل وتضحية سؤال: ما هو تقييمك للجبهة الداخلية اليوم فى ضوء المجهود الحربى ومستلزماته؟ جواب: إن مجهودنا الحربى منذ سنة 1967، يتضمن بطولات إنسانية عظيمة أشعر بالفخر لها.. وأعترف لك بصراحة إن سنتى 1967 و1968، كانتا سنتى كابوس قاس جثم على صدر شعبى وعلى صدرى. لقد تحملنا عذاب عدو ثمل بعجرفة النصر. وكما قلت لك: فإن إسرائيل رفضت أن توقف إطلاق النار باستمرار وطول الوقت ومضت فى ضرب السكان المدنيين فى السويس والإسماعيلية بغارات يومية وليلية بقنابل النابالم. ولم تكن لدينا الوسائل أو الأسلحة لحماية شعبنا أو للرد على هذه الغارات، وكان العدو يعرف ذلك تماما.. ولذلك فإنه مضى فى إرهابه لنا لإجبارنا على الاستسلام. وكانت المحنة قاسية بدرجة لم نجد مفرا معها من إجلاء أكثر من 400 ألف من السكان عن المدن الأمامية وإيوائهم فى أماكن أخرى. ولك أن تتصور مدى الألم الذى عشناه كشعب. لقد تركنا العدو وليس أمامنا إلا أن نختار بين الاستسلام أو القتال.. وكان معنى الاستسلام نهاية المشكلة.. لكن التفويض الذى منحه الشعب لى، كان توجيها بأن نمضى معا مرة أخرى إلى إعادة بناء القوات إلى النصر.. وهكذا رفضنا الاستسلام وتحملنا قنابلهم وضرباتهم بشجاعة وقوة. ولم يكن فى استطاعتنا أن نجتاز تلك الأزمة المؤلمة فى سنة 1967 - 1968، بدون استعداد للبذل والتضحية والجهد التعاونى من جانب الشعب الذى نهض كالعملاق يستجيب لدواعى الصبر، والتضحية، والعمل الشاق، وتحقيق أكبر قدر من الإنتاج. وقد استطعنا بهذه الوسائل أن نعمل بنجاح على إنقاذ اقتصادنا الذى هزته الحرب، وأصبح الموقف أفضل وأفضل خلال سنتى 1969 و1970، ويمكننى أن أقول اليوم، وبثقة: إن مصر قد اجتازت الأزمة الاقتصادية والعسكرية. وبفضل المعونة السوفيتية، فإننا أعدنا بناء قواتنا الدفاعية تماما، وأصبحنا فى موقف يمكننا من توجيه ضربات مضادة واسعة النطاق ضد الهجمات الإسرائيلية.
اقتصاد أكثر استقرارا سؤال: إنى أستطيع أن أرى ذلك يا سيادة الرئيس، ولكن ما الموقف بالنسبة للأزمة الاقتصادية التى أعقبت حرب 1967؟ جواب: لقد نجحنا فى التغلب عليها أيضا.. والحقيقة أن موقفنا الاقتصادى برغم ظروف الحرب مستقر وثابت. ولقد استطعنا لأول مرة منذ ثلاثين سنة أن نحقق ميزانا تجاريا لصالحنا.. وزادت صادراتنا فى السنة الماضية عن وارداتنا، وارتفعت صادراتنا الصناعية إلى 120 مليون جنيه.. كما أن إنتاجنا الزراعى يزداد أيضا.. ونحن نصدر كميات كبيرة من الأرز، وقد كافأنا الله بمحصول للقطن سجل رقما قياسيا. كذلك فإن إنتاجنا من البترول ازداد من 7.5 مليون طن قبل حرب يونيو، إلى أكثر من 20 مليون طن فى الوقت الحاضر. وهذا بالرغم من أن إسرائيل استولت على آبارنا للبترول الموجودة فى سيناء، والتى تنتج 5 ملايين طن. وقد تم ذلك كله بدون أن يحرم الشعب من الأغذية وغيرها من المستلزمات الاستهلاكية، واستطعنا أن نبقى على أسعار المواد الأساسية منخفضة.. والحقيقة أن مشروعات الثورة بدأت تعطى ثمارها فى الوقت المناسب.. فمشروع السد العالى ومشروع الحديد و الصلب و غيرهما من المنشآت الكبرى تواجه أعباء المعركة لصالح الشعب الذى بناها بماله وجهده. ولست أقول: إنه ليست هناك صعوبات أو عقبات. ولكننا جميعا مما يمكن تذليله. وإننا، بصفة رئيسية، مدينون فى هذا الصمود الاقتصادى إلى التعاون الاختيارى من جانب شعبنا المناضل العظيم.. فالفلاحون والعمال والمهندسون والفنيون والمثقفون بذلوا جهودا جبارة لزيادة الإنتاج فى جميع الميادين، ولوضع أساس صناعى واقتصادى سليم، هو من الأهمية بالنسبة للحرب كأهمية المجهود الحربى نفسه.
تطلع جهد عربى منسق سؤال: لقد حققت مصر ولا شك معجزة فى الانتعاش الاقتصادى والعسكرى خلال فترة تقل عن ثلاث سنوات، ولكن ما هو تقييم سيادة الرئيس بالنسبة للوحدة العربية فيما يختص بالتنسيق العسكرى؟ جواب: إن ذلك أيضا كان موضع اهتمام.. وقد يكون التقدم فى هذا الصدد بطيئا.. ولكنه ماض بصورة مطردة. وكما تعلم فإن الموقف فى هذا الصدد يتطور بصورة مرضية جدا بين ليبيا والسودان ومصر.. كذلك فإن سوريا فى الجبهة الشرقية تبلى بلاء حسنا، وتوجه للعدو ضربات قوية. والتنسيق بين سوريا والعراق والأردن يتزايد، ولدينا قيادة مشتركة بين الجبهتين الشرقيةوالغربية تحت قيادة الفريق فوزى. وهكذا ترى أن هناك كل الأسباب التى تدعو للتطلع إلى جهد حربى منسق بين الدول العربية. سؤال: هل هذا هو السبب فى أن إسرائيل وحلفاءها، بما لديهم من وكالات هدامة، يعملون كل جهدهم لتنظيم انقلابات مضادة فى السودان وغيره؟ جواب: إن تحليلك صحيح.. وقد كان علينا أن نواجه مثل هذه المؤامرات لا فى السودان وحده، ولكن فى ليبيا وسوريا والعراق ولبنان ومصر أيضا، بل وفى هذه المنطقة كلها. ثم إن حقيقة حدوث هذه المؤامرات بين أصدقائنا وحلفائنا، مع اقتراب انقضاء ثلاث سنوات على حرب يونيو، يبين مدى ضيق العدو ونفاد صبره فى مواجهة التطورات الإيجابية عندنا. سؤال: يبدو أن الإسرائيليين والأمريكيين قد عادوا يلعبون لعبة «الدومينو» القديمة التى كانوا يلعبونها فى منطقتكم؟ جواب: إنها نفس اللعبة الإمبريالية القديمة.. لعبة التخريب، سواء لعبوها فى السودان أم لبنان أم كمبوديا أم لاوس.. والحقيقة أن الوقت يضيق أمامهم، فى حين أن الوقت حليفنا الرئيسى، وهذا هو السب فى أننى أريد أن أمضى مسلحا بالصبر والإصرار على استخدام الوقت، بدلا من إساءة استخدامه، إننا إذا ضمنا ثبات وضعنا الاقتصادى والسياسى كما هو الحال الآن، فإننا نستطيع أن ننتظر وننظم قواتنا العسكرية ووحدتنا اللازمة، لمقاتلة العدو فى الوقت المناسب والمكان الذى نختاره نحن. سؤال: فى الختام يا سيادة الرئيس.. هل تريد أن تحملنى أية رسالة إلى الهند؟ جوابك إن الهند فى قلوبنا وأذهاننا دائما.. وإننى أتمنى لبلادك كل خير.. ونحن نراقب تطور الهند باهتمام وإعجاب بالغين، وكما تعرف،فإن رئيس وزرائكم الراحل جواهر لال نهرو، كان رفيقا عزيزا علينا، ونحن نرجو لابنته ولشعب الهند كل رخاء ونجاح.