مصر وليبيا والسودان مثلث ذهبى. والمثلث لا يصبح هكذا دون اكتمال الأضلاع، ولولا الملامة لقلت دائرة، فالدائرة أكمل الأشكال الهندسية، ولا حاضر أو مستقبل إلا باكتمال المثلث بين القاهرةوطرابلس والخرطوم، شعوبا وقبائل، موارد وبشرا، وحتمية التاريخ تصل إلى هذا الخط المطلق. جرب الزعيم عبد الناصر وحدة الدول الثلاث بميثاق طرابلس عام 70، واستأنف السادات المسيرة باتحاد الجمهوريات فى بنغازي 71، لكن الهوى منع القطار من الوصول إلى المحطة، واستمر المسافرون معلقين فى الفراغ. فى وسط القاهرة قد تصادف كاتبا أو شاعرا أو أديبا سودانياً أو ليبياً، ينخرط بين أقرانه المصريين، وقد يندرج فى تنظيماتهم السياسية والأدبية، وقد يسجن معهم سياسيا، وحدث هذا بالفعل، والأمثلة لا حصر لها، ولم يكن يشعر أى منهم بالغربة أو الاغتراب، هكذا كانت الحال دائما مع شاعر إفريقيا الأكبر محمد الفيتورى، وروائى السودان الأشهر الطيب صالح، أو كاتب ومفكر ليبيا علىّ فهمى خشيم، وخليفة التليسى ولا ننسى هنا الهادى آدم، صاحب قصيدة «أغدا ألقاك» التى غنتها كوكب الشرق أم كلثوم، ولا الشعراء، كجراى ولا محيي الدين فارس، ولا مصطفى سند، ولا الروائى أمير تاج السر الذى عرفت قدماه شوارع القاهرة، صاحب رواية كرمكول، وهل ننسى فرنسيس دنج، أو خديجة صفوت، أو عبد الله النعيم، ومحمود محمد طه، كذلك عشرات الكتاب الذين ارتادوا منتديات القاهرة الأدبية، وأروقة الليالى الساهرة فى القاهرة العامرة. وأنت تمشى فى شوارع مصر لا تستطيع التفرقة بين مصرى وسودانى وليبى، فهم من نسيج واحد، بينهم تكامل لا تفاضل، ومساحة الجغرافيا التى يعيشون عليها عبقرية فى المكان والزمان، وقادرة على استلهام حضارة جديدة، حضارة تطل على أوروبا بسواحل البحر المتوسط العجيبة، وتتعمق فى قلب إفريقيا حيث السيد النيل نجاشى. تستطيع أن تنظر فى بئر التاريخ فلا تصل إلى أعماقها، لكنك ستجد على جدرانه كتابة ونقوشا تؤكد أنه لا مفر من التكامل، وستجد أن المركز الإمبريالى الغربى زرع بيننا جماعات وأفرادا عملوا بجهد وكد على ألا يجرى نهر البشر المتكامل بين الدول الثلاث. كتب كثيرون عن وحدة الجمهوريات العربية الثلاث أو الأربع، على اعتبار وجود سوريا، وكتب آخرون عن أهمية الوحدة، وكتب البعض عن أسباب الفشل، وظن آخرون أن الوحدة أضغاث أحلام، لكن لم يكتب أحد على أن الحتمية التاريخية ستصل بنا إلى اندماج هذا المربع الجغرافى الخطير فى شمال شرق إفريقيا. فى سنوات الربيع السام لم يجد الليبيون إلا مصر ملاذا آمنا، وفى سنوات الغضب السودانى جاء السودانيون إلى الشمال، وعاشوا، واندمجوا، وتناسلوا وأصبحوا يشربون من نفس النيل، وجرت أحداث وأحداث، وتغيرت الأنظمة والأوضاع، ولم تتغير الأعماق، بقيت راسخة كما رسوخ النيل، وكما رهبة الصحراء الغربية الكبرى. فى السودان، كما فى ليبيا ومصر، يوجد من يؤمن بأن وحدة المصير أزلية، أزلية مهما حاول المركز الاستعمارى، ومهما خطط بليل. وأنتم تعودون إلى طبيعة الأشياء، لا تتذكروا محاولات الوحدة من أعلى، ولا تتذكروا الاتفاقيات الورقية بين السياسيين، ولكن عليكم أن تتذكروا أنه ليس بتوقيع الأوراق يتحدد مصير الشعوب، إنما يتحدد باقتناص اللحظة، وها هى قد جاءت. أوروبا تتكامل، أمريكا تتمركز حول الذات، روسيا تتمدد، الصين تتعملق، وحان الوقت أن تتمركز حضارة وادى النيل وثقافة الأبيض المتوسط حول الذات، فالماء فى النيل، والأرض الخصبة فى السودان، والطاقة فى ليبيا، وفى مصر الموارد البشرية العملاقة. فتكاملوا اليوم قبل الغد، ولا تتفاضلوا، ولا تجعلوا المركز الأوروبى يعلو الهامات، ولا تتركوا المستقبل يمضى من بين أيديكم ولا يعود.. وارفعوا شعار «مصر والسودان وليبيا أرض واحدة»، وتصاحبوا مع اليونان وإيطاليا، وتصادقوا مع إثيوبيا وكل دول حوض النيل وتشاد، فالحل حيث مواقع الأقدام، وحيث الدروب التى تمشون عليها.