منذ أن صدع النبى صلى الله عليه وسلم بدعوته امتثالًا لأمر الحق، «فاصدع بما تؤمر»، بدأت الدعوة إلى توحيد الله، وظلت الحال سليمة عفية دون هوى فى نفوس المؤمنين طوال فترة الخلفاء الراشدين الأربعة، وبعد ميلاد الدولة الأموية ولدت معها وقبلها الفتن والخلافات، ولبست الدعوة إلى الله ثوب السياسة وأطماعها، فأمر معاوية بن أبى سفيان وخلفاء بنى أمية بسب الإمام عليّ وولديه الحسن والحسين على المنابر.. وعندما غلبت الدولة العباسية عام 132ه وتسلطنت على العالم الإسلامى، كان أول قرار للخليفة أبو العباس السفاح نبش قبور بنى أمية، ولعن خطبائها بأشد العبارات. أما الدولة الفاطمية فحدث ولا حرج، فكانوا يلعنون أهل السنة جميعًا ويكفرونهم وأنشأ الخليفة الحاكم بأمره داراً للإلحاد، وكانت عبارات اللعن تكتب على جدران المساجد. ومن زمن إلى زمن تتراجع السياسة أحياناً، وتقتحم شئون الدين أحياناً أخرى، حتى تفتت الخلافة واقتصر خطباء كل دولة بالدعاء لمن يتولى الأمر فيهم.
وكما شهدت الدعوة أسماء كبارًا ملأت الدنيا مثل شيوخ الأزهر الشريف، لكن للأسف الشديد تسربت السياسة والارتزاق مرة أخرى لاستخدام الدين للمنافع الشخصية والحزبية، وإلهاء الناس بفتاوى ما طلبها منهم أحد، تؤدى إلى تفتيت عنصرى الأمة، وتعددت إذا جاز التعبير المدارس الفقهية حسب الهوى، فالسلفية المتشددة كمثال تحرم تهنئة غير المسلمين فى أعيادهم، وبرغم نفى فقهاء الأزهر الشريف لهذه المهاترات، فإنهم لا يتوقفون حسب رغبة الممولين لزرع الفتنة بالبلاد، كما تسللت السياسة حتى حدثت الكبوة الكبرى للإخوان . وفى أيامنا هذه ومع دعاوى تجديد الخطاب الدينى وجدها ضعاف النفوس فرصة لتكوين الثروات، واقتصر الجديد عندهم على اللباس، برغم أن الإسلام لم يحدد نوعاً خاصاً معيناً، ولكنهم لظنهم أنهم هكذا يجددون، لبسوا «الجينز» و«الكاجوال»، واستبدلوا لعجزهم اللهجة العامية باللغة العربية التى نزل بها القرآن برغم بساطتها، وسمعنا من يقول فيمن حشدته له «شركات» الدعوة: « يا جماعة، أمنا خديجة يا جماعة، دا ربنا بيقول كذا وكذا » وضاعت هيبة اللغة ومعها هيبة الدين، وتسابقت الفضائيات على تقديم هؤلاء للناس، ومنهم من امتلك فضائيات، وهكذا طغت ظاهرة الداعية « خالى الدسم »، إلا من عصم ربى من خريجى الأزهر الذين درسوا الفقه وأصوله والخطاب الدينى وقواعده، ولذا فالأزهر الشريف يتعرض لحملات تشويه مدفوعة الثمن لدعاة الجينز والكاجوال وأساور اليدين الملونة، إلا أنه شامخ كالطود العظيم .. وهنا فى هذا الملف نسلط الضوء على بعض الدعاة الشباب نرجو لهم الثبات وعدم الانجراف نحو بريق التمويل الذى يريد لبلادنا الخراب بأيدينا.