يبدو أن العنف فى الدراما المصرية لم يكن ظاهرة واختفت، لكنه استطاع منذ سنوات أن يصبح سائدا فى أغلب الأعمال الدرامية التى تعرض على شاشات التليفزيون، وهذا العام زادت جرعة العنف بشكل كبير فى الدراما المعروضة، وأصبحنا لا نشاهد عملا إلا ويتضمن مشاهد قتل مختلفة وتقديم صورة غير صحيحة لمجتمعنا، «الأهرام العربى» طرحت هذه القضية فى التحقيق التالي: الناقدة ماجدة موريس تقول: دراما رمضان القديمة أمثال ليالى الحلمية والمال والبنون والوتد، وغيرها من الأعمال، التى كانت تتناول حياتنا ومجتمعنا دون تزييف للواقع أو تفريغ عقولنا لصالح أفكار معينة، رحلت مع المجتمع الذى رحل بعد ثورة يناير، وأتى بدلا منه مجتمع آخر تم تجريف أفكاره وتشويش ثقافته، خصوصا بعد تولى الإخوان الحكم، بالإضافة إلى التضحية بالتليفزيون الرسمى لصالح القنوات الخاصة، والذى كان يمثل منذ انطلاقه وحتى 2011 رمانة الميزان فى المجتمع وحامى القيم والعادات والتقاليد من خلال الأعمال الدرامية المختلفة والمتنوعة التى ظل يقدمها عشرات السنوات، أما الآن فنحن أمام مجموعة من المنتجين الجدد يسيطرون على الإنتاج الدرامى فى مصر، كما الحال بالنسبة لأصحاب القنوات أيضا، لا يعنيهم ما يقدمون من أعمال وهل تتماشى مع مجتمعنا أم لا بقدر ما الذى سيجنوه من ورائها.
وأضافت: المشكلة ليست فقط فى وجود عنف فى الدراما، وإنما فى عدم وجود توافق بين ما يقدم على الشاشة والواقع وما تواجهه الدولة من تحديات أمامها تزداد يوما بعد يوم حتى تستطيع الخروج من عنق الزجاجة، فمنذ رحيل الإخوان ونحن نواجه أشد أنواع الإرهاب وكل يوم لدينا شهيد أو أكثر، وبرغم ذلك لم يحرص صناع الدراما أو أبطالها على معايشة الواقع وتقديم العنف بما يفيد مجتمعنا والظروف التى يمر بها، وإنما وجد العكس والتفكير بما يحقق المصالح الشخصية دون أدنى نظرة للمخاطر التى ستخلفها هذه الأعمال على الأجيال الحالية.
وقالت: الدراما صناعة إستراتيجية تحتاج لعناصر كثيرة حتى تخرج بشكل سليم ليس فقط الإنتاج والنجوم المشاركين، وإنما ضرورة الاستعانة بكبار أساتذة علم النفس والاجتماع أمثال د. أحمد عكاشة ليطلعهم على تركيبات المجتمع وحالته المزاجية، وما الذى يتماشى معه فى ظل الأحداث الاقتصادية الصعبة والإرهاب الذى نعيشه منذ أكثر من 7 سنوات وهذا ليس عيبا، فهو من خلال علمه يكون أقرب من مؤلف العمل إلى المجتمع ويعلم كيف يحافظ على هويته وعاداته وتقاليده، وكنت أتمنى أن أرى دورا للمجلس الأعلى للإعلام نحو هذا الأمر واتخاذ ما يلزم لضبط الإيقاع الدرامى، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، بالإضافة إلى ضرورة عودة تليفزيون الدولة للإنتاج الدرامى مرة أخرى.
وتقول الناقدة خيرية البشلاوى: طوال السنوات الماضية وتحديدا فى المواسم الدرامية الرمضانية بدأ العنف يتسلل إلى الأعمال الدرامية، حتى أصبح أساسيا وسائدا فيها، وهنا لا أقصد الشجار العادى أو الاشتباك بالأيدى الذى كنا نتابعه فى الأفلام المصرية القديمة، وإنما هو العنف الممنهج والمنظم والموجه لضرب قيم وعادات المجتمع فى فترة من أصعب الفترات التى تمر بها البلاد، وفقا لأجندات وتوجهات محددة لخلق جيل بلا هوية أو انتماء بعد تجريف عقولهم، فما نشاهده هو أمر مخطط له ولم يأت مصادفة، وعلى سبيل المثال مسلسل طايع للفنان عمرو يوسف الذى يقدم أحداثاً ومفاهيم ليس لها أى وجود بمجتمعنا وفى الصعيد تحديدا، وهذا المسلسل ليس وحده هو الذى يحتوى على عنف متعمد وممنهج، وإنما أغلب الأعمال الدرامية التى تعرض حاليا، وأضافت: هذا الأمر لن يتوقف إلا عندما تقوم الدولة بمنع التمويل المغرض وعندما يصرخ الناس معلنين رفضهم لهذه الأعمال، بالإضافة إلى الأهم والأقوى وهو توقف الإعلام عن تقديم هؤلاء الفنانين للمجتمع فى صور الأبطال والرموز، وأن أغلب الأعمال الدرامية التى على هذه الشاكلة ما هى إلا لعب بالعقول من أجل نزع ثوابت قديمة لصالح أفكار خبيثة وخلق صورة ذهنية غير صحيحة عن المجتمع والصعيد.
وقالت: نحن فى اللجنة العليا للدراما نتابع عن كثب ما يجرى فى المسلسلات الدرامية منذ انطلاقها ونرصد أى تجاوزات فيها، وقريبا سيخرج بيان عن كل ذلك وستكون هناك إجراءات حازمة نحو هذا الأمر، وبصفتى عضوا بهذه اللجنة أؤكد بأن اللجنة العليا للدراما ليست رقيبا على أحد، وإنما تقوم بمتابعة المسلسلات وتقييمها وفقا لمعايير مجتمعية وفنية محايدة.
وقال الناقد طارق الشناوى: بالفعل هناك جرعة عنف زائدة فى الأعمال الدرامية التى تعرض حاليا وتحتاج إلى وقفة وتأمل، لكنها نابعة من الشارع المصرى الذى أصبح أكثر عنفا ويزداد يوما بعد يوم، فشارع الثمانينيات لم يعد موجودا إلا فى خيال البعض وعلى الدولة أن تكون مدركة لذلك، وقد استغل أغلب صناع الدراما هذا العنف وقاموا باستثماره تجاريا فى أعمالهم، لكن بنسبة أكبر بكثير مما هو موجود فى الواقع غير مبالين، بأن ذلك سيرفع من عنف الواقع عما هو عليه ويغير من قيم المجتمع، وأتصور أن ذلك لا يشغلهم بقدر ما يعنيهم نجاح أعمالهم جماهيريا، وأضاف: هناك أعمال درامية مثل مسلسل «كلبش» تقترب من محاكاة الواقع فهو يقدم صورة صغيرة للإرهاب وما يحدث فى سيناء، وبالتالى منطقية تقديم العنف فيه صحيحة تماما، ولذلك أرى أن أى محاولة لتقديم الشارع المصرى مستقرا وبلا عنف هو مخاصمة للواقع، وستكون غير مصدقة، مع مراعاة صناع الدراما فى اسثثمار العنف ليس تجاريا فقط، وإنما لخدمة المجتمع وإظهار الجانب الإيجابى منه.